عربي21:
2025-06-15@12:23:42 GMT

الرجعية على المودة الباريسية

تاريخ النشر: 23rd, June 2024 GMT

لا شك أن الثقافة الوطنية لأي دولة هي جزء حيوي من هوية هذه الدولة، ولم تتعارض هذه الثقافة في أي وقت من الأوقات مع شريعة ما، أنزلها الله على رسله، لا سيما الإسلام الذي كان أكثر انفتاحا على العالم، ولما لا، وهو الدين الخاتم والمعني بهداية البشرية جمعاء، فأكد، سبحانه على ذلك في قوله: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"؛ قال المفسرون عن العُرف في الآية، هو كل قول أو فعل حسن لا يخالف الله ورسوله، ما يعني أن حماية وتعزيز تراث الدول لا يعارضه الإسلام طالما لا يخالف ثوابت الدين وشريعته.



هذه المقدمة لا بد منها، في إطار حديثنا هذا عن إصدار طاجيكستان حزمة من القوانين تحت مسمّى "حماية الثقافة الوطنية"، بهدف الحفاظ على التراث الثقافي والطابع الوطني للدولة، ومواجهة التحديات الثقافية الناجمة عن العولمة وتأثير الثقافات الأجنبية. ونحن هنا لا نختلف، ولا نتدخل في شأن دولة تريد أن تحافظ على هويتها الثقافية، ولا سيما في ظل حالة مسخ الهوية التي يحاول دعاة العولة فرضها على العالم، لكن خلافنا في تعريف هذه الهوية التي يريد إمام علي رحمان، الرئيس الحالي لطاجيكستان، الحفاظ عليه.

دخل الإسلام طاجكستان في القرن الثامن الميلادي مع الفتوحات الإسلامية، في زمن الدولة الأموية، وظلت طاجيكستان على دينها وهويتها الإسلامية، وتأثرت بشكل كبير بالثقافة الإسلامية، مما أدى إلى تطور الأدب والفنون والعلوم الإسلامية، ما شكل الثقافة والهوية لطاجيكستان، حتى أصبحت بخارى وسمرقند، اللتان كانتا جزءا من طاجيكستان، مراكز رئيسة للعلم والفكر الإسلامي. وازدهرت العلوم والفنون في عهد الدولة السامانية في القرنين التاسع والعاشر، التي تُعتبر من أعظم فترات الازدهار الثقافي للطاجيك.

في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، أصبحت طاجيكستان جزءا من الإمبراطورية الروسية، وبعد الثورة البلشفية عام 1917، أصبحت جزءا من الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1929 سميت الجمهورية الاشتراكية السوفيتية الطاجيكية، ضمن الاتحاد السوفييتي، وفي هذه الفترة شهدت التغييرات جذرية في البنية الاجتماعية والاقتصادية، إذ شهدت حالة من العلمنة القسرية فدُمِّرت كثير من المساجد والمؤسسات الدينية. وبعد وصول الرئيس الحالي علي رحمان، تعامل مع الدين الإسلامي والمتدينين بشكل معقد ومزدوج، فمن جهة، سعى لتعزيز الهوية الثقافية والدينية الطاجيكية، ظاهريا، بطرق محددة؛ ومن جهة أخرى، فرض قيود صارمة على الأنشطة الدينية بدعوى محاربة التطرف.

في عام 2021 خرج علينا الرئيس ماكرون بما يسمى قانون تعزيز المبادئ الجمهورية، وهدف ماكرون منه، على حد زعمه، إلى محاربة التطرف، من خلال مراقبة الجمعيات الدينية، وحظر التعليم المنزلي، وتشديد الرقابة على تمويل المؤسسات الدينية، ما فُسر، بحق، على أنه يستهدف الجاليات المسلمة، وهو ما ذهبت إلى الجماعات والمنظمات الحقوقية، مؤكدة أن هذه القوانين تعزز الإسلاموفوبيا وتزيد من التمييز ضد الجاليات المسلمة، ولن تحقق التعايش والاندماج المنشود من ماكرون، إذ كانت تداعيات القانون عكسية من خلال مطاردة المسلمات المحجبات ومنعهن من دخول المدارس والمؤسسات الحكومية، في حالة تميزية مقيتة تنسف المواطن والحرية التي دعت إليها الثورة الفرنسية وصدرتها للعالم.

أزمة أمتنا في الحقيقة، ومنذ ما يقارب المئة عام، هي الهوية، فبين الغرب الرأسمالي الغرب الشيوعي، كانت الهوية الإسلامية مستهدفة دوما سواء أيام الاستعمار، من خلال الاستعمار الثقافي بنشر اللغة والثقافة الغربية على حساب الهوية الثقافية والدينية، أو فرض القوانين التي تهدف إلى تنظيم حياة المسلمين على الطريقة الغربية وتهميش القوانين الإسلامية، ومن ثم حظر الممارسات الدينية، لمسخ الهوية
ألبس علي رحمان قانون "حماية الثقافة الوطنية" على المودة الفرنسية، فشاهدنا مقاطع مصورة لرجال يطاردون المحجبات في شوارع طاجيكستان المسلمة لفرض غرامات أو إجبار النساء على خلع الغطاء عن رؤوسهن، في مشهد تكرر قبل ما يقارب المئة عام في تركيا في عهد عصمت إينونو، ومن قبله، وأنور خوجة في ألبانيا، والحقبة السوفييتية مع الدول الإسلامية المنضوية تحتها قبل سقوطها، وتونس في عهد بورقيبة، وفي إيران الشاه، والصين حتى الآن.

إن هذا التفكير الرجعي في زمن الانفتاح على الثقافات أصبح مثارا للسخرية، مع تنامي الوعي بالحقوق الشخصية والثقافية، وهو ما يجد مبرره في الانتقادات الشديدة التي واجهها القانون من العديد من المنظمات الحقوقية الدولية، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، وكذا المنظمات الثقافية الدولية، حتى إنَّ بعض الدول الغربية والعربية دخلت على الخط، وأعربت عن قلقها من القانون وتداعياته، ولا شك فإن المؤسسات الدينية الإسلامية كانت في طليعة المعترضين على القانون وأهدافه.

أزمة أمتنا في الحقيقة، ومنذ ما يقارب المئة عام، هي الهوية، فبين الغرب الرأسمالي الغرب الشيوعي، كانت الهوية الإسلامية مستهدفة دوما سواء أيام الاستعمار، من خلال الاستعمار الثقافي بنشر اللغة والثقافة الغربية على حساب الهوية الثقافية والدينية، أو فرض القوانين التي تهدف إلى تنظيم حياة المسلمين على الطريقة الغربية وتهميش القوانين الإسلامية، ومن ثم حظر الممارسات الدينية، لمسخ الهوية، وتجريم بعض ثوابت الدين، لضمان عدم مناهضة الاستعمار، وتشويه صورة المتدينين والعاملين في الدعوة، وسار على نهجهم وكلاؤهم فدجنوا الدين، وسفهوا أهله، لتفقد الأمة في النهاية هويته، ويبحث علي رحمان عن هوية بلاده في الوثنية أو الشيوعية، أو أي شيء سوى الإسلام.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه طاجيكستان الهوية فرنسا الاسلام العلمانية طاجيكستان الهوية مقالات سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من خلال

إقرأ أيضاً:

إضاءات على زيارة المركز الثقافي الملكي

صراحة نيوز- مهنا نافع
ربما بشاشة الوجوه وثقافة الشخوص وعراقة المكان هم من أضفوا المزيد على جمالية اللقاء الذي تم مع معالي د. مصطفى الرواشدة وزير الثقافة وعطوفة الأمين العام د. نضال العياصرة وعطوفة د. سالم الدهام مدير الدراسات والنشر ومكتبة الأسرة، لقاء تميز بالحوار الهادئ والأقرب إلى الشامل لما يدور بأروقة وزارة الثقافة من حراك منتج للارتقاء بالمستوى العام للفعل الثقافي، وبكل رتابة ووضوح تم استعراض كامل مكونات الأجندات من برامج وفعاليات وأنشطة منوعة للمراكز الثقافية المنتشرة بجميع محافظات المملكة والحراك الريادي التي تقوم به، وعلى التوالي كانت مشاركات أعضاء ملتقى النخبة- elite التي تميزت بعمق ارتباطها بالشأن المحلي، وقد كان لكل عضو من المشاركين الوقت الوافي لطرح رؤيته وبالمقابل كان معاليه يتفاعل وبكل دقة مع كل ما يحيط بها من إيضاح أو تساؤل، وقد كان لكل من عطوفة الأمين العام وعطوفة مدير الدراسات تقديم لافت أفسح للمزيد من التوسع بآفاق الحوار.

بداية مشاركتي كانت عن أهمية وزارة الثقافة وكيفية انسجام العديد من أهدافها مع وزارتي الشباب والسياحة والآثار واجتهدت بطرح إقتراح لإيجاد منظومة خاصة ترسم خطوط عامة لهذه الوزارات الريادية، فالآثار والمتاحف هي جزء أساسي من الثقافة والشباب هم الهدف الأهم لها.

كما تطرقت لأهمية السردية الأردنية وأهمية ربطها بمحيطها العربي، وقدمت مثالا عن منطقة الحميمة الأثرية الواقعة شمال مدينة العقبة وارتباط سرديتها بمدينتي دمشق وبغداد.

أما عن العاصمة الغالية على قلوبنا عمان فمن خلال الإطلالة من نوافذ مكان اللقاء ذكرت أن كل ما نراه الآن من بنيان لم يكن موجودا من مدة وجيزة، وأننا كنا نقيم بالقرب من تلك المزارع والحقول التي اختفت نتيجة هذا التوسع العمراني، وذكرت ما يدور في وجداني من شوق لتلك القرية التي كان لها ذلك الانتقال السريع إلى حياة المدينة وكيف كتبت يوم مقالا بعنوان (أعيدوا لي قريتي عمان) لأعبر عن التغيير الذي حدث بطبيعة مجريات حياتنا وبالتالي أثر على كينونة ثقافتنا وثقافة أبنائنا، ومن هذا المدخل كان لي مطالبة واضحة باختزال الرسائل الثقافية الموجهة للمدينة كونها ستحقق الهدف الثقافي المنشود بفاعلية أكثر تتناسب مع إيقاع المدينة السريع.

وبالمحور الأخير من المشاركة كان لي بعض الومضات السريعة، الأولى كانت عن تعزيز ثقافة المواطن بالتعامل مع الأماكن العامة والثانية كانت عن إحترام ثقافة الاستقالة بسبب تحمل المسؤولية الأدبية والثالثة كانت عن تقبل ثقافة الاعتذار إن تطلب الأمر.

وأخيرا وقبل مغادرتك هذه الصفحة عزيزي القارئ إسمح لي أن أثقل عليك قليلا بإضافة هذه الفقرات من مقال لي كان بعنوان (لتراها جميلة)
نحب الوطن وقد نراه بمكان بقرية أو بمدينة ولكن ساكنيه هم من يجب أن نحب أكثر وإن كنا لترابه نحب ونعشق فإنسانه هو من أجدر بالعشق أكثر، فحب الأماكن لا يفصل أبدا عن محبة أهلها من قاطني المساكن.

ومهما أخذتنا المدينة بعيدا عن سيرتنا الأولى وإن حاولت أن تذيبنا بين متاهات أزقتها ستحن قلوبنا وبلمح البصر إلى أي كينونة تذكرنا بالماضي الجميل، لندرك المعنى الصحيح للأصالة والعراقة، نعم إنه التراث، تراث الصدق والجود، تراث النخوة والمحبة، تراث السماحة والطيب.

تراث ثري بكلمات كلها سمات خير لنتاج الخير من إرث للمواطن الإنسان، ذلك هو تراثنا ورثناه من أجدادنا وليس للمدينة أن تذيبنا بمتاهاتها، فحداثتها وجدت لخدمتنا، ولن تذيبنا أو حتى لفطرتنا تنسينا، ويا ليتنا نعود كما كنا مع رفاق الصبا فلو استطعنا أو حتى لو قليلا من ذلك اقتربنا، لن نرى الأيام إلا كسابق عهدها، جميلة كجمال طفلة بمهدها.

مقالات مشابهة

  • عاصفة الجمهورية الإسلامية
  • وزير الثقافة يشهد عرض سجن النسا .. صور
  • مجانا حتى 18 يونيو .. بدء عرض استدعاء ولي أمر بقصر ثقافة مغاغة
  • إضاءات على زيارة المركز الثقافي الملكي
  • تكريم مجد القصص تحت الأضواء بعد ٥٠ عامًا من المسرح
  • الهيمنة الثقافية وتفاهة الشر، لماذا لم تُقاوِم الخرطوم/المركز مذابح الهامش؟
  • «الهوية والجنسية» تستقبل حجاج داغستان العابرين في منفذ الغويفات
  • سلامة عرض وسفيرة النمسا تعزيزالتعاون في القطاعات الثقافية
  • اللجنة الشبابية بنادي الشباب تعلن نتائج مسابقة الإبداعات الثقافية
  • الحريات في سوريا اليوم و الالتزامات الدينية و الأخلاقية