من الثورة إلى الرعاية.. كيف غيرت 30 يونيو خريطة الحماية الاجتماعية في مصر؟
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
مثلت ثورة 30 يونيو 2013 لحظة فارقة في التاريخ المصري المعاصر، لم تقتصر آثارها على استعادة الاستقرار السياسي وإعادة بناء مؤسسات الدولة، بل امتدت آثارها الإيجابية إلى الملفات الاقتصادية والاجتماعية، وفي مقدمتها ملف الحماية الاجتماعية الذي بات أحد أهم أولويات الجمهورية الجديدة.
وفي هذا السياق ، حققت الدولة المصرية منذ عام 2014 إنجازات ملموسة في مجال الحماية الاجتماعية، تمثلت في توسيع نطاق الدعم النقدي، وتطوير برامج تمكين الفئات الأولى بالرعاية، وتحسين البنية التحتية للخدمات، والاعتماد على الرقمنة لضمان كفاءة التوزيع ووصول الدعم لمستحقيه.
-"تكافل وكرامة".. برنامج نوعي للدعم النقدي المشروط.
من أبرز التحولات بعد 30 يونيو، إطلاق وزارة التضامن الاجتماعي برنامج "تكافل وكرامة" في مارس 2015، كأداة مباشرة لدعم الأسر الفقيرة والمهمشة، حيث ارتفع عدد المستفيدين من نحو 1.7 مليون أسرة في بدايات البرنامج إلى أكثر من 5.2 مليون أسرة تضم 20 مليون مواطن، وذلك حتى مطلع يونيو الجاري، يتلقى 4.7 مليون أسرة منهم الدعم عن طريق وزارة التضامن الاجتماعي، بينما يتلقى 500 ألف أسرة الدعم عن طريق عدد من مؤسسات التحالف الوطني للعمل الأهلي.
خصصت الدولة في موازنة 2025 / 2026 نحو 54–55 مليار جنيه مخصصة لبرنامج "تكافل وكرامة" (بزيادة تتراوح بين 35% – 36% مقارنة بالعام السابق نحو 31.4 مليار جنيه)، وذلك لتلبية احتياجات الفئات المستهدفة والتي تشمل غير القادرين على الكسب من النساء الأرامل والمطلقات، كبار السن فوق 65 عامًا، ذوي الإعاقة، الأيتام، وأسر الأطفال في مراحل التعليم الأساسي.
وقد ساهم البرنامج في تحسين مؤشرات الفقر والتعليم والصحة بين المستفيدين، بحسب تقييمات محلية ودولية، من بينها تقارير البنك الدولي.
وكانت ثورة 30 يونيو بداية لقفزة غير مسبوقة في مخصصات الحماية الاجتماعية التي شهدت نموًا متسارعًا، حيث بلغت المخصصات في موازنة 2014 / 2015 نحو 100 مليار جنيه، بينما ارتفعت في موازنة 2024 / 2025 إلى نحو 529.7 مليار جنيه، أي بزيادة تتجاوز 429% خلال عشر سنوات فقط.
تغطي هذه المخصصات برامج الدعم التمويني، التأمينات الاجتماعية، الدعم النقدي، دعم الإسكان، الرعاية الصحية، إلى جانب المساعدات الاستثنائية وقت الأزمات، ويعكس هذا التوجه المالي إرادة سياسية واضحة في جعل العدالة الاجتماعية محورًا أساسيًا في عملية التنمية.
- ذوو الإعاقة في قلب السياسات الاجتماعية.
حظي أصحاب الهمم بمكانة متقدمة في أولويات الحماية الاجتماعية بعد 30 يونيو، حيث صدر قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، وهو أول قانون شامل من نوعه في مصر، كما تم إصدار أكثر من 1.5 مليون بطاقة خدمات متكاملة حتى منتصف 2025، وتشمل مزايا البطاقة: العلاج المجاني، الإعفاءات الجمركية، أولوية في الإسكان والتوظيف، ودمج تعليمي كامل.. وقد خصصت الدولة ميزانيات مستقلة لتهيئة البيئة التعليمية والوظيفية لاستيعاب الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن المجتمع بشكل كامل.
-استجابة سريعة في مواجهة الأزمات.
أثبتت الدولة المصرية قدرتها على التحرك السريع لدعم الفئات الضعيفة أثناء الأزمات الطارئة:
جائحة كورونا: تم صرف منحة استثنائية للعمالة غير المنتظمة بمقدار 500 جنيه شهريًا لمدة 6 أشهر، واستفاد منها أكثر من 1.6 مليون عامل.
أزمة التضخم العالميية 2022 / 2023 : أعلنت الحكومة عن مليارات الجنيهات كزيادات استثنائية للمستفيدين من "تكافل وكرامة"، إلى جانب رفع الحد الأدنى للأجور.
-معاشات التضامن.
كل ذلك تم بالتوازي مع إجراءات رقابية لمنع تسرب الدعم وضمان توجيهه إلى الفئات المستحقة.
- من الدعم إلى التمكين: برامج تنموية مستدامة
تجاوزت جهود الدولة المفهوم التقليدي للرعاية الاجتماعية القائم على الإعانة، واتجهت إلى سياسات التمكين الاقتصادي والاجتماعي، من خلال برامج مستدامة:
برنامج "فرصة": أنشأته وزارة التضامن حيث يعمل على تحويل الدعم إلى تمكين اقتصادي من خلال توفير تدريبات وفرص عمل لمستفيدي "تكافل وكرامة" القادرين على العمل. يهدف البرنامج إلى دمجهم في سوق العمل أو مساعدتهم في إقامة مشروعات صغيرة، بما يعزز استقلالهم الاقتصادي ويقلل الاعتماد على الدعم النقدي.
مبادرة "سكن كريم" : تعمل على تحسين المساكن والبنية الأساسية للأسر الفقيرة، خاصة في الريف، وقد استفادت منها أكثر من 250 ألف أسرة حتى الآن.
وتتكامل هذه البرامج مع مبادرة "حياة كريمة" التي تعد المشروع التنموي الأضخم في تاريخ مصر الحديث، وتستهدف تطوير 4584 قرية تخدم أكثر من 60% من سكان مصر، بتكلفة تقدر بـ 1.1 تريليون جنيه.
- الرقمنة والحوكمة.. دقة واستهداف عادل.
شهدت منظومة الحماية الاجتماعية تطورًا ملحوظًا على صعيد الرقمنة والحوكمة، حيث أنشأت وزارة التضامن الاجتماعي قاعدة بيانات موحدة تضم أكثر من 33 مليون مواطن من الأولى بالرعاية وترتبط بأكثر من 25 جهة وهيئة حكومية، والتي تسهم في تيسيير استخدام أدوات التحليل الإحصائي والتحقق الرقمي لتحديد الأسر المستحقة، وربط برامج الدعم بالرقم القومي، مما ساعد على تقليل ازدواجية الصرف وتحقيق الشفافية.
-مكافحة الإدمان.. رعاية وتأهيل وتمكين.
برز دور صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، برئاسة وزيرة التضامن الاجتماعي، كنموذج متكامل للحماية الاجتماعية، حيث يوفر العلاج المجاني والسرّي تمامًا عبر الخط الساخن 16023، ويقدّم خدماته من خلال 34 مركزًا علاجيًا موزّعة على 19 محافظة.
وخلال أول خمسة أشهر من عام 2025، تم تقديم الخدمات العلاجية لنحو 60,425 مريض، من بينهم 8,901 من سكان المناطق المطورة مثل الأسمرات والمحروسة. وتنوّعت هذه الخدمات بين العلاج الطبي، والدعم النفسي، والتأهيل، والمتابعة، بما يلبّي احتياجات المستفيدين وفقًا للمعايير المتعارف عليها دوليًا.
ولا تقتصر جهود الصندوق على العلاج فقط، بل تمتد لتشمل التدريب المهني وتوفير فرص العمل للمتعافين ضمن مبادرة "بداية جديدة"، التي ساهمت في تمكين آلاف الشباب، وجعلت من تجربة الصندوق نموذجًا ناجحًا لمواجهة أحد أبرز أسباب الفقر والتهميش.
- اهتمام دولي بالتجربة المصرية.
حظيت التجربة المصرية في مجال الحماية الاجتماعية باهتمام وإشادة عدد من المنظمات الدولية والدول الشريكة، حيث اعتُبرت نموذجًا جديرًا بالدراسة، وقد استقبلت وزارة التضامن الاجتماعي عدة وفود رفيعة المستوى من منظمات دولية مثل:
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، البنك الدولي، منظمة اليونيسف، الاتحاد الأوروبي، ومنظمة العمل الدولية (ILO)، كما زار وفد مشترك من البنك الدولي واليونيسف مقر وزارة التضامن في 2023، وأشاد بالمنظومة الرقمية، والربط بين الدعم النقدي والخدمات الصحية والتعليمية.. كما أُدرجت مصر ضمن "التحالف العالمي للحماية الاجتماعية الشاملة" الذي أطلقته منظمة العمل الدولية والبنك الدولي.
وتؤكد مؤشرات الأداء وبرامج الحماية الاجتماعية منذ 30 يونيو أن مصر تبني نموذجًا وطنيًا متكاملًا يقوم على الدمج بين الإغاثة والتنمية، والربط بين الدعم النقدي وسياسات التمكين الاقتصادي، مع ضمان عدالة التوزيع من خلال قواعد بيانات دقيقة وآليات رقمية متطورة.
ورغم التحديات الإقليمية والدولية، نجحت الدولة المصرية في وضع الإنسان – لا سيما الفئات الأولى بالرعاية – في قلب استراتيجيتها التنموية، بما يعزز الاستقرار المجتمعي ويؤسس لاقتصاد أكثر عدالة وتكافؤًا.
ومع استمرار هذا النهج، تمضي مصر بخطى ثابتة نحو مستقبل أكثر إنصافًا، عازمة على ألا تترك أحدًا خلف الركب، في وطن يتشارك فيه الجميع ثمار التنمية والعدالة الاجتماعية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: ثورة 30 يونيو استعادة الاستقرار السياسي مؤسسات الدولة ملف الحماية الاجتماعية الجمهورية الجديدة وزارة التضامن الاجتماعی الحمایة الاجتماعیة الدعم النقدی الاجتماعیة ا تکافل وکرامة ملیار جنیه أکثر من من خلال
إقرأ أيضاً:
مناقشة خدمات الحماية الاجتماعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة
ناقشت الجلسة الحوارية السادسة عشرة اليوم التي نظّمتها هيئة تنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خدمات الحماية الاجتماعية الموجهة لهذه المؤسسات.
وجاءت الجلسة بحضور سعادة حليمة بنت راشد الزرعية، رئيسة الهيئة، وبمشاركة عدد من المسؤولين من صندوق الحماية الاجتماعية، إلى جانب ممثلين من جهات حكومية وخاصة، وبمشاركة فاعلة من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
وهدفت الجلسة إلى تسليط الضوء على أهمية دمج المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في منظومة الحماية الاجتماعية، من خلال تقديم حلول مبتكرة تسهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية، وتشجيع الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز الوعي بالدور الاستراتيجي لهذه الخدمات في دعم الاقتصاد الوطني.
وشملت محاور النقاش التغطية التأمينية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، وآليات الاشتراك في صندوق الحماية الاجتماعية، والتسهيلات المتاحة لهذه الفئة من المؤسسات، بما يعزز من استقرارها واستدامة أنشطتها في السوق المحلي.
وتُعد هذه الجلسة جزءًا من سلسلة اللقاءات الحوارية التي تنفذها الهيئة للاستماع إلى التحديات التي تواجه رواد الأعمال، وتبادل الرؤى حول سبل تطوير السياسات والبرامج الداعمة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عُمان.
وكشفت الهيئة عن أحدث بياناتها حتى نهاية أبريل الماضي، حيث بلغ إجمالي عدد المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في سلطنة عمان 150,601 مؤسسة، منها 131,315 مؤسسة صغرى، و 18,222 مؤسسة صغيرة، و 1,064 مؤسسه متوسطة في حين بلغ عدد المؤسسات الحاصلة على بطاقة ريادة الأعمال 27,724 مؤسسة.
وتوزعت هذه المؤسسات على مختلف محافظات سلطنة عمان، حيث سجلت محافظة مسقط العدد الأكبر بـ 54,029
مؤسسة، تلتها محافظة شمال الباطنة بـ 22,023 مؤسسة، ومحافظة ظفار بـ18,369 مؤسسة، ومحافظة الداخلية بـ 14,259 مؤسسة.
كما سجلت محافظات جنوب الباطنة 10,340، وشمال الشرقية 10,138، ومحافظة الظاهرة 5,954 فيما سجلت البريمي، والوسطى، ومسندم نسبًا متفاوتة، حيث بلغت المؤسسات فيها على التوالي 3,333, 2,633, 929 مؤسسة.
تعكس هذه الأرقام الدور المتنامي للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دعم الاقتصاد الوطني، مما يستدعي الاستمرار في تطوير السياسات الداعمة وبناء بيئة أعمال محفّزة للنمو والاستدامة.