المكتب السياسي لأنصارالله: نستنكر بشدة مجازر الإبادة الوحشية للعدو وآخرها مجزرة المواصي بخانيونس ومجزرة مصلى مخيم الشاطئ غرب غزة
تاريخ النشر: 13th, July 2024 GMT
يمانيون/ صور
المكتب السياسي لأنصارالله: نستنكر بشدة مجازر الإبادة الوحشية للعدو وآخرها مجزرة المواصي بخانيونس ومجزرة مصلى مخيم الشاطئ غرب غزة
#العدوان الصهيوني على غزةً#اليمن#صنعاء#مجزرة المواصيالمكتب السياسي لأنصار الله.المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي.. مشاتل التغيير (22)
في مدخل مبتكر، افتتح الشيخ الفيلسوف طه عبد الرحمن محاضرته حول السياسي الحقيقي والسياسي الوهمي، بمصطلح "ما بعد الحقيقة" وأقصى الأخلاق والدين كمصدر للقيم من العمل السياسي.. لفضح تلك المقولة (ما بعد الحقيقة) "التي افتتن بها بعض من ينتمون إلى مجال الأكاديميا بل جعلوا منها فلسفة"، ومنهم من أقرها "نظرية علمية". إنه عصر منطق الغموض الذي يخرج عن معاني الحد والتحديد إلى منطق الغموض الذي سماه البعض الغموض البنّاء والخلّاق، في محاولة الهجوم على معاقل اليقين ومعاقد الصدق؛ إلى ما لا نهاية ينعي على التحديد وينعدم اليقين وتتربع على عرشه النسبية في حالة عدمية وربما فوضوية.
ولهذا قال الشيخ في محاضرته إن الأولى تسمية كل ذلك "ما بعد الصدق"؛ في هذا العصر الذي صار فيه الغرب مغرما في فتح باب "الما بعديات". ما بعد الصدق؛ يتضمن مدى الأذى للإنسانية بصدد المعرفة والأخلاق.. الذي يتحكم بعالم التصورات، وعالم التصرفات لا يأبه بالمضار ولا يعير التفاتا للصدق الائتماني؛ فهذا ما بعد الحقيقة ليس إلا، وهو أبدا ودائما الوهم والسياسي التوهمي؛ والذي يقابله بالضرورة السياسي التحققي الذي يسلم بالائتمان والأمانة والصدق والمصداقية في جوهر الحقيقة والحق (الحقيقة). إن تقعيدا قرآنيا مكثفا لهذه الحال يكمن في هذه الآية: "فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ" (يونس: 32).
"ما بعد الحقيقة" مفهوم احتُفي به في الغرب وجعلوه مصطلح العام، خاصة بعد تولي ترامب في رئاسته الأولى (2016) وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.. "post truth" كان يشير لدراسة ظاهرة مصنّعة تتسم بالخطورة في منطقها وفلسفتها ورؤيتها؛ يردها الشيخ إلى إنشاء الكيان الصهيوني في العام 1948، ولا تزال آثارها تتراكم بفعل التواطؤ العالمي على الحقيقة؛ والتعدي الدولي على المصداقية والحقيقة في غزة.
ما زال "صراع السرديات" قائما حول طبيعة هذا الصراع المصيري والحضاري والأخلاقي والقيمي والإنساني والكوني والتحليل الائتماني؛ صراع السرديات وصدام المفاهيم والإدراكات كشعبة من "صدام الحضارات"
وما زال "صراع السرديات" قائما حول طبيعة هذا الصراع المصيري والحضاري والأخلاقي والقيمي والإنساني والكوني والتحليل الائتماني؛ صراع السرديات وصدام المفاهيم والإدراكات كشعبة من "صدام الحضارات" الذي بشّر به "صمويل هنتنجتون" وما تبناه "فوكاياما" من "نهاية التاريخ" معلنا انتصار الحضارة الغربية انتصارا مؤزرا بلا معقب؛ لقد كتب التاريخ نهايته.
ورغم أننا نؤكد على قيمة هذا الأمر الملفت في الحضارة الإنسانية بالنشأة المصطنعة للكيان الصهيوني ودولته الوظيفية على حد تعبير "عبد الوهاب المسيري"، والذي شكل انعكاسا حقيقيا لما بعد الحقيقة؛ وعملا فاضحا لا يكتفي بطمس الحقائق ولكنه تفنن في الكذب والتزوير عليها ضمن سرديات الافتراء والتزييف، إلا أن ذلك كان يشير إلى ولادة جديدة لعلم السياسة وتصنيع مفهوم جديد للسياسة يفصل فصلا تاما بين الأخلاق والدين والسياسة بقيمها الخاصة وقاموسها المبتذل؛ الذي أنتج بحق ما أشار إليه الشيخ الفيلسوف بنموذج السياسي التوهمي في مواجهة السياسي التحققي والحقيقي.
التحليل الائتماني لما بعد الحقيقة يعني ضرورة تجاوز الظاهرة الأزمة التي لم تتوقف عن إطلاق العنان للكذب والافتراء.. وإطلاق العنان للهوى والغرائز من عقالها.. واستخدام مقولات مريبة من مثل شعب بلا أرض وأرض بلا شعب.. وأنه لا وجود لشعب فلسطيني الذي لم يوجد قط.. كما أوحت بذلك رئيسة الوزراء السابقة للكيان الصهيوني جولدا مائير، والتشكيك في الحقائق التاريخية ومحاولة طمسها؛ في مهزلة لا تستند لعلم وتصطنع مغالطات بحجج فكاهية من مثل أن حرف "P" لم يوجد في العربية، إشارة إلى منطوقها الغربي "Palestine" على ما أشارت عضوة في "الكينيست" الصهيوني. وشاهد ذلك إنكار المعرفة العلمية أو الموضوعية وكذا الخبرات العيانية والتاريخية، والتشكيك والدفع بتهم معاداة السامية والإرهاب كمسلك ابتزاز حتى على أجهزة الأمم المتحدة، واستغلال الشبكة العنكبوتية كوسائل لطمس الحقائق وعزل المجموعات بعضهم البعض، والفصل العنصري الرقمي حيث يتقصدون هؤلاء المؤثرين والرأي العام والتلاعب به.
إن نقض هذا المفهوم وكل ما يترتب عليه من مآلات هو القمين برفع الأذى المترتب على ما بعد الحقيقة والتجاوز إلى ما بعد الصدق الكاشف والفاضح.. والوقوف في مواجهة محاولة تمرير ما بعد الحقيقة كحقيقة.. والارتباط بعروة وثقى بين الحقيقة والحق.. وفضح التعدي علي تلك العلاقة.
وفي مدخلين آخرين يمكن استصحابهما في هذا المقام؛ مدخل الفلسفة السياسية، ومدخل السياسة في الرؤية الإسلامية. الأول منهما يشير إلى السياسي الميكيافللي الذي يستقي مصدره من كتاب "ميكيافللي" الأشهر "الأمير"؛ بل اشتُقت منه النظريات ليس في علم السياسة فحسب ولكن في علوم النفس والاجتماع؛ من مثل الذكاء الميكافيلي (بالإنجليزية: Machiavellian intelligence) الذي يعبر عن قدرة الكائن الحي على المشاركة السياسية الناجحة مع المجموعات الاجتماعية. جاءت المقدمة الأولى لهذا المفهوم من كتاب "سياسة الشمبانزي" (1982) لفرانس دي فال، والذي وصف المناورة الاجتماعية مع اقتباس مكيافيلي الواضح. تفترض هذه الفرضية أن تطور الأدمغة الكبيرة والقدرات المعرفية المميزة للإنسان حدثت بفعل المنافسة الاجتماعية الشديدة، حيث قام المتنافسون الاجتماعيون بتطوير استراتيجيات "مكيافيلية" متطورة كوسيلة لتحقيق نجاح أعلى في الحياة الاجتماعية. يشير المصطلح إلى الفرضية القائلة بأن التقنيات التي تؤدي إلى أنواع معينة من النجاح السياسي داخل مجموعات اجتماعية كبيرة قابلة للتطبيق أيضا داخل مجموعات أصغر، بما في ذلك وحدة الأسرة. قدّم مصطلح "السياسة اليومية" لاحقا في إشارة إلى هذه الأساليب المختلفة.
في مجال علم نفس الشخصية، تعتبر المكيافيلية سمة نفسية ترتكز على التلاعب بالآخرين، والفتور العاطفي، واللامبالاة بالأخلاق. على الرغم من أن المكيافيلية لا علاقة لها بشخصية مكيافيلي التاريخية أو بأعماله، إلا أنها سميت بهذا الاسم نسبة لفلسفته السياسية.
تعتبر المكيافيلية واحدة من سمات ثالوث الظلام، إلى جانب النرجسية والسيكوباتية، وترتكز على منظومة من مفاهيم تواكب هذا المفهوم؛ اللاأخلاقية والاستهتار ولعبة الثقة وخداع الجماهير والخداع عامة والنزعة للهيمنة الاجتماعية والسياسية.
يقول ميكيافللي في صدر كتابه موجها كتابه ونصائحه للأمير: "فَسُموّكم يعرف أنّي لا أستطيع أن أهديكم أعظم من هذا الكتاب.. فهو سيمكّن سموّكم من التعرف في وقت قصير على كلّ ما اكتسبته طوال حياتي، وهو ما تحملت لأجله الكثير من الأخطار والفقر، طوال سنوات عمري الطويل".
يخلص الدكتور "عادل حدجامي" في مقاله المهم "نيكولا ماكيافيلي.. السياسة فيما وراء الخير والشر"؛ إلى القول: "لكل هذه الاعتبارات، فإنّ قراءة الكتاب ينبغي أن تكون مقلوبة، وهذه أهم المفاتيح الممكنة لقراءة هذا النص بحسب ما يبدو لنا، فعوض أن تكون السياسة فعلا وفق معيار هو الأخلاق، تصير الأخلاق ذاتها "وسيلة" سياسية، فلا يتم فهمها إلا في إطار اقتصاد الوسيلة، ثم عوض أن نبحث للسياسة عن نموذج متعالٍ، نطرحها كفعل محايث لا نموذج يرد إليه، لأنّ العالم نفسه خالٍ من النماذج الكليّة والأوثان المتعالية التي يمكن أن نفزع إليها".
أما المدخل الثاني فهو يرتبط بمفهوم السياسة وحقيقة الفعل السياسي وشيوع مفهوم السياسة مرتبطا بأوصاف سلبية؛ فصارت كما يراها البعض في جوهرها كذلك، حتى تسلل ذلك إلى المعاجم الغربية ذاتها والعربية خاصة المستحدث منها؛ واستدل بممارسات عدة كلها تشير إلى صفات المراوغة والخداع والكذب والنفاق والمداهنة، حتى أتى من يلعن السياسة في لفظها ومعناها "لعن الله ساس ويسوس وكل فعل يأتي من السياسة"؛ وارتكن البعض إلى فعل السياسة لا معناها ومغزاها الحقيقي المرتبط بالصلاح والإصلاح والمصلحة، وأهمل وأغفل متعمدا هذه المعاني؛ ضمن قانون اقتصادي غربي "العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة"، وبات مفهوم السياسة العربي والإسلامي مردودا مغفلا؛ متروكا مهملا، وهو ما حدا بنا إلى الكتابة حول مفهوم السياسة والسياسي ورد الاعتبار لهما؛ "القيام على الأمر بما يصلحه"، أو كما أثبت الإمام ابن القيم عن أستاذه؛ "السياسة ما كانت معه الأمور أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد". وبدا الأمر أننا أمام منظومتين منظومة تجعل السياسة جوهرا وأساسا صراعا من أجل السلطة؛ وأخرى تجعل من السياسة عملا إصلاحيا بالمفهوم الواسع للإصلاح.
نموذج السياسي التوهمي هو القائم بالعمل في معاقل الاستبداد والاستعمار؛ وأن السياسي الحقيقي هو العامل الفاعل في مشاتل التغيير والإصلاح. ولهذا بقية حول الوظيفة الكفاحية للعالم والتزامه الائتماني ومسئوليته السياسية في عمله التغييري والنهضوي
ولعل هذا الكتاب -كتاب الأمير- قد وضع إشكالية السياسة والأخلاق على المحك. لقد كان مالك بن نبي، فيلسوف الحضارة، وكذا الرئيس الفيلسوف علي عزت بيجوفيتش؛ على دراية تامة بهذه المعاني التي تربط بين السياسة والأخلاق. كان مالك موضحا الفارق الكبير والمناقضة الأساسية بين السياسة والبولوتيك، وقد أولى اهتماما بالغا لفاعلية "الدستور الخلقي في العمل السياسي" كما أشار البعض؛ وذلك بعد أن أهدر الانحراف السياسي في العالم العربي والإسلامي مسار نهضتها، وهذا ما استدعى ضرورة تفكيك العوامل الداخلية والخارجية التي أعاقت مساعي العمل السياسي النزيه والناجح، فحصر هذا الفشل في جملة من المعوقات اعتبرها أخلاقية بالأساس؛ حيث تفشت أمراض الدجل السياسي التي أهدرت المشاريع الجادة التي تخدم الصالح العام للمجتمع، وبناء على ذلك رصد منظومة من القيم الأخلاقية التي توجه العمل السياسي. وكما قال المفكر الجزائري مالك: "إذا كان العلم دون ضمير خراب الروح فإن السياسة بلا أخلاق خراب الأمة".
وفي 1984 نشر الرئيس بيجوفيتش كتاب "الإسلام بين الشرق والغرب". وللكتاب قصة، فقد بدأ تحريره سنة 1946، ولكن أثناء ملاحقاته أخفته شقيقته ولم يُعثر عليه إلا في نهاية الستينات، فأعاد صياغته ثم أرسله إلى صديق في كندا. فنُشر وهو يقضي فترة سجنه. وميزة هذا الكتاب من وجهة نظر كاتبه؛ التركيز على القيم التي تشترك فيها الإنسانية جمعاء؛ فكان هذا الكتاب "هو دعوةٌ للغرب، على مستويَي الفِكر والممارسة، إلى فضاءٍ أرحبَ وَسَطٍ بين تناقضاتِه التي ما انفكّ يُطحَن بينها ويَطحنُ معه فيها سائر شعوب العالَم في هذا العصر، إنّها دعوةٌ إلى الانعتاق من مثاليّاتِه المنحطّة إلى واقعيّة الإسلام المتعالية، ومِن أحاديّته اللا إنسانية إلى ثنائية الإسلام التي لا اعتراف بحقيقة الإنسان إلا بها".
من رحم المصفوفتين يولد نموذج السياسي التوهمي والسياسي الحقيقي لدى الشيخ الفيلسوف، ويتحقق معنى الرؤية الائتمانية والميثاقية بين هذين النموذجين. ولعل نموذج السياسي التوهمي هو القائم بالعمل في معاقل الاستبداد والاستعمار؛ وأن السياسي الحقيقي هو العامل الفاعل في مشاتل التغيير والإصلاح. ولهذا بقية حول الوظيفة الكفاحية للعالم والتزامه الائتماني ومسئوليته السياسية في عمله التغييري والنهضوي؛ قال تعالى: "قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقا حَسَنا ۚ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ ۚ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" (هود: 88).
x.com/Saif_abdelfatah