لماذا تهتم الشركات بتقديم الاعتذار إلى الزبون والجمهور؟
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
مؤخرا رأت شركة الخطوط الحديدية الألمانية/ دويتشه بان أن عليها الاعتذار لمشجعي كرة القدم بسبب تأخر القطارات والازدحام الشديد خلال بطولة يورو 2024 التي أقيمت في عدة مدن ألمانية. على ضوء ذلك قال مايكل بيترسون، عضو مجلس إدارة الشركة "إنه يتفهم الانتقادات بأن دويتشه بان "لا تقدم حاليًا الجودة التي يستحقها الجميع.
تُعد دويتشه بان الشركات التي تقدم الاعتذار من حين لآخر أمثال فيسبوك، ونيتفليكس، وأوبر، وكوكا كولا، بوينغ، وتويوتا، لكن هل يغير الاعتذار كثيرا من واقع الحال؟ وهل يمكن للاعتذار أن يجعل المشجعين الذين فاتتهم المباريات يتفهمون الأمر؟
لماذا نتعب أنفسنا بعناء الاعتذار؟
الشركات كالبشر ترتكب أخطاء أيضا، وبعضها سيعبر عن اسفه لذلك. غير أن على من يريد الاعتذار التفكير مليا بالتبعات المحتملة قبل القيام بذلك، لأن الأمر يشكل جزءا من إدارة الأزمة ومستقبل السمعة.
طبيعي أن يعتذر المرء عن السلوك السيء والأنشطة غير القانونية، ولكن ماذا عن الأحداث الأخرى المرتبطة أيضا بعوامل خارجية؟ ثم أن الاعتذار بحد ذاته لا يغير المشكلة من حيث المبدأ بقدر ما يلفت الانتباه إليها. وبالنسبة للشركات هناك من جهة حسابات للتكاليف التي قد تنجم عن الأسف، وللفوائد المتوقعة من جهة أخرى. وعلى ضوء ذلك جرت العادة أن القسم القانوني في الشركة لا يؤيد الاعتذار خوفا من دعاوى قضائية والمطالبة بتعويضات مالية.
غير أن المشكلة أمام الشركات تكمن هذه الأيام بقوة وسائل التواصل الاجتماعي. ففي الماضي لم يكن الزبائن أو الجمهور على علم بمشاكلها على نطاق واسع. وكانت اعتذاراتها تتم عن طريق الصحف ويبقى صداها في نطاق ضيق. أما اليوم فإن شكوى واحدة من خلال فيديو قصير ودرامي عبر الوسائل المذكورة قد تنتشر كالهشيم في النار ولا تترك مجالا لعدم الاعتذار عن التقصير.
ألقاء اللوم على التكنولوجيا
من الواضح أن التقدم التكنولوجي "يجعل الاعتذارات أكثر شيوعا، والشركات أكثر استباقية في محاولة استعادة ثقة الجمهور" حسب ما قال لـ DW نيكولا لاسيتيرا الأستاذ في قسم الإدارة بجامعة تورنتو في كندا، لـ: DW . واضاف لاسيتيرا " ان ما تقدمه للمواطنين والمستهلكين على صعيد تدقيق المعلومات والمعطيات بشكل أسرع من جهة، وسهولة التواصل ونشر المعلومات حول الممارسات غير السليمة من جهة أخرى، كل ذلك يضع الشركات أمام مزيد من الضغط للاستجابة بسرعة، لأنه من الصعب إسكات السخط".
وبالنسبة للخبير فإن اختيار التوقيت والكلمات تشكل مفتاح نجاح الاعتذار أم لا. وعلى ضوء ذلك لا ينبغي على الشركات الانتظار طويلا قبل الاعتراف بالخطأ، لأن ذلك يعطي الانطباع بأن الشركة تحاول إخفاء القضية. ومن الأمثلة على ذلك شركة فولكسفاغن الألمانية لصناعة السيارات التي عانت من انتقادات وأضرار كبير بسبب تأخرها في الاعتراف بما يُعرف فضيحة انبعاثات الديزل من موتورات سياراتها.
قول كلمة "آسف" أمر صعب
"تعتذر الشركات بسبب أهمية السمعة، وهذا أمر هام للمستهلكين الذين يتسوقون من العلامة التجارية التي يثقون بها. وهي مهمة أيضا للجهات التنظيمية التي تراقب الشركات، وكذلك للموظفين عندما يقررون مكان العمل"، كما يقول بنيامين هو، أستاذ الاقتصاد في كلية فاسار في الولايات المتحدة ومؤلف كتاب بعنوان "لماذا الثقة مهمة: دليل الخبير الاقتصادي للعلاقات التي تربطنا".
بحث بينيامين هو في الاعتذارات لسنوات عديدة، وعلى ضوء ذلك يشعر بأن الشركات تعتذر بشكل متكرر وصحيح، كما قال لـ DW. غير أن الاعتذار لا يكفي في الغالب، لاسيما وأن الاعتذارات السيئة تكثر وعادة ما تكون عبارة عن كلمات أو تفشل في تحمل المسؤولية. ويرى بينامين هو "إن الشركات تحتاج للقيام بتغييرات ملموسة بشكل يدل على تحمل المسؤولية ووضع معايير أفضل للاداء في المستقبل لأطهار ما إذا كان الاعتذار يتم أخذه على محمل الجد".
تكاليف الاعتذار وأعبائه
قد تكون الاعتذارات أكثر فعالية في بعض القطاعات، ولا تكون كذلك في قطاعات أخرى، كما يقول لاسيتيرا. وأضاف: "في بعض الصناعات، يتوقع الناس أن تكون الشركات أكثر قسوة، وبالتالي، لايتم تقديم الاعتذارات على اساس أن ذلك قد يشكل علامة ضعف". ومع ذلك، فإن الاعتذار الجيد يتطلب التضحية ونوعا من التكلفة، كما يقول بينامين هو مضيفا: "قد تكون هذه التكلفة ملموسة، مثل الدفع النقدي، أو قد تكون على شكل استعداد للفت الانتباه إلى الأخطاء الماضية، أو الوعد بتحسين الأداء في المستقبل".
ورغم أن الاعتذار قد يكون أكثر تكلفة مما ترغب به الشركات، فإن اتخاذ قرار تقديم الاعتذار أو عدمه لا يؤثر من حيث المبدأ على أسعار الأسهم. ومن العجيب هنا أن المساهمين يحبون عموما ميل الشركة إلى إلقاء اللوم على الآخرين. وهذا ما تؤكده دراسة حديثة حسب بنيامين هو الذي قال بهذا أيضا الخصوص: "وجدنا أن الشركات التي قدمت "اعتذارات سيئة" شهدت استجابة أفضل في سوق الأوراق المالية من تلك التي قدمت "اعتذارات جيدة".
أما بالنسبة للعملاء في شركات الخدمات مثل شركة اوبر لخدمات النقل بالسيارات مثلا، فإنهم يريدون أكثر حسب بينيامين هو، الذي أضاف: "وجدنا أن الاعتذارات الأكثر فعالية تضمنت قسائم لرحلات إضافية أو وعود بأداء أفضل مستقبلا، أما الاعتذارات التي بقيت كلمات فارغة فقد جاءت بنائج عكسية وتعرض بموجبها العملاء لمزيد من التأخير في رحلاتهم".
ما الطريقة الصحيحة للاعتذار؟
بالنسبة إلى برودينس جورجيتشون المحللة النفسية والمستشارة المقيمة في الولايات المتحدة، "يمكن القول إن عدم الاعتذار أفضل من اعتذار سيئ". أما الاعتذار الجيد من وجهة نظرها فينبغي أن يتضمن الاعتراف بارتكاب الخطأ، والتعبير عن الأسف للاذى الذي تسبب به والتأكيد على إجراءات من شأنها منع تكرار ذلك. وعلى الرغم من وضوح هذه المبادئ فإن شركات عديدة تواجه صعوبة في الاعتذار. ولسوء الحظ لا توجد طريقة معينة تناسب الجميع للتعبير عن الآسف، لاسيما وأن تقديم حجج معينة قد يشكل حقل ألغام يصعب قياس نتائجه. وفي كل الأحوال ستستمر الشركات في ارتكاب الأخطاء وستحاول إصلاحها وكسب ثقة العملاء مجددا.
أعده للعربية: ندى فاروق
المصدر: أخبارنا
إقرأ أيضاً:
في بريطانيا 2025 كيف لكلمات أغنية أن تكون أشد وقعا من إبادة غزة؟
كتب أوين جونز، في عموده بصحيفة غارديان، أن الجدل حول ما حدث في غلاستونبري يخفي -بصورة يعتقد أنها متعمدة- الغضبَ المثار حول القنابل الحقيقية والموت الفعلي في قطاع غزة.
وقارن الكاتب الصحفي هتاف المغني بوبي فيلان (قائد ثنائي الراب بانك بوب فيلان) "الموت. الموت للجيش الإسرائيلي"، بكشف صحيفة هآرتس عن أن جنودا وضباطا إسرائيليين اعترفوا بأنهم تلقوا أوامر بإطلاق النار على فلسطينيين عزل في أثناء انتظارهم في طوابير للحصول على المساعدات، مما أدى إلى مقتل نحو 600 فلسطيني مجوّع، بينهم عديد من الأطفال.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2فايننشال تايمز: هل بدأ الناتو يستعد للحرب ضد روسيا؟list 2 of 2خبير اقتصادي: على أفريقيا ألا تنتظر المعجزات من الآخرين بعد الآنend of listوتساءل جونز عن أي القصتين الإخباريتين -"5 كلمات قالها المغني أم 600 قتيل"- أولى بأن تتصدر الصفحات الأولى للصحف البريطانية، ونشرات الأخبار، وتستفز "بي بي سي"، وتدفع رئيس الوزراء كير ستارمر وحشدا لا ينقطع من النواب إلى إدانة هذه الفظائع. ليقرر باستنكار "كم هو ضائع أخلاقيا ذلك المجتمع الذي يثير فيه هتاف ضد جيش أجنبي مرتكب للإبادة الجماعية عاصفةً سياسيةً وإعلامية، ولا يثير قتل المجوعين العزل عمدا بأوامر من القيادة العليا للجيش الإسرائيلي فيه مثل ذلك".
هناك إبادة جماعية تحدث في غزة، كما يجمع علماء الإبادة الجماعية، بمن فيهم الإسرائيليون، مع أن مصطلح الإبادة الجماعية لا يعبر إلا بصورة محدودة عما يحدث هناك، إلا إذا كانت تعني محو أركان الحضارة، من المنازل إلى المدارس إلى الزراعة، وتهجير الناس قسرا من أراضيهم، وحرمانهم من الطعام والماء والرعاية الصحية، إضافة إلى إبادة عائلات بأكملها بالقصف العشوائي، وحرق أطفال أحياءً وتركهم يختنقون تحت الأنقاض.
وإذا كان لا بد من تركيز غضبنا على الكلمات -كما يقول الكاتب- فهلا أغضبتنا التصريحات التي أطلقها السياسيون الإسرائيليون باعتزاز، عندما أعلن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أن "غزة ستدمر بالكامل"، وعندما طلب وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير وقفا دائما لجميع المساعدات إلى غزة، وهو ما يعني عمليا قتل المدنيين الفلسطينيين.
وبدا للكاتب أن جوهر الأمر هو أن ما يحدث هو حملة لصرف الانتباه عن تواطؤ بريطانيا في جريمة القرن، بحيث يصوَّر ميسِّرو الإبادة الجماعية على أنهم معتدلون أخلاقيون، في حين يوصَم معارضوها بأنهم متطرفون حاقدون وخطيرون.
وبالفعل أعلنت شرطة أفون وسومرست عن إجراء تحقيق جنائي في عروض بوب فيلان وفرقة نيكاب في مهرجان غلاستونبري، فمرحبا بكم في بريطانيا عام 2025، حيث يُجر إلى العدالة الموسيقيون الغاضبون من الإبادة الجماعية، في حين ينعم السياسيون الذين يسهلون تلك الإبادة الجماعية بالحرية، كما يصرخ الكاتب.
إعلانوفي هذه الأثناء، أصدرت وزيرة الحكومة ليزا ناندي بيانا غاضبا إلى مجلس العموم بشأن بوب فيلان وقرار "بي بي سي" بث العرض مباشرة، مفضلة تخصيص وقت البرلمان لذلك، بدلا من البحث عن سبيل لإنقاذ شعب غزة مما وصفه رئيس الصليب الأحمر بأنه "أسوأ من الجحيم على الأرض"، وفقا للكاتب.
أكثر إساءةوأصدرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومهرجان غلاستونبري بيانات تعلن فيها أن هتاف فيلان معاد للسامية، بيد أن دمج الشعب اليهودي بمجمله مع جيش دفعت أفعاله المحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية يبدو للكاتب أكثر إساءة من كلمات الفنانين.
وأصدر فيلان بيانا يوضح فيه معارضته "لقتل اليهود والعرب وأي عرق وجماعة"، موضحا أن "الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي" تعني "تفكيك آلة عسكرية عنيفة".
هذه الجريمة بشعة جدا، وموثقة جدا، وغير مبررة، بحيث لا تمكن النجاة منها. وسيأتي يوم الحساب، وسيحاسب من سهلوا إبادة غزة على ما قالوا وفعلوا
وعلق الكاتب بأن الجيش الذي يرتكب إبادة جماعية فقدَ حقه في الوجود، ويجب استبداله بقوة قادرة على حماية أمن جميع الناس الذين يعيشون بين النهر والبحر، بغض النظر عن عرقهم ودينهم، وهو ما يعني على الأرجح قوة حفظ سلام دولية.
وذكر جونز أن ملايين الناس شاهدوا البث المباشر لما يحدث في غزة، وكانوا يتوقعون -بعقلانية تامة- أن يشاركهم سياسيوهم غضبهم، لكنهم وجدوهم مستمرين في تسليح الجناة، وتوقعوا من وسائل إعلامهم محاسبة السلطة، لكنهم وجدوها تتستر على الأهوال.
وختم الكاتب بأن هذه الجريمة بشعة جدًا، وموثقة جدا، وغير مبررة، بحيث لا تمكن النجاة منها. وسيأتي يوم الحساب، وسيحاسب من سهلوا إبادة غزة على ما قالوا وفعلوا، وليس من عارضوها.