يمانيون – متابعات
جل مخاوف الغرب مردّها حتمية تعرض مصالحه الاقتصادية للضرر المباشر وغير المباشر في حال نشوب أي حرب إقليمية في المنطقة، وفي حال افتراض وقوعها، ما مصير الاقتصاد؟

تخوف الغرب من إمكانية توسع الحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة لتغدو حرباً إقليمية لا يتأتى من حرصه على أرواح ملايين البشر في المنطقة، فهذه غزة يتعرض سكانها منذ ما يزيد على 300 يوم لإبادة جماعية غير مسبوقة، ومن دون أن يهتز “جفن” للحكومات الغربية الداعمة تسليحاً وتمويلياً لـ يافا “تل أبيب”.

إنّ جلّ مخاوف الغرب مردها حتميّة تعرّض مصالحه الاقتصادية للضرر المباشر وغير المباشر في حال نشوب أي حرب إقليمية في المنطقة، وإلا ما الذي يجعل أوروبا الناقمة سياسياً وعسكرياً على روسيا لتدخلها العسكري في أوكرانيا تبدو مهادنة بعض الشيء في الملف الاقتصادي ضماناً لاستمرار تدفق الغاز الروسي إلى منشآتها ومعاملها ومنازل مواطنيها، فكيف سيكون حالها مع صراع آخر قد يعرقل إمدادات الطاقة ويهدد الاستثمارات المشتركة مع دول المنطقة وما إلى ذلك من مصالح اقتصادية؟

تدرك حكومة “نتنياهو” جيداً هذه الحقيقة، وتعمل على استغلالها إلى أبعد حد ممكن، سواء من خلال طلب المزيد من الدعم العسكري بأشكاله المختلفة العلنية والسرية أو من خلال الاستمرار بمساندتها سياسياً، وهذا رغم هول ما ترتكبه القوات الصهيونية من جرائم بحق الإنسانية في قطاع غزة والضفة الغربية، ورغم التحول الكبير الذي طرأ على الرأي العام العالمي، وجعل الحكومات الغربية تبدو في مواجهة شعوبها في ما يتعلق بالموقف من الحرب على غزة.

الطاقة والاستثمارات
إن الدفع “الإسرائيلي” المستمر نحو توسيع دائرة الحرب على قطاع غزة لتشمل بعض دول الإقليم من شأنه أن يسبب ضرراً كبيراً للاقتصاد العالمي يتجاوز بكثير ما تسببت به الحرب الأوكرانية، وذلك لعدة اعتبارات، بعضها متعلق بالمخاطر التي يمكن أن تهدد إنتاج النفط والغاز وصادراتهما المتجهة من دول المنطقة إلى الأسواق العالمية.

وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن منظمة الدول العربية المصدرة للنفط، فإن حصة 11 دولة عربية من الإنتاج العالمي من النفط الخام وصلت في العام 2022 إلى أكثر من 27.3%، ومن الغاز الطبيعي المسوق نحو 14.3%، في حين أن صادرات هذه الدول من النفط الخام تتجاوز يومياً نحو 17.1 مليون برميل، ومن المشتقات النفطية أكثر من 4.6 مليون برميل يومياً.

وتقدر قيمة صادرات الدول نفسها من الغاز الطبيعي بأكثر من 197 مليار متر مكعب. تَأثر مثل هذه الكميات في أي حرب إقليمية سيدفع من دون شك أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية إلى مستويات غير مسبوقة من الارتفاع من جهة، ويخلق اختناقات لدى بعض الدول التي ستكون عاجزة عن تأمين احتياجاتها الطبيعية من النفط والغاز ضمن وقت محدد من جهة أخرى.

البعض الآخر من تلك الاعتبارات متعلق بمصير حجم كبير من الاستثمارات الغربية المرتبطة أساساً بتطورات أسواق دول المنطقة. هذه الاستثمارات موزعة على نوعين: الأول يشمل الاستثمارات الغربية المباشرة في دول المنطقة، والتي شهدت خلال عامي 2022 و2023 زيادة ملحوظة. ووفقاً لبيانات المؤسسة العربية لضمان الاستثمار، فإن قيمة تكاليف المشاريع الاستثمارية الأجنبية الواردة إلى المنطقة العربية خلال العام الماضي بلغت أكثر من 181 مليار دولار، منها نحو 37.4 مليار دولار تكاليف مشاريع استثمارية أوروبية، مشكّلة بذلك ما نسبته 20.6% من إجمالي تكاليف المشاريع الاستثمارية الأجنبية، ونحو 6.9 مليار دولار من أميركا الشمالية، مشكلة بذلك نسبة قدرها 3.8% من الإجمالي، ونحو 4.5 مليون دولار من دول أوروبا الناشئة، وبنسبة من الإجمالي تصل إلى 2.4%.

أما النوع الثاني، فهو يتعلق بالاستثمارات القائمة في الدول الغربية والمعتمدة في جزء مهم من تصريف منتجاتها على أسواق دول المنطقة، وهذه ستكون عرضة للتأثر بشكل كبير نتيجة تراجع مبيعاتها المتجهة لدول المنطقة على خلفية ارتفاع المخاطر وتباين أولويات الاستيراد لدى هذه الدول.

وتظهر تقديرات صندوق النقد العربي في تقريره لعام 2022 أن قيمة المستوردات العربية وصلت إلى أكثر من 810 مليارات دولار، منها 179.7 مليار دولار من دول الاتحاد الأوروبي، أي ما نسبته نحو 22%، ونحو 86.3 مليار دولار من الولايات المتحدة الأميركية، مشكّلة بذلك ما نسبته 10.6%. أما النسبة الأكبر والبالغة نحو 33.6%، فكانت من الدول الآسيوية التي وردت ما قيمته نحو 272.4 مليار دولار.

وبحكم أن آلية عمل القطاعات الاقتصادية مشابهة لآلية عمل الأواني المستطرقة، فإن الضرر الذي سيلحق بقطاعي الطاقة والاستثمارات الأجنبية سيمتد بشكل طبيعي ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى من البورصات إلى الصناعات فالنقل والسياحة، وتالياً اقتصاديات معظم دول العالم تبعاً لقربها من المنطقة ومستوى علاقاتها الاقتصادية معها. ولذلك، عندما يقول الأوروبيون: إن أمن المنطقة هو من أمن أوروبا، فهم صادقون في ذلك.

تسونامي اقتصادي
يعتمد الأثر الاقتصادي لأي حرب إقليمية من حيث حجمه وماهيته على الحدود الجغرافية لتلك الحرب وأشكالها والدول المشاركة فيها، لكن عملياً يمكن القول إن جميع الممرات المائية وخطوط التجارة والنقل ستكون ضمن دائرة الخطر، بما يعنيه ذلك من تأثر التجارة الشرق أوسطية بشكل مباشر، لكنه متباين، بين دولة وأخرى، بحسب قرب الدولة ومشاركتها في هذه الحرب، إذ لا يمكن توقع استمرار حركة مرور طبيعية للسفن المحملة بالنفط والغاز والبضائع إلى الخليج العربي في الوقت الذي تتعرض إيران لهجوم “إسرائيلي” أميركي. وكذلك الأمر بالنسبة إلى البحر المتوسط في حال كان المعتدى عليه “إسرائيلياً” وأميركياً هو لبنان أو سوريا.

وهذا ليس مبالغة أو تهويلاً كلامياً، فالحرب “الإسرائيلية” على قطاع غزة وما تبعها من انطلاق جبهات إسناد للمقاومة الوطنية الفلسطينية تركت تأثيرات اقتصادية مباشرة وكبيرة في معظم اقتصاديات دول المنطقة، فأسعار السلع والبضائع كافة زادت بفعل ارتفاع تكاليف النقل والتأمين والمخاطر، كما أن حركة القدوم السياحي الأجنبي إلى بعض دول المنطقة تراجعت متأثرة في ذلك بالمخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية فجأة، كما أن الكثير من المشاريع الإقليمية والدولية التي كان يخطط لتنفيذها توقف، ولا ننسى زيادة الإنفاق العسكري على حساب الإنفاق الاستثماري والخدمي وغيرها من المتغيرات الاقتصادية الطارئة.

واللافت هنا أن جميع البدائل التي كان يمكن العمل عليها في حال نشوب حرب إقليمية جرى إحراقها غربياً منذ عدة سنوات بفعل “ثورات الربيع العربي”، فمعظم طرق التجارة الشرق متوسطية باتت مسدودة، من تركيا إلى سوريا، فالعراق والأردن ولبنان. كما أن منافذ تصدير النفط والغاز بقيت نفسها رغم مرور عقود طويلة من الزمن وما شهدته من اضطرابات وأزمات أثرت فيها.

– الميادين / زياد غصن

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: أی حرب إقلیمیة النفط والغاز دول المنطقة ملیار دولار دولار من قطاع غزة أکثر من فی حال

إقرأ أيضاً:

تيم كوك: آبل تنزف مليار دولار بسبب الرسوم الجمركية في 3 أشهر

توقع الرئيس التنفيذي لشركة آبل، تيم كوك، أن تصل تكلفة الرسوم الجمركية المفروضة على الشركة إلى نحو 1.1 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من يوليو إلى سبتمبر من العام الجاري، أي بزيادة ملحوظة عن الربع السابق، وذلك خلال مكالمة إعلان الأرباح مع المستثمرين يوم الخميس.

ورغم هذه التقديرات المرتفعة، أوضح كوك أن التكاليف الفعلية قد تكون أقل مما هو متوقع، تماما كما حدث في الربع السابق، حيث تكبدت الشركة حوالي 800 مليون دولار فقط، رغم توقعات سابقة بأن تصل إلى 900 مليون دولار.

آبل تستعد لإطلاق أول آيفون قابل للطي في 2026نزيف العقول في آبل.. خبراء الذكاء الاصطناعي يهاجرون إلى ميتا بعروض خيالية مصدر الرسوم الجمركية


أشار كوك إلى أن معظم الرسوم المفروضة على منتجات آبل جاءت بموجب قانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية IEEPA، خصوصا بعد الاتفاق التجاري الأخير بين الولايات المتحدة والصين، والذي فرض رسوما بنسبة 30% على الواردات الصينية. 

وتم في الاتفاق تقليص الرسوم المتبادلة من 125% إلى 10%، مع إضافة رسوم بنسبة 20% تتعلق بملف الفنتانيل، ويستمر هذا الاتفاق التجاري حتى 12 أغسطس.

تأثير محدود على الطلب


رغم المخاوف من أن الرسوم الجمركية قد تؤثر سلبا على الطلب، قلل كوك من هذا التأثير، مؤكدا أن المستهلكين دفعهم بشكل أساسي قوة المنتج نفسه وليس فقط الرغبة في الشراء المبكر قبل رفع الأسعار.

وقال: “إذا نظرنا إلى عائلة iPhone 16، فقد نمت بنسبة مزدوجة مقارنة بعائلة iPhone 15 في نفس الفترة من العام الماضي، وسجلنا رقما قياسيا في التحديثات… وهذا يعود مباشرة إلى قوة المنتج”.

أداء قوي في المبيعات


شهدت مبيعات آيفون نموا بنسبة 13% على أساس سنوي، محققة إيرادات بلغت 44.5 مليار دولار، أي ما يقارب نصف إيرادات الشركة الإجمالية خلال الربع، والتي وصلت إلى 94 مليار دولار.

ورغم النجاحات في المبيعات، فإن الرسوم لا تزال تؤثر على الشركة، وقد تستمر في ذلك، حتى مع سعي آبل لإعادة توزيع سلسلة التوريد في دول برسوم أقل.


يذكر أن معظم أجهزة آبل تصنع في الصين والهند وفيتنام، حيث تنتج نحو نصف أجهزة آيفون المباعة في السوق الأمريكية في الهند، بينما يتم تصنيع أجهزة Mac وiPad وساعات Apple Watch المخصصة للولايات المتحدة في فيتنام، التي تفرض رسوما جمركية بنسبة 20%، مقارنة بـ 25% على الهند.

تهديدات ترامب وانتقال الإنتاج


وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد عبر عن رفضه لتحول آبل نحو التصنيع خارج الولايات المتحدة، مهددا بفرض رسوم بنسبة 25% على منتجات آبل إذا لم تنقل إنتاج آيفون إلى داخل البلاد.

وفي ختام المكالمة، جدد كوك تأكيده على التزام آبل بالاستثمار في السوق الأمريكية، مشيرا إلى أن الشركة خصصت 500 مليار دولار للاستثمار في الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع المقبلة، تتضمن مشاريع لبناء رقائق ومعالجات متطورة في مختلف أنحاء البلاد.

طباعة شارك آبل تيم كوك الرسوم الجمركية

مقالات مشابهة

  • المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تسلل طائرة مسيّرة على الواجهة الغربية
  • الأردن.. الجيش يحبط محاولة تسلل طائرة مسيّرة على الواجهة الغربية
  • 26 مليار متر مكعب.. وزير الري: مصر من أكثر الدول معيدة لاستخدام المياه
  • التصعيد اليمني … مواجهة مع خطوط الإمداد الإقليمية لـ إسرائيل
  • قرار بإنشاء الهيئة العامة لإدارة المنطقة الاقتصادية والتنموية بالصليف ورأس عيسى
  • تيم كوك: آبل تنزف مليار دولار بسبب الرسوم الجمركية في 3 أشهر
  • الحكومة: الحوثيون يجنون من قطع التبغ الذي سيطروا عليه نصف مليار دولار سنوياً
  • 220 مليار دولار حجم التجارة البينية الأفريقية في 2024
  • الخارجية الإيرانية: الاتهامات الغربية ضد طهران هدفها تشتيت الانتباه عن "جرائم غزة"
  • أزمة مياه في الضفة الغربية: سكان سوسيا يتهمون مستوطنين بتخريب مصادر الإمداد