انتبه.. مصر لا ترجع إلى الخلف!
تاريخ النشر: 16th, September 2024 GMT
إي وربي هي لا ترجع إلى الخلف!
فقد دخلت موقع مجلس النواب المصري بهدف "التعرف"! فلأنني كنت أجهل اسم رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس، ولم يسعفني جوجل وأثبت بلادة غير مسبوقة، فقد رأيت من المناسب أن أذهب إلى مصدر الخبر من أجل قراءة مشروع قانون الجنائية، لأطالعه بنفسي بدون مؤثرات جانبية، ولأني أحرص على اقتناء القانون الحالي في مكتبتي، فقد رأيت من المناسب أن أعقد المقارنة بين نصوصهما، فلدي ثقافة قانونية إلى حد ما تسمح لي بهذه المقارنة!
وقد عرفت الجماعة الصحفية في مصر عددا من الصحفيين الذين يمتلكون هذا الثقافة، رغم أنهم لم يتخرجوا في كلية الحقوق، وقد سئل صلاح عيسى إن كان خلف هذه الثقافة دراسة جامعية في القانون، فقال ضاحكا إنه اهتمام المتهم.
يقولون إن عتاة السجناء لديهم خلفية قانونية في مجال نشاطهم قد لا تتوفر للمتخصصين، وعندما خضعت للتحقيق أمام وكيل للنيابة في عهد مبارك بتهمة إصدار صحيفة بدون ترخيص، رأيت كيف أن من يدير المحقق هو كاتب الجلسة، فيكتب له ملاحظته أسفل المكتب، ولضيق الحجرة التي امتلأت بالمحامين، ولأني أجلس أمامه مباشرة، فقد كنت أراه يصمت وينظر إلى حيث الملاحظات المكتوبة، بعد أن تحول التحقيق الى مناظرة؛ يسألني: أنت متهم بكذا؟ فأقول له: وما هو النص القانوني الذي يجرم كذا؟!
هل تعني هذه الجلسة الانتقال تماما إلى هذا المقر الفخم في مدينة الرمال المتحركة، أم أن الأمر سيكون على غرار "أكبر مسجد"، و"أكبر كنيسة"؟ فإذ تم فتح المسجد والكنيسة رسميا، إلا أن الصلاة فيهما ظلت في بعض المناسبات السعيدة، وقد ظلوا فترة قبل كورونا يشحنون الناس إلى هناك في كل جمعة، وهو نشاط توقف الآن لكلفته الباهظة ولما يحتاجه الشحن والتفريغ من جهد كان ضمن اختصاص نواب البرلمان، وإدارات الجامعات
الانتقال للعاصمة الجديدة:
وقد استقبلني الخبر الرئيس بموقع مجلس النواب، فإذا هو عن الجلسة التي انعقدت بمقر المجلس في العاصمة الإدارية الجديدة، وأقسم أمامها السيسي اليمين الدستوري في نيسان/ أبريل الماضي، فذكرني هذا بسؤال جال في خاطري وقت انعقاد هذه الجلسة، ونسيت طرحه: فهل تعني هذه الجلسة الانتقال تماما إلى هذا المقر الفخم في مدينة الرمال المتحركة، أم أن الأمر سيكون على غرار "أكبر مسجد"، و"أكبر كنيسة"؟ فإذ تم فتح المسجد والكنيسة رسميا، إلا أن الصلاة فيهما ظلت في بعض المناسبات السعيدة، وقد ظلوا فترة قبل كورونا يشحنون الناس إلى هناك في كل جمعة، وهو نشاط توقف الآن لكلفته الباهظة ولما يحتاجه الشحن والتفريغ من جهد كان ضمن اختصاص نواب البرلمان، وإدارات الجامعات!
فقد نسوا "أكبر مسجد" فلا جمعة ولا جماعة، تماما مثل "أكبر كنيسة"، التي اقتصر النشاط فيها على صلاة عيد الميلاد من كل عام، حيث حضور السيسي للتهنئة، ولإثبات نسبة هذا الإنجاز له، فضلا عن أن الهاجس الأمني يحد من ذهابه إلى المقر البابوي في موقعه الحالي المكتظ بالسكان والمزدحم بالمارة، كما أوقف تقاليد الدولة المصرية، فالرئيس هو الذي يفتتح أعمال البرلمان، في جلسة مشتركة لأعضاء مجلسي الشعب والشورى في بداية التشكيل، وأيضا في دور الانعقاد من كل عام، فلم يعد الجنرال يذهب إلى مقر البرلمان في منطقة وسط القاهرة، ولم يعد المجلس يستهل أعماله بخطاب للرئيس. وكان السادات مسرفا في خطاباته أمام مجلس الشعب، فلم يكن يفعل هذا فقط مرة واحدة في العام، فكلما وجد رغبة في إلقاء خطاب ذهب الى هناك!
ومن هنا لا نعرف ما إذا كانت جلسة البرلمان التي انعقدت في المقر الجديد، تعني انتقالا تاما للمجلس إلى هذه الصحراء الجرداء، أم أن الأمر يرتبط بجلسة حضور الجنرال مضطرا لموجبات حلف اليمين لدورة رئاسية جديدة من حزيران/ يونيو 2024 إلى حزيران/ يونيو 2030؟ وله في ذلك مآرب أخرى؛ فلكي يقف الرأي العام على أن إنجازه آتى أُكله، ها هو البرلمان انتقل إلى مقره الجديد في العاصمة الإدارية، وما دمنا في عطلة برلمانية فلا نعرف إن كان موظفو المجلس يمارسون عملهم من المجلس القديم أم الجديد!
فخامة الرئيس وجلالة الملك:
"ما لفت انتباهي" في الخبر المكتوب، منسوبا إلى ما يسمى بوكالة أنباء مجلس النواب، هو أنهم يسبقون اسم السيسي بلقب "فخامة الرئيس"، على النحو الذي جاء بارزا في العنوان، وتكرر في المتن، وهو خلافا لما جرى عليه الحال في مصر، بعد إلغاء الألقاب، وهو القرار الذي اقترن بثورة يوليو 1952، والاكتفاء بـ"السيد" في نشرات الأخبار، وعند النشر فلا سيد ولا سيادته؛ قال الرئيس، أضاف الرئيس، التقى الرئيس.. وقد يسبق اسمه مجردا من صفته، فلماذا أوصاف التفخيم التي لم تعرفها مصر منذ "جلالة الملك"، وهي أوصاف لم تسبق اسم عبد الناصر، أو السادات، أو مبارك!؟
الأمر الذي يوحي كما لو كان مجلس النواب يعتمد صياغة المحامي محمود عطية عند التعامل مع الجنرال، فهو أول من ابتدع "فخامة الرئيس"، و"فخامته" في مداخلاته التلفزيونية، وكان ينشر البهجة في الأستوديو عندما يذكر ذلك، للتعامل مع ما أطلقه من وصف من باب التندر، وذات مرة وكان مناظرا لصديقنا الراحل محمد منير، الذي ردد اسم "فخامته" بطريقته الساخرة، وحطت الكاميرا على وجه عطية فإذا هو يضحك، فالحالة وصلته. ولئن ينتقل اللقب "فخامة" من متحدث كان هدفه أن يجل رئيسه، وربما ليكيد الخصوم في البداية ففشل في ذلك لأنه انتزع منهم الضحكات، إلى مؤسسة رسمية، فنحن إزاء عودة لأوصاف التفخيم التي عرفتها مصر في العهد الملكي قبل حركة ضباط الجيش، حتى يتحول الخطاب من "فخامته" إلى "جلالته"؟!
وعلى ذكر الملك، والملكية، وجلالته، فهناك دعوة عابثة في ليبيا تطالب بعودة الملكية، وهي دعوة يدفع لها الإحساس بعدم القدرة على مواجهة التحديات الحالية واليأس من التغيير فتطلق هذه الدعوات، وأُطلقت مثلها في مصر في زمن مبارك، وأحيانا تتسرب الدعوة حاليا عبر منصات التواصل، وظني أن من يدفع في اتجاهها هم مؤيدون للوضع القائم، ويدفع اليأس ببعض المخلصين للتغيير مع العجز على تحقيقه على الإمساك بهذه الدعوة!
والملكية أوجدها ظرف تاريخي، فإذا زالت الأسباب صار من اللهو التفكير فيها، فمن يصبح ملكا؛ مبارك (نجله الآن) أم السيسي، أم الملك السابق وهو حي يرزق؟ فعلى أي أساس يتم اختيار الملك؟ وما القيمة الحقيقية لقضية الإصلاح لو أن السيسي صار ملكا لمصر، وخليفة حفتر صار ملكا لليبيا؟ إنه المفلس إذا فكر وقدر، فقتل كيف قدر!
المشروع الجريمة ليس موجودا على موقع البرلمان، والموجود في غيره أن تعديلات أُدخلت على قانون الإجراءات الجنائية في كانون الثاني/ يناير الماضي، والمشروع الحالي والتعديلات السابقة مقدمة من الحكومة
تعديلات قانون الإجراءات الجنائية:
ما علينا، فاللافت أن المشروع الجريمة ليس موجودا على موقع البرلمان، والموجود في غيره أن تعديلات أُدخلت على قانون الإجراءات الجنائية في كانون الثاني/ يناير الماضي، والمشروع الحالي والتعديلات السابقة مقدمة من الحكومة، حتى لا يكون رئيس لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية هو موضوعنا، فهو مسيّر لا مخير، وقد وجد لنفسه وظيفة بعد التقاعد وبعد تجاوزه السبعين من عمره، فلا تثريب عليه!
والحال كذلك فلم يكن أمامي من سبيل إلا اعتماد ما نشر عن المشروع في الصحف والمواقع الإلكترونية، لنكتشف أنه يقنن الخروج على القانون الآن، فيجعل من المخالفات لنصوص قانون الإجراءات الحالي، منصوصا عليها في القانون الجديد!
فالحاصل الآن هو صلاحيات واسعة لمأموري الضبط القضائي في التحقيق مع المتهمين واستجوابهم، بجانب الاحتجاز غير القانوني.. وسيصبح هذا هو القانون!
والحاصل ترك النيابة لجزء من اختصاصها المتعلق بإجراء التحقيق لجهة والضبط.. وسيكون بنص القانون!
والحاصل الآن هو المحاكمة عن بعد.. وسيكون هو نص القانون!
والحاصل الآن هو عدم قيام جهات التحقيق بتسليم أوراق وملف القضايا للمحامين.. وسينص القانون على ذلك!
والحاصل الآن هو الاحتجاز غير القانوني.. وسيصبح غير القانوني هو القانون بمقتضى التعديل الجديد!
المؤسف أن قانون الإجراءات الجنائية الحالي صدر في عهد الملك فاروق في سنة 1950، ووقع عليه "بأمر من صاحب الجلالة، عثمان محرم رئيس مجلس الوزراء بالنيابة"، وإن تم إدخال بعض التعديلات عليه، أكثرها في العهد الحالي، فإنه يعد الأكثر انحيازا لضمانات الحقوق والحريات، وبعد 74 سنة، نكتشف أن العهد البائد كان أفضل من العهد الحالي!
انتبه.. مصر لا ترجع إلى الخلف!
x.com/selimazouz1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه المصري العاصمة الإدارية السيسي مصر السيسي العاصمة الإدارية مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة من هنا وهناك صحافة سياسة صحافة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة قانون الإجراءات الجنائیة مجلس النواب الآن هو
إقرأ أيضاً:
البرلمان يقر نهائيًا قانون تنظيم الفتوى الشرعية بعد الاستجابة لمقترحات الأزهر ( كامل التفاصيل)
في خطوة تشريعية جديدة تعكس حرص الدولة على ضبط الخطاب الديني وتنظيم إصدار الفتاوى الشرعية، وافق مجلس النواب المصري نهائيًا خلال جلسته العامة المنعقدة اليوم الأحد، على مشروع قانون تنظيم إصدار الفتوى الشرعية ويأتي القانون في توقيت بالغ الأهمية، وسط تزايد الجدل حول الفتاوى العشوائية وغير المنضبطة، لا سيما في الفضاء الإلكتروني، ما دفع البرلمان إلى تقنين عملية الإفتاء ووضع ضوابط محددة لممارستها.
وقد شهدت القاعة البرلمانية تصفيقًا حارًا من النواب عقب إقرار القانون، خاصة بعد أن أبدى كل من الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف توافقهما على مشروع القانون وصيغته النهائية، مما يعكس إجماعًا مؤسسيًا على أهمية هذا التشريع في تحقيق الانضباط الديني وحماية المجتمع من الفوضى الفقهية.
خلاف حول عقوبة الحبس في القانون الجديد
أثناء مناقشة مشروع القانون، طالبت النائبة أميرة العادلي، عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، بحذف عقوبة الحبس الواردة في المادة الثامنة من القانون، والاكتفاء بعقوبة الغرامة فقط.
وأكدت العادلي في كلمتها أن الدستور المصري يحظر فرض عقوبات سالبة للحرية في قضايا النشر، معتبرة أن النص بهذه الصيغة قد يُطبّق على المواطنين العاديين وليس فقط الصحفيين، خاصة في ظل انتشار النشر الديني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تصنيف الفتوى في مشروع القانون
يقسّم مشروع القانون الفتوى إلى نوعين:
الفتوى العامة: وهي المتعلقة بشؤون المجتمع أو ما يُعرف بـ "النوازل"، وتسند مسؤوليتها إلى كل من هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء الفتوى الخاصة: وهي التي تخص الأفراد في مسائل العبادات والمعاملات، ويختص بها هيئة كبار العلماء ومجمع البحوث الإسلامية ومركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ودار الإفتاء ولجان مشتركة من الأزهر والأوقاف ودار الإفتاء وأئمة وزارة الأوقاف الذين تنطبق عليهم الشروط التي تضعها هيئة كبار العلماءتوافق مؤسسي وارتياح برلماني
حظي مشروع القانون بدعم واسع من الجهات الدينية الرسمية، وعلى رأسها الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف، مما منح القانون شرعية دينية ومؤسسية قوية وقد جاء التصويت النهائي متوجًا بتصفيق النواب، ما يدل على رضا عام تجاه التشريع الذي طال انتظاره لضبط الفتوى الشرعية في مصر.