شمال سوريا.. حَر الصيف يفتك بالنازحين ويضاعف معاناتهم
تاريخ النشر: 24th, June 2024 GMT
إدلب– لم تستطع الحاجة الستينية فاطمة الحسين، التأقلم على الحياة في الخيمة القماشية رغم السكن بها منذ 5 سنوات ببردها القارس وحرها الشديد، وما زاد عليها الطين بلة تجفيف الدعم عن مخيمات النزوح في شمال غرب سوريا من قبل الأمم المتحدة.
وفي لقائها مع الجزيرة نت، بدأت حديثها قائلة "العيشة بها موت أحمر.. ساعات الليل الحر شديد، وفي النهار الحر أشد، وإذا أردنا تبريد أنفسنا، فالماء المتوفر ساخن جدا".
وتسكن الحسين هذه الخيمة مع عائلتها المكونة من 9 أشخاص، بعد أن فقدت ولدها الأكبر بقصف لقوات النظام قبل النزوح من ريف معرة النعمان بريف إدلب الشرقي، ولم تستطع حتى الآن أن تتخلص من الخيمة التي لا تقيهم البرد القارس ولا الحر الشديد.
وتتأمل الحسين في العودة إلى ديارها التي هُجرت منها، وأن تتخلص من عيشة المخيم. وتضيف أن أكثر ما تعاني منه اليوم هو تأمين الماء بعد توقف الدعم عن مخيمهم، وهي بحاجة لشراء ألف لتر من الماء في كل 24 ساعة، في حين يصل سعرها إلى 70 ليرة تركية، أي ما يقارب 2 دولار أميركي.
يقول ساجر العبو، مدير مخيم "أبو حبة" إنه يتكون من 250 عائلة أي ما يقارب 1500 نسمة، بينهم 30 شخصا من ذوي الاحتياجات الخاصة، وجميع هذه العوائل هُجّرت من ريف إدلب الشرقي وحلب وحماة، وفقدت كل ما تملك وباتت أحوالها المادية ضيقة جدا، وزاد من ذلك قطع الدعم عن مخيمهم منذ بداية عام 2024.
وأضاف أن أكثر ما يعاني منه السكان في المخيمات في ظل موجة الحر الشديد هو تأمين الماء الذي تزيد الحاجة إليه، وخاصة للاغتسال وتبريد الأطفال وكبار السن الذين يُصابون بضربات الشمس أو الحمى والإسهال.
وناشد العبو المنظمات الدولية والإقليمية الإنسانية والجمعيات الخيرية لتوجيه الدعم لمخيمات النزوح في الشمال السوري التي يقطنها نحو مليوني نسمة بعد توقف وتجفيف دعم توفير المياه والخبز والسلات الإغاثية عن مخيمه بشكل كامل منذ بداية 2024.
الحاجة غزالة نزحت من منزلها قسرا منذ 6 سنوات لتعيش في خيمة أصبحت مهترئة وتزيد من الحر عليها وعلى عائلتها.
وتصف موجة الحر هذه بالأليمة ولم يمر مثلها من قبل، حيث تزيد أقمشة الخيم المصنوعة من النايلون أو البطانيات من حرارة الجو أيضا. وتضيف "أكثر ما نستطيع فعله رش المياه على ثيابنا وعلى أجساد الأطفال للتقليل من لهيب الشمس، ورغم ذلك أطفالنا أصابتهم ضربات الشمس والحمى".
أما طلال المحيميد، المهجّر من ريف حماة، فيعتقد أيضا أن موجة الحر الحالية غير مسبوقة، و"إذا كان قياس درجة الحرارة 40، فهذا ينطبق على الأبنية السكنية وليس على الخيام المصنوعة من النايلون لأن الحرارة تصبح بداخلها 60 درجة مئوية".
ويزيد من هذه الحرارة داخل الخيم، يقول المحيميد، عدم وجود مراوح تلطف الجو قليلا بالإضافة إلى سعر الماء المرتفع، في ظل عدم وجود فرص عمل وتجفيف الدعم، "لذلك لا نستطيع شراء المزيد من المياه لرش الخيمة وتبريدها قليلا".
وأضاف أن هذه الحرارة تزيد من معاناة الأطفال وكبار السن ولا سيما الذين يعانون من الأمراض المزمنة مثل الضغط والسكري، وكذلك الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ويعتبر السوري محمد الجاسم، نفسه أوفر حظا قليلا، لأن خيمته يجاورها بعض أشجار الزيتون التي يهرب إلى ظلها مع أفراد أسرته علّه يخفف قليلا من تأثير موجة الحر. ويحاول الجاسم أن يلطف الجو قليلا على أطفاله بصب الماء على رؤوسهم.
وأشار إلى أن صعوبة موجة الحر هذه يزيد منها عدم وجود وسائل تخفف من درجات الحرارة مثل ألواح الطاقة لتشغيل المراوح، موضحا أيضا أن الماء يصل سعر الألف لتر منه إلى 3 دولارات، بسبب بُعد منطقة المخيم عن المناطق السكنية بالإضافة لوقوعه بمنطقة صخرية وعرة تزيد تكلفة نقله.
بدورها، تحدثت المعمرة عواش المحيميد، البالغة من العمر 100 عام، وهي والدة محمد الجاسم، عن صعوبة موجة الحر التي لم تستطع التأقلم معها، وتريد العودة إلى منزلها الذي بنته بيدها وعاشت به، ولكن قوات النظام هجرتها منه قسرا.
وتقول للجزيرة نت إن كل ما تتمناه هو الهروب من هذه الخيمة، التي تصفها بكُتلة من الجمر مشتعلة في قلبها، والعودة إلى منزلها لتموت بين جدرانه.
وتتكرر معاناة السورين في خيام النزوح في كل عام مرتين، الأولى في فصل الشتاء حيث يعصف بهم البرد داخل الخيام بظل العجز عن تأمين التدفئة اللازمة لهم ولأطفالهم، والثانية في فصل الصيف حيث الحر الشديد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات موجة الحر أکثر ما
إقرأ أيضاً:
كيف تكافح أكثر مدن أوروبا سخونة موجات الحر وتستعد لاستقبال ملايين السياح؟
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- لطالما اعتُبِر تسلق قمة "أكروبوليس أثينا" إنجازًا يتطلّب الشجاعة. ولعلّه أصبح أكثر صعوبة ممّا كان عليه الحال خلال فصول الصيف الأخيرة، عندما شهدت المدينة موجات حرّ طويلة وخطيرة.
خلال العامين الماضيين، وخلال ذروة موسم السياحة، أجبرت الحرارة الشديدة السلطات مرارًا وتكرارًا على إغلاق أكثر المواقع زيارةً في اليونان خلال ساعات النهار الأكثر حرارةً لحماية الزوار والموظفين من درجات حرارة تتجاوز 40 درجة مئوية.
ولا يقتصر الأمر على الـ"أكروبوليس".
لطالما كانت أثينا شديدة الحرارة صيفًا، ولكن لم تصل درجات الحرارة إلى هذا المستوى من قبل.
رغم أنّها العاصمة الأكثر سخونة في أوروبا القارية، إلا أنّها شهدت ارتفاعات قياسية بدرجات الحرارة في عام 2024.
يشهد البحر الأبيض المتوسط بأسره ارتفاعًا في درجات الحرارة بوتيرة أسرع من المتوسط العالمي.
وأثار هذا الوضع تساؤلاتٍ كبيرة حول اليونان وعلاقتها بالزوار الذين ساعدت قدرتهم الشرائية البلاد على تجاوز الأزمات خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة.
تعني زيادة السياحة ارتفاع الضغط على موارد المياه الشحيحة والبنية التحتية، كما أنّها تعني التضخم، بشكلٍ يدفع السكان المحليين إلى الخارج لصالح الوافدين الأثرياء.
ورأى عمدة أثينا، هاريس دوكاس، أنّ "بناء القدرة على الصمود مسألة بقاء".
وقد أصبح التعامل مع درجات الحرارة المرتفعة، إلى جانب زيادة أعداد السياح في الصيف، بمثابة أولوية كبيرة.
خزان حراري حضريعلى المدى القصير، يعني ذلك وضع أنظمة إنذار مبكر لموجات الحر، ومراقبة بيانات درجات الحرارة في الوقت الفعلي، إلى جانب إضافة نوافير الماء، ومراكز تبريد مكيفة، وحدائق صغيرة مظللة لتوفير الراحة.
قالت إيريس بلايتاكيس، وهي مرشدة سياحية تزور الـ"أكروبوليس" بانتظام: "غالبًا ما يستهين السياح بالحرارة، وخاصة القادمين من مناطق تتمتع بمناخٍ بارد".
تُعتبر الحرارة الشديدة خطيرة للغاية، إذ أوضحت خبيرة التكيف الحضري في الوكالة الأوروبية للبيئة، إين فانديكاستيل أن "موجات الحر مسؤولة عن أكثر من 80% من الوفيات الناجمة عن ظواهر الطقس والمناخ في أوروبا".
لكن على المدى البعيد، تواجه أثينا تحديًا يتمثَّل في إعادة تشكيل مدينة تحوّلت إلى خزان حراري خرساني بمساحات خضراء محدودة.
في عام 2021، أصبحت أثينا أول مدينة أوروبية تُعيّن "مسؤولاً عن الحرارة" مُخصصًا لتعزيز وتنسيق استراتيجيات التكيف.
وأكّد دوكاس: "خلال أكثر من عام بقليل، زرعنا 7 آلاف شجرة، وهو أمر صعب في مدينة مكتظة بالسكان. نريد أن يصل هذا العدد إلى 28 ألف شجرة خلال أربع سنوات. كما نعمل على إنشاء ممرات خضراء".
إزالة الخرسانةلا تشبه أثينا الحديثة الموقع الساحر الذي اختاره البشر للاستقرار منذ آلاف السنين. آنذاك، تميزت المنطقة بقربها من الجبال، والبحر، ومناخها المعتدل، ومواردها الخضراء الوفيرة، وأنهارها المتدفقة، وهي المجاري المائية ذاتها التي غُمِرت بالخرسانة خلال فترة التوسع الحضري السريع في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لبناء الطرق السريعة.
لَفَت الأستاذ المشارك في تخطيط المدن بالجامعة التقنية في فالنسيا بإسبانيا، خوانخو غالان، إلى ضرورة إزالة الخرسانة، موضحًا: "سيتعين على أثينا إزالة بعض الخرسانة، والاستثمار في البُنى التحتية الخضراء، والمواد التي تمتص الحرارة. سيستغرق الأمر بعض الوقت، ولكنه ممكن".
تطوير الساحلغالبًا ما يتوجّه سكان أثينا خارج المدينة عند الرغبة في الشعور بالانتعاش. والآن تتبع مدينتهم النهج ذاته، مع توسعها على طول الواجهة البحرية، وتجديدها لمنطقة أُطلق عليها مؤخرًا اسم "ريفييرا أثينا".
يمتد الساحل جنوبًا على بُعد 50 كيلومترًا من ميناء "بيريوس" الرئيسي، ويضم شواطئ مُنظّمة ومطاعم راقية وفنادق ومنتجعات من فئة خمس نجوم.
يُعتبر أيضًا المكان الذي يشهد أكبر تحوّل حضري أخضر على الإطلاق بالبلاد في مطار "إلينيكون" الخارج عن الخدمة والمُغلق.
في قلب المشروع، تقع حديقة "إلينيكون متروبوليتان"، ومن المتوقع أنّها ستصبح أكبر منطقة خضراء في أثينا وواحدة من أكبر الحدائق الساحلية في العالم.
حرائق ومخاوف