لا أعرف حتى الآن لماذا صنعوا بالتحديد جهازًا لكشف الكذب دون غيره من الأجهزة ولماذا تفتق ذهن المُصنّع أن الانسان هذا المخلوق الغريب والعجيب قد يقابل الناس بوجه ويبتسم لهم بوجه ثم يتكلم بوجه آخر وبعد ذلك يغالط الناس فيما يتحدث به وقد تدمع عيناه أو يجهش بالبكاء لكى يثبت كلامه وكل ذلك قد يكون كذبًا.
فالكاذب إنسان مريض بالفطرة والكذب هو الجريمة الكبرى التى ليس لها عقوبة دنيوية بين البشر ولم يحدد لها الشرع قصاصًا محددًا لها مثل غيرها من الكبائر ولكن النبى صلى الله عليه وسلم حذرنا منها وفى صحيح مسلم: آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان وقد روى مالك حديثا مرسلا عن صفوان بن سليم أنه قال: قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن بخيلا؟ فقال نعم، فقيل له أيكون المؤمن كذابا؟ فقال لا وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِرِّ، وإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِى إِلَى الْجَنَّةِ، ومَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ ويَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وإِيَّاكُمْ والْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُورِ، وإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِى إِلَى النَّارِ، ولَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ويَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا.
فماذا الذى يحدث فى جسد الانسان عندما يكذب؟ فأشارت الأبحاث إلى أنه يحدث تغييرات فيزيولوجية فى ضغط الدم والنبض والتنفس واستجابة الجلد أثناء سؤال شخص ما سلسلةً من الأسئلة وإجابته عليها ويعتمد الجهاز على فكرة أن الإجابات المضللة تسبّب بحدوث استجابات معينة يمكن تمييزها عن تلك المرتبطة بالإجابات غير المضللة لأنّ الكاذب يعيش فى سجن عالى الأسوار والكاذب يتربص عيون الناس أن ترقبه أو تكشفه فما زال يتكلف من الأعمال الزائدة حتى أنه لا يراه أحد وهى التى تحدث التغييرات التى قد تكتشفها الأجهزة.
الكاذب يهرب دائمًا من الصادقين أو الصالحين فانه لا يحب رؤيتهم أو مجالستهم فهم ثقال على قلبه ويهش ويبش لغيرهم فى لحظة ويتفنن أن يثنى على غير الصادقين غدوة ورواحة والكذب فى المستشفيات والهيئات والمؤسسات حدّث عنه ولا حرج وبات الشغل الشاغل للمرؤوسين أن يملأوا أكياس الكذب المملوءة إلى أعناقها إلى المدير المحبوب فما أن يذهب هذا الا وينتظرون الرحمة والنظرة مما يليه ويبدأون معه نفس الأسلوب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
أما الكاذبون أنفُسهم فلهم النبأ العظيم فى التاريخ وما خلى تاريخٌ من عقباهم لأنهم المسئول الأول عن فساده وثانيًا لأنّ الكاذب غالبًا يقع وينكشف فى آخر أيامه لسبب أنه ما عاد قادرًا على الكذب فى الكبر فهو «فعل» يستلزم قتل الضمير ودفن الحياء كل يوم وفى كل «كذبة» وقد يكون الجسد غير قادر على التحمّل فى آخر العمر والسبب الأخير أن الكاذب يرى الأشياء الحقيقة والحق لا يريد أن يذهب ويندثر ويبقى مكافئًا طول عمره فيزيد ذلك من عذابه ومع مرور الوقت يكون غير قادر على التحمّل.
وأخيرًا حدثنا القرآنُ الكريمُ عن أناس مثلنا يأتون يوم القيامة لا يجدون شيئًا مما يعُظم وجودُه فى الآخرة وهى الأعمال الصالحة كما قال فى سورة الفرقان «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا» فلا يجدون أيًا من الأعمال التى عملوها فى الدنيا حتى ولو كان منها صالح فقد دثرت السيئات ما بقى لهم من حسنات وصدق الله العظيم فيما قال.
ويقول العارفون بالكذب إنه تعب وهو يزيد النصب لمن أراد اللعب والكاذبون حازوا اللقب لمّا الحياء ذهب، فالبيت خرب فمن شاء نهب ومن شاء صلب وإذا أبصرت الكاذب عن كثب ثوبه رطب ووجهه حطب ولا مكان لأدب وقلّ منه ان غضب أو فى ضميره رغب ولهذا سبب تركنا له النسب.
استشارى القلب–معهد القلب
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: استشارى القلب معهد القلب د طارق الخولي ی ه د ى إ ل ى ال
إقرأ أيضاً:
معركة هارفارد وضرب غزة بالنووي
صراع الإرادات الناشب بين الرئيس الأمريكى، وجامعة هارفارد، يعكس فى جوانبه معركة اليمين المتطرف المناصر لإسرائيل ظالمة ومظلومة، مقابل رغبة دوائر أمريكية فى التحرر من قيود، وضعها التحالف الدائم بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على كل من يتجرأ على الخروج عن الخط المرسوم فى تأييد الكيان الصهيونى، حتى وإن تعارض الأمر مع القيم الإنسانية، وحرية الاختيار التى تقوم عليها فكرة الدولة الأمريكية ذاتها.
فقبل أن يعود ترامب إلى منصبه فى البيت الأبيض، شهدت جامعة هارفارد والعديد من الجامعات الأمريكية احتجاجات ومظاهرات ضد عمليات الإبادة التى تمارسها إسرائيل فى غزة، التى تجاوزت حد الرد على هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023 إلى انتقام وحشى أدى إلى استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطينى غالبيتهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزل، وهو ما أثار استياء الملايين عبر العالم.
التظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلى على غزة، فى جامعة هارفارد خصوصا، أثارت حفيظة ترامب ومناصريه من مؤيدى إسرائيل، ودفعت بالرئيس الأمريكى إلى اتهام هارفارد بـ«الترويج لأيديولوجيات ماركسية ويسارية متطرفة، ومعادية للسامية»، وطالب ترامب باخضاع الجامعة التى تخرج فيها 162 فائزا بجوائز نوبل، عمليات التسجيل والتوظيف لهيئة إشراف قبل أن تلغى إدارته، الخميس الماضى، حق هارفارد فى تسجيل الطلاب الأجانب.
القرار جاء تتويجا لصراع ممتد بين هارفارد وترامب، بعد أن رفضت الجامعة تسليم سجلات سلوك الطلاب الأجانب التى طلبتها وزارة الأمن الداخلى الشهر الماضى، وهو ما تعتبره قيادة الجامعة أمرا يتجاوز بكثير دور الحكومة الفيدرالية وقد ينتهك الحقوق الدستورية للجامعة التى تقاتل بشراسة دفاعا عن استقلالها الأكاديمى.
وفى مواجهة قرار ترامب ضد هارفارد الذى يهدد مستقبل نحو 7 آلاف طالب أجنبى بينهم ملكة بلجيكا المستقبلية الأميرة إليزابيث التى تدرس السياسة العامة ضمن برنامج مخصص لطلبة الماجستير، طعنت الجامعة قضائيا على القرار الذى اعتبره البعض وسيلة فى «صراع أوسع بين الديمقراطية والاستبداد».
وفى اليوم التالى لقرار ترامب حصلت هارفارد على أمر قضائى، أصدرته القاضية الفيدرالية فى محكمة بوسطن أليسون بوروز، بوقف مؤقت لحظر تسجيل الطلاب الأجانب، والتى اعتبرت القرار «انتهاكا صارخا» للدستور.
الحكم بوقف قرار ترامب مؤقتا هو جزء من معركة يبدو أنها ستمتد مع العديد من المؤسسات الأمريكية المماثلة لجامعة هارفارد، ومع كل من يناصر القضية الفلسطينية التى يريد حلفاء ترامب تصفيتها بشتى الطرق، حتى وإن تطلب الأمر استخدام السلاح النووى.
فالنائب الجمهورى، من حزب ترامب، راندى فاين، دعا بشكل صريح إلى ضرب قطاع غزة بالسلاح النووى على غرار ما فعلته الولايات المتحدة مع مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
فاين اعتبر خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، فى اليوم نفسه الذى أصدر فيه ترامب قراره ضد هارفارد، أن «القضية الفلسطينية.. قضية شريرة»، والحل التخلص منها بالسلاح النووى قائلا: «لم نتفاوض على استسلام النازيين، ولم نتفاوض على استسلام اليابانيين، قصفنا اليابانيين مرتين نوويًا للحصول على استسلام غير مشروط، ويجب أن يكون الأمر نفسه هنا» فى إشارة إلى غزة.
لا يرى النائب الأمريكى المتطرف فى القضية الفسطينية غير «الشر» الذى يجب القضاء عليه بالقنابل النووية، منكرا حقيقة أن الشر نفسه يكمن فى أمثاله، وأمثال حلفائه من الإسرائيليين، حيث تتلاقى أفكاره مع مواقف وزير التراث الإسرائيلى المتطرف أميخاى إلياهو، الذى دعا فى نوفمبر 2023 إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، باعتبار الأمر«أحد الخيارات» لتحقيق هدف القضاء على حركة حماس.
يتجاهل فاين حق الشعب الفلسطينى فى أرضه التى سلبها الإسرائيليون، لكن الغريب أننا لم نسمع، حتى الآن صوتا واحدا من داخل الكونجرس الأمريكى يدين تصريحات هذا النائب المتطرف الذى يتفاخر بضرب اليابان بالقنابل النووية، ويدعو جهارا إلى تكرار الأمر مع غزة، وهى ثقافة «إرهابية» يبدو أنها متأصلة فى بعض النفوس الأمريكية.
(الشروق الجزائرية)