لا يكفي استخدام أوصاف مثل "اليمين المتطرف" للفت الانتباه إلى طبيعة الخطر العنصري المتصاعد في أوروبا، والذي سيمتد أثره خارج حدودها. في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، حققت الأحزاب ذات الأيديولوجيات العنصرية نجاحًا كبيرًا، ليدقّ ذلك مجددًا نواقيس الخطر من تحوّل جذري في المشهد السياسي للقارة.

قبلها، حقق حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) مكاسب كبيرة في ألمانيا، حيث زادت أصواته بنسبة 14%، وحصل التجمع الوطني بقيادة مارين لوبان على ضعف أصوات الرئيس ماكرون في فرنسا، وفاز حزب إخوة إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني بالانتخابات في إيطاليا، وضاعف حزب الحرية النمساوي عدد نوابه.

كل هذه الأحزاب تتبنى خطابًا قوميًا متطرفًا ومعاديًا للمهاجرين والأقليات، مما يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الديمقراطية والتعددية في أوروبا.

عودة الموجة بعد هدوء مؤقت

شهدت القومية المتطرفة في أوروبا فترة هدوء نسبي خلال جائحة "كوفيد-19" والحرب في أوكرانيا، لكنها عادت للظهور بقوة في الآونة الأخيرة. وتشير الدراسات إلى أن هذه الظاهرة مدفوعة بعدة عوامل، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية، والمخاوف الأمنية، وتزايد الشعور بالقلق من الهجرة وتأثيرها على الهوية الثقافية.

على سبيل المثال، أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز "بيو" للأبحاث في عام 2023 أن نسبة كبيرة من الأوروبيين يعتقدون أن الهجرة تشكل تهديدًا لهويتهم الوطنية. وخلال السنوات الخمس القادمة، سيهيمن هذا الفكر العنصري على العديد من دول أوروبا. وهكذا، سيتحول أكبر هيكل متعدد الدول منذ نشأة الأمم المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية إلى شكل آخر.

تفكك الاتحاد الأوروبي.. خطر حقيقي

يشكل صعود الأحزاب القومية المتطرفة تهديدًا حقيقيًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي. فالعديد من هذه الأحزاب تعارض فكرة التكامل الأوروبي، وترغب في الانسحاب من الاتحاد أو تقليص صلاحياته. وقد رأينا على سبيل المثال، كيف تأسس حزب بريكست في المملكة المتحدة بقيادة نايجل فراج حاملًا شعار الخروج من الاتحاد الأوروبي، وحقق هذا الهدف في عام 2020، (تغير اسم الحزب لاحقًا إلى حزب الإصلاح البريطاني). وإذا استمرت الأحزاب القومية المتطرفة في تحقيق مكاسب في دول أخرى، فستتزايد الدعوات إلى تفكيك الاتحاد الأوروبي أو على الأقل إضعافه بشكل كبير.

في فرنسا، قرر ماكرون الدعوة لانتخابات مبكرة. التنافس لا يزال محتدمًا، ولكن التوقعات هي أن يفوز اليمين المتطرف بقيادة لوبان ويسيطر على الحكومة. ولوبان ليست نبتًا شيطانيًا، بل وليدة هيكل اجتماعي مضطرب مستمر في دعم صعودها. فماذا سيحدث إذا وصلت إلى السلطة؟

داخل الاتحاد الأوروبي، تواصل ألمانيا الدفاع عن الاتحاد بقوّة، لكن توليها وحدها هذه المهمة يجعل نجاحها شبه مستحيل، فالعديد من مواطني دول الاتحاد الأوروبي يعتقدون أن ألمانيا "تستغل" بلدانهم. كما أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان له تأثير كبير على الاتحاد، وأثار المخاوف من تزايد الرغبة في الخروج منه، وتأجيج مشاعر القومية المتطرفة في القارة وذلك حسب تقرير للإيكونوميست.

مستقبل مقلق للمسلمين والأقليات

المسلمون والأقليات الأخرى من الفئات الأكثر تضررًا من صعود اليمين المتطرف في أوروبا. فالأحزاب القومية المتطرفة غالبًا ما تستهدفهم بخطاب الكراهية والتمييز، وتدعو إلى تقييد حقوقهم وحتى طردهم من البلاد.

على سبيل المثال، شهدت فرنسا في السنوات الأخيرة سلسلة من الهجمات الإرهابية استهدفت المسلمين، بالإضافة إلى تصاعد الخطاب المعادي للإسلام من قبل بعض السياسيين والإعلاميين. وقد أظهرت دراسة أجراها مركز "بيو" للأبحاث ارتفاعًا ملحوظًا في مستويات العداء تجاه المسلمين والمهاجرين في السنوات الأخيرة في أوروبا، حيث أعرب 57% من الأوروبيين عن قلقهم من أن المهاجرين سيؤثرون سلبًا على الاقتصاد والثقافة المحلية.

وأبرز تقرير لمنظمة العفو الدولية تزايد التشريعات التمييزية والسياسات القمعيّة ضد المسلمين والمهاجرين في أوروبا، مع زيادة في حالات العنف العنصري والهجمات على المساجد والمراكز الثقافيّة الإسلامية. هذا الفهم العنصري ينظر إلى كل دين وعرق وثقافة مختلفة كـ "آخر" ويقصيه. هذا الفهم، الذي كان يظهر مع الأحزاب الصغيرة، تحول إلى أحزاب جماهيرية تصل إلى السلطة. لهذا السبب، ستسقط أوروبا في قبضة العنصرية وستواجه الكتل المسلمة مشاكل أكبر.

 

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاتحاد الأوروبی الیمین المتطرف فی أوروبا

إقرأ أيضاً:

الاتحاد الأوروبي يمهد الطريق لتسهيل قواعد السوائل في المطارات

أقرّ الاتحاد الأوروبي استخدام ماسحات ضوئية متطورة قادرة على رصد المتفجرات السائلة بدقة، في خطوة قد تمهد الطريق لرفع القيود المفروضة منذ سنوات على حمل السوائل داخل حقائب اليد، وفق ما صرّحت به متحدثة باسم المفوضية الأوروبية لوكالة أنباء عالمية.

وأوضحت المتحدثة أن أجهزة التصوير المقطعي المحوسب (CT) الجديدة، المشابهة لتلك المستخدمة في المجال الطبي، تستطيع تحديد التهديدات بشكل موثوق، ما قد يتيح نظرياً للركاب حمل زجاجات مياه أكبر. لكنها شددت على أن تبني التقنية يظل قراراً فردياً لكل مطار، متوقعةً أن يستغرق التنفيذ وقتاً أطول، خصوصاً في ألمانيا، بسبب قدم بعض المعدات والعقبات التقنية.

في مطار فرانكفورت، تم تجهيز 40 ممراً أمنياً من أصل 190 بالمعدات الحديثة، مع خطط لشراء 40 جهازاً إضافياً. ورغم ذلك، لا يزال المسافرون ملزمين بالحد الحالي البالغ 100 مليلتر للسائل الواحد داخل حقيبة اليد، إذ ليس من الواضح أي ماسح سيجري استخدامه لفحص الأمتعة، فيما تفتقر بعض الأجهزة الجديدة إلى البرامج المطلوبة.

أخبار ذات صلة بالصور.. 14 وجهة عالمية ساحرة «اليويفا» يغرّم سان جيرمان لـ«سوء السلوك»

وبموجب القواعد المعمول بها حالياً، لا يُسمح بحمل سوائل تزيد عن 100 مليلتر، ويتعين وضع جميع الحاويات في كيس بلاستيكي شفاف قابل للإغلاق بسعة لا تتجاوز لترًا واحدًا.

هذه الخطوة الأوروبية قد تمهد تدريجياً لإنهاء واحد من أكثر القيود صرامة في السفر الجوي منذ عقدين، لكنها ستعتمد على سرعة المطارات في تحديث بنيتها التحتية وتطبيق التكنولوجيا الجديدة.

المصدر: وكالات

مقالات مشابهة

  • دول الاتحاد الأوروبي تشهد حرائق هائلة خلال هذا الصيف
  • تصاعد العنصرية ضد المغاربة في إسبانيا.. وتحذيرات من استغلال اليمين لحادثة قتل مسن
  • جوزيب بوريل: قادة الاتحاد الأوروبي متواطئون مع إسرائيل
  • إيلون ماسك يدعو دول الاتحاد الأوروبي إلى تفكيك التكتل
  • 22 مليون يورو من الاتحاد الأوروبي لمستشفيات القدس
  • ما علاقة إيلون ماسك بصعود شخصيات اليمين المتشدد في أوروبا؟
  • الاتحاد الأوروبي يمهد الطريق لتسهيل قواعد السوائل في المطارات
  • علام اتفق ترامب مع الاتحاد الأوروبي؟ وهل خرج رابحا؟
  • الاتحاد الأوروبي: الوضع الإنساني في قطاع غزة لا يزال بالغ الخطورة
  • متوسط العمر المتوقع عند الولادة في تركيا أقل من متوسط الاتحاد الأوروبي