من الفوضى إلى الاستقرار. 11 عاما تغير فيها وجه مصر
تاريخ النشر: 14th, August 2024 GMT
شهدت الدولة المصرية خلال السنوات الـ11 الأخيرة تحولا جذريا من حالة الفوضى وعدم الاستقرار التي عمت البلاد إلى بناء دولة قوية قادرة على مواجهة التحديات والتغلب على الصعوبات وتحقيق الإنجازات، تلك الفترة الحاسمة من تاريخ البلاد تُعد قصة نجاح لشعب قرر أن يستعيد دولته من أيدي الفوضى ويعيد بناءها على أسس قوية ومستدامة بعد أن كانت البلاد متجهة إلى السقوط في وحل الظلام ومستنقع الصراعات.
قال منير أديب، الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، إنه منذ وصول جماعة الإخوان الإرهابية إلى حكم البلاد في 2012، دخلت مصر مرحلة صعبة من الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي أسهمت بشكل كبير في تدهور الأوضاع، وسادت الفوضى في المدن والشوارع، وتعرضت مؤسسات الدولة لضعف شديد، ما أثر على الحياة اليومية للمواطنين نتيجة تزايد حوادث العنف والإرهاب، وتراجعت مؤشرات البورصة وأسهم الاقتصاد بشكل حاد نتيجة ما تمر به البلاد من حالة عدم الاستقرار، حيث انخفضت الاستثمارات الخارجية وعزف المستثمرون الأجانب عن الاستثمار في بلد مليئة بالصراعات الداخلية والتناحرات الطائفية، وارتفعت معدلات البطالة وزادت نسبة الفقر بين أبناء المجتمع.
وأوضح خبير الشئون الإسلامية أن الإخوان استغلوا تلك السيولة وصعدوا لكرسي الحكم ليحكموا البلاد لمدة عام واحد لا غير، أثبتوا خلاله للشعب المصري أنهم غير مؤهلين تمامًا لتولي زمام الأمور والسيطرة على البلاد.
الإطاحة بحكم الجماعةتابع: في يونيو 2013، شهدت البلاد تغيرا كبيرا مع الإطاحة بحكم الإخوان بعد ثورة شعبية جديدة، قامت بهدف تغيير السياسات والإطاحة بحكم الجماعة الإرهابية، أعقب ذلك تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في عام 2014، وبدأت الدولة مرحلة جديدة من البناء والإصلاح على يد القيادة السياسية الجديدة التي بدأت أولى خطواتها بإعادة الاستقرار الأمني للبلاد ومواجهة التنظيمات الإرهابية واستعادة الأمن في سيناء.
ومن جهته، أوضح الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أنه بعد الإجراءات الحثيثة من القيادة السياسية على انتشار الأمن والسلام في أنحاء البلاد والقضاء على الخلايا الإرهابية والكيانات العدائية، عملت على تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية التي كانت شديدة الضرورة، رغم صعوبتها، ولكن كان لابد منها لإنقاذ الاقتصاد الوطني أو محاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، والنهوض بالدولة بعد سنوات من التدهور الاقتصادي والاستثماري نتيجة محاربة الإرهاب، ما جعل الدولة تتجه لبعض الإصلاحات والتي كان أبرزها تحرير سعر الصرف في عام 2016، وإعادة هيكلة الدعم الحكومي، وتطبيق برامج للحماية الاجتماعية لمواجهة تأثيرات الإصلاحات على الفئات الأكثر فقرًا واحتياجاً.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية، أن الدولة شهدت في السنوات الأخيرة تنفيذ العديد من المشروعات القومية الكبرى، مثل مشروع قناة السويس الجديدة، والعاصمة الإدارية الجديدة، وشبكة الطرق والمواصلات التي أحدثت نقلة نوعية في البنية التحتية للبلاد، وشهدت مصر على إثرها نهضة اقتصادية واضحة أدت لارتفاع معدلات النمو الاقتصادي، وزيادة الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية، وجذب المزيد من الاستثمارات.
الصحة والتعليم أساس بناء الأمموأشار فهمي إلى أنه فيما يخص الناحية الاجتماعية، عملت الدولة على تحسين مستوى الخدمات العامة والارتقاء بمستوى حياة المواطن المصري، على كافة الجوانب أبرزها الصحة والتعليم والبنية التحتية وإصلاح الطرق وتشييد المباني، وإطلاق مبادرات اجتماعية ضخمة مثل مبادرة "حياة كريمة" والتحالف الوطني بهدف تحسين مستوى المعيشة في الريف المصري وتقليل نسبة الأمية والفقر في المجتمع، مما يزيد من الوعى المجتمعي والثقافي لدى المواطن.
مضيفًا: رغم الجهود المكثفة والمتتالية للحكومة المصرية على المستوى الداخلي إلا أنها لم تجهل أهمية تعزيز الدور الإقليمي في المنطقة بما يعزز دورها في الساحة الخارجية، واستطاعت مصر بعد بذل المزيد من الجهد وعقد المباحثات استعادة دورها الإقليمي والدولي كلاعب رئيسي في المنطقة، من خلال دبلوماسية متوازنة وتحركات استراتيجية مدروسة، حافظت على مصالحها القومية وساهمت في حل الأزمات الإقليمية.
وختامًا ونحن الآن على بعد 11 عاما من الثورة السالفة، التي أعقبها العديد من التحديات والصعوبات، التي فرضت على الدولة ضرورة التعامل معها بحكمة وذكاء، نستطيع أن نقول أن الدولة المصرية نجحت في التحول من حالة الفوضى وعدم الاستقرار إلى دولة مستقرة تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل أفضل يحمل في طياته العديد من الآمال والتطلعات لشعب صبر كثيرًا على صعوبة الأيام وتحمل مرارة الأحداث.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التحالف الوطني حياة كريمة ثورة 25 يناير ثورة 30 يونيو الاقتصاد الاستثمار
إقرأ أيضاً:
الباب المقفول
الباب المقفول
فيصل محمد صالح
أظنني لفترة طويلة كنت من المؤمنين بضرورة الحوار مع التيار القابل للحوار داخل «الحركة الإسلامية»، ليس لإقناعهم بما نؤمن به، مع آخرين، لكن للوصول لتصور مشترك لإدارة الخلافات داخل إطار التحول الديمقراطي، ومع ذلك كنت مقتنعاً بما تم اتخاذه من إجراءات ضد «المؤتمر الوطني» و«الحركة الإسلامية» خلال الفترة الانتقالية، ولم أكن أرى تناقضاً في ذلك.
ببساطة شديدة كان المبرر الأساسي هو تجريد «الحركة الإسلامية» من السلاح، فالثابت عندي أنها تنظيم سياسي مسلح بكتائبها وبأعوانها داخل الأجهزة النظامية، ثم تجريدها أيضاً من أموال الدولة التي اغتنت بها طوال ثلاثين عاماً حين كان جيبها هو جيب الدولة، وتنظيف جهاز الدولة من أصحاب الولاء الآيديولوجي، حتى تعود تنظيماً سياسياً عادياً مثل غيرها. لهذا بدا منطقياً عدم إشراك «المؤتمر الوطني» و«الحركة الإسلامية» في الفترة الانتقالية، مثلما حدث في العراق بعد سقوط صدام، وما يحدث في سوريا الآن. فليس من المعقول أن تثور الجماهير ضد نظام رفض تقديم أي تنازلات للحركة الجماهيرية ومارس ضدها أقسى صنوف القمع، وتسقطه، ثم تشركه في المرحلة الانتقالية ولم تجف دماء شهداء الثورة بعدُ. لكن كان معلوماً أيضاً أن التيار الإسلامي لن يختفي أو يتبخر، سيظل موجوداً في الساحة بتعبيرات مختلفة، والمتوقع أن يقوم بمراجعاته ويكون جزءاً من التنافس الديمقراطي بعد نهاية المرحلة الديمقراطية. لكن من الواضح أن ذلك لم يحدث، حتى الآن، على الأقل.
حكم «المؤتمر الوطني» – «الحركة الإسلامية» البلاد لمدة 30 عاماً، حكماً شمولياً قاهراً، لم تقبل أطراف الحركة نفسها أن يتم تقاسم السلطة بين قياداتها، فانقلب البشير ضد الترابي وأودعه السجن أكثر من مرة، وتعرض أنصار الترابي الذين وقفوا معه للاعتقال والتعذيب والتصفية. يمكنك أن تتخيل إذن كيف كان النظام يعامل المعارضين له. يمكن فقط اختصار الصورة بأن النظام بدأ تاريخ التعذيب بالقتل والتعذيب والتشريد.
انفردت الحركة بالسلطة تماماً، وفصلت عشرات الآلاف من عملهم، بمن فيهم ضباط من الجيش والشرطة وجهاز الأمن، وأطباء ومهندسون وأساتذة جامعات، وقضاة ووكلاء نيابة، وعمال صغار في مصالح حكومية مختلفة، وعينت مكانهم كوادر الحركة حتى سيطرت على مفاصل الدولة، بما فيها الخدمة المدنية.
أما المؤسسات والمشاريع الكبرى التي ورثها النظام فقد نزل فيها التخريب والتدمير والخصخصة والبيع بلا أي ضوابط. إلى جانب هذا شهدت البلاد فساداً لم يحدث في تاريخ السودان؛ فقد كان مال الدولة هو مال «الحركة الإسلامية» وقياداتها، فابتنوا القصور داخل السودان وخارجه، وتحول كبار «المجاهدين» لرأسمالية جديدة متخفية.
كان طبيعياً أن تتراكم الحركات والانتفاضات ضد النظام رغم سياسات القمع والترهيب، حتى أسقطته ثورة شعبية وأطاحت بقياداته في أبريل (نيسان) 2019. فهل نهض رجال من «الحركة الإسلامية» ليراجعوا التجربة ويقروا بأخطائها، ويعلنوا العزم على القبول بالإرادة الشعبية، وليعيدوا تأسيس أنفسهم على قيم جديدة ورؤى حديثة يعملون بها بعد نهاية الفترة الانتقالية؟
الإجابة بالطبع هي النفي؛ فقد تكبروا واستكبروا وقالوا، كالعادة، إن الثورة الشعبية هي مؤامرة صهيونية أميركية شيوعية إمبريالية، وإنهم عائدون لحكم البلاد إلى ما شاء الله.
حتى الذين تخلوا عن النظام في سنوات سابقة من رموز ومفكري «الحركة الإسلامية» وكانت لهم كتابات ناقدة معروفة، لم يساهموا في عملية المراجعة بعد سقوط النظام ولم يدعوا لها، بل تراجع بعضهم عن أفكاره وعاد لحظيرة الحركة، وكأنهم كانوا ينتقدونه مع رغبتهم في إصلاحه وبقائه بشكلٍ ما، وعزّ عليهم أن يسقط، فلم يستطيعوا أن يتواءموا مع فكرة غيابه ومحاولة صناعة البديل.
مع قيام الحرب ازدادت الأوضاع تعقيداً، وعادت كوادر الحركة لحمل السلاح، والإعلان في كل فرصة أن عدوهم الحقيقي هم من قاموا وساهموا في الثورة ضد النظام السابق، وبالتالي فإن آليتهم للحوار هي البندقية، مما يعني دفع الطرف الآخر لكي يفكر أيضاً في اقتلاع «الحركة الإسلامية» بطريقةٍ ما، ولن يكون شعارهم: «سلمية… سلمية»، مثلما كان الحال خلال الثورة الشعبية.
خلاصة الأمر أن باب الحوار مقفول، وآلياته غير موجودة، ومستقبل البلاد غير معروف، و«الحركة الإسلامية» القديمة لا تظن فقط أنها ستعود كما هي، بل هي تتعامل باعتبارها قد عادت وصارت الآمر والناهي، إلا إذا اصطدمت بحلفائها الآخرين، وعنده ستكون كل الاحتمالات مفتوحة.
* نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط
الوسومالثورة الجيش الحرب الحركة الإسلامية السودان الشرطة الشرق الأوسط الفترة الانتقالية المؤتمر الوطني جهاز الأمن فيصل محمد صالح