في عالمنا المترابط، يُعد تنامي العداء غير المبرر بين الناس، لغزًا محيرًا ومؤلمًا في آن واحد. لماذا يحمل بعض الأفراد ضغينة غير منطقية تجاه الآخرين؟ من المفهوم أن نغضب من شخص أساء إلينا أو ألحق الضرر بأحد أحبائنا، ولكن أن نكون مكروهين من شخص لم نلتق به من قبل، أمر لا يدركه العقل. هذه الظاهرة من الكراهية غير المبررة ليست محيرة فحسب، بل إنها مقلقة للغاية.
لقد صادفت مثل هؤلاء الأشخاص في حياتي حيث كانت الكراهية بادية على لغة جسدهم ونظراتهم المزدراة وسخريتهم اللاذعة. وكنت دائماً أحاول جاهدًا أن أتذكر أي تفاعلات سابقة قد تفسر عداءهم ولكن كنت دائمًا أفشل في العثور على أي سبب، فأنا مكروه لسبب غير واضح.
هذا السلوك لا يقتصر على التفاعلات البشرية؛ إنه منتشر بشكل مخيف في القطاع التجاري، وقد يبدأ في وقت مبكر مثل المدرسة الابتدائية. ما يبدأ ككراهية غير مبررة سرعان ما يتحول إلى تنمُّر، حيث يتم استهداف الضحية لأسباب لا يمكن فهمها.
غالبًا ما تكون الكراهية غير المبررة مدفوعة بمخاوف نفسية كامنة. وفقًا للمتخصصين في هذا المجال، الخوف هو دافع أساسي، شعور إذا لم يتم كبحه، يمكن أن يتحول بسرعة إلى كراهية. قد ينظر الناس إلى الآخرين على أنهم تهديدات لأنهم يخشون المجهول أو التغيير أو فقدان هويتهم أو مكانتهم. يؤدي هذا التفاعل القائم على الخوف إلى تنشيط آليات الدفاع، ممّا يدفع الناس إلى التقليل من شأن الآخرين المختلفين.
عنصر نفسي آخر هو الحاجة إلى كبش فداء. عندما يواجه الأفراد إخفاقات شخصية أو صعوبات اجتماعية، قد يعرضون غضبهم على الآخرين كاستراتيجية للتكيف إذ يساعدهم هذا التضليل على تجنب الاعتراف بعيوبهم. يصبح “الآخر”، سواء تم تعريفه بالعرق أو الدين أو الجنس أو المعتقدات السياسية، هدفًا سهلاً للغضب الذي أسيء توجيهه.
إلى جانب علم النفس الفردي، تساهم العوامل الاجتماعية بشكل كبير في الكراهية غير المبررة.
إن انتشار “غرف الصدى” أو ما يعرف بـ “Echo Rooms”، وهي البيئة التي يتعرض فيها الإنسان لأفكار تعزّز أفكاره ووجهات نظره، خاصة على منصّات التواصل الاجتماعي، يفاقم المشكلة. غالبًا ما تعزِّز هذه المنتديات الرقمية التحيزات الموجودة مسبقًا، ممّا يخلق بيئات يمكن أن تزدهر فيها الكراهية دون رادع. عندما يتعرض الأفراد فقط للمعلومات التي تدعم آراءهم، فإنهم يصبحون متطرفين بشكل متزايد ومعادين لوجهات النظر البديلة.
علاوة على ذلك، الاستقطاب الاجتماعي، الناجم عن الانقسامات السياسية والاقتصادية والثقافية، يزيد من تنامي العداء غير المبرر. عندما تتفتت المجتمعات، تتفوق الهوية الجماعية على الهوية الفردية. هذه العقلية “نحن ضدهم” تشيّطن الأفراد الذين لا ينتمون إلى المجموعة الخاصة بالفرد، ممّا يديم حلقة من عدم الثقة والكراهية.
في حين أن أسباب الكراهية غير المبررة معقدة، إلا أنها ليست جانبًا لا يمكن حله من التجربة الإنسانية. التعليم هو مفتاح مكافحة هذه المشاعر السامة. فمن خلال تشجيع التفكير النقدي والمعرفة والحوار، يمكن للتعليم أن يساعد الناس على رؤية ما وراء تحيزاتهم وأحكامهم المسبقة. إن تدريس التاريخ بدقة، وتسليط الضوء على إنسانية جميع الناس، وتحدي الصور النمطية، هي خطوات حاسمة نحو إنهاء دائرة الكراهية.
التعاطف هو أداة أخرى قوية للتغلب على العداء غير المبرر. عندما يتعلم الناس وضع أنفسهم مكان الآخرين، يصبحون أكثر عرضة للتعرف على التجارب والمشاعر المشتركة التي نتشاركها جميعًا. يمكن للتعاطف أن يكسر عقلية “نحن ضدهم” ويستبدلها بشعور بالإنسانية المشتركة.
بغض النظر عن مدى “لطفك”، سيجد شخص ما دائمًا سببًا ليكرهك، لذلك لا داعي للقلق أو بذل جهد كبير للتغيير من أجل إرضاء أولئك الذين يكرهونك. فقط تجاهل هؤلاء الأشخاص.
jebadr@
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
عالية المهدي: لا يمكن خفض الأسعار مع فائدة 24% وتضخم بـ11%
قالت الدكتورة عالية المهدي عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الأسبق بجامعة القاهرة، إنّ سعر الفائدة الحقيقي في مصر يُعد من الأعلى في العالم، مشيرة إلى أنه في ظل فائدة اسمية تبلغ نحو 20% للمدخرين و24% للمقترضين، ومع معدل تضخم يبلغ 11%، فإن سعر الفائدة الحقيقي يصل إلى 9%، وهو رقم غير مسبوق في معظم الدول.
وأضافت المهدي، في حوارها مع المحامي الدولي والإعلامي خالد أبو بكر، مقدم برنامج "آخر النهار"، عبر قناة "النهار"، أنّ هذا المستوى المرتفع من الفائدة يمثل عائقًا كبيرًا أمام الاستثمار والإنتاج، مشيرة إلى أن المستثمرين يعجزون عن تحقيق أرباح تغطي تكلفة الاقتراض، مما يؤدي إلى توقف المشروعات أو رفع الأسعار، وهو ما ينعكس سلبًا على المواطن.
وتابعت، أنّ هذا الوضع يُسهم في ارتفاع تكاليف الإنتاج ويُفقد المنتجات المحلية القدرة على المنافسة في الأسواق الدولية، لافتة إلى أن الدول الأخرى مثل السعودية وأمريكا وأوروبا لديها فائدة على القروض تتراوح بين 3% و5% فقط.
وشددت على ضرورة خفض سعر الفائدة في مصر تدريجيًا بما يتناسب مع معدلات التضخم، مؤكدة أن ذلك سينعكس إيجابًا على النشاط الاقتصادي ويُسهم في خفض الأسعار وتحسين معيشة المواطنين، رغم أن بعض الجهات قد تتخوف من تأثير هذا القرار على رؤوس الأموال الأجنبية الساخنة.