(CNN)-- تنام إحدى النساء بسكين تحت وسادتها، على أمل أن تتمكن من حماية نفسها من الرجال المسلحين الذين قد يقتحمون منزلها ليلا. وتعرضت أخرى للاغتصاب "مرات عديدة لعدة أيام" مع بناتها الأربع، بينما أُجبر زوجها وأبناؤها على المشاهدة.

وطُردت أخرى من منزلها وفُصلت عن أطفالها بعدما اكتشف زوجها أنها أصبحت حاملا نتيجة الاغتصاب.

هذه بعض من الروايات المروعة عن العنف الجنسي الذي يتم ارتكابه ضد النساء والفتيات في السودان من قبل الأطراف المتحاربة في الدولة الواقعة في شرق إفريقيا- وخاصة قوات الدعم السريع شبه العسكرية- في العاصمة الخرطوم منذ بدء القتال العام الماضي، كما جاء بالتفصيل في تقرير صادر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش".

ومنذ اندلاع الحرب الأهلية في أبريل/نيسان 2023 بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، تحولت مساحات من المدينة إلى أنقاض، حيث قصفت القوات المسلحة السودانية الأحياء المدنية في محاولة لطرد قوات الدعم السريع من مواقعها المحصنة.

كما امتد الصراع إلى أجزاء أخرى من البلاد، بما في ذلك إقليم دارفور غرب البلاد. ووصفت الأمم المتحدة الوضع في السودان بأنه "أحد أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ الحديث"، مع وجود أكثر من 6 ملايين سوداني نازح داخليا، و1.5 مليون يبحثون عن الأمان في الخارج، وحوالي 26 مليون شخص - أكثر من نصف السكان - في خطر المجاعة.

وخلال 15 شهرا من الصراع، تعرضت النساء والفتيات في العاصمة لأعمال اغتصاب واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، فضلا عن الزواج القسري والاستعباد الجنسي، بحسب تقرير هيومن رايتس ووتش المكون من 88 صفحة، بعنوان "الخرطوم ليست آمنة للنساء" والذي صدر في 29 يوليو/تموز الجاري.

وقالت ليتيسيا بدر، نائب مدير إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش: "قامت قوات الدعم السريع بالاغتصاب والاغتصاب الجماعي وإجبار عدد لا يحصى من النساء والفتيات على الزواج في مناطق سكنية في العاصمة السودانية".

وأضافت أن "الجماعة المسلحة أرهبت النساء والفتيات، ومنعهن الطرفان المتحاربان من الحصول على المساعدات وخدمات الدعم، مما فاقم الضرر الذي يواجهنه وتركهن يشعرن أنه لا يوجد مكان آمن".

وتسعى شبكة CNN للحصول على تعليق من قوات الدعم السريع، والقوات المسلحة السودانية على الادعاءات الواردة في تقرير هيومن رايتس ووتش.

ونظرا لصعوبة الوصول إلى الخرطوم والتحدث مباشرة مع الناجيات، أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع 42 من مقدمي الرعاية الصحية والعاملين الاجتماعيين ومستجيبين آخرين بين سبتمبر/أيلول 2023 وفبراير/شباط 2024. ومن بين هؤلاء، قدم 18 شخصا منهم رعاية مباشرة لـ262 ناجية من العنف الجنسي، تتراوح أعمارهن بين 9 و60 عاما.

وتذكر أحد الأطباء النفسيين، الذي دعم أكثر من 40 ضحية اغتصاب بين أبريل/نيسان ونوفمبر/تشرين الثاني، العام الماضي، ناجية تعرضت للاغتصاب ثم اكتشفت أنها حامل في الشهر الثالث.

وقال الطبيب النفسي في تقرير هيومن رايتس ووتش: "كانت مصدومة وترتجف بوضوح، وتخشى من رد فعل أسرتها. وقالت لي: إذا اكتشفوا حالتي، سيقتلونني".

وروى طبيب آخر محنة امرأة قالت إنها اغتصبت من قبل العديد من مقاتلي قوات الدعم السريع.

وقال الطبيب: "عندما اكتشفت المرأة أنها حامل، طردها زوجها وأخذ أطفالهما. وتُركت في الشوارع".

ويتذكر الطبيب أن المرأة جاءت إلى العيادة وطلبت الإجهاض، لكن مدير المستشفى لم يوافق على الإجراء. ولم يتمكن مستشفى آخر من إجراء الإجهاض لعدم وجود طبيب توليد به.

وأضاف الطبيب: "بعد أن تجاوز الحمل أربعة أشهر، كان علينا تقديم الدعم النفسي لها، لتتمكن من قبول الوضع. كان هذا هو الخيار الوحيد المتاح أمامنا".

وقال تقرير "هيومن رايتس ووتش" إن "الندوب الجسدية والعاطفية والاجتماعية والنفسية الاجتماعية التي تعاني منها الناجيات هائلة". وتذكر العاملون في مجال الرعاية الصحية علاج الناجيات من "إصابات منهكة طالتهن، نتيجة عنف عمليات الاغتصاب والاغتصاب الجماعي، بما في ذلك النزيف المهبلي والكدمات والصدمات الجسدية الأخرى". وفي أربع حالات على الأقل، ثبت أن هذه الإصابات قاتلة.

اتهامات بجرائم الحرب

ورغم أن التقرير يفصل في معظمه العنف الذي ارتكبته قوات الدعم السريع، إلا أنه قال إن بعض الناجيات كن يخشين الإبلاغ عن حوادث تورط فيها جنود من القوات المسلحة السودانية، لأنهن خفن أن ترفض السلطات ادعاءاتهن.

كما انتقد التقرير كلا الجانبين لمنعهما الاستجابة الشاملة للعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقالت هيومن رايتس ووتش إن القوات المسلحة السودانية قيدت عمدا الإمدادات الإنسانية وفرضت حصارا على دخول الأدوية إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع في الخرطوم، منذ أواخر العام الماضي.

في حين نهبت قوات الدعم السريع الإمدادات الطبية، ووفقا للتقرير، ارتكب بعض المقاتلين "أعمال عنف جنسي" ضد مقدمي الرعاية الصحية في بعض الأحيان. ويتذكر أحد مقدمي الرعاية الصحية أنه طُلب منه عدم إبلاغ الأمم المتحدة عن حالات العنف الجنسي.

وبحسب ما ورد، قال المقاتل: "يمكنني قتلك هنا الآن إذا كنت تريد القيام بذلك، يجب أن تكون حذرا وتتوقف عن إرسال التقارير".

وسبق لشبكة CNN أن أوردت تقارير عن حملة قتل واستعباد وعنف جنسي شنتها قوات الدعم السريع، والتي ارتكبت بشكل سري. وفي تصريحات سابقة لشبكة CNN، نفت قوات الدعم السريع بشدة مزاعم الاغتصاب والفظائع الأخرى.

وقال معدو التقرير إن الحالات الموثقة للعنف الجنسي والزواج القسري والهجمات المتعمدة ضد مرافق الرعاية الصحية ومقدميها، تمثل "انتهاكا خطيرا للقانون الإنساني الدولي"، فضلا عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.

ورغم شدة المعاناة، قالت هيومن رايتس ووتش إنه لم تكن هناك "استجابة إقليمية أو دولية ذات مغزى". ودعت الجانبين إلى وقف الهجمات فورا على مرافق الرعاية الصحية والعاملين بها، والسماح بدخول المساعدات إلى مناطق الصراع.

وأضاف التقرير أن مجلس الأمن الدولي يجب أن يدعو الأطراف المتحاربة إلى إنهاء العنف الجنسي، ويفرض عقوبات تستهدف القادة والجناة المسؤولين عن الفظائع.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: الأمم المتحدة الحكومة السودانية الخرطوم هيومن رايتس ووتش القوات المسلحة السودانیة قوات الدعم السریع تقریر هیومن رایتس هیومن رایتس ووتش النساء والفتیات الرعایة الصحیة العنف الجنسی

إقرأ أيضاً:

قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور

سقط 12 شخصا بين قتيل وجريح إثر قصف لقوات الدعم السريع شرقي مدينة الأبيض في ولاية شمال كردفان وسط السودان، في حين عقدت المحكمة الجنائية الدولية اجتماعا في لاهاي مع النائب العام السوداني.

وقال مصدران عسكريان للجزيرة إن مسيّرة تابعة لما سمياها مليشيا الدعم السريع قصفت ظهر اليوم السبت ساحة قرب من مركز للشرطة في حي طيبة جنوب شرقي مدينة الأبيض.

وأكد المصدران أن القصف أدى إلى مقتل 3 أشخاص على الأقل وإصابة 9 آخرين وُصفت حالة بعضهم بالخطرة.

وفي وقت سابق، قال مصدر عسكري للجزيرة إن الجيش قصف مواقع للدعم السريع في بلدة أم عدارة جنوبي كردفان.

وأضاف المصدر أن قوات الدعم السريع قصفت مدينة أم روابة، مما أدى إلى إصابات بين المدنيين.

وأشار إلى أن طائرة مسيّرة لقوات الدعم السريع استهدفت مواقع للجيش في مدينة كوستي بولاية النيل الأبيض جنوبي البلاد، مشيرا إلى أن الاستهداف أدى إلى تدمير عربة قتالية للجيش وإصابة ركابها.

وتشهد ولايات إقليم كردفان الثلاث (شمال وغرب وجنوب) اشتباكات ضارية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع منذ أسابيع أدت إلى نزوح عشرات الآلاف في الآونة الأخيرة.

مصادر أمنية للجزيرة: 3 قتلى و9 جرحى في غارة بمسيرة تابعة للدعم السريع على حي سكني بمدينة الأبيض في كردفان#الأخبار pic.twitter.com/umSvJmHrGk

— قناة الجزيرة (@AJArabic) December 13, 2025

خفض التمويل

وعلى صعيد الوضع الإنساني، قال برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة إنه سيضطر إلى خفض حصص الغذاء المقدمة للمجتمعات التي تواجه المجاعة في السودان اعتبارا من الشهر المقبل بسبب نقص التمويل.

ووصف نائب رئيس البرنامج الوضع في السودان بأنه أسوأ كارثة على مستوى الغذاء في العالم، حيث يعاني 20 مليون سوداني من سوء التغذية، بينهم 6 ملايين يقفون على حافة المجاعة.

إعلان

وقال مدير قسم التأهب والاستجابة للطوارئ في البرنامج روس سميث في إفادة مرئية للصحفيين إن البرنامج "سيضطر بدءا من يناير/كانون الثاني إلى خفض حصص الغذاء بنسبة 70% للمجتمعات التي تواجه المجاعة، وبنسبة 50% للمجتمعات المعرضة لخطر الانزلاق إليها".

وأضاف سميث أن الأزمة التمويلية مرشحة للتفاقم خلال الأشهر المقبلة، مشيرا إلى أنه "اعتبارا من أبريل/نيسان سنواجه حالة انهيار على صعيد التمويل"، مما يهدد قدرة البرنامج على الاستمرار في تلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية لملايين المحتاجين بالسودان.

"الجنائية الدولية"

من ناحية أخرى، كشفت المحكمة الجنائية الدولية عن عقد لقاء هذا الأسبوع في مقرها بلاهاي جمع نزهة شميم نائب المدعي العام بالنائبة العامة السودانية انتصار أحمد عبد الله.

وأوضحت المحكمة في منشور على منصة إكس أن اللقاء كان بنّاء وتناول الأوضاع في السودان وآفاق التعاون في ما يتصل بالتحقيقات التي يجريها مكتب المحكمة بشأن إقليم دارفور.

وأشارت إلى أنها كانت قد أكدت سابقا مباشرتها تحقيقات بشأن جرائم حرب محتملة وقعت مؤخرا في دارفور.

وفي السياق ذاته، دعا السودان المجتمع الدولي إلى الوقوف مع ما سماه الجانب الصحيح من التاريخ بتكثيف الضغوط وتصنيف قوات الدعم السريع كيانا إرهابيا.

وقال مندوب السودان الدائم لدى الأمم المتحدة السفير مجدي أحمد مفضل في إحاطة للبعثات الدبلوماسية المعتمدة بفيينا بشأن الأوضاع الإنسانية في السودان إن تجاهل المجتمع الدولي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب شجعها على التمادي في ارتكاب المزيد من الجرائم المروعة والفظائع غير المسبوقة.

العقوبات البريطانية

بالمقابل، قال الباشا طبيق مستشار قائد قوات الدعم السريع إن العقوبات التي أعلنتها بريطانيا على 4 من قادة قوات الدعم السريع تفتقر إلى الأسس القانونية والبيانات الموضوعية.

وأوضح طبيق على حسابه في فيسبوك أن المملكة المتحدة لم توفد لجان تحقيق مستقلة للتأكد من الاتهامات الموجهة، مشيرا إلى أن الإجراءات التي اتخذتها متحيزة.

واعتبر أن هذه العقوبات تشجع ما سماها الجماعات الإرهابية التي تقاتل إلى جانب الجيش.

ويشهد السودان حربا بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ أبريل/نيسان 2023 أدت إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح نحو 13 مليون شخص، فضلا عن تفاقم أزمة إنسانية توصف بأنها من الأسوأ عالميا.

مقالات مشابهة

  • قتلى بقصف لقوات الدعم السريع وتحرك جديد للجنائية الدولية بشأن دارفور
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قيادات قوات «الدعم السريع» في السودان
  • بسبب القتل في الفاشر.. بريطانيا تفرض عقوبات على قادة في الدعم السريع
  • غوتيريش: اجتماعات مرتقبة في جنيف مع طرفي النزاع في السودان
  • بريطانيا تفرض عقوبات على قادة الدعم السريع بسبب عمليات قتل جماعي في السودان
  • المملكة المتحدة تفرض عقوبات على قيادات من "الدعم السريع" بالسودان
  • «صيحة» تكشف أرقام صادمة لحالات العنف الجنسي في السودان
  • غوتيريش: الأمم المتحدة ستلتقي طرفيّ حرب السودان
  • هل قتلت قوات الدعم السريع الصحفي السوداني معمر إبراهيم؟
  • رايتس ووتش تحذر من تسليم سوريا جاسم الشامسي إلى الإمارات