لجريدة عمان:
2025-06-03@12:41:05 GMT

قِـمة عالقة بين الماضي والمستقبل

تاريخ النشر: 28th, September 2024 GMT

يميل التعاون الدولي إلى أن يكون أصعب منالا عندما تشتد الحاجة إليه. خلال الأيام الماضية، اجتمع زعماء العالم فـي نيويورك لحضور قمة المستقبل التي تَـعقدها الأمم المتحدة، والتي دعت إليها الدول الأعضاء فـي عام 2020، بمناسبة الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيس لأمم المتحدة. كانت أجندة الاجتماع طموحة كما يوحي اسمها، وتستهدف صياغة الإجماع حول السلام والأمن، والتنمية، والتكنولوجيات الجديدة، وحماية أجيال المستقبل.

تتفق الدول الأعضاء على نقطة واحدة: احتياج النظام المتعدد الأطراف الذي تأسس فـي عام 1945 إلى تحسينات كبرى لتمكينه من مواجهة أزمات اليوم العالمية. وهي تدرك تمام الإدراك عجز الأمم المتحدة عن وقف أو حتى إبطاء الحروب فـي السودان، ووسط أفريقيا، وغزة، وأوكرانيا، وعشرات غيرها من مناطق الصراع. كما أنها تعترف بفشلها فـي إعداد العالم للجائحة التالية، حتى بعد أن شهدت الدمار الذي خلفته جائحة كوفـيد-19. وهي تدرك أيضا الحاجة إلى اتخاذ تدابير سريعة وجادة لمعالجة أزمة الديون السيادية، وأزمة المناخ المتزايدة الـحِـدّة، وظهور تكنولوجيات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات. ولكن من المؤسف أن الاتفاق على الحاجة إلى إصلاح النظام لا يمتد إلى كيفـية إصلاحه. فقد انتهت مفاوضات شاقة دامت أكثر من عام حول ميثاق المستقبل، وثيقة القمة الختامية، إلى نتيجة دراماتيكية صباح يوم الأحد، حيث احتجت روسيا على اعتماد الوثيقة النهائية، وكانت النتيجة رفضها. وفـي وقت لاحق من ذلك اليوم، نددت الأرجنتين بالميثاق واصفة إياه بأنه «أجندة استبدادية». فـي واقع الأمر، تكرر الوثيقة إلى حد كبير استخدام لغة مجردة متفق عليها سابقا. ولكن وسط الكلمات النبيلة، لا يخلو الأمر من دلائل تشير إلى اتجاهات من شأنها أن تعيد تشكيل السياسة العالمية وتساعد فـي بناء الأسس لنظام دولي قادر على مواجهة التحديات الحالية والمتوقعة فـي المستقبل. بعد تجربة حربين عالميتين ومواجهة خطر التصعيد النووي، صمم مهندسو الأمم المتحدة نظاما متعدد الأطراف من شأنه أن يمكن حفنة من القوى العظمى من توجيه العالم نحو السلام وتعزيز مصالحها الخاصة. بيد أن هذا النوع من الحكم العالمي لم يَـعُـد صالحا لعالم اليوم ــ وخاصة من منظور نحو أربعة مليارات شخص تحت سن الثلاثين. وحتى فـي مواجهة الصراع المتواصل فـي قارات متعددة، لم تعد الحرب البند الوحيد على الأجندة العالمية. إذ تتطلب تحديات مثل الجوائح الـمَـرَضية، وتغير المناخ، والفقر، والهجرة الجماعية، والكوارث التكنولوجية عملا دوليا فعالا وشاملا. فضلا عن ذلك، تتمتع مجموعة أوسع كثيرا من البلدان بالقدر الكافـي من القوة للتأثير على الشؤون العالمية. استحوذ صعود الصين على القدر الأعظم من الاهتمام، لكنها ليست الدولة الوحيدة التي تشكل الأجندة العالمية: فقد دفعت بربادوس نحو إصلاح النظام المالي الدولي. وسوف تستضيف البرازيل مجموعة العشرين هذا العام ومؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (مؤتمر الأطراف الثلاثين) الحاسم العام المقبل. من المثير للدهشة أن ميثاق المستقبل يعترف بهذا التعدد القطبي المتزايد من خلال التقدم الملموس، وإن كان تدريجيا، فـي واحدة من أكثر مشكلات الأمم المتحدة تعقيدا: إصلاح مجلس الأمن. بعد عقود من البدايات الخاطئة، تعمل الدول الأعضاء على الدفع بهذه العملية إلى الأمام من خلال الموافقة على تمثيل أكبر فـي المجلس يشمل «الدول النامية والدول الصغيرة والمتوسطة الحجم». كما يُـلزِم الميثاق الدول الأعضاء بمناقشة فرض قيود على «نطاق واستخدام» حق النقض الذي تمارسه الدول الخمس الدائمة العضوية فـي مجلس الأمن، وينظر بروية فـي التعامل مع تمثيل الدول الأفريقية باعتباره «حالة خاصة»، ويؤيد تكليف الجمعية العامة بدور نشط عندما يفشل مجلس الأمن فـي التحرك.

يتمثل اتجاه آخر انعكس فـي المفاوضات فـي الدور المهم الذي تضطلع به الشركات، والمنظمات غير الحكومية، والمدن، وغير ذلك من القوى الفاعلة فـي معالجة التحديات العالمية، وتشكيل شبكات تكمل عمل الحكومات الوطنية. من تغير المناخ إلى الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، تعمل كيانات غير تابعة لدولة بعينها بصورة متزايدة على تشكيل النتائج الأكثر أهمية للناس. ويتعهد ميثاق المستقبل «بتعزيز الشراكات» عبر «المجتمع بالكامل»، بما فـي ذلك الحكومات المحلية والإقليمية، والقطاع الخاص، والمجتمعات الأكاديمية والعلمية، والجماعات الدينية، والشعوب الأصلية. ويحدد الميثاق الرقمي العالمي، الذي جرى الاتفاق عليه كملحق للميثاق، القطاع الخاص والباحثين ومنظمات المجتمع المدني باعتبارها قوى «أساسية» لتحقيق أهدافه، ويلتزم بالتعاون بين أصحاب المصلحة المتعددين.

وأخيرا، تبنت القمة التحول نحو الحوكمة الأطول أمدا. إن تغير المناخ، وخطط معاشات التقاعد، والاستثمار فـي البنية الأساسية، وغيرها من «المشكلات الطويلة الأمد» لها أسباب وعواقب تتكشف على مدى أجيال عديدة. وفـي الإعلان بشأن أجيال المستقبل، وهو ملحق ثان للميثاق، تؤكد البلدان التزامها «بحماية احتياجات ومصالح أجيال المستقبل»، وهذا يعكس فحوى السطر الأول من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945، حيث تعهد الأسلاف «بإنقاذ الأجيال القادمة من ويلات الحرب». تستند هذه التصريحات العظيمة إلى إجراءات محددة اتخذتها حكومات وطنية عازمة على توسيع أفق صنع القرار. فـي عام 2015، كانت ويلز أول حكومة تنشئ منصب المفوض لأجيال المستقبل. وفـي هذا الشهر، عينت المفوضية الأوروبية مفوضا للعدالة بين الأجيال.

كما تحركت كوريا الجنوبية مؤخرا فـي هذا الاتجاه، حيث أمرت المحكمة الدستورية الحكومة بوضع أهداف مناخية أكثر طموحا لحماية أجيال المستقبل. وبقدر ما يحفز الإعلان مزيدا من التغيير، يمكن اعتباره فـي النهاية قوة تحويلية، تماما مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948. فـي تقريره الصادر بعنوان «أجندتنا المشتركة» فـي عام 2021، توقع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش «مستقبلا من الأزمات الدائمة، أو اختراقا إلى مستقبل أفضل وأكثر استدامة وسلاما لشعبنا وكوكبنا». صحيح أن ميثاق المستقبل ليس الاختراق الذي كان يأمله كثيرون، لكنه يبدأ فـي تحديد ملامح نظام جديد قادر على تصحيح أوجه القصور التي تعيب النظام القديم.

توماس هيل أستاذ السياسات العامة العالمية في كلية بلافاتنيك للحكم في جامعة أكسفورد.

آن ماري سلوتر المديرة السابقة للتخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية، هي الرئيسة التنفيذية لمؤسسة نيو أمريكا للأبحاث، وأستاذة فخرية في السياسة والشؤون الدولية بجامعة برينستون.

خدمة بروجيكت سنديكيت

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أجیال المستقبل میثاق المستقبل الأمم المتحدة الدول الأعضاء فـی عام

إقرأ أيضاً:

15 شهيدا في إطلاق نار إسرائيلي قرب موقع مساعدات بغزة

قال مراسل الجزيرة إن 15 فلسطينيا استشهدوا وأصيب 50 في إطلاق نار من آليات إسرائيلية على شبان قرب موقع مساعدات أميركية غرب رفح جنوبي قطاع غزة.

وأضاف المراسل أن قوات الاحتلال استهدفت فلسطينيين أثناء توجههم لتسلّم مساعدات من نقطة توزيع الشركة الأميركية في مواصي رفح.

عاجل | 9 شهداء جراء استهداف الاحتلال فلسطينيين أثناء توجههم لاستلام مساعدات من نقطة توزيع الشركة الأمريكية في مواصي رفح pic.twitter.com/mUtI4xEvkC

— شبكة قدس الإخبارية (@qudsn) June 1, 2025

وكانت وزارة الصحة في قطاع غزة أعلنت ارتفاع عدد ضحايا آلية المساعدات الأميركية الإسرائيلية إلى 17 شهيدا و86 مصابا و5 مفقودين حتى أول أمس الجمعة.

وبتجويع متعمد يمهد لتهجير قسري، وفق الأمم المتحدة، دفعت إسرائيل 2.4 مليون فلسطيني في غزة إلى المجاعة، بإغلاقها المعابر لمدة 90 يوما بوجه المساعدات الإنسانية ولاسيما الغذاء، حسب المكتب الإعلامي الحكومي بالقطاع.

وبعيدا عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية الدولية، بدأت تل أبيب منذ 27 مايو/أيار، تنفيذ خطة توزيع مساعدات إنسانية عبر ما يُعرف بـمؤسسة غزة للإغاثة الإنسانية، وهي جهة مدعومة إسرائيليا وأميركيا، لكنها مرفوضة من قبل الأمم المتحدة.

إعلان

ويجري توزيع المساعدات في ما تُسمى المناطق العازلة جنوبي غزة، وسط مؤشرات متزايدة على فشل هذا المخطط؛ إذ توقفت عمليات التوزيع بشكل متكرر بسبب تدفق أعداد كبيرة من الجياع، مما دفع القوات الإسرائيلية إلى إطلاق النار، مخلفا قتلى وجرحى في صفوف المدنيين. كما أن الكميات الموزعة توصف بأنها شحيحة ولا تفي بمتطلبات مئات الآلاف من الجياع في القطاع.

وبدعم أميركي مطلق، ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، جرائم إبادة جماعية في غزة خلفت أكثر من 178 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، بجانب مئات آلاف النازحين.

مقالات مشابهة

  • وجهات نظر “القوى المتوسطة” في زمن الفوضى العالمية
  • الأمم المتحدة تناشد الحوثيين !
  • الأمم المتحدة: الهجمات قرب مركز المساعدات في غزة "جريمة حرب"
  • «أجيال المستقبل» تختتم برنامجها القرائي الأسبوعي
  • بايدن أم روبوت | من الذي حكم الولايات المتحدة لأربع سنوات قبل ترامب؟.. نخبرك القصة
  • الأمم المتحدة: 2.8 مليار شخص حول العالم محرومون من السكن الملائم
  • الأمم المتحدة: المدنيون في غزة محصورون في أقل من 18% من مساحة القطاع
  • سلاسل الإمداد العالمية تحت المجهر.. من يسيطر على تدفق السلع حول العالم
  • «نحن المحيط»
  • 15 شهيدا في إطلاق نار إسرائيلي قرب موقع مساعدات بغزة