لجريدة عمان:
2025-12-10@15:31:20 GMT

المجتمع وروافع ثقافة التعليم والتدريب المهني

تاريخ النشر: 3rd, August 2024 GMT

يحتل موضوع التعليم والتدريب المهني نقاشًا موسعًا في العقود الأخيرة في قلب سياسات التعليم وسياسات سوق العمل، وتتباين دوافع الدول في وضع سياسات وخطط استراتيجية وبرامج لتعزيز اتجاهات الطلبة والأسر نحو التعليم والتدريب المهني؛ بين الحاجة إلى سد احتياجات أسواق العمل من المهارات الفنية المتخصصة، أو إيجاد تنوع في مخرجات التعليم بين القدرات المؤهلة للعمل في المجالات التي تتطلب مهارات فنية متخصصة، والمجالات التي تستوجب شهادات أكاديمية؛ بما يؤدي لتخفيف الضغط على البرامج الأكاديمية، وهناك دوافع اقتصادية من خلال دفع الطلبة إلى امتلاك المهارات التي تستوجبها آليات الإنتاج في الاقتصاد، أو الحاجة إلى وجود قوى بشرية مؤهلة لتحقيق (الدفعة الاستراتيجية) أو ما تعرف في التنمية الاقتصادية بـ(استراتيجية الدفعة القوية) لقطاع اقتصادي ناشئ ومليء بالفرص، أو إحلال القوى العاملة الوطنية محل القوى العاملة الأجنبية في القطاعات التي تتطلب مهارات متفاوتة المستوى.

تتباين هذه الدوافع وفقًا لعدة عوامل تحكمها ومنها: حجم القوى العاملة، استراتيجية التنمية الاقتصادية المرسومة للبلد، حجم الاقتصاد والنمو الاقتصادي، تركز المهارات، نوعية القوى العاملة الوافدة من ناحية المهارات، فرص واستراتيجيات التصنيع، مكنة النظام التعليمي من تأسيس منظومة متكاملة للتعليم والتدريب المهني.

ولذا يبدو وضع سياسات متكاملة للتعليم والتدريب المهني من أعقد عمليات صنع السياسات العامة؛ ذلك أنها تتطلب تحقيق قدر عالٍ من التناغم مع القطاعات والسياسات الأخرى. إن الدول التي حققت نجاحات في سبيل تعظيم أثر التعليم والتدريب المهني على التنمية الاقتصادية كانت تتحرك في إطار متناغم؛ بين أسر ومجتمعات تقدر قيمة هذا الشكل من أشكال التعليم، وسياسات تشغيل وسوق عمل مرنة تستوعب التغيرات في المهارات وطبيعة الطلب على الشهادات المهنية، ومنظومات اعتماد أكاديمي تحدث في البرامج المهنية والشهادات بشكل مستمر وفقًا لحاجة الاقتصاد، ونظم تعليمية متجددة تستخدم النموذج الثنائي Dual system تستدمج البرامج المهنية في التعليم النظري منذ مراحل التعليم الأولى. وبالعودة إلى الثقافة المجتمعية فإن هناك عشرات العوامل التي يمكن أن تشكل عوامل إما رافعة أو مثبطة لنجاح نظم التعليم والتدريب المهني؛ فالقيم والنظرة الاجتماعية إلى مسارات المهن والوظائف التي يسلكها خريجو التعليم والتدريب المهني تشكل أهم المؤثرات في نجاح هذه النظم، والتسويق الجيد لتجارب النجاح عبر وسائط التوعية الوطنية تعتبر كذلك عاملًا مهم في هذه المعادلة، وهناك متغيرات كشف التجارب الدولية تأثيرها بشكل واسع، مثل مستوى وخلفية تعليم الآباء، ومستوى دخل الأسرة، ودرجة اعتمادية الأسرة في طلبها على الخدمات على أسواق معينة، وتوفر التهيئة التعليمية في المراحل الأولى وتسويق المهارات الفنية واليدوية لدى الطلبة، وسردية الاقتصاد وتأثيرها على إقبال الطلبة على هذه الأشكال من التعليم.

البدء من المراحل المبكرة للتعليم بإدخال جرعات للتعليم والتدريب المهني في الصفوف الأولى سياسة تبنتها دول مختلفة وبأشكال وتجارب متباينة، وأثبتت لاحقًا نجاحها، فلماذا لا يخضع على سبيل المثال طلبة الحلقة الأولى من التعليم إلى دروس تطبيقية لممارسة بعض المهارات الفنية، مثل التعامل مع أجهزة معينة، أو إصلاح بعض الأجهزة، أو تعلم أساسيات لغات البرمجة، أو دورات منتظمة في أسس الإسعاف والإنقاذ، على أن تكون مثل هذه البرامج مصممة بطريقة متدرجة، تتناسب مع كل مرحلة تعليمية، ووفق خطة مرنة وتتحدث باستمرار، وتكون جزءا أساسيا من الخطة الدراسية وليست مجرد أنشطة على هامش عملية التعلم. نعتقد أن الوقت حان لإعادة التفكير الجاد في مختلف معطيات النظام التعليمي، وأهمها تصور نوعية المواد والمعارف الأساسية التي يستوجب أن يتعرض لها الطالب، فما كان محتكرًا من المعلومات في الكتب الدراسية قبل عقد أو عقدين أصبح اليوم متاحًا أضعاف مضاعفة حول الطالب في مختلف المنصات والشبكات وبطرق وصول ذكية وسريعة، إن ثلاثية (المهارة - التفكير الناقد - التفكير المنظومي) هي أهم الروافع التي يحتاجها الطلبة للصمود والتكيف اليوم، سواء في العمل أو في الحياة عمومًا. وحينما يدخل التعليم والتدريب المهني في المراحل الأولى من التعلم فإن ذلك يعني أن هناك أسرة تراقب وتتفاعل مع ما يتلقاه الطالب من مهارات، وهناك مجتمع يبدأ بتغيير ثقافته وقناعاته إزاء هذا النمط من التعلم، وهناك مسار مهني واضح يبدأ في التأسس للطالب من هذه المراحل، وهناك سوق عمل واقتصاد يراقب التنوع في المهارات ويهيئ نفسه لاستقبالها.

كتجربة رائدة في الاقتصاد الألماني والتي امتدت سنوات طويلة وأفرزت نموذج التعليم المزدوج ونموذج المدارس المهني تشير الأرقام اليوم إلى أن المدارس المهنية في ألمانيا أصبحت تتعاون مع حوالي 430 ألف شركة، وأكثر من 80% من الشركات الكبرى توظف المتدربين في مسارات التعليم والتدريب المهني. هذا يقودنا إلى النقطة الأخرى المهمة وهي تغيير الثقافة المجتمعية مرتبط أيضًا في جزء منه بقناعة القطاع الخاص بأهمية ومخرجات مسارات التعليم والتدريب المهني، فكلما بادر القطاع الخاص في تبني برامج ومبادرات مع المدارس لتنمية مهارات الطلبة والأهم من ذلك تبنيهم عبر مسار تعليمي ومهني واضح، أعطت الأسر والمجتمع عمومًا ثقة أكبر في هذا المسار. ربما نحتاج اليوم في أن تتجرأ بعض الشركات الكبرى على الأقل في أن تتبنى أفواجا تعليمية منذ مراحل التعليم الأولى وتشارك مع مؤسسات التعليم في إعدادهم وإكسابهم مهارات المهن والمهارات الفنية المساندة، ولاحقًا استقطابهم للتدريب والعمل والتطور المهني. أثبت برامج مثل هذه نجاحها لدفع اقتصادات كبرى للنمو النوعي في بعض القطاعات، كما أن برامج مثل Fraunhofer Institutes في ألمانيا و Manufacturing Extension Partnership في الولايات المتحدة والتي هدفت إلى تجسير العلاقة بين التعليم النظري والأكاديمي وبين الإنتاجية الاقتصادية تمثل مسارات تكميلية تمكن سياسات التعليم والتدريب المهني.

ما نريد التركيز عليه هو أنه آن الأوان ليكون التحول حاسمًا ونوعيًا نحو تشجيع التعليم والتدريب المهني ولكن ذلك يستلزم نظرة شمولية واسعة تبدأ من تحديد الروافع الثقافية للمجتمع وما يؤثر من قيمه حيال هذا الشكل من أشكال التعليم، والتأني للتأكد من تنسيق كل السياسات المرتبطة بهذا التحول، وأن يكون للقطاع الخاص - بأكمله - القناعات ذاتها في التحول. إن حسم هذه السياسات يكمن في الانطلاق من القناعة ذاتها لدى كافة الأطراف الفاعلة فيها وليست مؤسسات التعليم وحدها.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: التعلیم والتدریب المهنی المهارات الفنیة القوى العاملة

إقرأ أيضاً:

يبني مدرسة بمنزله لتعليم أبنائه المهارات المالية

البلاد (وكالات)
أقدم مطور عقاري بريطاني غاضب على خطوة غير مسبوقة؛ إذ أنفق 150 ألف جنيه إسترليني لبناء مدرسة في الحديقة الخلفية لمنزله، ليقوم بتعليم أطفاله بنفسه كيفية بدء أعمالهم الخاصة، احتجاجاً على ما وصفه بـ «الجمود والقمع» في نظام التعليم البريطاني العادي. وانتقد صامويل ليدز (34 سنة)، نظام التعليم؛ بسبب افتقاره لتدريس مهارات التمويل والأعمال. واختار إخراج أبنائه الثلاثة- الذين تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثامنة- من المدارس العادية، ليوفر لهم منهجاً يركز على ريادة الأعمال والتفكير النقدي.
استغرق صامويل ليدز وزوجته 6 أشهر لإنشاء «المدرسة الصغيرة» التي تبلغ مساحتها 600 قدم مربع في منطقة بيكونسفيلد بباكينجهامشاير.
والمدرسة لا تخدم أبناء ليدز فحسب، بل تضم 12 طالباً حالياً، من بينهم أبناء شقيقيه وشقيقته. ويدعي ليدز أن المشروع وفر على هذه العائلات 66 ألف جنيه إسترليني مقارنةً بالتكاليف الباهظة للتعليم الخاص.
وقال صامويل ليدز:« شعرتُ بالإحباط من النظام المدرسي، لأنه جامد وقمعي، ولا يُعلمونك أي شيء عن الأعمال أو المالية وهناك خيار ثالث، وهو بدء مشروعك الخاص والتحول إلى رائد أعمال».
ووظف ليدز معلمَيْن بدوام كامل، أحدهما للغة الإنجليزية والآخر للرياضيات ويقوم الأب بنفسه بتدريس الثقافة المالية والتفكير النقدي، ويوفر المنهج حرية السفر دون قيود.

مقالات مشابهة

  • يبني مدرسة بمنزله لتعليم أبنائه المهارات المالية
  • تحولت لمخيم إيواء.. الجامعة الإسلامية بغزة تستأنف التعليم بين النازحين
  • كيف تحمي مؤسسات المجتمع المدني قطاعَي التعليم والثقافة بالقدس؟
  • اليوم.. الدراسة والتدريب عن بُعد في "التقني" و"الجامعة" بالحدود الشمالية
  • تعليق الدراسة الحضورية في جامعتي جدة والملك عبدالعزيز والتدريب التقني بمكة المكرمة غدًا 
  • التعليم تعلن تأجيل امتحان الثانوية العامة في غزة بشكل كامل
  • تعهدات إلكترونية وخطط علاجية.. «التعليم» تحاصر الغياب قبل الاختبارات والإجازات-عاجل
  • بالتزامن مع اليوم العالمي لذوي الإعاقة.. قوافل "الإسكندرية" تجوب مركز التأهيل المهني بالسيوف
  • طب الإسكندرية تطلق قافلة طبية شاملة لخدمة مركز التأهيل المهني بالسيوف
  • مجلس الوزراء يقر حوافز للبترا وتعديلات في الطيران والتعليم والتدريب المهني