كشفت دعوى قضائية أقامها رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، إمام المحكمة الاتحادية العليا، ضد رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، عن صراع خفي يدور خلف الكواليس بين أعلى سلطتين تنفيذيتين في البلد، الأمر الذي ينذر بأزمة سياسية جديدة.

وطبقا للدستور العراقي لعام 2005، فإن السلطة التنفيذية، تتكون من رئيس الجمهورية، ومجلس الوزراء، وبينما يكون الأول هو المعني بتكليف شخص رئيس الوزراء في تشكيل الحكومة، فإن الأخير هو المسؤول التنفيذي المباشر عن السياسة العامة للدولة، والقائد العام للقوات المسلحة.



مناكفات رسمية
الوثائق الصادرة عن مكتب رئيس مجلس الوزراء العراقي، التي تناقلتها مواقع محلية، الجمعة، تفيد بأن السوداني أقام دعوى لدى المحكمة الاتحادية العليا للطعن بعدم دستورية قانون ديوان الرئاسة لسنة 1984 المعدل، والنظام الداخلي لرئاسة الجمهورية المقرّ برلمانيا عام 2023.

وتشير الوثائق إلى اعتراض السوداني على عمل الرئاسة العراقية بقانون يعود إلى عام 1984، كونه لا ينسجم مع دستور البلاد الجديد في 2005، وشكل الدولة الاتحادي، إضافة إلى اعتراضه على منح منصب رئيس ديوان الرئاسة درجة وزير، إضافة إلى وكيلين بالدرجة ذاتها.

وبعد يومين من تداول وثائق الشكوى المقامة ضد رئاسة جمهورية العراق، أصدرت الأخيرة بيانا دعت فيه إلى تحقيق الشراكة الوطنية في إدارة الدولة دون تمييز أو إقصاء، وذلك في ذكرى "ثورة" 14 تموز عام 1958، والتي قلبت نظام الحكم في البلاد من الملكي إلى الجمهوري.

وقالت الرئاسة: "يستعيد شعبنا اليوم الذكرى السنوية لثورة الرابع عشر من تموز وتأسيس النظام الجمهوري في بلدنا لإدارة الحكم والسلطات على أسس ديمقراطية، وقد أقر الدستور ذلك. وبذلك فقد عبّر الدستور المستفتى عليه شعبيا عن الموقف الشعبي المتمسك بنظامه الجمهوري".



وأكدت الرئاسة العراقية "أهمية المضي قدما بنظامنا الديمقراطي والعمل على تحقيق الشراكة الوطنية في إدارة الدولة بين أطياف الشعب العراقي جميعا دون تمييز أو إقصاء والمشاركة الفاعلة في العملية السياسية بما يعزز إرادة الشعب، ويمنع عودة الديكتاتورية والتفرد باتخاذ القرارات، ويحقق مطامحه في بناء دولته الحرة الكريمة والمتقدمة، وترسيخ تجربته الديمقراطية".

وعلى ضوء ذلك، تساءل المحلل السياسي المنتمي للإطار التنسيقي الشيعي عباس العرداوي، عن المستفيد من الصراع بين الرئاستين، مؤكدا أن أحدهم أعد لائحة بمخالفات دستورية، والثاني يستعد لإصدار قرار بسحب الصلاحيات من الأول بسبب مخالفات دستورية أيضا.

وقال العرداوي خلال مقابلة تلفزيونية، الأحد، إن "الاطار التنسيقي الشيعي شخص جملة من الخروقات لرئيس الوزراء وفريقه الذي يعمل معه، وبدأ الحديث بشكل صريح حول آلية التعامل مع هذه الخروقات المؤشرة، وأخذت حراكها الواضح".

في المقابل، يؤكد العرداوي، أن "الطرف الآخر وهو رئيس الوزراء قام برفع دعوى ضد ديوان رئاسة الجمهورية، وهذا يفيد بأن تحركه في الوقت الحالي سببه منع الإطاحة به، وأن يجعل الآخرين يفكرون طويلا أمام إنهاء دورته في رئاسة الحكومة الحالية".

وتربط رئيس جمهورية العراق الحالي علاقة قوية مع قوى الإطار التنسيقي، ولاسيما "عصائب أهل الحق"، بقيادة قيس الخزعلي، وائتلاف "دولة القانون" برئاسة نوري المالكي، كونه ينتمي إلى "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل الطالباني، الحليف القريب من إيران.

يأتي هذا الحراك، في ظل حديث وسائل إعلام عراقية تحدثت عن مساعي يقودها محمد شياع السوداني لتفتيت الإطار التنسيقي الشيعي، وبدأ بالفعل في ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وسحب عددا من نوابه المخضرمين إلى صفه، ولا سيما النائب عالية نصيف.

"تقليم أظافر"
في المقابل، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، سعدون التكريتي، لـ"عربي21" إن "رئيس الجمهورية قدم خروقات دستورية إلى الإطار التنسيقي، قامت بها الحكومة العراقية، والتي قد تكون إما بدافع شخصي من عبد اللطيف رشيد نفسه، أو  بدفع من الأكراد للضغط على الحكومة".

وأوضح الباحث لـ"عربي21" أن "دعوى رئيس مجلس الوزراء القضائية ضد رئاسة الجمهورية وديوانها، في حال كسبها السوداني، فإن الجهات التي ستتأثر هي: فريق المستشارين، وخصوصية ديوان الرئاسة المالية، إضافة إلى ⁠صلاحيات الرئيس نفسه".

وأعرب التكريتي عن استغرابه من أن "رئاسة الجمهورية لا يزال ينظّم عملها قانون عام 1984، وأن الرئيس ذو صلاحيات واسعة، لأن ما نص عليه الدستور لم يجر حتى الآن تنظيمه بقانون، بمعنى أن الرئيس الحالي يعمل بصلاحيات الرئيس السابق صدام حسين".

ورأى الباحث أن "الأمور إذا استمرت بهذه السجالات والدعاوى القضائية، فإنها ذاهبة إلى التقنين، وهذا سيفتح أبوابا من الجدل والصراع، ليكون عدم الاستقرار سمة الرئاسات الثلاث مع خلو كرسي رئيس البرلمان، إضافة إلى أن الأكراد لن يقبلوا بتقليم أظافر صلاحيات رئيس الجمهورية".



ومن جانب قانوني، قال الخبير القانوني العراقي، علي التميمي إن "الدعوة التي أقامها السوداني إضافة لوظيفته ضد رئيسي الجمهورية والبرلمان إضافة إلى وظيفتيهما، تعني أنها ليست استهداف شخصي، وإنما طالب بعدم دستورية قانون ديوان رئاسة الجمهورية لسنة 1984، وإلغاء النظام الداخلي لديوان الرئاسة السابق".

وأوضح التميمي لـ"عربي21" أن "وجود قانون ديوان الرئاسة السابق رقم 4 لسنة 1984 يتعارض مع المواد الدستور العراقي، لأن النظام السياسي قبل عام 2003 كان رئاسيا وليس برلمانيا كما هو الآن، وأن قانون ديوان الرئاسة يعتبر رئيس ديوان الرئاسة بدرجة وزير، كما هناك مستشارين كثر للأخير".

وأشار الخبير القانوني العراقي إلى أن "الموضوع يحتاج إلى تشريع البرلمان قانونا جديدا لديوان رئاسة الجمهورية، وأيضا نظام داخلي جديد يحدد كل الاختصاصات والواجبات وفقا للدستور الجديد ونظام اللامركزية الذي أقر في عام 2005"..

ولفت إلى أن "هذه أول دعوى تقاوم من هذا النوع، وأن المحكمة الاتحادية لا تتحرك تلقائيا، وإنما يجب أن تكون هناك دعوى فيها مدّعي ومدّعى عليه ولائحة، وأن الكثير من القوانين بحاجة إلى التعديل فبعضها يتعلق بالحاكم الأميركي السابق للعراق بول بريمر".

ونفى التميمي أن "يكون الموضوع يتعلق بنزاع في الصلاحيات بين رئاستي الجمهورية ومجلس الوزراء، لأن لكل منهما قوانين في الدستور تحدد عملهما، إضافة إلى وجود قانون يخص المستشارين وشروطهم".

وخلص الخبير القانوني إلى أن "المحكمة الاتحادية إذا حكمت لصالح دعوى رئاسة الوزراء- وهذا ما أتوقعه، فإن رئاسة الجمهورية ملزمة بإعداد مشروع قانون جديد لها وإرساله إلى البرلمان من أجل تشريعه، ثم تعد نظاما داخليا وفقا للقانون المشرّع برلمانيا".

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية العراقي الحكومة الصراع الرئيس العراق الحكومة الرئيس الصراع المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الاتحادیة رئاسة الجمهوریة رئیس الجمهوریة دیوان الرئاسة قانون دیوان إضافة إلى إلى أن

إقرأ أيضاً:

ماذا تعرف عن الصراع الخفي داخل العائلة الحاكمة في الإمارات؟

نشر موقع "إنسايد أوفر" تقريرا يسلّط الضوء على الصراع الخفي داخل العائلة الحاكمة في الإمارات بين الشقيقين طحنون وهزاع بن زايد، ومدى تأثير ذلك على توازن الحكم في البلاد.

واعتبر الموقع في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن الرجلين يمثلان وجهين مختلفين لعملة واحدة في دولة تبحث عن تحقيق التوازن بين عملية التحديث والحفاظ على التماسك الداخلي، وهو ما يطرح تحديات كبيرة أمام السلطة الحاكمة.

نفوذ طحنون
وقال الموقع إن طحنون بن زايد آل نهيان يعتبر الرجل الأقوى في الإمارات بعد الرئيس محمد بن زايد، ويشغل منذ عام 2016 منصب مستشار الأمن الوطني، لكن وصفه بـ"المسؤول" لا يعكس مدى نفوذه الحقيقي، إذ يسيطر على إمبراطورية اقتصادية تُقدَّر قيمتها بأكثر من 1.5 تريليون دولار، ويستثمر في عدة مجالات، تمتد من الذكاء الاصطناعي إلى التقنيات الحيوية وصولًا إلى أنظمة المراقبة المتطورة.

ويظهر اسم طحنون في قمة هرم شركتَي "جي 42" و"إم جي إكس"، وهما شركتان تقنيتان إماراتيتان أقامتا شراكات مع عمالقة مثل مايكروسوفت، و"بلاك روك"، و"غلوبال إنفراستركتشر بارتنرز".
وأوضح الموقع أن هذه الاستراتيجية تنسجم تمامًا مع أهداف أبوظبي، التي تسعى إلى استخدام الابتكار التكنولوجي كأداة لدعم القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لذلك يسعى طحنون إلى الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والحرب الرقمية، وهي أدوات تجعل أبوظبي لاعبًا مؤثرًا في الجغرافيا السياسية العالمية.


الحرب السيبرانية على الخصوم
وأكد الموقع أن صورة طحنون كرجل أعمال يستثمر في المستقبل، هي واجهة تختفي وراءها اتهامات كثيرة بقيادته لحملات اختراق إلكتروني ضد المعارضين، واستخدام برمجيات تجسّس ضد الخصوم في الداخل والخارج، وعمليات تدخل غير معلنة في الصراعات الإقليمية. 
وأضاف الموقع أن طحنون لا يظهر كثيرا ويعمل بعيدا عن الأضواء، إلا أن نفوذه يمتد إلى كل مكان تتقاطع فيه المصالح الاقتصادية مع الأمن.

دور محلي لهزاع
أشار الموقع إلى أن هزاع بن زايد الذي تم تعيينه هو الآخر نائبًا لحاكم أبوظبي في عام 2023، وأوكل إليه محمد بن زايد مهمة تمثيل الحكومة في منطقة العين، يختلف تماما عن شقيقه طحنون.
وحسب الموقع، فإن أنشطة هزاع محدودة في إطار مؤسسي واحتفالي، وتشمل عقد لقاءات مع الهيئات المحلية وتقييم مشاريع تتعلق بالبنية التحتية والطاقة والنقل والتطوير العمراني والتراث الثقافي.

ويبدو هزاع بمثابة الوصي على البُعد "المحلي" أو "الميداني" للسلطة الإماراتية، وهو أقرب إلى احتياجات المجتمع المحلي، على عكس شقيقه الذي يركز على الملفات الجيوسياسية العالمية.

المنافسة بين طحنون وهزاع
يرى الموقع أنه رغم هذا التقسيم الظاهري للأدوار، بدأت التوترات تطفو على السطح، حيث ظهرت تقارير حديثة تقول إن هزاع حاول توسيع نفوذه ليشمل إدارة ملفات الأمن والعلاقات مع الوكلاء الإقليميين الذين تدعمهم أبوظبي في صراعات مثل اليمن وليبيا والسودان، وهي الملفات التي كانت ضمن نطاق نفوذ طحنون.

وتعكس المنافسة الداخلية بين الأخوين -وفقا للموقع- السمات النموذجية للملَكيات العائلية، حيث تتغير التوازنات وتتصاعد الطموحات، وتؤثر الخلافات الخفية على المشهد حتى إن لم تظهر بشكل علني.
ويوضح الموقع أن تعيين طحنون وهزاع كنائبين لحاكم أبوظبي عام 2023 جاء في إطار إعادة هيكلة واسعة قررها محمد بن زايد، حيث عيّن حينها ابنه خالد وليًّا للعهد ووريثًا للحكم، وشقيقه منصور نائبًا للرئيس.

ويؤكد الموقع أن تلك الاستراتيجية ترمي إلى تعزيز تماسك العائلة الحاكمة وضمان بقائها في السلطة في خضم التوترات الإقليمية والدولية.


التوازن الصعب
حسب الموقع، تُظهر مسيرة الأخوين طحنون وهزاع الازدواجية الجوهرية في هوية الإمارات، حيث يمثل الأول صورة الدولة التي تسعى إلى ترسيخ حضورها العالمي عبر التكنولوجيا والتمويل والاستخبارات؛ ويمثل الثاني الوجه المؤسسي الذي يرعى الشؤون المحلية ويُرسّخ التوافق الداخلي.
فالإمارات هي من ناحية مختبر تكنولوجي عالمي، ومن ناحية أخرى ملكية تقليدية تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين التحديث والحفاظ على التماسك الاجتماعي.

وخلص الموقع إلى أن التوترات بين طحنون وهزاع، تكشف أن وراء صورة الدولة المتماسكة التي تتطلع إلى المستقبل، تعقيدات كبيرة تحيط بنظام الحكم في الإمارات رغم أن محمد بن زايد مازال يمسك بخيوط المعادلة.

ويختم الموقع بأن استقرار الإمارات على المدى البعيد لن يعتمد فقط على تحالفاتها مع واشنطن أو بكين، ولا على استثماراتها الهائلة في قطاعات التكنولوجيا المتقدمة، بل على قدرة العائلة الحاكمة على الحفاظ على وحدتها السياسية الداخلية دون تصدّع أو انقسام.

مقالات مشابهة

  • بارزاني: عدم تطبيق الدستور وراء الأزمات مع بغداد
  • رؤساء دول أكدوا حضورهم قمة شرم الشيخ غدا.. رئاسة الجمهورية تكشف التفاصيل
  • الرئاسة تعلن قائمة أسماء الدول المشاركة في قمة شرم الشيخ غدا
  • سباق الرئاسة في غينيا يشتعل.. 50 حزبا و16 مستقلا يعلنون ترشحهم
  • ماذا يحدث لجسمك عند تناول الشوفان
  • رئيس الوزراء البريطاني يؤكد حضوره القمة الدولية لتوقيع اتفاق إنهاء الحرب في غزة
  • رئاسة الجمهورية: قمة شرم الشيخ للسلام” برئاسة السيسي وترامب .. الإثنين
  • «بخط يده».. ماذا كتب رئيس الوزراء في رسالته لـ مجموعة العربي؟
  • ماذا تعرف عن الصراع الخفي داخل العائلة الحاكمة في الإمارات؟
  • برلماني يكشف موعد حسم اعتراضات رئيس الجمهورية على قانون الإجراءات الجنائية