سودانايل:
2025-07-07@04:35:20 GMT

ملامح من الحياة في كندا (3)

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

دولة كندا جغرافياً تجاور أكبر دولة رأسمالية في العالم الأ أن الكنديين ما زالوا يستمتعون بأنتصارات حركتهم العمالية والنقابية في عدة مجالات: نظام صحي مجاني وتعليم مجاني فيما قبل المرحلة الجامعية ونظام ضرائبي يتماشي مع العدالة الأجتماعية وحالياً بدأت بعض المدن في تطبيق نظام المواصلات المجانية طوال أيام الاسبوع لكبار السن أي فما فوق الخمسة وستين وبعضها جعل المواصلات مجانية لكبار السن ليوم واحد في الأسبوع .

هذا الواقع الأقتصادي الأجتماعي جعل من كندا دولة تختلف عن جارتها . قبل فترة قابلت أحد المواطنيين الذين حضروا من الصين وأستقر بكندا ، فسألته عن تجربة النظام الأشتراكي في الصين والتحولات الرأسمالية الجارية . فجاء رده بأن الاشتراكية توجد في كندا وليس في الصين .
علي الرغم من أهمية (الانترنت) والعم (قوقول) في حياة الكنديين بصورة عامة وطلبة الجامعات والمدارس بصورة خاصة الأ أن هنالك بعض القوانين التي تحد من أستعمال التلفون أثناء اليوم الدراسي بالنسبة للطلاب فيما قبل المرحلة الجامعية . بعض الدراسات العلمية توصلت الي أن جهاز التلفون الذي يكون بالقرب من الطالب يتسبب في تشتيت الأنتباه وعدم التركيز مع المعلم إضافة الي أن الطالب مع وجود الأنترنت قد ينجذب الي صفحات غير مرغوب فيها . عليه مُنع إستعمال التلفون في المدارس أثناء اليوم الدراسي وترك كيفية تطبيق القرار للمحافظات المختلفة . مثلاً بعضها منع أستعمال التلفون أثناء الفصل الدراسي لكل المراحل بدأً من الروضة الي الفصل الثاني عشر وفي البعض الآخر كمحافظة أنتاريو يتوجب علي التلاميذ من مرحلة الروضة الي الفصل السادس أن يضعوا التلفون في الصامت ويتم تسليمة الي أدارة المدرسة عند الدخول ومن الفصل السابع الي الثاني عشر يمنع أستعمال التلفون أثناء الحصص وهذا القرار بدأ تطبيقه من بداية العام الدراسي الحالي . أوضحت نتائج الأستفتاء علي هذا القرار أن 70 بالمئة من الأباء مع المنع أثناء الحصص الدراسية .
من الملاحظ أن جائحة الكرونا التي بدأت تعاود الظهور مرة أخري ، أفرزت بعض السلوكيات الغريبة علي البشرية والمجتمع الكندي خاصة . أصبح الناس أكثر حوطة تخوفاً من إنتقال العدوي وشملت هذه الأحتياطات غسل الأيادي بأنتظام وتعقيم كل الأجسام الثابته والصلبه ، تفادي الأختلاط والأبتعاد بمسافات عن البعض قد تصل الي متر بين الشخص والآخر ، لبس الأقنعة والكمامات حتي أصبح من الصعوبة التعرف علي الشخص الذي يقف أمامك . هذه الجائحة اللعينة بعد أن قتلت الملايين خلفت آثارها السلبية علي الحياة الأجتماعية ، فرضت حظر علي طريقة السلام والتحية بين البشر، أختفي بدون مقدمات العناق والمحنة في اللقاء وتبادل القبلات بين الأحبة وصار حصراً علي غرف النوم والأفلام السينمائية . مجتمع الرأسمالية الأستهلاكي أنتهز هذه الفرصة وأنجب ظاهرة أجتماعية جديدة . أصبح في حكم العادة أن تري كل فرد يحمل معه وعاءً بلاستيكياً مملؤاً بالماء أشبه (بالزمزمية) لا يشاركه فيها شخص آخر في الشرب كنوع من الاجراءات الصحية وتفادياً لنقل العدوي . هذه الزمزميات ذات أحجام مختلفة إضافة الي أنها بخلاف عدم نقل العدوي تفرض علي الشخص شرب كمية محددة من الماء تقدر بأثنين لتر في اليوم ومعها خط بياني يوضح كمية الأستهلاك في الساعة المحددة . شعوب وصلت مرحلة من الحرص علي الصحة حددت فيه مقدار الماء الذي يحتاجه الأنسان علي مدار الساعة . أزرفت الدمع علي النازحين في بلدي الذين توفوا ولم يجدوا قطرة ماء ترؤي ظمأهم وكذلك العالقين في أقصي الشمال حيث وصلت درجة الحرارة الي خمسين أو أولئك الذين علي الحدود السودانية التشادية الذين ساروا حفاةً عراةً عشرات الكيلومترات بدون قطرة ماءٍ في بلد تجري فيه ثلاثة أنهار وبه أطول نهر في العالم . دنيا لا يحكمها من يحكمها (الفيتوري) .
المسكن ليس هو بالشيئ الثابت في كندا ، يتغير بتغير الحوجة والتي هي بالضرورة تتأثر بعوامل عدة منها تغيير مكان العمل ، أو عدد الأشخاص الذين يقطنون هذا المنزل أو ذاك في حالة النقصان أو الزيادة ، الكّبر الذي يحتاج لسكن بمواصفات محددة تخلوا من السلالم والطوابق العالية ، الترحال بسبب الدراسة ، أنفصال الأسر وهلمجرا . تغيير السكن عادةً ما تتبعه فوائد مالية . وفي حالة أتفاق المُلاك (الزوج والزوجة) علي تغيير السكن ينتظرون السانحة التي يجنون منها الربح في أتخاذ هذا القرار . بهذه المعايير قد تكون أسرتي من أقدم الأسر في الشارع الذي يقع فيه منزلنا، لم نتحرك منه قيد أنملة . في الجهة المقابلة لمنزلنا يسكن مهندس معاشي من أصل هندي . زوجته من أسكتلندا وعلي ما أعتقد تلقي تعليمه بأنجلترا ولهم أبن واحد (جون) عمره يقارب الخمسين عاماً غير متزوج ويسكن مع والديه علي غير العاده بدعوي كبر سنهم وأحتياجهم لمساعدته . نتبادل مع هذه العائلة هدايا الكريسماس وفي بعض الأحيان أطباق من الطعام كحال الجيران في كل الدنيا . (جون) لم أراه يزاول عملاً حتي قبل جائحة الكرونا التي مارس فيها جزء كبير من الكنديين أعمالهم من منازلهم . بعض المرات أتبادل معه الحديث ولاحظت أنه ينطق بعض الكلمات باللغة السواحلية فأثار فضولي وسألته عن أين تلقي المعرفة بهذه الكلمات . أتضح أنه عمل في كل شرق أفريقيا وحتي زار جنوب السودان . وعلي الحال طفح السؤال الثاني ما هي طبيعة العمل الذي تولاه في هذه البيئة النائية ؟
(جون) عمل في فيلق عسكري مع الجيش الفرنسي وحارب في صفوفه كمرتزق في عدة دول أوربية و أفريقية وعلي ما أعتقد نسبة لأعتلال صحته لم يتمكن من الذهاب لاوكراينا حيث ذهب زملاؤه برواتب يسيل لها اللعاب . وفي فصل الربيع والصيف حيث النوافذ مفتوحة أصبحنا نستنشق داخل المنزل من وقت لآخر رائحة لم تكن غريبة علي بحكم سكني الأمدرماني . الأسبوع المنصرم قابلة (جون) أمام جراج منزله وفي يده سيجارة (حمرا ) . وكما هو الحال في سوداننا ناولني لها لكي أشاركه الكيف . أندهشت وتابعة الأندهاشة بالرفض رغم أصراره ، وواصل هو في الحديث حيث ذكر أنه يتحصل عليها بناءً علي أرشادات طبية كعقار لحالته الصحية وهذا العقار (البنقو) يدخل ضمن تأمينه الصحي الذي تدفع تكاليفه وزارة الدفاع الكندية . واصل ( جون ) الحديث وقال أن كندا هي القطر الوحيد علي وجه المعمورة الذي سمح بأستعمال هذا العقار حيث أصبح يباع في المحلات التجارية علي عينك يا تاجر . حاولت أن أجادله في معرفتي المحدودة بالدول التي تسمح به فذكرت دولة هولندا . فاجأني بأن معلوماتي غير صحيحة أذ توجد في هولندا بعض التحفظات علي الأستعمال والشراء والأماكن المسموح بها وفي حالة عدم قناعتي بهذا الرد وجهني أن الجأ الي العم قوقول وكما عبر هو (قوقل إت).
قبل فترة تم لقاء أسري علي مائدة طعام بمنزلنا جمع أفراد الأسرة أضافة الي أصدقاء أبناءنا من الجنسين . وعادةً الكنديين لا يفضلون النقاش في السياسة علي المائدة حتي لا يفسدوا مذاق الطعام . هنالك محرمات لا يدور حولها النقاش : السياسة ، الدين ، وتربية الأطفال . أمام هذا التابو لا يجوز أدارة حوار حول المائدة قد يتسبب في خلاف يفقد الروابط الأجتماعية . هذا الوضع فرض علي أن أسترق السمع وأتابع بأهتمام ما يدور بينهم من أحاديث ، خاصة وأن الشباب لا يفضلون في هذا الجزء من العالم مخالطة كبار السن لاختلاف الأهتمامات . كان أول المواضيع التي طرقوها وأستحوذت علي نصيب أكبر من الوقت هو العقارات وقروضها البنكية وسعر الفائدة و البورصة والربح والربج المركب الذي لم أستوعبه الأ حينما وصلت الي كندا وصارت لي بطاقة بنكية وخلاف ذلك من الأمور المالية التي لا تدخل ضمن أهتماماتي . هذا الجيل الذي عاش وتربي في أحضان النظام الرأسمالي يفهم هذه المصطلاحات بأدق تفاصيلها ، الموضوع الثاني الذي تمت مناقشته هو نوع الأطعمة وأي منها يُفضل وبأي طريقة يتم تحضيرها وفي أي المطاعم يمكن تناول هذا الطبق أو ذاك . علي الرغم من أني أمدرماني الأ أن عدم معرفتي بأسماء هذه الأطعمة وحتي أطباق مطعم ماكدولنز التي يتحدثون ويتجادلون حولها ، الزمني الصمت كي لا أعطي أنطباعاً بجهلي وثانياً لكي لا ينطبق علي القول بالعامية بأني (بطينة) . المجاعة التي أجتاحت القطر من جراء الحرب اللعينة ففاقت مجاعة سنة سته والتي أفادت بأن بعض السودانيين وجدوهم أثناء هذه الحرب في عاصمة البلاد فارقوا الحياة وفي أفواههم أكياس من البلاستيك فرضت علي الكثيرين منا عدم تذوق طعم الطعام . علي الحال لعنت نفسي وتحسرت علي هؤلاء الشباب ذوي الأهتمامات التي ليس لها شبيه في مصطلاحاتي حتي عندما كنت في سنهم . الموضع الثالث الذي تداولوه ماهي الأماكن التي سيقضون بها أجازاتهم والي أي الأقطار ينون السفر . هذه هي محصلة جلستنا ولا حديث عن غزة أو حرب السودان . أزدادت قناعتي بالحكمة السودانية ( الجمرة بتحرق الواطيها )
حامد بشري
22 سبتمبر 2024

 

hamedbushra6@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

بين تغيّر المناخ والتوترات الجيوسياسية: كندا تدخل معركة "كاسحات الجليد" ورهانٌ على السفن الثقيلة

وسط ذوبان متسارع للجليد وتحوّلات مناخية وجيوسياسية عميقة، تندفع كندا إلى قلب سباق عالمي لبناء كاسحات جليد حديثة، في محاولة لترسيخ حضورها في القطب الشمالي. اعلان

أدى التغير المناخي السريع إلى إعادة تقليص المساحات المغطاة بالجليد البحري الدائم، فيما تسببت تحركات التيارات البحرية بانسداد العديد من القنوات التي تفصل الجزر الشمالية. وفي مواجهة هذه التحولات، تبني كندا أسطولًا جديدًا من السفن القادرة على اختراق الجليد، بعد أن كانت تلك المياه سابقًا عصيّة على الملاحة.

لكن كندا ليست وحدها في هذا السباق، مع احتمال فتح ممرات شحن جديدة والوصول إلى معادن استراتيجية في عمق القطب، تسارع الولايات المتحدة وروسيا والصين أيضًا لتطوير أساطيل من كاسحات الجليد، في مشهد يعيد إلى الأذهان ديناميات سباق التسلّح لكن بطابع بيئي واقتصادي.

مشروع استراتيجي بعد عقود من التعثر

في أحواض شركة "سيسبان" شمال فانكوفر، المحاطة بالمحيط والجبال، بدأت عملية بناء سفينة "أرباتووك"، التي ستبلغ 520 قدمًا، والمعدة للعمل في درجات حرارة تصل إلى -50 درجة مئوية. من المتوقع أن يستغرق المشروع خمس سنوات على الأقل، بتكلفة تبلغ 3.15 مليار دولار كندي (2.32 مليار دولار أمريكي).

وستكون "أرباتووك"، وهي من فئة كاسحات الجليد من الدرجة الثانية، قادرة على الإبحار طوال العام وفتح ممرات في جليد يصل ارتفاعه إلى عشرة أقدام.

كاسحة الجليد الفنلندية "نورديكا" تشق طريقها عبر الجليد العائم في مضيق فيكتوريا، الجمعة، 21 يوليو 2017.David Goldman/ AP

وتعوّل كندا على هذا المشروع كحجر أساس لاستراتيجية وطنية جديدة لبناء السفن، تهدف إلى ترسيخ وجودها القطبي، ومعالجة إرث من التأخيرات البيروقراطية والوعود غير المنجزة. ويقول الخبراء إن بناء كاسحات الجليد لا يحتمل الخطأ، فهذه السفن تُبنى للعمل في أكثر البيئات عدائية على وجه الأرض.

إلى جانب "أرباتووك"، كلّفت الحكومة الكندية أيضًا أحواض "دافي" في كيبيك ببناء كاسحة جليد ثانية. وعام 2024، اشترت "دافي" حوض بناء سفن في هلسنكي، وتبعته في منتصف حزيران/ يونيو بصفقة لشراء حوض في الولايات المتحدة، في خطوة تهدف للالتفاف على تشريعات أمريكية تقيد تصنيع السفن لدى جهات أجنبية.

سباق الهيمنة القطبية

في الداخل الكندي، شكّلت مسألة العجز عن بناء سفن جليدية جديدة مصدرًا دائمًا للإحراج، لكن اتفاقًا ثلاثيًا جديدًا، أُطلق تحت اسم "ميثاق الجليد"، يجمع كندا وفنلندا والولايات المتحدة، يطمح إلى تغيير قواعد اللعبة.

فنلندا، التي سبق لها أن بنت 80% من السفن القادرة على الإبحار في المياه الجليدية عالميًا، ستشارك في تصنيع ما يصل إلى 90 كاسحة جليد خلال السنوات المقبلة بالتعاون مع كندا وأمريكا، وفق ما أُعلن عنه خلال قمة الناتو في واشنطن. وتأمل كل من "سيسبان" و"دافي" بأن تفتح الشراكة الباب أمام توريد كاسحات جليد إلى خفر السواحل الأمريكي.

كاسحة الجليد الفنلندية "نورديكا" تشق طريقها وسط الجليد البحري العائم في مضيق فيكتوريا، ضمن الممر الشمالي الغربي في أرخبيل القطب الشمالي الكندي. تموز/ يوليو 2017.David Goldman/ AP

في المقابل، تُظهر الأرقام أن روسيا تمتلك نحو 50 كاسحة جليد، أكثر من اثنتي عشرة منها صالحة للعمل في أقسى الظروف المناخية، فيما تشير التقديرات إلى أن الصين تملك أربع سفن معدّة لجليد القطب.

وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد عبّر عن رغبته في امتلاك ما يصل إلى 40 كاسحة جليد، ويرى خبراء الشحن أن اهتمام الرئيس بهذا النوع من السفن يعكس الطموح الكبير في سوق تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، إذ إن فتح الممر الشمالي الغربي لفترات أطول من السنة سيقلّص زمن الشحن بين أوروبا وآسيا بأسابيع، ما يجعل الجليد مادة صراع لا تقل صلابة عن الحديد.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • محمد نور يعود بقوة ويكشف عن ملامح ألبومه الجديد "وريني" استعدادًا لصيف 2025
  • انخفاض صادرات كندا إلى الولايات المتحدة في مايو مع استمرار الحرب التجارية
  • بين تغيّر المناخ والتوترات الجيوسياسية: كندا تدخل معركة "كاسحات الجليد" ورهانٌ على السفن الثقيلة
  • “تعيد رسم ملامح الحروب الحديثة”.. الصين تكشف عن قنبلة جديدة قادرة على شلّ دول بأكملها ـ
  • “السعودية” تعزز الربط الجوي مع كندا
  • التضاريس الوعرة والذخائر غير المنفجرة أبرز التحديات التي تواجهها فرق الدفاع المدني أثناء عملها لإخماد الحرائق في ريف اللاذقية
  • ملامح مرحلة أمنية استراتيجية جديدة في الخليج العربي
  • الثقافة المصرية تبرز ملامح الهوية العربية بأعمال أم كلثوم بالعيد الوطني للجزائر
  • مشاهير فارقوا الحياة في حوادث مأساوية
  • معدل مقلق لجرائم سرقة السيارات والمنازل في كندا