كيف باتت العشائرية خصوصية أردنية؟
تاريخ النشر: 26th, August 2024 GMT
كيف باتت #العشائرية #خصوصية_أردنية؟
بقلم: د. #هاشم_غرايبه
مقال الإثنين: 26 / 8 / 2024
من البداهة اعتبار الأردن قد مر بمراحل التطور ذاتها التي مرت بها الأقطار المجاورة، كونه جزءا من بلاد الشام، حيث كانت القبلية بديلا أمنيا لنظام الدولة في حالات ضعفها، مما حدا بالعشائر الأردنية خلال ضعف الدولة العثمانية أن تتكتل في كل منطقة لحماية ممتلكاتهم ومزروعاتهم من غزوات البدو القادمين من الصحراء .
ويذكر (فريدريك .ج . بيك) في كتابه: تاريخ شرق الأردن وقبائله، ص 165: “إبان القرن الذي سبق الميلاد، اضطرت مدن الاتحاد اليوناني ( الديكابوليس) أن تتآزر لدرء خطر غارات بدو الصحراء، لكن كان الانسان أمينا على نفسه ومتاعه خلال الفترات منذ الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين والأيوبيين والمماليك، فأفاد ذلك الزراعة وخاصة في منطقة شمال الأردن، إذ أن ستماية سنة من الاستقرار منذ انتهاء الحكم الروماني وحتى نهاية دولة المماليك على يد الأتراك، أوجد شعبا زراعيا ماهرا في تلك المنطقة .
ولما ازداد خطر الغزوات من بدو الصحراء فقد أوجد القرويون دويلات صغيرة تعرف بالنواحي وكل ناحية تقع تحت سيطرة رئيس قوى الشكيمة الذي كان يقود القرويين في المعارك، ولاتزال النواحي للآن معتمدة كتقسيمات ادارية .”
بعد ان رزح الأردن تحت الحكم البريطاني إثر اندحار العثمانين عام 1916، وجد المستعمر أن التعامل مع شيوخ القبائل وزعماء العشائر حسب المبدأ البريطاني الشهير (فرّق تسد) يحقق له احكام السيطرة بأقل كلفة عسكرية.
أصبح تقريب البعض من شيوخ العشائر موجبا لترسيخ سطوة أكبر لشخصية الشيخ بين عشيرته، فيما دفعه الى إظهار الولاء أكثر فأكثر من أجل تلبية طلبات أقربائه، وفي نفس الوقت كان ذلك وسيلة لتجفيف منابع المعارضة الوطنية المناهضة للإستعمار، ولإضعاف الزعماء المحليين المطالبين بإلغاء المعاهدة البريطانية.
لم تتغير هذه السياسة بعد تأسيس المملكة رغم زوال مبررات العشائريه بعد إرساء الأسس المطلوبة للدولة، والاستقرار الأمني وزوال خطر الغزوات القادمة من الصحراء، إلا أن السلطة استمرت في دعم البنية العشائرية لدرجة أن عبارات مثل: الأهل – العزوة – العشيرة، ظلت سائدة في الخطاب الرسمي، كما ظلت ذيول الأفكار البريطانية قائمة حتى بعد رحيل “غلوب باشا”.
لقد وجدت السلطة ومنذ البدايات نخبا سياسية مثقفة تطالب بالديمقراطية والدستور والوقوف امام المخاطر الصهيونية، وضغطت النخب التي نظمت أنفسها في أحزاب تظاهرت لاسقاط الأحلاف الاستعمارية مثل حلف بغداد، ومن أجل إلغاء المعاهدة البريطانية.
وقد وصلت هذه النخب السياسية ذروة قوتها عندما سيطرت على مجلس النواب واسقطت حكومات، فلم يعد من قوة تعادلهم غير تشجيع القوى الموالية تقليديا (المؤلفة قلوبهم)، وهي بعض من القيادات العشائرية غير المسيسة لترجيح كفة الموالين في مجلس النواب.
يقول السير جون غلوب (المعروف في الأردن بـ غلوب باشا) في مذكراته، ص :265 “بعد سقوط حكومة فوزي الملقي عام 1954، عاد توفيق ابوالهدى مرة أخرى وقرر اجراء الانتخابات، واذ قرر ضمان الأغلبية له فقد طلب الي أن اهيء الجنود للمشاركة في التصويت للمرشحين الذين اختارهم هو”.
قد يتوقع البعض أن هذه الممارسه تعود الى الماضي، لكنها استعيدت دائما بصور متعددة، وأقربها كانت في الانتخابات البلدية عام 2007، حينما استعادت الدولة فكرة أبو الهدى مرة أخرى باللجوء الى تصويت العسكر لمنع اكتساح الإسلاميين لها.
عندما سمحت الدولة بعودة الحياة البرلمانية عام 1989، لم تتدخل في توجيه النتائج لأول وآخر مرة، لأنها أرادت معرفة توجهات الناخبين الحرة، وحينما تبين اكتساح الاسلاميين، استعانت بصديق نصحها بفكرة الصوت الواحد، والذي طبقته بدءا من عام 1993، وفيه توظيف لسلبيات العشائرية بجعل الانتخاب بناء على العصبيات التي تحقق المكاسب المناطقية بدل أن تكون على البرامج الوطنية، كما أنها تقطع العلاقات بين العشائر، وتنشئ الإحن والاحقاد بين ابناء العشيرة الواحدة، وهي أنجح وسيلة لقطع الطريق على المرشحين المثقفين والبرامجيين.
وهذا يفسر بقاء الأردن متمسكا بالعشائرية فيما رأينا كل الأقطار المجاورة خطت خطوات واسعة نحو المؤسسية، إذ ظل تعزيز المفاهيم العشائرية منهجا ثابتا على الدوام متمثلا في تغليب المحسوبية والجهوية على الأسس الإدارية، وهكذا أصبح الالتفاف حول العشيرة وشيخ العشيرة أمرا له موجبات ومبررات، فهو الواسطة الأسرع للوصول.
المصدر: سواليف
كلمات دلالية: العشائرية
إقرأ أيضاً:
من أسرار حرب السودان
من أحاجي الحرب ( ٢١٣٢٢ ):
○ كتب: د. Yousif Kamil Amin
ترجمت التحقيق المرئي الذي أعدّه مركز مرونة المعلومات (CIR)، والذي يُعد من أهم التحقيقات التي كشفت أسرار حرب السودان. التحقيق لا يكتفي بإثبات تدفق الأسلحة والمركبات إلى مليشيا الدعم السريع (الجنجويد) عبر ليبيا، بل تمكن ولأول مرة من تحديد الموقع الدقيق لمعسكر عسكري ثابت تابع للمليشيا في عمق الصحراء الليبية، وربط هذا المعسكر مباشرة بالهجمات التي وقعت داخل السودان، وعلى رأسها الهجوم على معسكر زمزم للنازحين.
استخدم فريق التحقيق عشرات المقاطع المصورة التي نشرها مقاتلو الدعم السريع أنفسهم، ثم قاموا بتحليل التضاريس، والتكوينات الصخرية، وصور الأقمار الصناعية المؤرشفة. ورغم أن مساحة الصحراء التي كانوا يبحثون فيها تعادل حجم فرنسا وإسبانيا معًا، تمكن الفريق من تضييق نطاق البحث باستخدام صور ليلية التقطت قبل أسابيع من ظهور مقاطع المعسكر على الإنترنت، ليكتشفوا بقعة ضوء جديدة في عمق الصحراء. بمطابقة الأفق وتكوينات الصخور مع المشاهد المصورة، حددوا الموقع بدقة غير مسبوقة.
يظهر في المقاطع قائد المليشيا حمدان كجيلي، الذراع اليمنى لعبد الرحيم دقلو، وهو يقف أمام مركبة لاندكروزر مدرعة مطابقة لتلك التي ظهرت لاحقًا في الهجوم على زمزم. وتم تصوير المشهد قبل أيام قليلة من الهجوم وعلى بعد 18 كيلومترًا فقط من المعسكر، بحضور عبد الرحيم دقلو نفسه. هذه المطابقة الدقيقة بين المعسكر الليبي، وقيادات الدعم السريع، والمركبات التي استخدمت في الهجوم الدموي، تقدم دليلاً قاطعًا على الرابط المباشر بين القاعدة الخارجية والهجوم على زمزم وما تبعه من تهجير جماعي لعشرات الآلاف من النازحين الذين كانوا يبحثون عن الأمان.
التحقيق يتحدث أيضًا عن المفارقة المؤلمة: بينما تتأخر قوافل الغذاء عن الوصول إلى مئات الآلاف من النازحين في زمزم، تتدفق الأسلحة والمركبات المعدلة من معسكر في ليبيا إلى قلب دارفور، لتغذي حربًا يدفع ثمنها المدنيون وحدهم.
#من_أحاجي_الحرب