صحيفة الاتحاد:
2025-06-13@11:07:19 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: جمالية النقص

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

يشير العماد الأصفهاني إلى استيلاء النقص على البشر، ويحيل إلى حال الكتابة بوصفها أبرز حالات تكشّف العيب فيقول (إِنِّي رَأَيتُ أَنَّهُ لاَ يَكْتُب أَحَدٌ كِتَاباً فِي يَومِهِ إِلاّ قَالَ فِي غَدِهِ: لَو غُيِّرَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَن، وَلَو زِيدَ هَذَا لَكَانَ يُسْتَحسَن، وَلَو قُدِّمَ هَذَا لَكَان أَفْضَل، وَلَو تُركَ هَذَا لَكَانَ أَجْمَل.

وَهَذَا مِن أَعْظَمِ العِبَرِ، وهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اِستِيلاَءِ النقصِ عَلَى جُملَةِ البَشَرِ)، ومثله ذكر طه حسين في مقابلة بثها التلفزيون السعودي، حيث أجاب عن سؤال ماجد الشبل عن نظرة طه حسين لكتبه فقال: لست راضياً تمام الرضا عن أي كتاب من كتبي، ولم يزد على هذه الجملة وهي جملة كافية لتعبر عن نفسها، ولتستعيد مقولة العماد الأصفهاني، وكأن العميد يتقمص العماد، وكما قال الأصفهاني فهي تشير إلى حالة استيلاء النقص على البشر، والكتابة هي في جوهرها محاولة لتحويل المكتوم إلى معلوم فهي تفجير لكوامن الروح ولطافات النفس، ولكن لغة الروح ولغة النفس أبلغ من لغة الجسد التي هي لغة اليد واللسان، وترجمة ما في الروح أو في النفس أو العقل هي أصعب أنواع الترجمات، وكل ترجمة هي نقل للقول من لغة إلى لغة، وتبعاً لهذا تتصعب ترجمة الشعر بين اللغات، لأن الشعر في أصله ترجمة للروح وللنفس، وكما أن كتابة ما في الروح والنفس تتصعب على الكاتب الأول فحتماً ستتصعب أكثر وأكثر على الكاتب الثاني الذي يطمح عادة لترجمة روح النص وليس لظاهر لفظه، وسيتضاعف النقص مع الشعر كما هو ملموس عند كل من حاول ترجمة أي شعر من لغة إلى لغة أخرى، وقد حدث لي ذلك حين حاولت ترجمة بعض قصائد للشاعر الإيرلندي ييتس، وقد كنت معجباً به أيام السبعينيات أثناء بعثتي لبريطانيا، وكنت أمضي أوقاتاً مع شعره، ونقلت بعضها إلى العربية، ولكني عجزت حقاً أن أقتنع بأني قد بلغت درجة التأثير التي في النص الأصلي، وكلما قرأت النص الإنجليزي ثانيةً وثالثةً، ثم قارنته بما خطته يدي من ترجمات له أحسست بأن النص في ترجمتي أصبح غريباً وناقصاً، وانتهى بي الأمر أن ألغيت مشروع الترجمة بسبب هذه الثغرة العميقة التي تظهر لي نقصان النص وانكشافه مجرداً من ثيابه المجازية رغم محاولاتي تلبيسه ثياباً مجازية مستعارة، لكن هذا لم ينتج نصاً يحمل الأثر ذاته كما في الأصل.
ولعل هذا هو ما حدث لحال المتنبي مع المستشرقين، حيث ظل مقامه عندهم أقل من مقام أبي نواس مثلاً كما صرح نيكلسون، وأدرك نيكلسون ذلك بحذاقة مشكورة، حيث قال (إن كان الإنجليز هم الأولى في تذوق شكسبير فالعرب بلاشك هم الأولى في تفضيل المتنبي)، وهي مقولة توحي بحس نيكلسون بعجزه عن ترجمة روح المتنبي وحكمته إلى الإنجليزية، ما جعل نصوصه العظيمة عندنا تتبدى أقل عظمةً في الذائقة الإنجليزية، وهذا اعتراف يشبه اعتراف العماد الأصفهاني بالنقص البشري، وهو هنا عجز لغة ما عن تقمص روح لغة غيرها تختلف في روحها ونسقها الوجداني والعقلي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: لوثة الإبداع وحرقة الفكر د. عبدالله الغذامي يكتب: المتنبي والزمن المستحيل

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي ه ذ ا ل ک ان

إقرأ أيضاً:

تخطت النص مليون.. استمرار أعمال توريد القمح بشون وصوامع المنيا

أعلن اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أن إجمالي كميات القمح التي تم توريدها لصوامع وشون المحافظة منذ بدء موسم التوريد لعام 2025 بلغ 506 آلاف و78 طنًا و646 كيلوجرامًا، في إطار جهود الدولة لدعم منظومة الأمن الغذائي وتعزيز المخزون الاستراتيجي من السلع الأساسية.

وأكد المحافظ انتظام سير عمليات التوريد بكافة المواقع المعتمدة على مستوى مراكز المحافظة، مشيراً إلى وجود متابعة ميدانية يومية لضمان تيسير الإجراءات أمام المزارعين، والالتزام بالضوابط التي أقرتها وزارة التموين.

وأشار إلى أن غرفة العمليات الرئيسية بالمحافظة تعمل على مدار الساعة لمتابعة نسب التوريد أولاً بأول، والتدخل الفوري لحل أي معوقات بالتنسيق مع مديريات التموين والزراعة والجهات الرقابية المختصة، لضمان تحقيق موسم ناجح وآمن.

وشدد محافظ المنيا على أهمية الالتزام بتحقيق المستهدفات خلال الموسم الحالي، بما يدعم توجهات الدولة نحو تعزيز الإنتاج المحلي من الحبوب وتقليل الاعتماد على الاستيراد، موجهاً الشكر للمزارعين على تعاونهم ودورهم الحيوي في دعم الأمن الغذائي لمصر.

من جانبه، أوضح المهندس عبد الباسط عبد النعيم، وكيل وزارة التموين بالمحافظة، أنه تم تشكيل لجان فنية متخصصة لفحص كميات القمح الموردة وتقييم جودتها وفقًا للمعايير المعتمدة، إلى جانب إعداد تقارير يومية لمتابعة سير العمل بمواقع الاستلام ورصد حركة التوريد أولاً بأول.

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: المشروعات " الوطنية " الكبري !!
  • النص الكامل لحكم استئناف متهمي "داعش العمرانية"
  • راشد عيسى: الشعر رسالة جمالية تنتصر للفكر الإبداعي وتتساءل عن هوية الإنسان
  • تخطت النص مليون.. استمرار أعمال توريد القمح بشون وصوامع المنيا
  • عدن روح المشروع الوطني
  • د.حماد عبدالله يكتب: الصحافة..... وسنينها !!!!!
  • د.حماد عبدالله يكتب: " عدم إنسانية " الطاقة الحيوية !!
  • في مواجهة الأدب العالمي .. جديد المركز القومي للترجمة
  • غربنة: تفكيك البنية الحكائية من منظور نسوي
  • فنانون من ذهب يجسدون جداريات بلمسات جمالية مبهرة في أسوان.. شاهد