التراث الثقافي السوري علامة بارزة في تاريخ الحضارة الإنسانية
تاريخ النشر: 6th, August 2024 GMT
دمشق-سانا
يشكل التراث الثقافي السوري علامة بارزة في سجل توثيق الحضارة الإنسانية منذ ظهور الإنسان الأول، لتميزه عالمياً بالغنى والتنوع والتفرد في بعض مكوناته بشقيه المادي وغير المادي.
ويجسد هذا التراث أنموذجاً لتطور الإبداع البشري على أرض سورية مهد الحضارات والأرض البكر لظهور القرى الزراعية ومفهوم المدنية والتمدن والفنون التشكيلية والكتابة، ونظم الحساب والتعدين والبنيان والتطور العمراني، وموطن أول أبجدية ونوتة موسيقية في العالم.
وتعد سورية موطن أقدم القرى الأثرية في العالم وعلى أرضها أقام الإنسان بيته الأول وأقدم رسوم جدارية، وأقدم تمثال نحته البشر في العالم في الجولان السوري، وأقدم منازل استخدمت البلاط الحجري الملون في تل المريبط، وأول من نحت وجهاً بشرياً من الطين.
وكان السوريون أول من شرع القوانين الجنائية والمدنية والدولية في العالم وقبل أورنمو وحمورابي، وأول من أوفد طلبة العلم في العالم، وأول من اتخذ في العالم العقاب شعاراً، وأول من رسم في العالم طائر الكركي المهاجر، وفي مملكة قطنة في عصر البرونز تمكنوا من إنتاج خيوط صوفية ناعمة كالشعر وبدرجة عالية من الدقة.
ويشكل التراث الثقافي الأثري السوري أحد أهم المصادر العالمية المعتمدة في تأريخ وتدوين أحداث الماضي وفهم المراحل التي مر بها تطور الحضارة الإنسانية، حيث يقول عالم المسماريات الشهير وأول من فك رموز أبجدية الأوجاريتيين أول وأكمل أبجدية في التاريخ المكتشفة في موقع رأس شمرا والتي تعود إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد شارل فيرلو: “لكل إنسان متحضر في هذا العالم وطنان وطنه الأم وسورية”، وهو ما يبرز غنى وأهمية التراث السوري وضرورة صونه والحفاظ عليه.
وفي هذا السياق كانت سورية من الدول السباقة للتوقيع على الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحفظ الإرث الثقافي ومكافحة الاتجار غير المشروع به والتي تم إقرارها تحت مظلة منظمة التربية والعلم والثقافة “اليونسكو” كاتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حال النزاع المسلح، واتفاقية باريس عام 1970 بشأن التدابير الواجب اتخاذها لمنع استيراد وتصدير ونقل الممتلكات الثقافية بطرق غير مشروعة، واتفاقية باريس الثانية عام 1972 لحماية التراث الثقافي والطبيعي.
وحسب خبير الآثار وقارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار المؤرخ الدكتور محمود السيد، يوجد في سورية ست مناطق أثرية تشمل 46 موقعاً والمئات من المباني التاريخية مسجلة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي وهي مدينة دمشق القديمة 1979، ومدينة بُصرى القديمة 1980 ومدينة حلب القديمة 1986 وموقع تدمر 1980 وقلعتا الحصن وصلاح الدين 2006 والقرى الأثرية في شمال سورية 2011.
ويلفت السيد إلى أنه تم إدراج الزجاج السوري المنفوخ على قوائم التراث الثقافي الإنساني غير المادي الذي يحتاج إلى صون عاجل في الوقت الذي تندرج ضمن التراث الثقافي اللامادي في المجتمع السوري عناوين مختلفة كالممارسات والطقوس الاجتماعية والفنون والموسيقا والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية التقليدية، والممارسات المتعلقة بالطبيعة والكون والأزياء الشعبية وخاصة أن التراث الثقافي غير المادي تراث قابل للاندثار لذلك يجب تعزيزه وحفظه وصيانته من خلال زيادة الاهتمام بالفلكلور.
ويبين المؤرخ السوري أن التراث العالمي يحدد بنوعين “الثقافي والطبيعي”، وللتراث الثقافي جانب معنوي يشتمل على العلوم والأدب والقيم والعادات، وجانب مادي يشتمل على أشياء ملموسة مثل الآثار والمباني والأحداث التي تقع وتتناقل بين الناس، في حين يشمل التراث الطبيعي معالم فيزيائية وبيولوجية تتمتع بقيمة جمالية وعلمية عالية وتشكيلات جيولوجية وفسيوغرافية مثل المناطق التي تحتوي على الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض والمناطق الطبيعية ذات الجمال الطبيعي النادر والتي تحمل قيمة عالية ومتميزة كموقع “رجم الهري” في الجولان السوري المحتل.
ويشير إلى أن ما تعرضت له المواقع والأوابد والقطع الأثرية والتاريخية السورية من تدمير وعمليات التنقيب غير المشروعة والنهب الممنهج الذي قامت به عصابات الآثار والتنظيمات الإرهابية المسلحة خلال الحرب على سورية بهدف تدمير تراثها الثقافي وإضعاف الشعور بالهوية وفقدان جزء مهم من التراث الثقافي العالمي وضياع المعرفة بتاريخ الإنسانية يستوجب تجريم التدمير المتعمد للتراث الثقافي باعتباره انتهاكاً لحقوق الإنسان.
ويشدد على أن عملية صيانة وترميم وإعادة إحياء التراث السوري في ظل الظروف الراهنة تشكل ضرورة لا ينبغي تأجيلها، لكونه جزءاً مهما من التراث الإنساني العالمي وينبغي العمل عليه في المراحل المبكرة لإعادة الإعمار بعد الحرب.
ولحماية التراث الثقافي السوري الثابت والمنقول لا بد من اتخاذ العديد من الإجراءات وفقاً للسيد تبدأ بتعاون المجتمع الدولي على حمايته، وملاحقة من يقوم بالتعدي عليه وسرقته، ونشر الوعي بأهمية ما نملك وخطر الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية واتخاذ إجراءات الحماية وفق أسس علمية وتوثيق الانتهاكات والأضرار التي لحقت بالآثار والأوابد التاريخية، والقيام بعملية إعادة الترميم بطريقة علمية صحيحة وتسجيل القطع الأثرية المنهوبة والمهربة إلى الخارج ضمن القائمة الحمراء بهدف منع بيعها أو تصديرها بشكل غير قانوني واسترجاعها في مرحلة لاحقة.
ويشير السيد إلى ضرورة الاهتمام بالعرض المتحفي والحفاظ على المقتنيات المتحفية، وتشجيع التداول القانوني للمعروضات بين المتاحف والمؤسسات الثقافية المختلفة من خلال عمليات التبادل والإعارة مع ضمان حماية القطع المعارة بما يتوافق مع النظم الدستورية والقوانين الدولية، وحفظ التراث الثقافي إلكترونياً، وإنشاء سجل وطني للمواقع الأثرية والحفاظ على الكفاءات الوطنية والخبرات والاستفادة منها.
ويؤكد السيد أن من أهم أساليب حماية التراث إدخال مفهوم حماية التراث العالمي في البرامج التربوية والتعليم على نطاق واسع، وتفعيل التعاون مع المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية العاملة في مجال حماية التراث الثقافي وإدارته وتعزيزه والاستفادة من التشريعات والقوانين الصادرة
عنها.
محمد عماد الدغلي
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
كلمات دلالية: التراث الثقافی حمایة التراث فی العالم وأول من
إقرأ أيضاً:
"الفاية" يتقدم من الشارقة بثبات في مسار إدراجه ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو
الشارقة - الوكالات
في مرحلة جديدة من مسيرتها الثقافية والعلمية، تواصل دولة الإمارات العربية المتحدة عبر إمارة الشارقة دعم ملف الترشيح الدولي "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية" إلى قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وذلك تزامناً مع ترقّب المجتمع الدولي لإعلان القائمة الجديدة للمواقع المدرجة.
يأتي ذلك تأكيداً على التزام الإمارات بحماية الإرث الثقافي الإنساني، وتعزيز مكانة المواقع الأثرية التي تسهم في إعادة رسم ملامح التاريخ البشري القديم، إذ يمثل "الفاية"، الواقع في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة، شهادة حية على قدرة الإنسان الأول على البقاء والتكيف مع البيئات الصحراوية القاسية، ويحتضن أقدم سجل متصل للوجود البشري في شبه الجزيرة العربية، يعود تاريخه إلى أكثر من 210 آلاف عام، ما يمنحه قيمة استثنائية على المستوى العالمي في مجالات علم الآثار والأنثروبولوجيا.
وقد رُشِّح الموقع رسمياً في عام 2024 ضمن فئة "المشهد الثقافي"، ويخضع حالياً للتقييم من قبل "مركز التراث العالمي" التابع لليونسكو، كأحد أبرز المواقع المهمة في دورة الترشيح الجديدة، إلى جانب عدد محدود من المواقع حول العالم.
بدور القاسمي تقود جهود ترشيح "الفاية" لقائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو
وتقود الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي، سفيرة ملف الترشيح الدولي "المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية"،جهود التعريف العالمي بهذا الترشيح، حيث يعكس دورها جهداً وطنياً جماعياً يهدف إلى الارتقاء بالمكانة الدولية للموقع، وترسيخ ريادة دولة الإمارات في مجالات الحفاظ على التراث الإنساني، والدبلوماسية الثقافية، والتقدم العلمي.
وأكدت الشيخة بدور القاسمي أهمية الترشيح في إثراء التراث العالمي، وقالت: "يقدم (الفاية) واحداً من أقدم السجلات المتكاملة للوجود البشري المبكر في شبه الجزيرة العربية قبل أكثر من 210 آلاف عام، أرشيف حي، يَعُمق فهمنا لهويتنا وجذورنا والطريقة التي تعلمنا بها فنون البقاء".
وأضافت: "إن ترشيح (الفاية) لإدراجه ضمن قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو يؤكد أهمية الحفاظ على هذه المواقع القديمة، ليس فقط لقيمتها التاريخية، بل أيضاً لما تحمله من قدرة على إعادة توجيه الأجيال الجديدة وتعزيز دورهم في بناء راهننا ومستقبلنا، وأرى أن هذا الترشيح يشكّل فرصة للارتقاء بمكانة (الفاية) كإرث إنساني مشترك لجميع الشعوب".
أهمية " الفاية": نظرة على المشهد الطبيعي
على مدار أكثر من 30 عاماً، قادت "هيئة الشارقة للآثار" بالتعاون مع "جامعة توبنغن" الألمانية و"جامعة أكسفورد بروكس" البريطانية، سلسلة من الأبحاث والتنقيبات في "الفاية"، أسفرت عن اكتشاف 18 طبقة جيولوجية متعاقبة،توثق كلٌ منها مرحلة زمنية مختلفة من النشاط البشري في الموقع.
وتُظهر الاكتشافات أن الفاية لم تكن ممراً عابراً للهجرات فقط، بل وجهة استيطان بشري متكرر خلال الفترات المناخية الملائمة، وذلك بفضل توفر المياه من الينابيع والوديان، ووفرة الصوان لصناعة الأدوات، والمأوى الطبيعي في الجبال، ما جعل من الموقع بيئة حاضنة للاستقرار البشري في عصور ما قبل التاريخ.
واكتسب "الفاية" قيمة استثنائية عالمية من خلال هذه الجوانب الفريدة من الاكتشافات التي أكدت أهمية الموقع ودوره في تقديم سجل نادر ومتكامل لبقاء الإنسان وتغلبه على التحديات المناخية والبيئية التي واجهته.
من جانبه، أكد سعادة عيسى يوسف، المدير العام لهيئة الشارقة للآثار، أن "حماية (الفاية) تستند إلى قانون الشارقة للتراث الثقافي رقم 4 لعام 2020، والذي يضمن صون الموقع للأجيال القادمة. وعلى مدار أكثر من 30 عاماً من البحث الدقيق والتعاون مع نخبة من الخبراء الدوليين، كشفت بعثتنا الوطنية بالتعاون مع خبراء دوليين عن 18 طبقة جيولوجية تعود إلى العصر الحجري، توثق تاريخاً معقّداً لتطور الإنسان وتكيفه وبقائه هنا في إمارة الشارقة".
واضاف: "ومع تقدم ترشيح (الفاية) إلى قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، من المهم التأكيد على أن جهودنا التعاونية جعلت من هذا المشروع جهداً عالمياً يربط الماضي بالحاضر، ويُسهم في إثراء الأدبيات العالمية للاكتشافات الأثرية. لذلك، فإن هذا الموقع يحمل قيمة استثنائية على مستوى العالم، وليس فقط لإمارة الشارقة ودولة الإمارات".
مستقبل الفاية
وطورت دولة الإمارات خطة إدارة شاملة لحماية موقع "الفاية"، والتي ستعمل على توجيه جهود الحفاظ على الموقع، وإجراء البحوث، وتنظيم حركة الزوار فيه، من عام 2024 ولغاية 2030، وتتماشى هذه الخطة مع معايير مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، وتضمن الحفاظ على الموقع مع استمرار التنقيب والاستكشاف والبحث العلمي والتعليمي.