د. هشام عثمان

مصطلح "عرب الشتات" يُظهر جهلًا واضحًا بالجغرافيا والتاريخ المعقدين لما يُسمى "السودان الشرقي" و"السودان الغربي" تاريخيًا، وهما منطقتان تاريخيتان شهدتا تفاعلات كبيرة بين شعوب وأعراق متعددة نتيجة للهجرات، التجارة، الحروب، والممارسات الاستعمارية بما في ذلك تجارة الرق. لكي نفهم بعمق السياق التاريخي لهذه المناطق، من الضروري أن نلقي نظرة على العوامل التاريخية والجغرافية التي شكلت هويات السكان فيها:

### 1.

**السودان الشرقي**:
السودان الشرقي يمتد على طول البحر الأحمر ويمثل منطقة استراتيجية لعبور الهجرات والتجارة عبر البحر الأحمر. هذه المنطقة كانت معبرًا تاريخيًا للحجاج المسلمين في طريقهم إلى مكة، وكانت أيضًا مركزًا للتجارة بين أفريقيا والجزيرة العربية وآسيا.

- **الهجرات**: منذ عصور قديمة، كان شرق السودان ممراً رئيسياً للهجرات العربية والأفريقية، بما في ذلك القبائل العربية التي هاجرت من شبه الجزيرة العربية. هذه الهجرات لم تكن بالضرورة نتيجة للشتات بل كانت جزءًا من التنقلات الطبيعية بين مختلف المناطق.

- **التجارة**: السودان الشرقي كان مركزًا هامًا للتجارة الدولية، بما في ذلك تجارة الذهب، التوابل، والسلع الأخرى. هذا النشاط التجاري جذب مجموعات متعددة من التجار العرب والأفارقة وغيرهم، مما خلق مجتمعًا متنوعًا ومتعدد الثقافات.

- **تجارة الرق**: المنطقة شهدت تجارة الرق العربية والأوروبية التي ازدهرت عبر البحر الأحمر والمحيط الهندي، حيث تم نقل العبيد من إفريقيا إلى الشرق الأوسط وأوروبا. ولكن هذه التجارة كانت جزءًا من نظام أوسع يشمل أوروبا والعالم الإسلامي ولم يكن لها علاقة مباشرة بمفهوم "الشتات" بالمعنى الحديث.

### 2. **السودان الغربي**:
السودان الغربي يشمل مناطق تمتد عبر مالي، النيجر، وتشاد، وكان منطقة حيوية من الناحية الجغرافية والتاريخية للتفاعلات بين شمال أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء. هذا الامتداد الجغرافي الشاسع شهد هجرات ونقلات سكانية كبيرة على مر العصور.

- **طرق التجارة**: السودان الغربي كان جزءًا من شبكة طرق التجارة عبر الصحراء الكبرى التي ربطت شمال أفريقيا بمناطق الغرب والجنوب الأفريقي. عبر هذه الطرق، تم نقل الذهب والملح والعبيد، وكانت هذه الطرق أيضًا ممرات للحجاج المتجهين إلى مكة.

- **ممالك كبيرة**: مناطق السودان الغربي كانت موطنًا لممالك كبيرة مثل مملكة غانا، وإمبراطورية مالي، وإمبراطورية السونغاي. هذه الممالك كانت جزءًا من شبكة تجارية واسعة عبر الصحراء الكبرى وكانت على اتصال بالعالم العربي والإسلامي.

- **تأثير الإسلام**: الإسلام دخل هذه المناطق مبكرًا عن طريق التجارة والهجرات، وليس نتيجة للشتات أو الحروب. العديد من القبائل والمجموعات تبنت الإسلام على مدار قرون، مما خلق نوعًا من الهوية الثقافية المتداخلة بين الأفارقة والعرب.

### 3. **الهجرات لأغراض متعددة**:
الهجرات في هذه المناطق لم تكن بالضرورة مرتبطة بالشتات بمعناه الحديث. الهجرات كانت لأسباب عديدة، منها:

- **الحج**: طرق الحج التي عبرت السودان الشرقي والغربي كانت جزءًا أساسيًا من حركة السكان، حيث كانت القوافل تتنقل من غرب أفريقيا عبر السودان إلى الحجاز.

- **الحروب والصراعات**: العديد من الهجرات جاءت نتيجة للحروب والصراعات الداخلية في المناطق الأفريقية أو بين القوى الاستعمارية. ولكن حتى في هذه الحالات، كانت الهجرات داخل إطار المنطقة ولم تكن جزءًا من مفهوم "الشتات" الحديث.

### 4. **حملات الرق**:
حملات الرق العربية والأوروبية في هذه المناطق كانت جزءًا من تجارة عالمية للعبيد، ولكن لا يمكن اختزال تلك الفترات من التاريخ في مصطلح "عرب الشتات". تجارة الرق كانت تجارة عالمية معقدة وشملت العديد من اللاعبين، وكانت موجهة نحو استغلال الشعوب الأفريقية وليس نتاجًا لنزوح جماعي للعرب إلى هذه المناطق.

### 5. **جهل المصطلح بالتاريخ والجغرافيا**:
المصطلح "عرب الشتات" يتجاهل هذا التاريخ الغني والمعقد للتفاعل بين العرب والأفارقة في هذه المناطق. هذه المجتمعات لم تكن مجتمعات "شاردة" أو "منفية"، بل كانت جزءًا من أنظمة معقدة من التجارة، الدين، والتحركات السكانية الطبيعية. استخدام هذا المصطلح يشوه هذه الحقائق ويجعل من الهجرات التاريخية الطبيعية جزءًا من سردية سياسية ضيقة قد تكون موجهة لإثارة التوترات العرقية أو الطائفية في السودان المعاصر.

السودان الشرقي والغربي ليسا مجرد مساحات جغرافية بل مناطق ذات تاريخ طويل من التداخل بين شعوب متعددة من العرب والأفارقة. الهجرات في هذه المناطق كانت مدفوعة بأسباب دينية، اقتصادية، وسياسية ولم تكن جزءًا من مفهوم الشتات بمعناه الحديث. استخدام مصطلح "عرب الشتات" يعكس جهلًا بتاريخ وجغرافيا هذه المناطق ويقلل من أهمية التفاعل الحضاري والثقافي الذي شكّل هوياتها عبر القرون.
نواصل

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: السودان الشرقی السودان الغربی فی هذه المناطق کانت جزء ا من عرب الشتات

إقرأ أيضاً:

تجارة طنطا تنظم ندوة توعوية حول "مناهضة العنف ضد المرأة"

شهدت كلية التجارة جامعة طنطا، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة بالغربية، تنظيم ندوة توعوية بعنوان: "مناهضة العنف ضد المرأة"، تأتي هذه الندوة في إطار دعم الجامعة للقضايا المجتمعية وحرصها على تعزيز الوعي بحقوق المرأة وسلامتها، وذلك تحت رعاية الاستاذ الدكتور محمد حسين، رئيس الجامعة، الاستاذ الدكتور محمود سليم، نائب رئيس الجامعة لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة، وبحضور الاستاذ الدكتور ياسر الجرف، عميد الكلية، الاستاذ الدكتور دينا عبدالهادي، وكيل الكلية للدراسات العليا والبحوث.

حاضر بالندوة الاستاذ الدكتور نهلة العشماوي، الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة طنطا وعضو المجلس القومي للمرأة ، الاستاذ الدكتور رمضان معن، المدير التنفيذي للمركز الرئيسي للتحول الرقمي والشمول المالي بالجامعة وعضو المجلس القومي للمرأة، الاستاذ الدكتور سارة العكل، مدير وحدة مناهضة العنف ضد المرأة بالجامعة.

تناولت الندوة أهمية التوعية بمخاطر العنف ضد المرأة، وأشكال العنف وآليات الإبلاغ والخطوات المتبعة لمناهضة أي شكل من أشكال العنف، وكيف يمكن للطالب الجامعي أن يكون شريكاً فعالاً في مواجهة الظاهرة، ونشر ثقافة الاحترام والمساواة داخل الحرم الجامعي والمجتمع.

على صعيد أخرنظمت كلية التجارة جامعة طنطا اليوم زيارة ثقافية مميزة لطلابها من "ذوي الاعاقة" إلى المتحف المصري الكبير بمناسبة "اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة". جاءت الزيارة، التي تهدف إلى دعم دمج الطلاب في الأنشطة المجتمعية والثقافية، بمرافقة وحضور الأستاذ الدكتور ياسر الجرف، عميد الكلية والدكتور محمد موسى منسق ذوي الهمم بالكلية، .بمشاركة رعاية الشباب

أكد الأستاذ الدكتور ياسر الجرف أن الكلية تولي اهتماماً خاصاً بطلابها من ذوي الاعاقة، وتسعى لتقديم كافة أشكال الدعم لهم، سواء على المستوى الأكاديمي أو الأنشطة المتنوعة، لتمكينهم من تحقيق كامل إمكانياتهم ، وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص في الوصول إلى جميع الأنشطة والفعاليات، بما يتماشى مع توجهات الدولة نحو دعم وتمكين ذوي الهمم، وقد أتاحت الجولة للطلاب فرصة فريدة لاستكشاف كنوز الحضارة المصرية والتعرف على تاريخهم العريق في هذا الصرح الثقافي الضخم، الأمر الذي أسهم في إدخال البهجة والسرور على نفوسهم

 

مقالات مشابهة

  • تجارة طنطا تنظم ندوة توعوية حول "مناهضة العنف ضد المرأة"
  • حسام الغمري: ثورة 30 يونيو أنقذت الدولة.. والتاريخ سينصف الرئيس السيسي
  • من تجارة «الكيف».. القبض على المتهم بغسل 150 مليون جنيه
  • أمريكا كانت تعرف، فلماذا سمحت بذبح السودانيين؟
  • منتدى الدوحة 2025.. نحو تجارة عالمية وشمول مالي أكثر عدالة ومرونة
  • كوبا: الحرب الأميركية على تجارة المخدرات مجرد خدعة
  • نميرة نجم وعمرو الجويلي يقودان مسار تعزيز شراكات الهجرة والشتات الإفريقى
  • “سد مارب”.. الإعجاز الهندسي الذي يثبت عظمة الهوية اليمنية في القرآن والتاريخ
  • تحذير إسرائيلي من صعود ممداني: جرس إنذار بخسارة يهود الشتات
  • الدعم السريع يقصف المناطق الشرقية لمدينة الأبيض السودانية