قال مارتن غريفيثس وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، إنه سينهي مهام منصبه في ختام الشهر الجاري وهو يشعر "بعدم إنجاز العمل لأن العالم في وضع أسوأ الآن" مما كان عليه عندما تولى المنصب عام 2021، وشدد على أن هناك غيابا كبيرا للدبلوماسية السياسية وتفشيا للإفلات من العقاب.





جاء ذلك اليوم الثلاثاء خلال مؤتمره الصحفي الأخير في نيويورك بصفته الحالية، والذي قال خلاله غريفيثس إن نحو 300 مليون شخص حول العالم يحتاجون إلى المساعدات الإنسانية، إلا أن تمويل العمليات لمساعدة ما يزيد قليلا عن نصفهم لم يبلغ سوى حوالي 17 بالمائة فقط.

وأشار إلى أن بعض الأزمات لم تتلق حتى هذا القدر من التمويل، وأحد الأمثلة على ذلك خطة الاستجابة الإنسانية في سوريا الممولة بنسبة 6%، بينما تبلغ نسبة تمويل الخطة الإنسانية للسودان 15%.

وقال وكيل الأمين العام إن اهتمام العالم انحصر في الأزمات الكبيرة المتمثلة في غزة والسودان وأوكرانيا، في حين أن أماكن مثل سوريا واليمن وهايتي لا تزال تشهد معاناة كبيرة.

غياب الدبلوماسية
وأشار غريفيثس إلى التحول الأخير الذي شهده العالم حيث أصبحت الدبلوماسية الإنسانية في المقدمة. وقال إن صفقات مثل مبادرة البحر الأسود أثبتت أن "الأعداء يمكن أن يتفقوا على شيء من أجل الصالح العام"، لكنها أيضا تذكير "بغياب الدبلوماسية السياسية الكلاسيكية".

وضرب مثالا بالسودان حيث هناك "غياب للجهود الرامية إلى وقف النزاع"، مضيفا أن المنظمة تشعر بقلق بالغ إزاء الوضع في الفاشر. وقال: "لقد قرر رجلان بشكل أساسي أنهما سيحلان خلافهما من خلال القتال، وأنهما سيسقطان بلدهما"، في إشارة إلى قائدي القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع.

وقال منسق الإغاثة الطارئة إن الوضع الإنساني في البلاد مستمر في التدهور، حيث من المرجح تعرض حوالي خمسة ملايين سوداني لخطر المجاعة. وقال: "لا أعتقد أنه كان لدينا هذا العدد من الأشخاص المعرضين لخطر المجاعة أبدا. كان هذا صراعا يمكن تجنبه".

أطفال يحصلون على مياه نظيفة وآمنة من محطة أنشأتها اليونيسف في قرية السريف في دارفور.© UNICEF/Tariq Khalil أطفال يحصلون على مياه نظيفة وآمنة من محطة أنشأتها اليونيسف في قرية السريف في دارفور.
تفشي الإفلات من العقاب
وقال غريفيثس إن إفلات "الرجال من العقاب على استخدام السلاح لم يكن بهذه الدرجة من قبل". وأضاف أن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن حماية المدنيين كان جيدا، "لكن الله يعلم أنه عالم سيء". وقال للصحفيين إن ذلك يظهر جليا في الاستهداف المتعمد للمؤسسات الصحية في أماكن مختلفة، ومقتل أعداد هائلة من عمال الأونروا "والذين يواجهون الآن إمكانية تصنيف منظمتهم على أنها إرهابية".

وأعرب غريفيثس عن فخره بارتباطه بالعاملين في المجال الإنساني على الأرض الذين يقومون بعمل بطولي، إلا أنه شدد على أنهم "ليسوا المُخـّلصين. مـُخـّلصو هذا العالم هم الأشخاص الذين ينهون الحروب ويبنون السلام".

وقال إنه يجب على المجتمع الدولي أن يتبنى نهجا أكثر صرامة تجاه الإفلات من العقاب، وأضاف: "لا يمكننا أن نسمح باستمرار حدوث ذلك. لم يتم تحديد أي شخص مسؤول عن قتل عمال الإغاثة الإنسانية في غزة. لم يتم تحديد أي شخص مسؤول عن الهجمات على المرافق الصحية في غزة أو أوكرانيا أو السودان".

تخطيط مستحيل
وقال وكيل الأمين العام إنه من غير الممكن التخطيط لاستجابة إنسانية في غزة في ظل الظروف الحالية، وشدد على أن سكان غزة "لا يعيشون في الظروف الضرورية لعملية إنسانية".

وقال إن العاملين في المجال الإنساني ليست لديهم القدرة على تقديم الخدمات على نطاق واسع أو "حتى ليس على نطاق واسع في رفح والمنطقة الوسطى"، وأعرب عن أمله في أن يعطي اتفاق وقف إطلاق النار الذي طالما دعت إليه الأمم المتحدة الأولوية للعمليات الإنسانية واحتياجات العاملين الإنسانيين للقيام بواجباتهم، وذلك بالإضافة إلى إطلاق سراح الرهائن والأسرى.

وردا على سؤال حول الحد الأدنى الذي بموجبه تُضطر الأمم المتحدة إلى وقف عملها الإنساني في غزة، قال: "ما لا تفعله الوكالات الإنسانية هو الاستسلام. غالبا ما تتحدث عن البقاء والتسليم، ولكن في غزة البقاء والتسليم هو وعد أكثر من كونه حقيقة، لأنها قد تبقى، ولكن التسليم هو شيء أصبح شبه مستحيل".

تواجه العائلات في غزة حالة طوارئ صحية غير مسبوقة وسط الحرب.© UNRWA تواجه العائلات في غزة حالة طوارئ صحية غير مسبوقة وسط الحرب.
نهب غير مدان
وقال السيد غريفيثس إن نهب قافلة برنامج الأغذية العالمي يوم السبت كان محطة يجب الوقوف عندها، حيث لم يتم الاستيلاء على معظم البضائع فحسب، بل أيضا على حوالي نصف الشاحنات.

قال: "إن تزايد الإجرام في غزة هو نتيجة مباشرة للنزاع، ولحقيقة أن الأسر غير قادرة على الحصول على الأشياء التي تحتاجها لبقائها على قيد الحياة. ولذلك يلجأون إلى هذه الأساليب. أنا لا أدين ذلك، ولكننا نرصده".

وقال السيد غريفيثس إن مثل هذه الحوادث ستتوقف إذا غمرت المساعدات غزة "حتى لا يضطر الناس إلى اللجوء إلى الأعمال الإجرامية لإطعام أسرهم". وقال: "إن فقدان الأمل لدى أولئك الذين نزحوا بشكل متسلسل في غزة كان مشهدا فظيعا ووصمة عار على إنسانيتنا المشتركة".

وقال منسق الإغاثة في حالات الطوارئ إن العاملين في المجال الإنساني يحتاجون إلى طرق أكثر أمانا وإمكانية وصول أفضل ووضوح حول كيفية تأمين سلامتهم.

الإنسانية الأكثر استثنائية
وشدد السيد غريفيثس على أن الأماكن التي تشهد أسوأ المعاناة في العالم هي أيضا الأماكن التي تتجلى فيها "الإنسانية الأكثر استثنائية". وقال بالنسبة له فإن الإنسانية تحددها الرغبة في العطاء، وهذا لم يتغير.

وأضاف: "ما تغير هو القيادة التي فشلت في تطبيق الميثاق الأساسي بين القادة والشعوب. القادة لا يفعلون ما هو متوقع منهم. الناس في جميع أنحاء العالم - عبر الثقافات والقارات - لم يتغيروا. ما زلنا نتوقع الأفضل لأطفالنا، وما زلنا نعطي جيراننا على الرغم من أن لدينا القليل جدا، لذلك في الواقع هذا ليس عالما سيئا. إنه عالمنا".  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من العقاب فی غزة على أن

إقرأ أيضاً:

أسوأ كارثة تعدين في العالم!

إنجلترا – في 12 ديسمبر عام 1866، شهد منجم أوكس للفحم الواقع في بارنسلي بمقاطعة يوركشاير الإنجليزية، بالقرب من ستيرفوت، سلسلة انفجارات مروعة شكلت نقطة مظلمة في تاريخ التعدين البريطاني.

في الساعة الواحدة وعشرين دقيقة بعد الظهر، وقبل أقل من ساعة على انتهاء المناوبة، هز انفجار هائل أرجاء المنجم، لتبدأ واحدة من أفظع الكوارث التي عرفتها صناعة الفحم. لم يقتصر تأثير الانفجار على الأعماق المظلمة تحت الأرض، بل امتد ليهز المنطقة المحيطة على مساحة خمسة كيلومترات. بدت المنطقة كما لو أنها تعرضت لزلزال عنيف، فيما انبعث عمودان كثيفان من الدخان والحطام من فتحتي المنجم الرئيسيتين، معلنين للعالم الخارجي عن المصيبة التي حلت بالعمال المحتجزين تحت الأنقاض.

في العمود رقم واحد، تسبب الانفجار في إتلاف محرك اللف وكسر قفص المصعد وفصله عن الكابل الحديدي، بينما في الحفرة رقم اثنين، انفجر القفص واصطدم بغطاء الرأس ما أدى إلى كسر الوصلة تماما.

بعد قرابة خمس دقائق من الذعر، استؤنفت عمليات التهوية بشكل جزئي، وأعيد توجيه بعض الهواء النقي إلى الأنفاق المنخفضة في محاولة يائسة لإنقاذ من كان لا يزال على قيد الحياة.

ترجع جذور هذه الكارثة إلى مجموعة من العوامل المترابطة والمتعلقة بالإهمال وغياب معايير السلامة الأساسية. وقع الانفجار الأولي نتيجة اشتعال غاز الميثان الذي تراكم بسبب سوء التهوية ونقص فادح في الإجراءات الوقائية. كما أسهمت الظروف الجيولوجية المحلية في تفاقم المأساة، حيث اشتهرت طبقة فحم بارنسلي بميلها إلى الانفجارات المفاجئة للغاز، والذي كان يتراكم بكميات وفيرة بشكل خاص في الطرق غير المستوية وفي الأكوام.

زاد من حدة الوضع غياب تام لرقابة فعالة، حيث تغيب مفتشو الحكومة عن المنجم لعدة سنوات متتالية، ما سمح باستمرار ممارسات عمل خطرة.

يعتقد بعض الخبراء أن عمليات التفجير التي كانت تجري أثناء تطوير فتحة التهوية قد تكون هي الشرارة التي أطلقت العنان للكارثة، مسببة انفجارا أوليا لغاز الميثان وغبار الفحم، أدى بدوره إلى سلسلة انفجارات متتالية ودمر أقساما كبيرة من المنجم.

تحتل كارثة منجم أوكس موقعا مأساويا في سجل الحوادث البريطانية، حيث يُعد ثاني أخطر كارثة منجم في تاريخ المملكة المتحدة، بعد حادثة منجم سينغنيد في ويلز. أسفرت الانفجارات عن مقتل 361 شخصا، بينهم عمال مناجم وواحد من رجال الإنقاذ الذين بذلوا محاولات مستميتة للوصول إلى المحتجزين. هذا الرقم الهائل يجسد الثمن البشري الباهظ الذي دفعه عمال التعدين في سبيل الثورة الصناعية.

للأسف، لا تقتصر هذه المآسي على بريطانيا وحدها، فتاريخ التعدين العالمي حافل بحوادث مماثلة مفجعة. في عام 1942، وقعت أسوأ كارثة تعدين في التاريخ المسجل في منجم “بنكسيهو” للفحم بمقاطعة لياونينغ الصينية، حيث تسبب مزيج من غاز الميثان وغبار الفحم في انفجار هائل تحت الأرض، وحاصر آلاف العمال. اتخذت السلطات اليابانية التي كانت تحتل المنطقة آنذاك قرارا مروعا باحتواء الحريق عبر إغلاق نظام التهوية ومداخل المنجم، ما أدى إلى خنق حوالي 1549 عاملا. استغرق انتشال الجثث من الأعماق عشرة أيام كاملة، في مشهد يمثل فصلا مظلما من تاريخ الحرب العالمية الثانية.

تشمل القائمة السوداء للكوارث المماثلة حادثة منجم كلايدسديل في جنوب أفريقيا، التي وقعت في الأول من يناير عام 1960، حيث كان حوالي ألف عامل تحت الأرض عندما انهارت الأقسام الداخلية، ولم يتمكن الكثيرون من النجاة، ما أدى إلى مصرع 435 شخصا.

في أوروبا، لقي 319 عاملا حتفهم في حريق اندلع في منجم بريبرام للفحم في جمهورية التشيك في 31 مايو 1892، وأصبح بذلك أخطر حادث تعدين في تاريخ البلاد.

في العصر الحديث، تذكرنا كارثة منجم سوما في تركيا، التي وقعت في 13 مايو 2014، بأن المخاطر لم تنته. هناك أودى حريق في منجم فحم كبير في مقاطعة مانيسا بحياة 301 شخص وإصابة 80 آخرين.

لا يمكن أيضا نسيان كارثة منجم سيهام في إنجلترا، التي وقعت في 8 سبتمبر 1880، وأسفرت عن مقتل 164 شخصا، بينهم عمال على السطح وآخرون من فرق الإنقاذ، في انفجار طبقة فحم تحت الأرض في منجم هوتون.

تشكل هذه الأحداث مجتمعة سجلا مأساويا يسلط الضوء على المخاطر الجسيمة التي تلازم استخراج الفحم عبر القرون، ويكشف عن الثغرات في القوانين، والإهمال في التطبيق، والظروف الجيولوجية القاسية، والتكلفة الإنسانية الهائلة التي كانت تقف وراء إمدادات الطاقة التي غذت الثورة الصناعية والتقدم الحضاري.

تبقى ذكرى ضحايا منجم أوكس وغيرهم من عمال المناجم الذين لقوا حتفهم في الظلام نصبا خفيا في ضمير الإنسانية، وتذكيرا صارخا بأهمية وضع السلامة البشرية فوق أي اعتبار آخر.

المصدر: RT

 

مقالات مشابهة

  • أسوأ كارثة تعدين في العالم!
  • واشنطن تتهم رواندا بجر المنطقة للحرب بعد هجمات حركة إم 23 بشرق الكونغو
  • الإمارات تؤكد الالتزام بمواصلة العمل لمواجهة الاحتياجات الإنسانية المتزايدة
  • «أوتشا» لـ«الاتحاد»: الإمارات شريك أساسي في العمل الإنساني العالمي
  • الصفدي وغوتيريش يؤكدان دعم الأردن المستمر لوكالة “الأونروا” في مواجهة الأزمة الإنسانية في غزة
  • عاجل.. الأمم المتحدة تعتمد مشروع قرار يطالب إسرائيل بالسماح بالوصول الإنساني الكامل إلى غزة
  • المملكة تشارك في اجتماع المانحين لدعم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية بنيويورك
  • مركز الملك سلمان للإغاثة يُشارك في إطلاق صندوق الأمم المتحدة للسكان لتقرير العمل الإنساني لعام ٢٠٢٦م
  • الصليب الأحمر: المدنيون في السودان يواجهون واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية عالميًا
  • نتنياهو يستقوي بترامب.. تقرير بريطاني يحذر من مرحلة الإفلات من العقاب