مَنْ مَات وهو يَدْعو مِنْ دونِ اللَّه نِدًّا دخل النار
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
عبادة الله هي الغاية التي خَلَقَ الله عز وجل جميع الخَلْق لأجلها، قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56). قال السعدي: "هذه الغاية التي خلق الله الجن والإنس لها، وبعث جميع الرسل يدعون إليها، وهي عبادته، المتضمنة لمعرفته ومحبته، والإنابة إليه والإقبال عليه، والإعراض عما سواه".
والدعاء ـ وهو طلب جلب النفع أو دفع الضر ـ مِنْ أفضل وأعظم العبادات، لاشتماله على الذل والخضوع لله عز وجل. عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدعاء هو العبادة، ثمَّ قال: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60)) رواه الترمذي. قال الخطَّابي: "ومعنى الدعاء: استدعاء العبد ربَّه عز وجل العناية، واستمداده إيَّاه المعونة، وحقيقته إظهار الافتقار إليه، والتبرُّؤ مِنَ الحول والقوَّة". وقال الصنعاني في "التنوير شرح الجامع الصغيرِ": "قال الطيبي: جاء بضمير الفصل والخبر المعرف باللام ليدل على الحصر لأن العبادة ليست غير الدعاء، وقال غيره: المعنى أنه أعظم العبادة فهو كخبر: (الحج عرفة) أي: ركنه الأكبر لدلالته على أن فاعله مقبل على الله تعالى معرض عما سواه، ولأنه مأمور به، وفعل المأمور به عبادة، وسماه عبادة ليخضع الداعي ولأنه يظهر ذلته ومسكنته وافتقاره، إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة".. وقال ابن كثير في تفسيره لقول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60): "هذا مِنْ فضله تبارك وتعالى وكرمه، أنه نَدَبَ عباده إلى دعائه، وَتَكَفَّلَ لهم بالإجابة، كما كان سفيان الثوري يقول: "يَا مَنْ أحبُّ عِبَادِه إليه مَنْ سأله فأكثر سؤالَه، وَيَا مَنْ أَبْغَض عِبَادِه إليه مَنْ لم يسأله، وليس كذلك غَيْرُك يَا رَبّ" رواه ابن أبي حاتم. وفي هذا المعنى يقول الشاعر: اللهُ يَغْضبُ إِنْ تركْتَ سُؤَالهُ وَبُنيُّ آدمَ حِينَ يُسألُ يَغْضَب"..
مَنْ مَاتَ وهو يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخلَ النَّار:
دلَّ القرآن الكريم والسُنة النبوية على تحريم دعاء غير الله عز وجل، والتصريح بأن ذلك مِنَ الشرك الذي يُدخل صاحبه النار، ومِنْ ذلك:
ـ قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ}(الأحقاف:5). قال الطبري: "يقول تعالى ذِكْرُه: وأيّ عبْدٍ أضلّ مِنْ عَبْدٍ يدعو مِنْ دون الله آلهة لا تستجيب له إلى يوم القيامة: يقول: لا تُجيب دعاءه أبدا، لأنها حجر أو خشب أو نحو ذلك. وقوله: {وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} وآلهتهم التي يدعونهم عن دعائهم إياهم في غفلة، لأنها لا تسمع ولا تنطق، ولا تعقل.. وإنما هذا توبيخ مِنَ الله لهؤلاء المشركين لسوء رأيهم، وقُبْح اختيارهم في عبادتهم مَنْ لا يعقل شيئًا ولا يفهم، وتركهم عبادة مَنْ جميع ما بهم مِنْ نعمته، ومَنْ به استغاثتهم عندما ينزل بهم مِنَ الحوائج والمصائب".
ـ قال الله تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ}(يونس:106). قال السعدي: "وهذا وصف لكل مخلوق، أنه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع الضار، هو الله تعالى. {فَإِنْ فَعَلْتَ} بأن دعوتَ مِنْ دون الله، ما لا ينفعك ولا يضرك {فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} أي: الضارين أنفسهم بإهلاكها، وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}(لقمان:13) فإذا كان خير الخَلْق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره؟!!".
ـ وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا سأَلتَ فاسألِ اللَّه، وإذا استعَنتَ فاستَعِن باللَّه) رواه الترمذي. قال الشيخ ابن عثيمين: "(إذا سألت فاسأل الله) إذا سالتَ حاجة فلا تسأل إلا الله عز وجل ولا تسأل المخلوق شيئا، وإذا قُدِّر أنك سألتَ المخلوق ما يقدر عليه، فاعلم أنه سبب مِنَ الأسباب وأن المسبب هو الله عز وجل، لو شاء لمنعه مِنْ إعطائك سؤالك فاعتمد على الله تعالى..(وإذا استعنت فاستعن بالله) فإذا أردت العون وطلبتَ العون مِنْ أحد فلا تطلب العون إلا مِنَ الله عز وجل، لأنه هو الذي بيده ملكوت السموات والأرض، وهو يعينك إذا شاء وإذا أخلصت الاستعانة بالله وتوكلت عليه أعانك، وإذا استعنت بمخلوق فيما يقدر عليه فاعْتَقِد أنه سبب، وأن الله هو الذي سخره لك. وفي هاتين الجملتين دليل على أنه مِنْ نقص التوحيد أن الإنسان يسأل غير الله".
ـ وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمة وقُلتُ أُخْرَى، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: مَن مَاتَ وهْوَ يَدْعُو مِن دُون اللَّه نِدًّا (النِدّ: المِثل والنظير) دَخَل النَّار، وقُلتُ أنَا: مَنْ مات وهو لا يَدْعو لِلَّهِ نِدًّا دَخَل الجَنَّة) رواه البخاري. وفي رواية لمسلم وغيره: (سَمِعْتُ رَسول الله صَلى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يقول: مَن ماتَ يُشْرِك باللَّه شيئًا دَخَل النَّار. وَقُلتُ أنا: ومَن مات لا يُشْرِك باللَّه شيئًا دَخَل الجَنَّة).. وفي هذا الحديث النبوي: التَّحذير مِن الشِّرك بالله عزَّ وجلَّ وبيان عَظيم خَطرِه.. وفيه: بيان فَضْل الإيمان بالله تعالى وتوحيده، فكما أنَّ المُشرِك يدخُل النار، فمَن ليس يُشرِك - وهو المُؤمِن الموحِّد - يَدخُل الجَنَّة.. قال ابن حجر: "كأن ابن مسعود لم يبلغه حديث جابر الذي أخرجه مسلم بلفظ: (قيل يا رسول الله: ما الموجبتان؟ قال: مَنْ مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة، ومَنْ مات يشرك بالله شيئا دخل النار). وقال النووي: الجيد أن يُقال سمع ابن مسعود اللفظتين مِنَ النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه في وقت حفظ إحداهما وتيقنها ولم يحفظ الأخرى، فرفع المحفوظة وضم الأخرى إليها، وفي وقت بالعكس، قال: فهذا جمع بين روايتي ابن مسعود وموافقته لرواية غيره في رفع اللفظتين". وقال العيني: "والذي يظهر أنه نسي مرة، وهي الرواية الأولى، وحفظ مرة وهي الأخرى، فرواهما مرفوعين كما فعله غيره من الصحابة".
وقال الشوكاني: "وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله، والنداء والاستغاثة، والرجاء، واستجلاب الخير، واستدفاع الشر له ومنه، لا لغيره ولا من غيره، {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}(الجن:18)، {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ}(الرعد:14)".
وقال ابن القيم في "مدارج السالكين": "(ومِنْ أنواعه (الشرك) طلب الحوائج مِنَ الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالَم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً، فضلاً عمَّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده".
وقال ابن تيمية: "وأما مَنْ يأتي إلى قبر نبي أو صالح، أو مَنْ يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك، ويسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه، أو مرض دوابه، أو يقضي دينه، أو ينتقم له من عدوه، أو يعافي نفسه وأهله ودوابه، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا شرك صريح".
وقال الشيخ ابن عثيمين في تعليق له على كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم": "سؤال الميت أن يسأل الله أو سؤال قضاء الحاجة بينهما فَرْق، إذا سأل قضاء الحاجة فهذا شرك أكبر، وإذا سأل أن يسأل الله فهذا بدعة وضلالة، لأن الميت إذا مات انقطع عمله، والدعاء من عمله، فكيف تسأله ما لا يمكن؟! فإذا جئتَ إلى ميت وقلتَ: ادع الله لي، فإنه لن يدعو الله لك، ومن ذلك تقول عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم: اشفع لي، فإن هذا حرام وبدعة منكرة، لكن إذا قلتَ: يا رسول الله أنجني مِنَ النار، كان شركا أكبر"..
الدعاء لا يكون إلا لله تعالى وحده لا شريك له، فمَنْ دعا غير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل ـ سواء كان هذا الغير المدعو نبيًّا، أوْ وليًّا، أو صالحا ـ مِنَ الأمور الشركية التي ينبغي الحذر منها، قال الله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ * وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}(يونس:107:106). قال ابن تيمية: "ومِنْ أعظم الاعتداء والعدوان والذل والهوان، أن يُدْعَى غير الله، فإن ذلك من الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإن الشرك لظلم عظيم". وقد قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (مَن مَاتَ وهْوَ يَدْعُو مِن دُون اللَّه نِدًّا دَخَل النَّار) رواه البخاري.. فالتوجه بالدعاء لغير الله عز وجل صورة مِنْ صور وأفعال الشرك بالله، والحكم على العمل أنه شرك لا يعني بالضرورة أن فاعله أصبح كافرا أو مشركاً، فالحكم على الفعل شيء، والحكم على الفاعل شيء آخر، وليس كل مَنْ وقع في أفعال وأقوال الشرك والكفر، وقع الكفرُ والشرك عليه، إلا إذا أقيمت عليه الحُجة، وذلك لاحتمال أن يكون حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة لم تبلغه فيها شرائع الإسلام، أو يكون جاهلاً بهذا الأمر لا سيما في هذا الزمان، فالحُكم على إنسان بالكفر أمر مِنَ الخطورة بمكان عظيم، ينبغي الحذر منه والابتعاد عنه..
عن اسلام.ويبالمصدر: أخبارنا
كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم قال الله تعالى رضی الله عنه الله عز وجل یقدر علیه بن مسعود غیر الله ه عز وجل م ن د ون قال ابن خ ل الن
إقرأ أيضاً:
احذر 3 أفعال تعرض صاحبها للهلاك.. أخرجت آدم من الجنة ولعنت إبليس
ورد عن السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم أن هناك 3 أفعال تعرض صاحبها للهلاك، فيما يستهين بها الكثير من الناس فيقعوا فيها ومن ثم يهلكوا ، من هنا ينبغي معرفة ما هي 3 أفعال تعرض صاحبها للهلاك لاجتنابها .
قال الدكتور علي جمعة، مفتي الجمهورية الأسبق وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إنه فيما ورد عن السلف الصالح -رضوان الله تعالى عنهم - أن هناك 3 أفعال تعرض صاحبها للهلاك ، وهي : ( الكبر والحرص والحسد).
وأوضح «جمعة» عن 3 أفعال تعرض صاحبها ، أنه قال الحسن رضى الله تعالى عنه : (هلاك المرء في ثلاث : الكبر والحرص والحسد، فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس، والحرص عدو النفس به أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل).
وأضاف أن الكبر هلاك الدين، وبه لعن إبليس حيث تكبر عن السجود لآدم لما أمر الله بالسجود له، والحرص: عدو النفس، وبه أخرج آدم من الجنة ، نهاه الله عن الشجرة فأكل منها، فيما أن والحسد: رائد السوء، وبه قتل قابيل هابيل، وقال صلى الله عليه وسلم ( لا تحاسدوا).
وأشار إلى أنه قد روى الإمام الطبراني والبزار بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه](رواه البزار والطبراني وحسنه الألباني).
وبين أنه قاله عليه الصلاة والسلام في معرض التنبيه والتحذير؛ ذلك لأن هذه الثلاث هي عوامل الهلاك في الدنيا والخسران في الآخرة، لأنها أخلاق تميت القلب، وتضعف الإيمان، وتزرع النفاق والرياء، وتؤجج نيران الحقد والعدوة والبغضاء، وتسبب للمجتمع الشقاء الدائم، والفتن الماحقة، وتؤدي إلى سفك الدماء، وقطع وشائج الأرحام، واستحلال المحارم والآثام.
ونبه إلى أن الشح المطاع: هو تلك الصفة المذمومة الخطيرة التي أحلت بالأمم السابقة الكوارث والذل والهوان، وكانت سببا في هلاكهم، وقطع آثارهم.. وقد قال صلى الله عليه وسلم: [اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماء بعضهم، واستحلوا محارمهم](رواه مسلم).
وأفاد بأن الشح هو مجموعة من الرذائل الخُلقية التي أجمعت العقول السليمة والشرائع على ذمها والتنفير منها، والتحذير من عواقبها المدمرة المهلكة، وفي مقدمتها الحقد والبخل والحسد.
وتابع: أما الهوى المتبع، فهو ميل النفس إلى شهواتها، واتباعها لنزواتها، وإيثارها جانب المعاصي والملذات والفجور، بحيث يكون الإنسان تابعا لهواه، وعبدا لشيطانه، واتباع الهوى يورث ضعفا في الدين، ورقة في العقيدة، ووهنا في الخُلق، ونزوعا إلى الخطايا والآثام، وعدم التورع عن مقارفة الحرام.
ولفت إلى أن إعجاب المرء بنفسه، (أو برأيه) كما في الرواية الأخرى.. فهو الرضى عنها، والاعتداد بها، وهذا يجر إلى الفخر والتكبر، والعزة بالإثم، والبغي بغير الحق.
تعريف الحسديعرف الحسد بأنه تمني زوال النعمة عن الغير، وهو أحد أمراض القلوب التي تصيب الإنسان بسبب سخطه وعدم رضاه بما قسم الله تعالى له، إذ إنّ القناعة والرضا حافز للإنسان بالرضا بما عنده من النعم وعدم النّظر لما عند النّاس، والحسد مذموم عقلًا وشرعًا.
وقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنّة تنهى عنه، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنّ النّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تَباغَضُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللَّهِ إخْوانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أنْ يَهْجُرَ أخاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أيَّامٍ)، وعواقب الحسد وخيمة على صاحبها في الدّنيا والآخرة.
عواقب الحسد في الدنياورد أن للحسد عواقب وخيمة في الدّنيا تعود على صاحبها بالحسرة والنّدامة، ومنها:
شعور الحاسد الدائم بالهمّ والغمّ فالحسد مرض من أمراض القلوب التي تنعكس على صاحبها بالآثار السلبية، فحسرات الحسد تتفشى في الجسد، فيظل الحاسد في شعور دائم بعدم الراحة وضيق الصدر والهمّ والغمّ الذي يخيّم عليه، فيفسد عليه حياته.سببٌ لتفشّي الجريمة في المجتمع فالحسد أول ذنب عُصِيَ الله به في السّماء وأول ذنب عُصِيَ به في الأرض، فأما في السماء فمن إبليس لمّا تكبّر وأبى اتباع أمر الله في السّجود لآدم حسدًا منه، ودليل ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس: {خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}، وأمّا ما كان في الأرض فهو لمّا قتل قابيل أخاه هابيل حسدًا منه بسبب قبول الله لقربان أخيه وعدم قبوله منه.الحسد يمنع صاحبه من قبول الحق ومثل ذلك لمّا حوّل الله تعالى النّبوة من بني إسرائيل إلى العرب، فبعث فيهم محمدٌ -صلى الله عليه وسلم- وأمره بتبليغ رسالته لكافة النّاس، فما منعهم من الإيمان بالنّبي عليه الصلاة والسلام ورسالته إلّا بسبب حسدهم للمسلمين على هذا التكريم الإلهي، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداًّ مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ}.سببٌ لزرع الأحقاد والضغائن فالحسد سببٌ لنشر العداوة وتمزيق المجتمع وتفريقه؛ بسبب ما ينتشر فيه من الحسد والضغائن بين أفراده.عدم قبوله بين النّاس فالحسد سببٌ لانحطاط منزلة الحاسد عندهم، فينفر منه النّاس، ويغدو الحاسد مكروهًا حتى لا يجد محبًا ولا وليّا بينهم.انتشار الظلم بين أفراد المجتمع بما يشيع فيه من الغيبة والنميمة، وبما يسببه من أذية للمحسود في بدنه أو دينه أو ماله، والحاسد ظالم لنفسه بما يلازمه من آثار سلبية في نفسيته وحياته.