محاولة اسقاط فكرة الدولة والهوية
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
ان كان هناك بصيص أمل في ان نستعيد الدولة والهوية ، التي تفككت بسبب قوى الصراع، من مناطق وسلالات وقبائل ورايات (اعلام)، حتى جعلت من الوطن خرقة بالية يتنازعها الجميع، فجريمة اعتقال الشيخ الكازمي إمام وخطيب مسجد ساحة المنصورة، فجر يوم الخميس، بطريقة واسلوب المافيا( العصابات) لا توحي ان من امر باقتحام المسجد في وقت الصلاة الفجر رجل دولة، ولا القوة المقتحمة تمثل أمن الدولة.
الحقيقة ان الدولة اغتيلت بتشكيلات عسكرية لا تمثلها، ولا تواليها، بل تمثل من يدفع لها ومن شكلها بتشكيل مناطقي قبلي ومذهبي، أي تشكيل عسكر القبيلة والمذهب، وعسكرة القبيلة يأتي في اطار ضرب مفهوم الدولة المدنية التي ينشدها العامة من الناس، فالقبيلة مثخنة بالثأر، والمذهب مبتلى بالاختلاف، وعسكرتهما لغرض ترسيخ حالة الثأر الاجتماعي والسياسي الذي اتخذ من القبيلة وسيلة حسم معاركه القديمة مع الاخر، وهذا ما شهدناه في التصفيات الجسدية منذ الاستقلال حتى حرب 94م ، واتت حرب 2015م لترسخ الصراع العقائدي صراع المذاهب.
كل هذا من اجل اغتيال الدولة، بشواهد ان الشرعية التي كانت تحكم برئيس منتخب، صارت اليوم تحكم بثمانية رؤوس، تمثل القوى العسكرية المسيطرة على الاراضي، وهي الارضي الذي يتم اعدادها لتقسيم اليمن لكنتونات ضعيفة وهشة، بدون سلاح يحمي سيادتها، وبدون قرار وطني يعزز من مكانتها بين الدول، والهدف كنتونات مغتصبة، تديرها قوى مرتهنة للمغتصب، والهدف هي الارض البكر وما تحمله في باطنها من ثروة.
يمكن القول ان الحرب مع الحوثي انتهت، لتتحول لحرب في مواجهة فكرة الدولة اينما كانت، وفكرة وحدة الصف و وحدة الامة، هذه الحرب لا تحتاج لغير اعلام يروج للمزيد من الصراع المناطقي والمذهبي ، ليحول البلد لمناطق وهويات متناحرة، وهذا ما يحتاج لناشطين يعرفون من اين تؤكل كتف الوطن، والنتيجة انقسام مجتمعي حاد، وصراع بيني مدمر، انتج لنا لوبي من اللصوص والمنتفعين والفاسدين، ومجتمع مسحوق وناس محبطة، ومجتمع مدني مروّض، يتلقى الصفعة تلو الصفعة دون ان يوحد كلمته في مواجهة ما يحدث، ويشكل نخبة تؤمن بالوطن وحدته وسيادته، حتى صار الوطن يباع قطعة قطعه في سوق العمالة والارتزاق.
بدأ السقوط عندما سقطت راية الوطن، وكلا بدأ يبحث في الماضي عن بقايا راية منتهية الصلاحية ، وعندما سقط الوعي الوطني ليستبدل بالوعي المناطقي ، وثقافة الكراهية والعنصرية ، لتعرض الارض للبيع( خذوا الجنوب تبعكم ونبصم لكم بالعشر)، وعندما تم اقصاء كل مسؤول وطني رفض الانخراط في البيعة، ورفع راية السيادة، واستبدل بمسؤول تمرد على الدولة، وتماهى مع صفقة بيع الوطن، من تسليم الجزر وتعطيل المرتكزات الاقتصادية، وتشكيل تشكيلات عسكرية تتقاسم الارض وايرادات الدولة وتفرض الجبايات والاتاوات، ولا تعترف بمؤسسات الدولة ومصب ايراداتها البنك المركزي، حتى صار كل من تماهى مع المؤامرة مسؤولا تنفيذيا وسياسيا، يعيش واسرته خارج الوطن في نعيم الفساد والمال الحرام، والناس في الداخل تصارع الفقر والجوع والمرض، تصارع الحمى والظمأ.
عندما تحول السلاح من رمز لتحرير الارض، لأداة لاحتقار الدولة ، وحماية الاطماع والفاسدين والمرتزقة، عندما اصبح بعض رجال الامن مجرد كلب حراسة لكبار الناهبين وبياعي الارض والعرض.
بعد ان ضاقت الحياة بالناس وبلغت القلوب الحناجر، كان لابد لهم ان يتظاهروا رافضين لسياسة التجويع، والفشل المؤسسي وغياب الخدمات الضرورية، والمطالبة بحقوقهم المكفولة، وكان المتوقع ان تجد تلك التظاهرات صدى، والذي حدث انها قمعت، وتصدى لها رجال الامن والتشكيلات التي يفترض انها في خدمة الشعب ، مما يؤكد انها تشكيلات لا وطنية، وجدت من اجل ان تحمي الاطماع وادوات الارتزاق والتبعية، تحمي الفساد والناهبين للثروة وبياعي الارض، وتضرب بيد من حديد من يصرخ وجعا مما يحدث، وتدوس على الفقراء والجياع.
مع التأكيد ان ارادة الجماهير لا تقهر، وان بدأت التظاهرات صغيرة لكنها مؤثرة ستكبر وتكبر حتى تصير طوفان جارف، سيجرف كل هذا العبث وادواته المصطنعة، طوفان لن يستطيع ايقافه لا سلاح ولا طقم ولا مدرعة عسكرية، ولا ونان وهراوة، كلها ستسقط امام غضب الجماهير ، كما قال ابو قاسم الشابي
(إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر.. ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي • ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ)
فلن تنفع كل تلك المظاهر المسلحة والاقتحامات للبيوت والمساجد والاسواق، بل ستكون وابلا على اصحابها ،وسيكون النظام والقانون هو السائد، وكلا سيتحسس رقبته حينما يأتي الانصاف وان غدا لنظارة لقريب
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: إسقاط الدولة اليمن عدن
إقرأ أيضاً:
فكرة خارج الصندوق للباحثين عن عمل
إسماعيل بن شهاب البلوشي
لا يزال ملف الباحثين عن عمل أحد أهم الملفات الوطنية الحساسة التي تتطلب تفكيرًا عميقًا، لا يقتصر على الحلول التقليدية التي أثبتت محدوديتها؛ بل على مبادرات مبتكرة قد تبدو لأول وهلة غير مألوفة، لكنها قابلة للتطبيق إذا وُضعت في إطار مؤسسي رصين ومدروس.
ومن هذا المنطلق، أطرح اليوم فكرة قد تكون "خارج الصندوق"، لكنها في نظري تحمل قيمة كبيرة لو طُبقت بأسلوب منهجي وطني: ابتعاث 50 ألف شاب وشابة إلى دولة صناعية صديقة- مثل الصين- لبرنامج تدريبي صناعي وعملي لمدة عام كامل، على أن يعودوا بعدها لتأسيس مشاريع صناعية صغيرة ومتوسطة داخل السلطنة، مدعومة ومحمية ومُراقَبة من الدولة.
لماذا الصين؟ ولماذا الآن؟
الصين ليست مجرد دولة صناعية؛ إنها مدرسة عملية متقدمة في الإنتاج، والإدارة، وسلاسل التوريد، والعمل المتواصل. والأهم من ذلك أنها دولة صديقة للسلطنة ومُحبة للعمل المشترك، ولديها استعداد كبير للتعاون في مشاريع من هذا النوع، خاصة البرامج التي تدمج التدريب بالإنتاج الحقيقي.
إرسال 50 ألف باحث عن عمل ليس هجرة، وليس عملًا دونيًا، وليس تنازلًا عن الكرامة المهنية؛ بل هو استثمار وطني في المعرفة والخبرة. فالصناعة اليوم لا تُبنى في القاعات؛ بل تُبنى داخل المصانع، وبين خطوط الإنتاج، وبمشاركة مجتمعية واسعة.
هيكلة البرنامج المقترح تتضمن:
برنامج حكومي صناعي مشترك؛ حيث يتم توقيع اتفاقية رسمية بين حكومتي البلدين، تضمن حقوق المتدربين، وجودة التدريب، وسلامتهم، ومردودهم المالي. تقسيم المتدربين إلى مسارات تخصصية، مثل الصناعات الغذائية، والصناعات البلاستيكية، وقطع الغيار، والإلكترونيات، والطاقة المتجددة، والسياحة والخدمات المتقدمة، والتقنيات الجديدة (الذكاء الاصطناعي- الطباعة ثلاثية الأبعاد). تدريب إنتاجي؛ أي أن المتدرب يعمل ويتعلم في آن واحد، بحيث يُسهم في الإنتاج الحقيقي داخل المصنع، ويحصل على مردود مالي يغطي جزءًا من التكلفة. مساهمة الحكومة العُمانية، بحيث تتحمل نسبة من تكاليف السكن، والإشراف، والمتابعة، لضمان جودة البرنامج ونجاحه، بينما يعود المردود المالي للمتدرب لتغطية المصاريف الشخصية. الإشراف والمتابعة، يقوده فريق عُماني- وأنا شخصيًا يشرفني أن أكون أحد أعضائه دون مقابل- لضمان الانضباط، والتوجيه، ومراقبة الأداء، وتقديم التقارير الدورية.ما الذي سيحدث بعد عودتهم إلى عُمان؟
هنا بيت القصيد، وهنا الفكرة الجوهرية التي تجعل المشروع مختلفًا عن أي مشروع سابق؛ حيث إن عودتهم ليست للبحث عن وظيفة حكومية أو خاصة؛ بل يعودون لإنشاء مشاريع صناعية حقيقية في عُمان، وكل متدرب- أو مجموعة متدربين- يحصلون على دعم مالي مناسب كبداية، وأرض صناعية صغيرة، ومعدات إنتاج بسيطة كبداية، وامتياز صناعي مستورد من المصنع الذي تدربوا فيه، وبرنامج مراقبة وتقييم لمدة عامين، وإعفاءات ضريبية وجمركية في السنوات الأولى.
وبهذا تتحول التجربة من مجرد تدريب إلى ولادة 10000 أو 15000 مشروع صناعي صغير ومتوسط، تُدار بأيدٍ عُمانية مدربة ومتمكنة.
أما الفوائد الوطنية العاجلة والمتوسطة والبعيدة، فتتمثل في أولًا: معالجة قضية الباحثين عن عمل جذريًا، ليس بالتوظيف المؤقت؛ بل بالتمكين المهني والإنتاجي. وثانيًا: بناء طبقة صناعية عُمانية جديدة؛ طبقة منتجة، مدربة، تفهم خطوط الإنتاج، وقادرة على تحويل الفكر الصناعي إلى واقع. وثالثًا: تقليل الاعتماد على العمالة الوافدة، عبر تحويل العمالة الوطنية إلى عمود أساسي للإنتاج، وليس إلى مجرد وظائف مكتبية. ورابعًا: نقل المعرفة الصناعية مباشرة من المصدر، وليس عبر نظريات الكتب أو دورات قاعات. وخامسًا: خلق بيئة تنافسية جديدة داخل السوق المحلي؛ إذ ستولد عشرات الصناعات الجديدة، وتُخفض أسعار المنتجات، وتُرفع الجودة. وسادسًا: بناء علاقة استراتيجية أقوى بين عُمان والدول الصديقة، خصوصًا الصين، التي ترحب بمثل هذه المبادرات طويلة المدى.
كما أقترح خطوات إضافية لإنجاح الفكرة؛ منها: إنشاء "صندوق وطني للصناعة المستقبلية" يمول المشاريع التي سيؤسسها العائدون، وإلزام كل متدرب بتأسيس مشروع خلال 6 أشهر من العودة، ويوقع المتدربون على وثيقة توضح أن الحكومة ليست ملزمة بضمان أي نوع من العمل إنما يؤسِّس نفسه ويضع هذه الحسابات خلال مرحلة اعداده، وربط مشاريع العائدين مع المدن الاقتصادية والمناطق الحرة مثل الدقم وصحار والمزيونة. إلى جانب تحويل المصانع الصينية إلى شركاء في المشاريع العُمانية، من خلال نقل خطوط إنتاج مصغّرة إلى السلطنة، بالتوازي مع إطلاق برنامج إعلامي وطني مواكب للبرنامج لتغيير ثقافة المجتمع تجاه العمل الصناعي والإنتاجي. وإدخال التكنولوجيا الحديثة في المشاريع منذ اليوم الأول كالذكاء الاصطناعي، والروبوتات البسيطة، والطباعة ثلاثية الأبعاد.
إننا نحتاج مثل هذه الفكرة الجريئة لأن العالم يتغير بسرعة، والدول التي سيقودها شبابها لن تكون تلك التي تنتظر الوظائف؛ بل التي تخلق وظائفها بيدها، ولأن التحديات الحالية في سوق العمل لا تُحل بالأساليب القديمة؛ بل برؤى شجاعة تتجاوز حدود المألوف.
إن إرسال 50 ألف شاب وشابة إلى تجربة صناعية عملية في دولة صديقة، وعودتهم لتأسيس مشاريع صناعية جديدة، ليس حلمًا؛ بل مشروع واقعي قابل للتطبيق إذا أُدير بعقلية وطنية واعية، ولأنَّ حبنا لعُمان وخوفنا على مستقبلها يفرضان علينا أن نفكر بجرأة، وأن نعمل بثبات، وأن نفتح أبوابًا جديدة نحو اقتصاد وطني متنوع.
رابط مختصر