في قلب محافظة الفيوم، وتحديدًا في قرية صغيرة بمركز طامية، وُلد الدكتور صلاح أبو طالب، الذي أصبح فيما بعد رمزًا للطب والإدارة الصحية في المحافظة. من عائلة متعلمة، نشأ الدكتور صلاح حاملًا حلمًا بتخفيف المعاناة وإنقاذ الأرواح. منذ طفولته، أظهر شغفًا بالعلم، وتميز بذكاء استثنائي أهّله للتفوق في دراسته.

في بداية الثمانينيات، بدأ الدكتور صلاح مسيرته المهنية في مستشفيات جامعة عين شمس ومستشفى الفيوم العام، ثم انتقل إلى مستشفى نفيسة الحصري.

من خلال عمله في هذه المستشفيات، لفت الأنظار بمهاراته الطبية وسرعة بديهته في التعامل مع الحالات الحرجة. لكن لم يكن طموحه مقتصرًا على العلاج فقط، بل كان يسعى دائمًا لتطوير وتحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للمرضى.

في عام 1991، تولى الدكتور صلاح منصب مدير مستشفى التحرير بجوار الكوبري العلوي في مدينة الفيوم، ورأى في هذا المنصب فرصة لتطبيق رؤيته الطموحة لتطوير الرعاية الصحية في المحافظة. كان من أهم أهدافه إنشاء مستشفى تأمين صحي يخدم أهالي الفيوم، رغم التحديات الكبيرة التي واجهته.

لم يتوقف الدكتور صلاح عند إدارة مستشفى التحرير، بل قاد عملية تطوير شاملة للمستشفى، حيث تم زيادة عدد الأسرة وأقسام العناية المركزة، وبدأت المستشفى بإجراء عمليات جراحية كبرى. في عام 1994، وضع حجر الأساس لمستشفى التأمين الصحي بمنطقة الصدر في الفيوم، التي افتتحت في عام 1999. كانت هذه الخطوة نقلة نوعية في الرعاية الصحية بالفيوم، حيث أصبح المستشفى من أكبر المنشآت الطبية في المحافظة.

وفي نفس الفترة، حصل على قطعة أرض أخرى لبناء مستشفى تأمين صحي جديد في منطقة الكيمان، مؤكدًا حرصه على توسيع نطاق الخدمات الصحية وتقديم أفضل رعاية ممكنة لأهالي الفيوم.

كان حلم الدكتور صلاح الأكبر هو إنشاء مركز متخصص لعلاج الأورام في الفيوم، لتخفيف معاناة المرضى الذين كانوا يضطرون للسفر إلى القاهرة لتلقي العلاج. على الرغم من الصعوبات العديدة التي واجهها، إلا أن عزيمته لم تتزعزع. وفي عام 2000، وضع حجر الأساس لمركز علاج الأورام بالفيوم، وهو مشروع واجه تحديات كبيرة خلال مراحل تنفيذه، إلا أن الدكتور صلاح استطاع بفضل جهوده المستمرة التغلب على تلك التحديات وتحقيق حلمه.

واجه الدكتور صلاح محنة كبيرة عندما تم نقل إدارة مركز علاج الأورام من الجمعية العلمية التي كان يرأسها إلى هيئة المستشفيات التعليمية. لم يستسلم لهذا الظلم، وقرر اللجوء إلى القضاء، حيث استمرت الدعوى لسنوات، قبل أن يتمكن من استعادة المركز للجمعية العلمية.

مع عودة الإدارة إلى الجمعية، شهد المركز تطورًا كبيرًا بفضل استكمال البناء وتوفير أحدث المعدات الطبية. وأصبح المركز اليوم واحدًا من أهم المراكز المتخصصة في علاج الأورام في مصر، حيث قدم خدماته لأكثر من 400 ألف حالة منذ افتتاحه.

بعد مسيرة حافلة بالعطاء والإنجازات، أصبح الدكتور صلاح أبو طالب رمزًا للصبر والعزيمة والإصرار في محافظة الفيوم. لُقب بـ "شيخ الأطباء"، وهو لقب يعكس احترام وتقدير المجتمع المحلي لدوره الكبير في تحسين مستوى الرعاية الصحية وتطوير الخدمات الطبية في المحافظة.

قصة الدكتور صلاح أبو طالب هي قصة ملهمة تعكس قوة الإيمان بالحلم والعمل الدؤوب لتحقيقه. إنها حكاية تُظهر كيف يمكن للإصرار والمثابرة أن يغيرا الواقع، وكيف يمكن لشخص واحد أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة الآخرين. لقد علمنا الدكتور صلاح أن الأهداف الكبيرة يمكن تحقيقها بالإصرار والتفاني، وأن خدمة المجتمع هي أسمى أهداف المهنة الطبية.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الخدمات الصحية الرعاية الصحية العناية المركزة تحسين جودة الخدمات الصحية تطوير الرعاية الصحية مدينة الفيوم مصطفى ثابت

إقرأ أيضاً:

من حكاية العمدة إلى دكتور الفول: أزمة القيادة في زمن الألقاب المزيفة.. !

في قرانا القديمة، لم يكن لقب "العمدة" مجرد كلمة تُقال أو صفة تُمنح عبثًا، بل كان ثمرة صراع طويل، وحكاية تحمل بين طياتها مآسي الانتصار ومرارة الخسارة. كان العمدة زعيمًا، حاكمًا، وحكيمًا، يختبره الزمان وينتخبه الناس ليقودهم في أحلك الظروف. لم يكن منصبًا يُشترى أو يُورّث، بل حصيلة مواقف وشجاعة وتضحيات حقيقية.كان صراع العمدية في الماضي أشبه بمعارك الأباطرة، فليس كرسيًا فارغًا، بل قوة تُمارس بحنكة وحكمة. من استطاع أن يوازن بين قوى القرية، ويحافظ على النظام والعدالة، وينقل صوت الجماعة بثقة، كان قائدًا حقيقيًا يستحق الاحترام، بل ويُعتبر روح القرية نفسها.وللحديث عن المهن، كان لكل مهنة احترافها الخاص، من مهندس الري الذي جسد شخصيته الأديب الكبير طه حسين في رواية "دعاء الكروان"، رجل يحمل بين يديه حياة القرية ومصيرها، يشق القنوات ويعيد للماء مساره كأنه يكتب قصيدة لا تُقرأ إلا بأعين الأرض.وكان مهندس الزراعة، والمعلم، من الوظائف الحيوية التي تتطلب صبرًا وجهدًا ووفاءً. فالمعلم لا يزرع في الأرض فقط، بل في نفوس الأجيال، وبذرة الحكمة تنمو في صمت، بعكس الألقاب التي تُوزع على عجل.لكن مع تقدم الزمن، وامتداد موجة الألقاب الفارغة، تحولت هذه المهن التي كانت رمزًا للتميز إلى مجرد أسماء تُنسب بلا محتوى، وفصول تُحذف فيها الروح لصالح البهرجة.في عصر مقاهي شبكات التواصل الاجتماعي، تفشت الألقاب كالنار في الهشيم، خاصة في الإعلام والسياسة. صرت ترى "خبيرًا استراتيجيًا" لا يملك أدنى تجربة مهنية أو خلفية أكاديمية في تخصصه، يطل من خلف شاشة ليمنح آراءً بلا عمق وتحليلات بلا أساس، وكأنه يمارس لعبة الألقاب بدلًا من خدمة المعرفة.ولا ننسى انتشار "حاملي الكرنيهات" في مجالات شتى، و"حاملي الدكتوراه الفخرية" في أكثر المواضع غرابة، من بائع الفول إلى عامل الطعمية الذي صار "دكتورًا في فنون القلي والتتبيل".في هذه البيئة، لم تعد الألقاب تعبر عن جوهر، بل أصبحت أدوات تسويق وديكورًا زائفًا لصناعة المشاهير. صار "الدكتور" و"الخبير" مجرد لافتات تُعلق على جدران الصالات الافتراضية، تُستخدم لجذب المتابعين لا لتنوير العقول أو توجيه الجماهير.كما قال سقراط:"العقل مثل المظلة، لا يعمل إلا إذا كان مفتوحًا." وهي معاناة من يعانق الألقاب من دون أن يفتح مظلة الفهم.القيادة الحقيقية، كما في عهد العمدة، ليست بطاقة تُحمل، ولا منصبًا يُشغل، بل موقف يُختبر في لحظة الانكسار، تضحية تُقاس في لحظات القمع، ومعرفة تُنير الطريق وسط ظلام الفوضى.حتى في القرى التي ظنناها ملاذًا للحكمة والبساطة، بدأ وباء الألقاب الزائفة ينتشر، من "خبير زراعي" لا يعرف رائحة الأرض، إلى "ناشط مجتمعي" لا يعرف أسمى معاني القرب من الناس.كما قال نيتشه:"من لا يملك سببًا للعيش، يستطيع أن يتحمل أي كيفية." فهل من يقبل بهذه الألقاب الوهمية سببًا حقيقيًا للقيادة؟ أم أنهم يختبئون خلفها كي يتحملوا فراغهم؟علينا أن نتذكر، وسط هذه الزحام من الألقاب الورقية، أن القيادة شرف لا يُمنح إلا لمن يثبت نفسه بأفعاله، لا بمنصب فارغ أو لقب مبهر.فلتكن أفعالنا هي التي تُكتب في التاريخ، وقلوبنا هي التي تختار القادة، لا الألقاب التي تُلصق وتُباع في مقاهي الوهم.. .!!

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية

مقالات مشابهة

  • أخبار البحر الأحمر: جولات رقابية للحوكمة على المنشآت الصحية.. متابعة للمراكز التكنولوجية.. اعتماد نتيجة الإعدادية.. وإنجاز طبي بمستشفى الغردقة العام
  • من حكاية العمدة إلى دكتور الفول: أزمة القيادة في زمن الألقاب المزيفة.. !
  • مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخبر يُعيد قدرة المشي لشاب بعد معاناة 10 سنوات نتيجة تموت عظم عنق الفخذ
  • صلاح حسن: نجاح السياحة يبدأ بفهم أسواق الزوار.. وسمعة مصر خط أحمر
  • نجاح جراحة دقيقة باستخدام المنظار لإزالة ورم ضخم من مريضة خمسينية بمستشفى الدرعية
  • سر غياب مصطفي فتحي عن تشكيلة بيراميدز في مباراة وادي دجلة
  • «عناية فورية وخدمات مجانية».. محافظ المنيا يتفقد القوافل الطبية ويوجه بدعم مستمر لتحسين الرعاية الصحية
  • نجاح عملية جراحية بالمنظار لإزالة ورم كبير الحجم لخمسينية في مستشفى الدرعية
  • نجاح عملية جراحية بالمنظار لإزالة ورم ضخم لمريضة خمسينية في مستشفى الدرعية
  • آخر تطورات الحالة الصحية للفنان حمدي إسماعيل بعد نقله للمستشفى