فيلم نزول الملائكة.. محاربو السلام صراعات تخلط التاريخ بالميثولوجيا والفانتازيا
تاريخ النشر: 15th, September 2024 GMT
لا شك أن الخلود والتاريخ والانتقال بين الأزمنة كانت ولا تزال من الموضوعات التي درجت السينما على التعاطي معها وشاهدنا العديد من الأفلام من هذا النوع وهي التي عبرت عن الخارقية الممتزجة بالميثولوجيا ولكن وفي الوقت ذاته ولتلافي الإغراق فيما هو ورائي يتم ربط الأحداث ببعد واقعي بما يجعل الفيلم أكثر قربا من ذائقة المشاهد.
هذا المزيج الدرامي قدم لنا حصيلة سردية أراد صانعو الفيلم من خلالها اللعب بالزمن والتنويع في البناء السردي والخروج عما هو سائد ومألوف من خلال تكريس الفانتازيا كشكل خارجي جذاب يقرب الفيلم من الجمهور العريض.
كل هذه المعطيات يبدو أن المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي من أصل إيراني علي زماني قد اشتغل عليها واتجه إلى تقديم باقة متداخلة من البنى السردية والشخصيات والتنوع السينمائي في كل متداخل هو اقرب إلى المغامرة السينمائية لاسيما وأن زماني عرف بمنجز متنوع من الأفلام القصيرة والفيلم الموسيقي والفانتازيا والأفلام التجريبية خلال مسيرة حياته التي تنقل فيها من السويد إلى بريطانيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
في هذا الفيلم سوف يدخلنا المخرج مباشرة في مشهد حربي معتاد من تلك المشاهد التي وثقت الغزو الأمريكي للعراق وحيث المواجهات اليومية بين أفراد المارينز وبين أفراد يرتدون الملابس المدنية ويقاتلون الجيش الأمريكي ولكن يتم قتلهم تباعا كالمعتاد فالتفوق الأمريكي لابد منه، لكننا لن نمكث طويلا مع يوميات جندي الماينز ماركوس – الممثل راندي كوتورز الذي سرعان ما سوف يعود إلى بلاده بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق عام 2011 لتبدأ صفحة أخرى من صفحات حياته.
ربما يكون ذلك التمهيد كافيا لتزكية ماركوس وكونه شخصا جديرا بأن يعتمد عليه في مهمة قادمة يتولى أمرها الرجل الخفي بلاثازار – الممثل كوبا غوردنك جي آر الذي يظهر فجأة داعيا جندي المارينز السابق أن يقود مجموعة تتصدى لكائن خرافي مجهول يدعى ميكايل وهكذا سوف يؤسس لقوة مقابلة قوامها أشرار يقودهم تريغر – الممثل اريفين بوترا.
هذه المعادلة بين الأخيار والأشرار مجسدة لقوتي الصراع في الدراما الفيلمية ليست جديدة في عالم السينما فلطاما كان هذا النوع من الصراعات هو الذي يفتح الآفاق نحو الغوص في التاريخ والفانتازيا وهو ما سبق وشاهدناه في فيلم "الحرس القديم" للمخرجة غينا برنس بيثوود على سبيل المثال، وحيث إننا لن نرحل مع الشخصيات عبر الزمن ولن تتم عملية إيقاف الزمن ولا الرحيل إلى المستقبل، بل إننا سوف نكون مع شخصيات هي في حد ذاتها قاهرة للزمن ومن فصيلة الخالدين الذين لا يهلكون، وإذا أصيبوا فجراحهم سهلة الالتئام والشفاء وبسبب هذه القابلية الخرافية يلتقي أربعة أشخاص عابرين للزمن.
وكذلك الحال في الفيلم الشهير (الابديون)، للمخرجة كلوي زهاو حيث يقدم قصة طويلة ومتشعّبة تمتد عبر الأزمنة والحضارات البشرية في إطار لن يحيد كالمعتاد عن الصراع ما بين الأخيار والأشرار مع تداخلات يمكن من خلالها إيجاد توصيفات لا تندرج في التصنيفات إلى أبيض أو أسود أو طيب أو شرير، فالدراما الفيلمية هي التي سوف تحكم ومسار الأحداث هو الذي سوف يقودنا إلى النهايات والنتائج التي نترقبها.
هذا المزيج الدرامي سوف يشتغل عليه المخرج متنقلا بين عالمي الأخيار والأشرار راسما مساحة سردية يغلفها بالفانتازيا ولهذا سوف نتساءل عن الدوافع الحقيقية التي تجعل الشخصيات أن تنخرط في مثل ذلك النوع من الصراعات والتحولات وهو سؤال يرتبط أيضا بالخيال والميثولوجيا وعلى هذا تبدو المشاهد الأولى لجندي المارينز والانطباعات التي تترتب عليه وكأنه قد تم لصقها بالفيلم لصقا وإلا ما جدواها ولماذا تم توظيفها بهذا الشكل.
أما إذا انتقلنا إلى مكان آخر، حيث توجد عصابة من النازيين الذي يستخدمون حلبة الملاكمة في نطاق المراهنة على الفائز ضمن نادي للمقامرة، إلا أن ما يقلب الأحداث هو ظهور تريغر حاملا حقيبة محشوة بالقطع الذهبية والتي بإمكانه أن يغري بها خصمه فيما إذا فاز عليه في منازلة حرة لاسيما وأنه يبدو نحيفا وذا قدرات بدنية متواضعة فكيف وهو يخوض نزالا مع شخص مفتول العضلات وصرع قبل ذلك الكثيرين، هذه المفارقة سوف تعيدنا مجددا إلى ذلك النوع من القدرات الخارقة الذي يميز الشخصيات بوجهيها الخيرة والشريرة.
على أن التحول الدرامي الآخر يتمثل في التقاء من يعرف بمحاربي السلام مع الشخصية الاستثنائية ديبورا- الممثلة دينيس ريتشاردز
وهي التي تصمم أسلحة قتال الشياطين، بما في ذلك امتلاكها جرعة يمكنها بها إحياء الموتى، ويبدأ الفيلم أخيرا في جلب الشياطين أنفسهم والقتال معهم. ولحسن الحظ، فإن المؤثرات المستخدمة لمواجهة الشياطين أفضل بكثير مما شاهدناه في بداية الفيلم وحيث تتراوح المخلوقات نفسها بين البشر و الزواحف وحتى الشياطين ذوي القرون التقليدية.
هذه السلسلة من المواجهات ما بين الأخيار والأشرار بدت في جانب منها أنها أقرب إلى الميثولوجيا الدينية منها إلى نوع من الفانتازيا والقصص الديني ذا الطبيعة التاريخية وهو ما وجدناه سائدا في السياق الفيلمي مما أوجد حالة من الإرباك إلى حد ما في المسار الدرامي والسردي الذي يجب أن يتخذ الفيلم في معالجته الدرامية لاسيما أنه يريد أن يجمع كل شيء في قبضة واحدة من الميثولوجيا إلى تاريخ الأديان إلى الفانتازيا وخلال ذلك حاول المخرج جاهدا أن يقرب فيمه من منطقة الأفلام التي تدهش المشاهد.
إن الملاحظ هو أن أغلب المشاهد الفيلمية كانت بحاجة إلى مزيد من المؤثرات الخاصة والخدع السينمائية والتداخلات الرقمية وبسبب التكاليف الضخمة لهذا النوع من الأفلام نجد أن المخرج اتجه نحو الإثارة والمحاكاة الميثولوجية وابتعد تدريجيا عن الفانتازيا التي تحتاج إلى نوع من الإنتاج الضخم والقدرات التقنية العالية.
ولعل من التساؤلات التي يطرحها الفيلم أو التي يمكن أن نطرحها في قراءتنا للفيلم حول شخصية محارب المارينز في حد ذاته لاسيما وأنه يظهر أكثر من مرة وهو يتعاطى أدوية ما عرف بمتلازمة ما بعد الصدمة، المرض الذي أصاب كافة جنود أمريكا تقريبا من الذين خدموا في العراق وأنهم لدى عودتهم إلى الديار بدوا محطمين نفسيا ويعانون من كوابيس الحرب وعدم القدرة على النوم والعمل، فهل الجندي المارينز كان يعاني من هلوسات وضعه النفسي بحيث ذهب بعيدا إلى خيالات وصراعات مع عوالم خفية وما ورائية؟
هذا السؤل وغيره من الأسئلة فرضت نفسها بسبب نوع المعالجة الدرامية والبناء السردي التي لجأ إليها المخرج مما فتح الأبواب على الميثولوجيا والفانتازيا والتاريخ والخيال العلمي وهي مجتمعة أراد من خلالها تقديم فيلم يضم في مساحته الزمنية كل ما يبحث عنه المشاهد وما يجذبه إليه وهي بكل تأكيد محاولة قد لا يكتب لها النجاح دائما مما يتسبب في تشتيت انتباه المشاهد.
...
قصة وإخراج/ علي زماني
سيناريو / كريس كاتو
إنتاج/ زيوس زماني
كوبا غوردنك جي آر – بلاثازار
راندي كوتورز – ماركوس
اريفين بوترا -تريغر
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: النوع من
إقرأ أيضاً:
صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
صفحات سوداء سوف يطويها التاريخ!!
د. مرتضى الغالي
سوف يتم مسح هذه الصفحة السوداء من تاريخ السودان طال الزمن أم استدار..!. هذه صفحة عار في أيام حالكة السواد مكتوبة بمداد (السجم والرماد) سيتم كشطها من دفتر الوطن ببرهانها وكامل إدريسها وإعيسرها وكيزانها و(أحيمر ثمودها)..!
سيتم شطب هذه الصفحات السوداء التي لوثها هؤلاء الصغار الذين يتقافزون بين مقاعد الانقلاب، ويسلمون رقابهم لنظام انقلابي تنكّر للحكم المدني وقتل السودانيين وأطلق عشرات المليشيات المسلحة التي تلهو باصطياد أرواح البشر..!
ستنطوي هذه الصفحات الكالحة ويعود الشعب لثورته؛ جفّت الأقلام وطويت الصحف…!
هذا الانقلاب (السنيح) الذي تركض إليه طائفة محبي الاستوزار هو المتسبّب في كل ما أعقبه من نزوح عشرات الملايين من بيوتهم وديارهم ومدارسهم ومعاهدهم.. وها هم قد باتوا فريسة للفناء وموت الهوان أو للذل والتشريد والمسغبة وقلة الحيلة.. علاوة على الضياع العريض الذي ينتظر شباب الوطن جيلاً بعد جيل..!
سيلحق العار بكل من سار في هذه الزفة بمزماره وطاره و(دلوكته) وسيطال العار كل من شارك هذا السيرك الهزلي بالرغم من دمويته الفارطة التي أزهقت أرواح السودانيين وقادت بلادنا إلى حالة من (الخراب الشامل) الذي لم يعرف الناس له مثيلاً وشبيهاً على طول ما اكتنف العالم من حروب وخراب وفظاعات..!
التاريخ له (قوائم شرف وتذكارات رموز ومآثر أحرار).. كما أن له (مزابل وسجلات عار ومكبات نفاية).. وكل شخص واختياره..! أما أن يقف في صف الحرية والكرامة مع شعبه؛ وأما أن يسيل لعابه ويضع نفسه (ونفيسته) تحت خدمة الانقلابات.. ويسلّم عنقه للأنظمة فاقدة الشرعية التي تتلاعب بأمثاله وتستدعيهم وتستبدلهم كماء تشاء.. ثم ترمي بهم مثل أرواق اللعب فاقدة الجدوى والملاءمة..!
ثلاثة وزراء للخارجية في مدى شهرين.. ورئيسان للوزراء في مدى أسبوع.. وفشل في إعلان حكومة الانقلاب لمدى أربعة أعوام..! ووزراء مكلفون (يحبون التراث حباً لمّاً) لا يعلم أحد شيئاً عن مؤهلاتهم ولا مسوّغات تعيينهم.. ولا يعرف الناس من أي خلفية مهنية أو سياسية (أو سجم رمادية) جاءوا..!
ما جدوى التدقيق في وزارة يدير أمرها جنرالات الانقلاب في سلطة بغير كابح وفي مناخ فساد وصل إلى حد النهب والاختلاس والرشوة العلنية والاستيلاء على الموارد العامة وسرقة الإغاثة و(بيع الخدمات)..؟!
إنها سلطة (مطلوقة العنان) بلا رقابة ولا شرعية.. تجيز استدعاء أي عاطل من بؤرة الإقامة غير الشرعية بالخارج ليصبح وزيراً للإعلام أو أي مصيبة أخرى… جنباً إلى جنب مع وزير للعدل يتلعثم ويتمتم أمام العالم لأنه لا يستطيع نطق (مفردة واحدة) بصورة صحيحة، بل ظل يتعثّر فيها ويقلّبها ذات اليمين وذات الشمال سبع مرات.. حتى كاد قاضى المحكمة الدولية أن (يتحمدل له السلامة)..!
هل أنت فعلاً يا رجل قد استنفدت سنوات عمرك واستهلكت كل هذه (الكريمات والمراهم والدهان والمُرطِبات) لتلميع نفسك حتى تكون رئيساً للوزراء بأي ثمن (وفي أي نظام كان).. حتى ولو اقتضى الأمر التزوير و(الحلبسة) أو إدعاء (الجودية والوساطة) والتوفيق بين الرءوس.. أو تأليف (أتيام الصحفيين الطبّالة)..؟!
هل وجدت الآن مبتغاك في هذه السلطة الانقلابية الدموية الفاسدة التي لم تجف بعد دماء شباب الاعتصام الذين سحقتهم وسحلتهم بالمجنزرات وأغرقتهم أحياء..؟! دعك مما سبق وأعقب أهوال ميدان الاعتصام من مجازر ومذابح لم يجرؤ عليها نظام (الخمير الحُمر) في كمبوديا..؟!
ما هذا العقم..؟! كل ما ضربت الحيرة هؤلاء المتاعيس لم يجدوا في السودان بطوله وعرضه غير (بت عبد الجبار المبارك) سليلة الأنظمة (التي تتبضّع بالدين) وتنتظر التعيين على دماء الناس..! ما وزن هذه السيدة بين نساء السودان العاملات النجيبات الموقرات المناضلات..؟!
هل يظن البرهان إنه إذا جاء بصاحب (كرفتة مزركشة) وجعله رئيسا للوزراء كان معنى ذلك قيام حكومة مدنية تغطي عورة نظامه الانقلابي..؟!
إذاً مبروك لرئيس الوزراء الجديد… لقد حقق الرجل أخيراً أمنية عمره..! والشعب في انتظار الطائرة الرئاسية التي تقل سيادته من مخادع الدعة إلى رئاسة حكومة بورتسودان.. وفي انتظاره أحضان كرتي والعطا وكتائب البراء وإبراهيم جبريل وزير مالية الحركات و(أمين صندوق اتفاقية جوبا) وسمسار بيع سيارات المواطنين بالطن على نظام (الحديد الخردة).. لله لا كسّبكم..!
[email protected]
الوسوماتفاقية جوبا الانقلاب السودان العطا بورتسودان د. مرتضى الغالي رئيس الوزراء عبد الجبار المبارك كامل إدريس كباشي مجلس الوزراء وزارة المالية