The Spectator: احتمالات الحرب بين حزب الله وإسرائيل حقيقية.. ليس أمامنا سوى الانتظار
تاريخ النشر: 1st, July 2024 GMT
ذكرت صحيفة "The Spectator" البريطانية أن "السكان في إسرائيل حالياً يتخوفون من تصعيد محتمل في الشمال. في غضون ذلك، دعت كل من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وإيرلندا وروسيا وهولندا مواطنيها في لبنان إلى مغادرة البلاد. وتقوم السفارات الغربية في لبنان باستكشاف المنطقة الساحلية لتحديد النقاط المحتملة التي يمكن من خلالها تنفيذ عملية الإخلاء عن طريق البحر.
وقالت وزارة الخارجية الألمانية، في رسالة على موقعها الإلكتروني:"إن المزيد من التصعيد يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تعليق كامل للحركة الجوية من مطار رفيق الحريري، وبالتالي، لن يكون من الممكن مغادرة لبنان جواً بعد ذلك"."
وبحسب الصحيفة، "وصلت السفينة الهجومية البرمائية USS Wasp عبر مضيق جبل طارق إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. إن هذه السفينة لديها القدرة على تنفيذ عمليات إجلاء المدنيين، ولكن السبب وراء وجودها، وفقاً لمسؤول أميركي نقلاً عن مجلة "نيوزويك"، هو "الردع"، بمعني آخر دفع حزب الله وأسياده الإيرانيين إلى التفكير بعناية قبل تصعيد نمط هجماتهم الحالي. وليس من الواضح ما هو الدور الذي ستلعبه إذا تحولت الأعمال العدائية إلى حرب شاملة".
وتابعت الصحيفة، "إن احتمالات الحرب بين حزب الله وإسرائيل أصبحت الآن ملموسة وحقيقية. ومنذ 8 تشرين الأول، يقوم حزب الله بإطلاق الصواريخ والقذائف والذخائر المضادة للدبابات يوميًا ضد التجمعات السكانية الواقعة على الحدود الشمالية لإسرائيل. وردت إسرائيل بتدمير أهداف حزب الله وبنيته التحتية. وفي أغلب الأحيان، يبدو أن كلا الجانبين يسعيان إلى احتواء المواجهة في منطقة ضيقة نسبيًا من الأراضي التي تقسمها الحدود. وفي الوقت الحاضر، هناك هدوء طفيف في حدة الهجمات في أعقاب القصف الكبير الذي شنه حزب الله بعد أن قامت إسرائيل باغتيال طالب عبد الله، أحد كبار قادة حزب الله في الجنوب، في 12 حزيران. وبطبيعة الحال، لم يتم حل أي شيء، والحرب الكلامية تتسع وتشتد".
وأضافت الصحيفة، "من جانبها، قالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، الجمعة، في منشور على منصة "إكس"، إنه إذا شرعت إسرائيل في "عدوان عسكري شامل" على لبنان "فسوف تندلع حرب إبادة". وأضافت أنه في مثل هذه الحالة فإن "كل الخيارات بما في ذلك المشاركة الكاملة لمحور المقاومة ستكون مطروحة على الطاولة". وبطبيعة الحال، فإن "محور المقاومة" الإيراني منخرط بالفعل في كل أنحاء المنطقة لدعم "حماس"، المجموعة التابعة له في غزة. ويواصل أنصار الله - الحوثيون في اليمن حملتهم ضد الملاحة في خليج عدن، الممر المائي للبحر الأحمر".
وبحسب الصحيفة، "انخفض حجم الشحن على طول هذا الطريق التجاري الحيوي بنسبة 90 في المائة منذ بدء الهجمات في تشرين الثاني. وأعلنت المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن إطلاق طائرة من دون طيار على مدينة إيلات في جنوب إسرائيل يوم الأربعاء. ولكن في حين أن إيران قامت جزئياً بحشد مجموعاتها في كل أنحاء المنطقة ضد أهداف إسرائيلية وغربية، فمن الواضح أن طهران لا تسعى في هذه المرحلة إلى مواجهة شاملة مع أعدائها.ويصف قادة حزب الله الحملة التي بدأها بأنها تشكل "جبهة دعم" لحماس ضد إسرائيل في غزة. وقد أوقفت المجموعات الشيعية العراقية في الوقت الحالي إلى حد كبير هجماتها على الأهداف الأميركية في العراق وسوريا، ولا يزال استهدافهم الدوري لإسرائيل في الوقت الحالي ذا طابع رمزي إلى حد كبير".
وتابعت الصحيفة، "ترغب إيران في تجنب وصول الأمور إلى ذروتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، وذلك لأن استراتيجيتها المتمثلة في السيطرة البطيئة على المنطقة سارت على نحو جيد للغاية على مدى السنوات العشرين الماضية، إلى جانب مسيرتها الثابتة نحو اكتساب القدرة النووية، إذاً، لا يمكن أن يُنظر إلى طهران على أنها "خانت" عميلها الأصغر في حماس في غزة. ومن ناحية أخرى، لا يرى قادة إيران أي منطق في التضحية بفرسانهم وقلاعهم من أجل الاحتفاظ ببيدق في المنطقة".
وأضافت الصحيفة، "إن المعضلة التي تواجه القيادة الإسرائيلية والأميركية في الوقت الحاضر هي ما إذا كان ينبغي السماح لطهران بالمشاركة في حملة عدوانية على مستوى المنطقة، والقرار الإسرائيلي في هذا الشأن سيحدد ما إذا كانت الفترة الحالية ستنتهي بتصعيد سريع وعنيف، أو في استمرار نمط الصمود وما يتبعه من انخفاض تدريجي في التوترات. أما المسار الأخير، في مايتعلق بفقدان الردع والتنازل عن المبادرة، فلن يكون بلا تكلفة، وليس أمامنا سوى الانتظار". المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: حزب الله فی الوقت
إقرأ أيضاً:
أضواء على حرب الإسناد.. حين سقطت لعنة حزيران 1967 على حزب الله اللبناني
يمكن للأحداث التاريخية أن تتكرر أكثر من مرتين ـ مأساة ومسخرة كما قال ماركس ـ في صيغة واحدة أو في أكثر من صيغة. هذا ما يمكن استنتاجه من هزيمة حزيران ـ يونيو عام 1967 في مصر وخسارة حزب الله لحرب غزة في لبنان في العامين 2023 ـ 2024. في الحالتين وقعت مأساة وفي الحالتين كانت فظيعة.
أعبر من هذا المدخل لتوجيه الأضواء نحو مشاركة حزب الله في هذه الحرب التي لم تتم فصولا بعد. هذه المشاركة تشبه إلى حد بعيد تجربة مصر في حرب الأيام الستة.
دخلت مصر حرب حزيران عام 1967 بقيادة جمال عبد الناصر الزعيم الكاريسماتي الذي كانت تدور حول خطبه الحركة السياسية في مصر وفي العالم العربي. وفي لبنان دخل حزب الله حرب غزة بقيادة السيد حسن نصر الله، الزعيم الكاريزماتي الذي قال عنه نتنياهو، إنه قائد محور الممانعة وليس الحزب اللبناني حصرا. وكانت خطبه تلهب شوارع بلدان المحور وشوارع خصومه.
في حرب العام 1967 دمرت إسرائيل بضربة مفاجئة قواعد الطيران الحربي المصري، واحتلت شبه جزيرة سيناء خلال ستة أيام. وفي لبنان تمكنت إسرائيل من تفجير أجهزة البيجر للتواصل اللاسلكي فقتلت وجرحت وعطلت آلاف المقاتلين والإداريين والحزبيين، ثم قتلت قيادة أركان الحزب وصولا إلى أمينه العام واحتلت مرتفعات استراتيجية تشرف على جنوب لبنان.
في حرب حزيران ـ يونيو 67 كانت إسرائيل قد اخترقت أجهزة الأمن المصرية، وصارت على علم بكل قرارات القيادة العسكرية وخططها وقدراتها، تساعدها أجهزة غربية وربما عربية. وفي لبنان تمكنت إسرائيل من فك كل شيفرات حزب الله ولاحقت وتلاحق قياداته وعناصره بمعرفة وبدقة تثير الحيرة، تساعدها أجهزة غربية وعربية.
في حرب العام 1967 دمرت إسرائيل بضربة مفاجئة قواعد الطيران الحربي المصري، واحتلت شبه جزيرة سيناء خلال ستة أيام. وفي لبنان تمكنت إسرائيل من تفجير أجهزة البيجر للتواصل اللاسلكي فقتلت وجرحت وعطلت آلاف المقاتلين والإداريين والحزبيين، ثم قتلت قيادة أركان الحزب وصولا إلى أمينه العام واحتلت مرتفعات استراتيجية تشرف على جنوب لبنان.حافة الهاوية
في حرب حزيران ـ يونيو 67 لعبت مصر لعبة الحرب على حافة الهاوية وكأنها تنتظر الضربة الأولى من تل أبيب، فكان أن اتخذت إسرائيل زمام المبادرة وحسمت الحرب في الوقت الملائم وبكلفة ضئيلة. وفي لبنان لعب حزب الله حرب الإسناد على حافة الهاوية الأمر الذي منح إسرائيل هامشا واسعا للمناورة بحيث تنتقل من غزة المدمرة الى لبنان لتدمره من دون أن يغير الحزب خططه وتكتيكاته او من دون ان تكون لديه القدرة على تغيير استراتيجيته.
في حرب حزيران ـ يونيو عام 1967 خرجت مصر من الحرب بقرار مهين لوقف النار تحت الحماية السوفييتية، بعد أن فقدت شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة. وفي لبنان خرج حزب الله من الحرب بقرار 1701 الأممي الذي لا تحترمه إسرائيل ويشرف على تنفيذه ضابط أمريكي، فضلا عن احتلال التلال الاستراتيجية التي تطل على عمق الأراضي الجنوبية اللبنانية.
في حرب حزيران ـ يونيو 67 كان الشارع العربي المعبأ بخطب ما قبل الحرب، يتطلع إلى إرجاع اليهود إلى بلدانهم الأصلية وتحرير فلسطين، فإذا بالهزيمة الفظيعة تنزل على الرؤوس نزول الصاعقة. وفي حرب غزة اللبنانية كان الراي العام المعبأ بخطط اجتياح الجليل ومعادلة الضاحية ـ تل أبيب يتطلع إلى تصفية الحساب مع "بيت العنكبوت"، فاذا به يسمع نتنياهو يقول متغطرسا: لن يردد أحدٌ عبارة "بيت العنكبوت" بعد اليوم.
وقف النار بشروط إسرائيلية
بعد حرب حزيران ـ يونيو 1967 أعاد ناصر بناء جيشه. وتابع السادات هذا البناء حتى انتصار أكتوبر 1973 المبتور، والذي أدى الى خروج مصر من الحرب مع الدولة العبرية، لقاء استرجاع شبه جزيرة سيناء المصرية وبقاء غزة الفلسطينية تحت الاحتلال، وهي كانت تحت السيادة المصرية قبل الحرب.
بعد وقف النار في لبنان عبر القرار الدولي 1701 احتفظت إسرائيل بأراض لبنانية، ولاحقت و تلاحق أعضاء الحزب ومقاتليه في جنوب لبنان وفي البقاع. وتدمر بعض مكاتبه ومراكزه في الضاحية الجنوبية. ويتعرض الحزب لضغوط لبنانية وعربية ودولية لتسليم سلاحه والخروج من الحرب مع الدولة العبرية، لا بل يجري حديث جدي عن التطبيع والسلام مع إسرائيل، فيما حزب الله يؤكد عبر خطب أمينه العام الجديد الشيخ نعيم قاسم على استمرار المقاومة التي" تقاوم أحيانا من دون سلاح. ذلك أن السلاح أداة وليس هدفا".
ملايين التشييع
بعد ثلاث سنوات من حرب حزيران ـ يونيو توفي الزعيم العربي جمال عبد الناصر فحزن عليه عشرات الملايين من المصريين والعرب. وبعد شهور من اغتيال السيد حسن نصر الله حضر أكثر من مليون لبناني وعربي ومسلم تشييعه ووداعه في لبنان، الذي لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة.
في الحالتين المصرية واللبنانية عبرّ المشيعون بخروجهم العفوي والعاطفي إلى الشوارع عن رغبتهم، بل إصرارهم على مواصلة المجابهة مع الاحتلال واعتبار ما حصل "نكسة" أو "هزيمة" يمكن أن تتعرض لها شعوب وقادة وجيوش في حروب مصيرية، وأن اغتيال الزعيم الشعبي لا يمكن أن يكون بأية صورة من الصور نهاية المطاف ونهاية المجابهة.
لكن كيف نقرأ ما حصل في لبنان بين 7 أكتوبر ـ تشرين الأول عام 2023 ـ وإعلان وقف النار في لبنان في أكتوبر ـ تشرين الأول عام 2024؟
لم يصدر تقييم بعد من قيادة الحزب الجديدة حول أسباب ونتائج مشاركة حزب الله في حرب " طوفان الأقصى" يمكن الاستناد اليه لمعرفة قراءتها لهذه الحرب. بالانتظار يمكن توجيه الأضواء نحو الخطوط العريضة التالية:
1 ـ خاض "حزب الله " حرب غزة تحت عنوان واحد هو اسناد القطاع. وربط توقف مشاركته في الحرب بوقف النار في غزة. كانت "حماس" تراهن على مشاركة واسعة للحزب في هذه الحرب من قبيل "اجتياح الجليل"، فتضطر إسرائيل للقتال على جبهتين كبيرتين يمكن أن يستدرجا جبهة ثالثة مهمة في الضفة الغربية. وان تم ذلك سيكون من الصعب على إسرائيل ان تستمر طويلا في الحرب، فتلجأ للتفاوض من أجل وقف القتال.
هل كان اجتياح الجليل سيؤدي إلى مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الغربية في القتال المباشر إلى جانب إسرائيل؟ وهل امتنع الحزب عن تطبيق خططه المعدة مسبقا للحرب لهذا السبب، أو لأن إيران زعيمة محور الممانعة كانت تعتقد أن توسيع الحرب سيجرها نحو مجابهة دولية لا قدرة لها على تحمل نتائجها؟
بعد ثلاث سنوات من حرب حزيران ـ يونيو توفي الزعيم العربي جمال عبد الناصر فحزن عليه عشرات الملايين من المصريين والعرب. وبعد شهور من اغتيال السيد حسن نصر الله حضر أكثر من مليون لبناني وعربي ومسلم تشييعه ووداعه في لبنان، الذي لا يتجاوز عدد سكانه الخمسة ملايين نسمة. إن ردود الفعل الغربية ومن بينها نشر الاساطيل وامداد إسرائيل بكل ما تحتاجه في وقت قياسي، كان ينطوي على مشاركة فعلية في القتال ان تم توسيع الحرب، وهذا يعني اشتراك إيران فيها، فتصبح حرب محاور في ميزان قوى شديد الاختلال لصالح المحور الغربي الإسرائيلي، وبالتالي من الصعب الرهان على انتصار للممانعة في هذه الحرب، بل يمكن من خلالها تدمير قدرات الجمهورية الاسلامية راس المحور.
لقد فرض تهديد إسرائيل والولايات المتحدة بضرب إيران مباشرة، ان اجتاح الحزب الجليل الأعلى، فرض حرب اسناد محدودة لقطاع غزة من لبنان وبقاء طهران بمنأى عن الاشتراك المباشر فيها وبالتالي اكمال الحرب بالشروط الإسرائيلية الامريكية وبزمام مبادرة مطلق للدولة العبرية.
تقديرات خاطئة
2 ـ أخطأ حزب الله في قراءة ردود الفعل الإسرائيلية المحتملة على اشتراكه في الحرب. كانت حكومة نتنياهو مصممة على تغيير قواعد الاشتباك قبل "طوفان الأقصى"، وقد ورثت عن الحكومات السابقة التصميم نفسه الذي بدأ منذ نهاية حرب عام 2006. ولعل خطأ الحزب الأكبر ناجم في أحد وجوهه عن تأثره بالأعلام الإسرائيلي الذي كان يتعمد تضخيم قدرات الحزب إذ جعله الصهاينة أخطر حزب في العالم.
لقد بثّ الإعلام الإسرائيلي أوهاما عن قدرات الحزب الخارقة وخططه التي يصعب مواجهتها، حتى بدا وكأن الحزب سيهزم إسرائيل خلال أيام وأن الدولة العبرية لا تلوي على شيء تجاهه.
في هذا الوقت كان إعلام حزب الله قد ذهب بعيدا في خطاب "بيت العنكبوت" وفي الحديث عن قدراته وقدرات عدوه، وباتت وسائل الاعلام الإسرائيلية مرجعه ومصدرا لرفع معنويات جمهوره وعناصره، ذلك إلى حد أن أحد أنصار المقاومة روج سيناريو عبيطا لتدمير إسرائيل بقوله ".. الحزب قادر أن يربح الحرب بكبسة زر واحدة" وأوضح أنه سمع هذا التأكيد من كبار قادة حزب الله.
لقد بلغ تأثير الإعلام الإسرائيلي في صياغة المواد التعبوية الحزبية حدا بات معه من الصعب الانتباه إلى تحذيرات صدرت في لبنان ومن بينها تحذير نشره الأستاذ جهاد الزين في جريدة النهار البيروتية ونبه فيه إلى تكرار سيناريو حرب حزيران 67 المصري قبل أشهر من طوفان الأقصى. ولو طُرِحَ الاحتمال الذي ذكره الزين في "النهار" للنقاش في منابر الممانعة لجوبه من كتابها ومحلليها بالتشكيك بالكاتب وبالجريدة. ولا أستغرب إن عدتُ لتلك الفترة إن رأيت حملة على الكاتب من أحد "نجوم" جريدة الممانعة الأولى أو من محللي محطتها الأبرز.
والأخطر في هذا الاستبطان الحزبي أن الصورة التي كانت تشيعها إسرائيل عن قدرات الحزب حالت دون الانتباه إلى تسريبات إسرائيلية، ومن بينها تسريبٌ يقول إن إسرائيل باتت تعرف بدقة أين وكيف يتنقل ويستقر السيد حسن نصر الله وهو ما تأكد بعد اغتياله.
كبسة زر تكفي للانتصار
عندما يشعر طرف في صراع مع عدو أنه منتصر قبل الحرب بأثر من اعتراف عدوه بقدرته على الانتصار، يفقد مبررات الحذر والانتباه أو فلنقل تَضعفُ عنده دوافع الحذر، ويصبح هدفا سهلا يمكن اصطياده. هذا ما يمكن استنتاجه من ظروف شراء البيجر المتفجر ومن إهمال قيادة حزب الله وجوب الانتباه لقدرة الجيش الإسرائيلي على اصطياد مقاتلي وأعضاء الحزب في الجنوب بسهولة فائقة.
إن اغتيال صالح العاروري نائب رئيس حماس بدقة، في مكتبه في ضاحية بيروت الجنوبية، كان بمثابه إنذار خطير إلى ما سيأتي من بعد، لكن ذلك لم يدفع قيادة الحزب ولا أنصاره ولا محطاته الفضائية ولا مراكز أبحاثه وصحفه إلى الحذر من الخطر القادم وإلى وجوب تغيير الخطط المرسومة قبل الحرب واعتماد خطط بديلة.
ويبقى السؤال هل كان الحزب قادرا على استقبال مؤشرات الحذر وإعادة النظر بخططه وطرق عمله؟ الجواب لا، مع شديد الأسف، ذلك أن المحور بكامله كان طرفا بحملات إعلامية دفاعية ضد طابور محلي وعربي واسع يضم أجهزة إعلامية تطوف دولارات وخبراء وإعلاميين محترفين في فن التضليل والثورة المضادة ونشر الفوضى وتهشيم قيم العدالة والحرية الحقيقة ومقاومة المحتل.
لقد صنع هذا الطابور في منابره ثنائية ناجحة بين محترفي التحريض والأبلسة من جهة وعناصر من الممانعة من جهة أخرى، تتحدث بلهجة دفاعية خشبية تفتقر إلى الجاذبية وحسن المناورة وتغرق في البديهيات.
عندما تكون هذه الثنائية محرك النقاش اليومي حول المقاومة بوصفها نقيضا لـ "حب الحياة"، تنتفي الحاجة لمساحة إعلامية يحركها هم التساؤل حول الأنا والمحتل، أي خطط المحور والخطط المضادة، الخطب الإعلامية المعادية والخطب الصديقة، وطرح الأسئلة المصيرية والبحث عن إجابات لها.
ما يؤسف له أن الاستراتيجية الإعلامية التي اعتمدتها إسرائيل قبل حرب العام 1967 هي نفسها تقريبا التي اعتمدتها في مواجهة حزب الله. وهي نفسها التي استخدمها الغربيون في حربهم على صدام حسين، ومن قبل في الحرب على أفغانستان وجوهرها: تضخيم قدرات العدو، الذي لا يثق بإعلامه قدر ثقته بإعلام عدوه، وإيهامه بانه منتصر لا محالة ومن ثم الانقضاض عليه في اللحظة الملائمة.
3 ـ لم يكن قرار الحرب وصيغة الاشتراك فيها بيد حزب الله حصرا. كان على الحزب أن ينسق مع القيادة الإيرانية التي كانت تراهن على أن تتحول حرب غزة إلى حرب عربية إسرائيلية أو حرب إسرائيلية ـ إسلامية، أو أن يقع وقف لأطلاق النار خلال شهر أو شهرين. لكن شيئا من ذلك لم يتم. لذا قررت طهران التراجع والخروج من الحرب، وان يتراجع معها حزب الله. وهذا ما حصل ضمن ظروف ما كانت ملائمة للحزب.
بالمقابل كان نتنياهو يعرف شروط اللعبة لذا حذر أصدقاءه العرب المُعْلَنين والمستورين بقوله "اصمتوا أنتم ودعونا نعمل". لم يكن لدى إيران، ولدى المحور عموما، خطة باء فكان أن قادت إسرائيل الحرب بشروطها ووسائلها ومواقيتها.
4 ـ قيد حزب الله مشاركته في الحرب بوقف النار في غزة، فصار عليه أن يراهن على هزيمة إسرائيلية في الحرب من دون أن تكون متاحة، ومن دون وقوع انهيارات في التحالف الغربي المؤيد للدولة العبرية. لقد حرم الحزب نفسه من هامش واسع للمناورة، خصوصا أن خطابه القاطع قبل الحرب وبعدها كان مقفلا، فأصبح الحزب أشبه بكيس ملاكمة يتلقى الضربات من دون القدرة على الرد عليها بوزنها ومستواها.
الجبهة الداخلية عبء إضافي
5 ـ كانت الجبهة الداخلية اللبنانية عبئا على الحزب لمدة طويلة. فالقسم الأكبر من اللبنانيين لا يريد الحرب، ومن بينهم حليف الحزب المسيحي "التيار الوطني الحر" الذي خرج من تفاهم كنيسة مار مخايل الموقع في ربيع العام 2006 . ناهيك عن الوضع الاقتصادي السيء الذي يعيشه لبنان ويمكن للحرب الواسعة أن تفاقمه الأمر الذي شكل ضغطا على الحزب وقلص من قدرته على توسيع إطار الحرب.
6 ـ تظاهر الحزب بأنفاقه الاستراتيجية خلال الحرب من دون أن ينتبه إلى أن إسرائيل يمكن أن تغير تكتيكاتها التي اعتمدتها في حرب العام 2006. ويمكن أن تطبق تكتيكات مختلفة تماما. لعل الحزب اكتشف ذلك بعد فوات الأوان.
لم يكن قرار الحرب وصيغة الاشتراك فيها بيد حزب الله حصرا. كان على الحزب أن ينسق مع القيادة الإيرانية التي كانت تراهن على أن تتحول حرب غزة إلى حرب عربية إسرائيلية أو حرب إسرائيلية ـ إسلامية، أو أن يقع وقف لأطلاق النار خلال شهر أو شهرين. لكن شيئا من ذلك لم يتم. لذا قررت طهران التراجع والخروج من الحرب، وان يتراجع معها حزب الله. وهذا ما حصل ضمن ظروف ما كانت ملائمة للحزب.7 ـ لقد وسع الحزب مشاركاته العسكرية في سورية ولبنان والعراق واليمن وصار لاعبا شرق أوسطيا، الأمر الذي أدى الى إضعاف سريته وانكشافه أكثر وبالتالي خسر أهم ورقة من أوراق انتصاره في حرب تموز 2006. المؤسف أن نرى الطيران الحربي الإسرائيلي يلاحق حتى الآن حزبيي القاعدة ويجهز عليهم.
8 ـ لعل الحزب أدرك متأخرا خلال الحرب أن إسرائيل تخلت عن تكتيك اعتمدته في العام 2006 ويتصل باستخدام القوات البرية على نطاق واسع عبر اجتياح المناطق اللبنانية. لقد بدا واضحا أن إسرائيل تخلت عن هذا التكتيك واعتمدت آلتها العسكرية التدميرية بحيث تتقدم بعد أن تمسح قرى بأكملها عن سطح الأرض وتدمر البنية التحتية للحزب وتسعى لحصاره المطلق، وتوجه الضربات القاتلة له وتحمله على الارتداد إلى الداخل اللبناني، ليقع في مواجهة مع خصومه الذين يطالبونه بكشف حساب عن حربه الفاشلة وعن نواياه المقبلة وعن مصير سلاحه وقدراته الاستراتيجية وتسليمها لجيش اللبناني. فهل يفعل وكيف ولماذا؟ هذا ما سنتناوله في النص المقبل.