قبل سنوات تزامنت زيارة أحد أخوتي مع حلول عيد الأضحى المبارك، فاستأذنني أحد الأصدقاء أن يقضّي اليوم الأول منه معه في منطقته الكائنة في (بوشر) ليرى طقوس العيد، قلت له: «اذهب، فهناك ستعيش أجواء لم يسبق لك أن عشتها»، فتحمّس لهذا الكلام، ومضى، وفي المساء عاد منبهرًا، بما شاهد، وقال: «صدق كلامك، فللعيد في عُمان نكهة خاصة تختلف عن أماكن أخرى عديدة زرتها».
لقد كنتُ واثقًا من أنّه سيخرج بهذا الانطباع؛ لأنني عرفتُ هذه النكهة واستسغتها، فالعيد في عُمان، مهرجان كامل يتضمّن فعاليات متعدّدة يشارك فيها الجميع صغارًا وكبارًا، وتشمل: رقصات شعبية وقرع طبول، ومسابقات في المبارزة والرمي، فلا يُختصر بصلاة العيد، وتبادل التهاني، والتزاور، بين الأهل والأصدقاء، وإقامة الولائم، والذهاب إلى أماكن الترفيه، كما هو معروف في الدول العربيّة والإسلامية، بل مناسبة دينية واجتماعية تستند إلى عادات وتقاليد متوارثة أبًا عن جد، لذا تسبقه استعدادات، وتحضيرات، بوقت مبكر، تبدأ مع (هبطات) العيد، وهي الأماكن المخصّصة لبيع الأضاحي من الأغنام والبقر، والجِمال، ويقبل الناس على شراء مستلزمات العيد، كأدوات الشواء، والخناجر التقليدية والعصيّ والمصار والكمي، والحلويات، خصوصا الحلوى العمانية، والبخور، وتشكّل هذه (الهبطات) مؤشرات لقدوم العيد، وتستعدّ الفرق الشعبية لأداء رقصات جماعية، ورزحات، وقرع الطبول، فتضفي على الأجواء بهجة، ويتمّ تجهيز مدفع العيد، لإطلاقه بعد صلاة العيد إيذانا ببدئه، وتستمر الفعاليات، حتى اليوم الثالث، إذ يطلق المدفع قذيفة إيذانا بانتهاء العيد.
يقول السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي في كتابه (مسيرتي مذكرات شاهد على عصرين): «قبل العيد يقوم بعض المختصّين بإعداد الطبول من أجل أن تقرع في احتفالات العيد حيث تقام الأهازيج في أيام العيد الثلاثة من بعد صلاة العصر إلى قبيل صلاة المغرب، ويكون تبادل الزيارات بين القرى المتجاورة أثناء هذه الاحتفالات وتسمى هذه الأهازيج بـ(الهبية)، أو (الرزحة) أو (المقاصب) أو (اللآل) حيث يتقابل صفان من الرجال يتبادلون الأهازيج والأشعار فينشد صف نشيدا، ويردُّ الصف المقابل بنشيد آخر جوابًا على نشيدهم ويستمر هذا الترديد حوالي ربع ساعة ثم ينتقل الصف الأول إلى نشيد آخر ويقابله الصفّ المقابل بنشيد جوابا له وهكذا دواليك، تتخلل هذه الأهازيج اللعب بالسيف أمام الصفّين، أما قارعا الطبول فينتقلان بين الصفين ويثيران حماس المنشدين والمتبارزين».
وتبدأ طقوس العيد بعد صلاة الفجر مع وجبة (العرسية) وهي خليط من الأرز واللحم، ومعها يوضع إناء به السمن، وآخر به خليط مطبوخ من الزبيب والتمر الهندي، ويكون الرجال قد ارتدوا الدشاديش الجديدة مع الخنجر والمصر، ليتجهوا إلى مصلّى العيد، وفي الطريق تسبقهم الأهازيج الشعبية وبعد انتهاء الصلاة، والخطبة، تُطلق الأعيرة النارية، ابتهاجا والأهازيج المصحوبة باللعب بالسيف وتبدأ المبارزات، وتكون الحلوى العمانية حاضرة، حيث تُوزّع على المحتفلين مع القهوة والتمر والفواكه، والبخور وعطور العود.
وأكثر المعيّدين سعادة هم الأطفال الذي يضعون الحناء على أكفّهم، ويخرجون بثيابهم الجديدة، للتوجّه إلى أماكن الألعاب والأراجيح وتنهال العيديّات عليهم، وهذه التفاصيل تذكّرنا بطفولتنا، ففيها مشتركات كثيرة.
كلّ هذا ونحن لم نتجاوز الحديث عن الساعات الأولى من العيد، ففي الأيام التالية طقوس أخرى وفعاليات مختلفة، تعطي للعيد معناه الحقيقي كونه فرحة كبرى ينتظرها المسلمون في كلّ عام.
وإذا كانت التطورات التي طرأت على المجتمع العماني، منذ حلول السبعينيات قد قنّنت هذه الطقوس، فاختفت المدافع، وحمل البنادق، فقد بقي الكثير من الطقوس التي يتمسّك بها العمانيون، على خلاف الكثير من المجتمعات الأخرى التي اكتسحها طوفان الحداثة، فجرف الكثير منها، ففقد العيد نكهته المحليّة الخاصّة، علما بأن أوروبا، وهي منبع تيّارات الحداثة، والتنوير، تحرص مجتمعاتها المحلية على إحياء أعياد وثنية تعود أصولها إلى ما قبل المسيحية، وبمرور مئات السنين، تحوّلت إلى طقوس متوارثة، واليوم يحتفي الأوربيّون بها من باب الحفاظ عليها، وفي زيارة قمت بها لمدينة «ماسترخت» الهولندية، قبل سنوات قليلة، شاهدت أشخاصًا يضعون على وجوههم أقنعة، ويرتدون أزياء مضحكة لحيوانات، ومخلوقات شرّيرة مستلّة من الأساطير اليونانية القديمة، وفي الشوارع تسير مواكب مؤلّفة من عربات تجرّها الخيول، تحملهم، وهم يغنّون ويرقصون، فيما ترتفع في السماء بالونات ملوّنة تجذب الأنظار، هذا المهرجان السنوي لا تقتصر إقامته على هولندا، بل يقام في أوروبا مع بداية موسم الربيع، فكيف يكون الحال معنا ونحن نحتفل مع مسلمي العالم بعيدٍ يُعدُّ هو مناسبة كبرى للمسلمين؟
الأجانب المقيمون يلمسون هذا الاختلاف، ويشاركوننا هذه الطقوس، ففيها تكمن روعته، كما يقول إيليا أبو ماضي:
يا شاعر الحسن هذي روعة العيد
فاستنجد الوحي واهتف بالأناشيد
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
857,258 عمانيًا يعملون في القطاعين العام والخاص حتى نهاية أبريل
سجّل إجمالي العاملين العمانيين في سلطنة عُمان 857,258 موظفًا عُمانيًا في القطاعين العام والخاص، حتى نهاية أبريل الماضي، مرتفعًا بنسبة 3.7% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2024م؛ منهم 386,226 موظفًا عُمانيًا في القطاع الحكومي، و402,918 موظفًا عُمانيًا في القطاع الخاص، و66,178 موظفًا في القطاع العائلي، و1,923 موظفًا في القطاع الأهلي، وفق الإحصائيات الصادرة من المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
وحسب المجموعات المهنية، أوضحت الإحصائيات أن أغلب العمانيين يعملون في المهن المكتبية بواقع 205,330 موظفًا، كما يعمل 138,500 موظف كاختصاصيين في المواضيع العلمية والفنية والإنسانية، و134,235 موظفًا يعملون كمديري الإدارة العامة والأعمال، فيما يعمل 89,410 من الموظفين كفنيين في المواضيع العلمية والفنية والإنسانية، و85,759 موظفًا في المهن الهندسية الأساسية والمساعدة.
وأوضحت الإحصائيات أن عدد العاملين في مهن الخدمات 85,326 موظفًا عُمانيًا، ويعمل 54,276 موظفًا في مهن الزراعة وتربية الحيوانات والطيور والصيد، فيما يعمل 31,100 موظف في مهن العمليات الصناعية والكيميائية والصناعات الغذائية، و16,400 موظف عُماني يعملون في مهن البيع.
وأكدت إحصائيات المركز أن أغلب العاملين العمانيين يتمركزون في محافظة مسقط بواقع 191,500 موظف، تلتها محافظة شمال الباطنة بواقع 162,200 موظف، ثم محافظة الداخلية بواقع 107,900 موظف عُماني، و105,300 موظف عُماني يعملون في محافظة جنوب الباطنة، فيما يعمل 76,500 موظف عُماني في محافظة ظفار، و65,800 موظف عُماني يعملون في محافظة جنوب الشرقية، و58,500 عُماني يعملون في محافظة شمال الشرقية، ويعمل 50,000 موظف في محافظة الظاهرة، ويعمل 19,100 موظف في محافظة البريمي، و10,600 موظف في محافظة مسندم، ويعمل 9,300 موظف عُماني في محافظة الوسطى.