عودة المصارف إلى الإقراض: عفا الله عن الودائع؟
تاريخ النشر: 14th, July 2024 GMT
بعد توقّف المصارف التجارية في لبنان عن منح القروض المصرفيّة لخمسة أعوام على التوالي، برز الحديث مؤخّرًا عن إعادة التسليف .عودة المصارف إلى الإقراض يأتي في صلب وظيفتها ومبرر وجودها. ولكنّ السؤال المنطقي والبديهي الذي يتبادر إلى ذهن كلّ مودع، كيف للمصرف الذي احتجز أموالي ولا زال، من دون وجه حقّ ومن دون أيّ مستند قانوني، أن يأتي اليوم ليمنحني قرضًا بفوائد، وكأنّ شيئًا لم يكن؟ هل يعني ذلك تكريسَ معادلة "عفا الله عما مضى"؟ وإذا كانت المصارف تمتلك سيولة كافية لمنح القروض لماذا لا توظّفها في ردّ أموال المودعين؟ لا بدّ من الإشارة إلى أنّ طرح عودة القطاع المصرفي إلى أنشطة التسليف لم يكن بمبادرة من المصارف وجمعيتها، بل بدعوة من حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري في افتتاحيّة "المنتدى العقاري اللبناني".
طالما هناك سيولة، لماذا لا تُستخدم في ردّ الودائع، أو على الأقل في رفع سقف السحوبات الشهرية، قبل الحديث عن الإقراض؟ يجيب فحيلي "لأنّ ذلك يأتي في آخر اهتمامات المصارف، التي تلجأ إلى توظيف السيولة بالدولار الفريش في مصارف غير مقيمة، في الولايات المتحدة الأميركية، وتتقاضى فائدة على الدولار بين 5.13 و 5.30%، وهي سعيدة بقبض هذه الفوائد المرتفعة. كما أنّ الأموال التي حُولت إلى الخارج، من غير الممكن أن تعود إلى لبنان طالما أنّ الفائدة في الخارج مرتفعة. والحلول للمودعين تكون على صعيد القطاع المصرفي ككل، والمصرف سيدفع وديعة لأيّ زبون، فقط إذا كان على يقين بأن ذلك سيعود عليه بالفائدة نفسها".
المصارف وضمانات الإقراض: تضليل حاولت المصارف في الأيام الماضية من خلال ألسنتها الإعلاميّة المتخفيّة منها والفاقعة، أنّ تطرح "هواجسها" من إعادة الإقراض، ومنها أنّها بحاجة إلى ضمانات، لعدم لجوء المقترض إلى تسديد القرض بشيك مصرفي أو بالليرة، لاسيّما وأنّ قانون النقد والتسليف يعطي الليرة قوّة الإبراء، وأنّ الأمر يتطلّب تعديًلا في القانون. يرى فحيلي في ذلك تسويقًا لكذبة كبيرة وتعمية وتضليلًا "خصوصًا أنّ قانون الموجبات والعقود يحمي المصارف، بدليل أنّها لا تعطي قرضًا إلا إذا حصلت على ضمانات من المقترض تتجاوز قيمة القرض، فما تطلبه من شروط مقابل كلّ قرض مهما كان نوعه، يغطي قيمة القرض بمقدار عشرة أضعاف، سواء تعدّل قانون النقد والتسليف أم لا. من ناحية ثانية سعر الصرف المعتمد من قبل مصرف لبنان والمدوّن على موقعه الاكتروني هو 89500، بالتالي التسديد بالدولار في المعاملات المصرفية يكون وفق هذا السعر، علمًا أنّ المصارف تتجاهل ذلك في السحوبات من الودائع". الفصل بين أموال المودعين والإقراض بالتزامن مع الحديث عن معادوة نشاط التسليف المصرفي، بدا لافتًا الترويج لنظرية الفصل بين أموال المودعين والقروض، انطلق أصحابها من القول إنّ إعادة الودائع ترتبط بالاتفاق على إعادة توزيع الخسائر، ولا يجب ربط الإقراض بها. هي نظرية في غير محلها، وفق فحيلي "هناك مصارف قادرة على إعادة تكوين سيولة من خلال توظيفاتها خارج لبنان بفوائد استثنائية، في وقت تدفع للمودع صفر على الإيداعات في حساباتها المصرفية، وتحصّل إيرادات من خلال تقاضيها عمولات على صيانة الحسابات المحجوزة لديها علمًا أنّها شبه ميتة، فهي لا تدفع الفوائد للمودع ولا تؤمّن له السحوبات، وفوق ذلك يُعطى لها مساحة من قبل المركزي لتوظيف سيولتها خارج لبنان، من هنا لا يجوز لها أخلاقيًّا وقانونيًّا أن تستخدمها في توفير سيولة للتسليفات وتُبقي السحوبات على حالها. بعبارة أوضح لا يمكن لها أن تمنح قرض، واذا اراد المودع سحب المبلغ نفسه من ماله الخاص تدّعي عدم وجوده، ومن غير الجائز تبرئة ذمّة المصرف من إلتزاماته تجاهي كمودع، فيتناسى الوديعة ويعود إلى الإقراض كما أنّ الودائع لم تكن". يضيف فحيلي "من هنا الإخلاق والمناقبيّة المهنية، تمثّل الممر الإلزامي للحلول وترميم الثقة بالمصارف، وليس القوانين والتشريعات". لا حاجة للتشريع عما إذا كانت عودة الإقراض تحتاج إلى تشريع من مجلس النواب، رأى فحيلي في ذلك إعفاءً لمصرف لبنان من مسؤولياته في تأمين سحوبات من الحسابات بالدولار المحلي. لافتًا إلى أنّ أيّ محاولة للفصل بين أرصدة الحسابات بالدولار المحلي وبالدولار الفريش، ستذهب باتجاه إعفاء المصارف التجارية ومصرف لبنان والدولة من مسؤوليتهم تجاه المودعين "جيد أنّهم لم يذهبوا بهذه الخطوة، ويفضّلون إبقاء الأمور على ما هي عليه بالسحوبات الخجولة من الودائع وفق تعاميم المركزي. في واقع الحال، المودع مكبّل، لا القضاء يحميه، ولا التشريع، ولا تعاميم مصرف لبنان، والاتجاه ذاهب بوضوح إلى Bail In، حيث تتحول الودائع الكبيرة إلى أسهم في المصارف أو سندات طويلة الأجل". تأمين سيولة للمودع قبل المقترض بالمحصلة يرى فحيلي أنّ على المصارف أن تبدأ بتوظيف سيولتها التي حقّقتها من توظيفاتها خارج لبنان، لتأمين حاجة المودعين وتمويل فاتورتهم الاستهلاكيّة وليس رغباتهم، وأن يدفع المركزي باتجاه ذلك، لاسيّما أنّ لديه الداتا حول توظيفاتها في الخارج وما تحقّقه من إيرادات، وعندها فقط يمكن غض النظر عن اعطاء قروض. أمّا على نطاق أوسع فلا بدّ من إعادة جدولة وهيكلة الدين العام، الأمر الذي من شأنه أن يرفع التصنيف الإئتماني للبنان،ويعطي أوكسجين للعمل المصرفي. أمّا المصارف غير القادرة على تأمين سيولة تسمح لها بالاستمرار بوظيفة خدمة الاقتصاد، يبادر مصرف لبنان، انطلاقًا من كونه السلطة صاحبة الاختصاص، إلى أخذ موجداتها الهالكة، وهي خطوة ستلقى دعم الدول المانحة والصديقة لأنها تندرج في إطار المعالجة".
لن ينهض الاقتصاد من دون استعادة القطاع المصرفي لدوره في التسليف وفي خدمة الاقتصاد، ولن تنهض المصارف من أزمتها من دون أن تستعيد الثقة المفقودة بها، والخطوة الأولى والجوهرية تبدأ في حماية الودائع، غير ذلك نكران للواقع لن يؤدي سوى لمزيد من تعميق الهوة بين المصارف واللبنانيين. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: مصرف لبنان خارج لبنان من دون
إقرأ أيضاً:
حزب الله بين التكيف والانتظار
يتجه حزب الله إلى مقاربة جديدة تمهيدا للمرحلة المقبلة، تقوم على التكيّف مع موازين القوى الإقليمية والدولية التي تشهد تبدلات عميقة. فعلى المستوى اللبناني، لا تزال الخروقات الإسرائيلية قائمة، والتوتر عند الحدود الجنوبية مستمر بشكل متقطّع، وإن كان مضبوطًا ضمن سقف محدد. في المقابل، تتجه البلاد نحو محطة مفصلية تتمثل بالانتخابات النيابية المرتقبة، والتي يسعى الحزب من خلالها إلى تثبيت مواقعه السياسية والشعبية بعد مرحلة من الضغط والتحديات الداخلية والخارجية.على خطٍ موازٍ، لا يمكن تجاهل المؤشرات الآتية من سوريا، حيث بدأت تبرز إشارات إلى انفتاح أو تواصل غير مباشر بين النظام السوري وإسرائيل، ولو تحت مظلة تفاهمات أمنية أو ميدانية محدودة. هذا التطور لا يُقرأ في "حزب الله" على أنه قطيعة بالضرورة، لكنه بلا شك يعكس مسارًا متبدّلًا في مقاربة دمشق للصراع الإقليمي، وهو ما يعمّق، بحسب بعض المصادر، الهوّة بين الحزب والنظام، في ظل وجود خصومة سياسية تاريخية معه.
في السياق الإقليمي، تعود المفاوضات الاميركية - الإيرانية لتتصدر الواجهة، مدفوعة بحاجة الطرفين إلى تهدئة شاملة. وإذا ما كُتب لهذه المفاوضات أن تتقدّم، فإن الحزب سيكون أحد أبرز المستفيدين من مناخ الاستقرار الناتج عنها، خصوصًا أنه بات يدرك أن أي مواجهة واسعة ليست في مصلحته في الوقت الراهن. ووفق مصادر مطلعة، فإن الحزب يُظهر استعدادًا واضحًا للتعايش مع المرحلة، بل ينظر إليها كفرصة لترتيب أوراقه الداخلية، السياسية والتنظيمية والمالية.
هذا المناخ الهادئ نسبيًا، والذي قد يفرضه التفاهم الإيراني - الاميركي، لا يبدو أن الحزب سيعارضه، بل على العكس، قد يراه مناسبًا لإعادة التموضع داخل الساحة اللبنانية، لا سيما إذا ترافقت التهدئة مع انشغال إسرائيل بتحدياتها الداخلية، سواء السياسية أو الأمنية. أما في ما يخص العلاقة مع سوريا، فسيبقي الحزب تعاطيه في حدود الضرورة، باعتبارها دولة شقيقة، وإن تباعدت الخيارات في الملف الفلسطيني.
خلاصة المشهد تفيد بأن حزب الله يدخل في مرحلة من التهدئة المدروسة، ستتيح له استعادة التوازن داخليًا، والبقاء على تماس مع الملفات الإقليمية من دون التورط فيها. مرحلة السلم المقبلة ليست مرحلة انسحاب، بل هي، بالنسبة إليه، فرصة لإعادة الانتشار السياسي تمهيدًا لجولة جديدة في المشهد اللبناني المعقّد.
المصدر: لبنان24 مواضيع ذات صلة لقاء نقابي في الهرمل بين "حزب الله" وحركة "أمل" Lebanon 24 لقاء نقابي في الهرمل بين "حزب الله" وحركة "أمل"