كيف تحول بالمر لوكي إلى توني ستارك في الحياة الواقعية بأسلحته الذكية في أوكرانيا؟
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
تتشابه خوذ الواقع الافتراضي وأسلحة الذكاء الاصطناعي في شيء واحد فقط، إذ ساهمتا في صنع ثروة بالمر لوكي وتحويله إلى أحد أثرياء العالم قبل أن يتم ربيعه الـ30، وذلك عقب بيعه شركته الأولى "أوكيلوس" لصالح فيسبوك بملياري دولار عام 2014، فضلا عن المبيعات والأرباح التي حققها منذ تأسيس الشركة وحتى بيعها.
أسس لوكي شركته الأولى في عام 2009 عندما كان يبلغ من العمر 16 ربيعا وأصبح من أثرياء العالم في الـ21 من عمره، والآن وجد فرصة استثمارية جديدة وقرر استغلالها، وعلى خطى فيلم "وور دوغ" و"لورد أوف وور" اتجه إلى التجارة في الأسلحة الفتاكة، ليصبح التجسيد الأقرب لشخصية "توني ستارك" من عالم "مارفل السينمائي"، وذلك عبر تأسيس شركة "أندوريل" المتخصصة في صناعة أسلحة معززة بالتقنيات الحديثة.
يظهر تأثر لوكي البالغ بالثقافة الدارجة في عالم الأفلام والمسلسلات كثيرا، بدءا من ملابسه المزدانة بشخصيات من ألعاب "دانغون آند دراغونز" وحتى الاسم الذي اختاره لشركته، إذ اقتبس اسم "أندوريل" من السيف الشهير في عالم "لورد أوف ذا رينغز"، والذي ظهر في كافة أفلام السلسلة.
تسعى "أندوريل" إلى تغيير مفهوم الأسلحة المعتادة، وهي واحدة من شركات تقنية عدة قررت اقتحام هذا القطاع وتطوير أسلحة مدعومة بالذكاء الاصطناعي بهدف خفض الخسائر في القوات البشرية مع تعزيز القدرات العسكرية للجيوش المختلفة، ورغم أن البنتاغون هو أهم عملاء "أندرويل" فإن شبكة تعاملاته التجارية توسعت لتشمل 10 دول مختلفة حول العالم.
يعرض لوكي أحد ابتكاراته التي تستخدم تقنية الطائرات المسيرة وهو سلاح "ألتيوس"، ويتكون من طائرة مسيرة مضغوطة وموضوعة في أنبوب زجاجي لتصبح مثل قذيفة مدفع، وعندما تُطلق المسيّرة إلى الهواء فإنها تتحول إلى طائرة مصغرة عبر فرد جناحيها لتوصل قذيفة مدفعية يتجاوز وزنها 13 كيلوغراما، مسببة دمارا كبيرا لأي هدف تضعه أمامها.
يمتلك "ألتيوس" مدى أوسع من قذائف المدافع المعتادة، فضلا عن إمكانية توجيهه إلى الهدف عن بعد ودون الوجود في ساحة القتال مباشرة، ليصبح من الممكن إصابة الأهداف البعيدة داخل مناطق العدو دون اختراق دفاعاته أو حتى الاقتراب منها.
يجد لوكي مبررا للاستثمار في هذا القطاع تحديدا، لأن شركات الأسلحة الضخمة لا تمتلك المهارات اللازمة للاستثمار واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي أو الأسلحة الروبوتية، والشركات التي تمتلك هذه القدرة مثل غوغل وآبل لا ترغب في الاستثمار بالأسلحة، وهو الأمر الذي خلق فجوة بين الطلب المتزايد على أسلحة تحمي الجنود وتقلل خسائرهم وغياب الشركات القادرة على تلبية هذا الطلب المتزايد، وهو ما تسعى "أندرويل" إليه، إذ تقدم أسلحة أكثر تقدما بشكل أسرع من المنافسين وعند تكاليف أقل من الأسلحة التقليدية في بعض الحالات، ورغم أن هذا التوجه أثار حنق المجتمع التقني فإن لوكي من الشخصيات التي لا تهتم كثيرا بما يقوله الآخرون، وفي النهاية كان من أثرى رجال العالم قبل أن يبلغ الـ30 من عمره.
اقتناص الفرصة في حرب أوكرانيامرت أيام عدة على الغزو الروسي لأوكرانيا قبل أن يصل لوكي إلى العاصمة الأوكرانية لمقابلة رئيس الحكومة وإقناعه بالاستثمار في أسلحة "أندرويل" التي كانت موجودة بالفعل داخل حدودهم، وفي وقت قصير أصبحت ساحة الحرب الأوكرانية معمل اختبارات لأسلحة وتقنيات "أندرويل" والشركات التقنية الأخرى.
اعتمدت أوكرانيا كثيرا في حربها الأخيرة على الأسلحة المعززة بالذكاء الاصطناعي، فضلا عن الأسلحة التقليدية والأسلحة البدائية، إذ يقوم الجنود بشراء الطائرات المسيرة المعتادة وإرفاق أسلحة وقنابل بها لتستخدم في الهجوم على المركبات المدرعة أو الجنود الروس غير المدركين لما يحدث حولهم، ولكن كل هذه الجهود كانت دون طائل في أغلب الأحيان، إذ لم تستطع منع الوفيات بين صفوف الجيش الأوكراني أو حتى تغيير مجرى الحرب لصالحها، وحتى اليوم لا تزال الحرب مستعرة بين الطرفين.
شهادات الجنود الأوكرانيين الذين استخدموا هذه التقنيات تؤكد أنه ما زال أمامنا الكثير حتى نصل إلى الحروب المدارة من قبل الذكاء الاصطناعي بشكل كامل، وذلك وفق تصريح بريان شيمبف المدير التنفيذي للشركة أثناء مقابلة مع محطة "سي إن بي سي"، والذي نقل شهادات متنوعة بشأن توقف المسيّرات بعد مرور شهر كامل على استخدامها، فضلا عن الأعطال المتنوعة التي تظهر بشكل مفاجئ أثناء استخدام هذه الأسلحة في مواقف الحياة والموت التي يخضع لها الجيش الأوكراني بشكل مستمر.
بدوره، يرى سينجر -وهو أحد الخبراء في الأسلحة التقنية والحروب بشكل عام- أن العالم ينظر إلى أسلحة الذكاء الاصطناعي بشكل خاطئ، إذ يجب أن ينظر لها على أنها إضافة إلى الأسلحة الموجودة والقوى البشرية المكونة لأي جيش، وليست بديلا مباشرا عنها حتى تتضافر جهود الجانبين لتغيير مجرى الحرب وتحقيق الفائدة القصوى.
لم يجلس الجيش الروسي مكتوف اليدين أمام استخدام التقنية وأسلحة الذكاء الاصطناعي ضده، لذا ابتكر طرقا للتدخل وتعطيل أنظمة التوجيه والأنظمة الإلكترونية للطائرات المسيرة حتى لا تصيب أهدافها بشكل مباشر عقب خسارتها الاتصال مع أجهزة التوجيه وأنظمة تحديد المواقع.
هذا التدخل من الجيش الروسي دفع "أندرويل" إلى تطوير أنظمتها بشكل كبير، وذلك عبر إضافة أنظمة توجيه مسبقة، حيث يتم إدخال الهدف قبل إطلاق الطائرة المسيرة، وهو الأمر الذي يحميها من التشويش المغناطيسي، فضلا عن تطوير أنظمة تتعرف على الأهداف لتبدأ الطائرة هجومها تلقائيا.
لم تعد مسيّرات لوكي محصورة بالسماء فقط، إذ تمكن من تطوير أنظمة مسيّرات قادرة على السباحة والهجوم تحت الماء عن بعد، وتحت اسم "دايف- إل دي" كشف لوكي عن هذه المسيّرة القادرة على الغوص حتى 6 آلاف متر تحت سطح البحر وتنفيذ الهجمات بدقة كاملة، وبالطبع يتم التحكم في هذه الغواصات الآلية عن طريق نظارات واقع افتراضي تجعلك مطلعا على كل ما يتعلق بالغواصة وآلية استخدامها.
أثارت هذه الغواصات اهتمام البحرية الأميركية، خاصة بعد أن شاهدت نجاحاتها مع الجيش الأوكراني في الهجوم على السفن الروسية الموجودة في البحر الأسود والضرر الذي تسببت به، وفورا تم التعاقد مع "أندرويل" على 200 غواصة بحرية.
ورغم دعم لوكي الكبير لحملة ترشح ترامب للرئاسة فإنه لا يهمه من يفوز في السباق الرئاسي، لأنه في كلتا الحالتين سيحقق الأموال نتيجة العقود العسكرية الحكومية التي يحصل عليها باستمرار، كما أكد أنه ينوي العمل على المزيد من أسلحة الذكاء الاصطناعي لكل المهتمين بها والقادرين على شرائها.
تمتلئ الأفلام والمسلسلات بالشخصيات المماثلة لشخصية بالمر لوكي، ولكن لا يوجد مثال أكثر وضوحا من "توني ستارك" الذي جسده الممثل روبرت داوني جونيور في عالم "مارفل السينمائي"، إذ كان تاجر حرب من الدرجة الأولى سخّر كافة جهوده وعبقريته لبناء أسلحة ذكاء اصطناعي وتقنيات جديدة في الحروب، قبل أن يبتعد عن هذا القطاع ويتجه إلى الأعمال الخيرية وارتداء بزة "آيرون مان" الخارقة بعد أن كاد يلقى حتفه بسبب أحد أسلحته، ولكن على عكس النهايات السعيدة في عالم "مارفل" قد لا يترك لوكي مساره على الإطلاق.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أسلحة الذکاء الاصطناعی فضلا عن فی عالم قبل أن
إقرأ أيضاً:
هل يُعلن الذكاء الاصطناعي نهاية الفأرة ولوحة المفاتيح؟
مع تسارع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، أصبح بإمكان المستخدم تنفيذ مهام معقدة عبر الأوامر الصوتية فقط، من حجز تذاكر السفر وحتى التنقل بين نوافذ المتصفح. غير أن هذا التقدم اللافت يثير سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يستغني بالفعل عن لوحة المفاتيح والفأرة؟ يبدو أن الإجابة تكمن في ما يُعرف بـ"الخطوة الأخيرة" تلك اللحظة الحاسمة التي تتطلب تأكيدًا نهائيًا بكلمة مرور أو نقرة زر، حيث يعود زمام التحكم إلى الإنسان.
حدود الثقة
رؤية مساعد ذكي مثل Gemini من Google وهو يحجز تذاكر مباراة في ملعب أنفيلد أو يملأ بيانات شخصية في نموذج على موقع ويب، قد تبدو أقرب إلى السحر الرقمي. لكن عندما يتعلق الأمر بلحظة إدخال كلمة المرور، فإن معظم المستخدمين يتراجعون خطوة إلى الوراء. في بيئة عمل مفتوحة، يصعب تخيل أحدهم يملي كلمة سر بصوت مرتفع أمام زملائه. في تلك اللحظة الدقيقة، تعود اليد البشرية إلى لوحة المفاتيح كضمان أخير للخصوصية والسيطرة.
اقرأ أيضاً..Opera Neon.. متصفح ذكي يُنفّذ المهام بدلاً عنك
الخطوة الأخيرة
رغم ما وصلت إليه المساعدات الذكية من كفاءة، إلا أن كثيرًا من العمليات لا تزال تتعثر عند نهايتها. إدخال كلمة مرور، تأكيد عملية دفع، أو اتخاذ قرار حساس — كلها لحظات تتطلب لمسة بشرية نهائية. هذه المعضلة تُعرف بين الخبراء بمشكلة "الميل الأخير"، وهي العقبة التي تؤخر الوصول إلى أتمتة كاملة وسلسة للتجربة الرقمية.
سباق الشركات نحو تجاوز العجز
تحاول شركات التكنولوجيا الكبرى كسر هذا الحاجز عبر مشاريع طموحة. كشفت Google عن Project Astra وProject Mariner، وهي مبادرات تهدف إلى إلغاء الحاجة للنقر أو الكتابة يدويًا وذلك بحسب تقرير نشره موقع Digital Trends. في المقابل، يعمل مساعد Claude من شركة Anthropic على تنفيذ الأوامر من خلال الرؤية والتحكم الذكي، حيث يراقب المحتوى ويتفاعل كما لو كان مستخدمًا بشريًا.
أما Apple فتعوّل على تقنية تتبع العين في نظارة Vision Pro، لتتيح للمستخدم التنقل والتفاعل بمجرد النظر. بينما تراهن Meta على السوار العصبي EMG، الذي يترجم الإشارات الكهربائية من المعصم إلى أوامر رقمية دقيقة، في محاولة لصياغة مستقبل دون لمس فعلي.
ثورة سطحية
رغم هذا الزخم، ما يتم تقديمه حتى الآن لا يبدو كاستبدال حقيقي للأدوات التقليدية، بل أقرب إلى إعادة صياغة شكلية لها. لوحة المفاتيح أصبحت افتراضية، والمؤشر تحوّل إلى عنصر يتحكم به بالبصر أو الإيماءات، لكن جوهر التفاعل بقي على حاله. هذه التقنية تحاكي الوظائف التقليدية بواجهات جديدة دون أن تتجاوزها كليًا.
الطموح يصطدم بالواقع
تجدر الإشارة إلى أن معظم هذه التقنيات لا تزال إما في طور التطوير أو محصورة في أجهزة باهظة الثمن ومحدودة الانتشار. كما أن المطورين لم يتبنّوا بعد واجهات تتيح الاعتماد الكامل على الأوامر الصوتية أو التفاعل بالإشارات داخل التطبيقات الشائعة، ما يجعل الانتقال الكامل بعيدًا عن أدوات الإدخال التقليدية حلمًا مؤجلًا في الوقت الراهن.
الذكاء الاصطناعي.. شريك لا بديل
في نهاية المطاف، لا يبدو أن الذكاء الاصطناعي سيقضي على لوحة المفاتيح أو الفأرة في القريب العاجل. هو بالتأكيد يقلل من اعتمادية المستخدم عليهما، ويقدّم بدائل ذكية وسريعة، لكنه لا يلغي الحاجة إلى التحكم اليدوي، خاصة في المواقف التي تتطلب دقة أو خصوصية أو مسؤولية مباشرة. ربما نصل يومًا إلى تجربة صوتية كاملة تتفاعل مع نظراتنا وحركاتنا، لكن حتى ذلك الحين، سنبقى نضغط الأزرار ونحرّك المؤشرات بحذر وثقة.
إسلام العبادي(أبوظبي)