دار القادمين من صنعاء.. عن تربة ذبحان ودار النعمان
تاريخ النشر: 12th, August 2023 GMT
وحده الدار القديم في الحجرية الذي جدد معنا عقد وظيفته الاجتماعية.
هو دار الشيخ عبد الوهاب نعمان، والد الشاعر الفضول، في ذبحان.
عام 2016 غادرنا صنعاء في اتجاهات اليمن المختلفة وكانت التربة محل تجمع وانطلاق جديد، فاستقبلنا هذا الدار لأسابيع.
أيام جميلة أتذكرها كلما تذكرت أصدقائي هاني الجنيد، محفوظ القاسمي، عبد الرحمن نعمان، أسامة أنور ومعاذ الفهيدي.
باب الدار يظل مفتوحاً طوال اليوم، وكل من قابلناه في التربة من الزملاء الآتين من صنعاء، اقتدناه إليه.
عائلة العم أنور النعمان في الطابق العلوي تمدك وضيوفك بالطعام والشاي والقهوة، وابنهم الحبيب أسامة الذي كان يطور معنا مبادرة إنسانية على مستوى ذبحان، يطوف علينا في الغرف بين الحين والآخر ويسأل: من منكم ما تعشي؟ من ناقصه بطانية؟
وكل يوم تقريبا أسمعه يحدث والده عبر الهاتف، وبعد كل مكالمة يقول: الوالد يسلم عليكم.. ويقلكم الدار داركم، وكان يسأل عنا بالاسم.
بعد عامين كان أسامة قد سافر صنعاء للدراسة الجامعية وكان والده العم الحبيب أنور، قد أتى من عدن، فشدني الحنين إلى الدار الحنون.
فقلت لزوجتي الليدة نادية سلام، التي قدمت من صنعاء وسكنت معي في المقاطرة.. هيا نسافر.. بلاد ما تعرف إلا الحب!
قالت: ذبحان؟
واصلا الليدة.. احبت ذبحان من محبتي لها، وكانت تتابع يومياتي عندما نزلت بدار "الفضول" عندما غادرت صنعاء بمفردي.
وصلنا إلى أمام دار الفضول وتصورنا خفية، وعلى أساس نرجع نزور عمي جميل شقيق والدي الذي يسكن في ذبحان ونتغدى عنده.
طبعا بعض الدور القديمة في الحجرية لو شافوك تتصور امامها ممكن يضربوا عليك رصاص، واقلها باينهروك لو هم العقال، مع أنها ديار مجيدة ولك فيها حصة، على العكس منها ديار ذبحان كلها بلا استثناء من يهوسن، إلى الجبانة تتجول فيها الطواقم الصحفية والزوار ويعلم الناس أن لديارهم وظيفة اجتماعية متجددة، وللزوار من كل اليمن فيها حصة.
المهم علم بأمرنا أهل الدار، وحلفوا العم أنور وزوجته ما نسوي خطوة.
لذا فإن معظم المنظمات الدولية والمحلية التي تحضر في تعز اعتمدت مقراتها هناك.
نعود لقصتنا، حين حل المساء منعونا من المغادرة وحجزوا لنا الطابق العلوي بأكمله.
بكرنا الصباح بدري مع زقزقة العصافير وعلقنا على باب الطابق الذي قضوا ليلتهم فيه رسالة اعتذار ومحبة ثم غادرنا وهم نائمون.
على أن عمنا الحبيب أنور نعمان ظل يعاتبني لأشهر على فعلتي تلك.
صديقك لا تلق الذي لا تعاتبه.
* من صفحة الكاتب على الفيسبوك
المصدر: نيوزيمن
إقرأ أيضاً:
حكايات التجربة والوفاء للمهمشين.. عبير علي في ضيافة المهرجان القومي للمسرح
في إطار احتفاء الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري برئاسة الفنان محمد رياض، استضافت فعاليات المهرجان المخرجة الكبيرة عبير علي، إحدى مكرَّمات هذه الدورة، في ندوة استثنائية ألقت الضوء على مسيرتها المسرحية الثرية، بحضور الناقدة الدكتورة لمياء أنور، وأدارت الحوار الكاتبة والناقدة مايسة زكي.
"الفنانة الاستثناء" بين دفتي كتاب..
استهلت مايسة زكي اللقاء بالإشارة إلى كتاب "عبير علي.. الفنانة الاستثناء" الذي أصدره المهرجان ضمن سلسلة توثيق مسيرة المكرمين، وهو من تأليف الدكتورة لمياء أنور، ووصفت زكي الكتاب بأنه مكتوب بلغة رشيقة تنبض بالفن والتقدير للتجربة، ووجّهت تساؤلاتها للمؤلفة حول عملية تأليفه.
من جهتها، أوضحت د. لمياء أنور أن تأليف الكتاب شكّل تحديًا مزدوجًا لها، بسبب عمق التجربة من جهة، ومواكبتها عن قرب من جهة أخرى، وأضافت: حين انتهيت من الكتاب شعرت أنني رسمت لوحة تشكيلية… واتخذت المنهج الوصفي التحليلي مدخلاً لقراءة عروض عبير علي، مع توظيف رؤية فلسفية ترصد ملامح مشروعها الفني.
وتحدثت أنور عن البصمة الخاصة لعبير علي في المسرح المصري، مؤكدة أنها "انحازت دومًا إلى المهمشين والهوامش، بعيدًا عن المركزية"، وأن كل أعمالها تُبنى بمنطق "المختبر المسرحي"، حيث تتكامل فيها عناصر العرض من أزياء وديكور إلى التكوينات البصرية، وهو ما يعود إلى تكوينها الأكاديمي وتدريباتها المتواصلة.
"النسّاجة المسرحية" التي تُشبع المتفرج
من ناحيتها، تحدثت مايسة زكي عن قرب معايشتها لتجربة عبير علي، مشيدة بقدرتها الفريدة على تشييد العروض المسرحية بإتقان شديد: عبير علي أشبه بـ 'النساجة'، إذ تُحكم كل تفصيلة في العرض، وعروضها مليئة بالبروفات، بالإشباع الجمالي، بالحضور المسرحي الكامل.
عبير علي: رحلتي بدأت من الحكاية..وتكريمي هنا الأهم في حياتي
في بداية كلمتها، وجّهت المخرجة عبير علي الشكر لإدارة المهرجان، مشيرة إلى أن تكريمها بالمهرجان القومي للمسرح له مكانة خاصة: رغم أنني كرّمت في كثير من المحافل الدولية، فإن هذا التكريم هو الأهم في حياتي".
ثم بدأت عبير في سرد ملامح من رحلتها الشخصية والفنية، مشيرة إلى نشأتها الأولى في بيئة يغلب عليها الحكي الشعبي: نشأت على حكايات الأرض، وصوت جدتي وهي تقرأ الجرائد، وبدأت بالغربة، حيث كنا غرباء في الفيوم، ورافقني هذا الشعور طيلة سنوات حياتي".
انحيازها للمهمشين، بحسب قولها، لم يكن اختيارًا طارئًا، بل وُلد من تلك الحالة: قضايا التهميش، والعدالة الثقافية، والهوية الإنسانية هي التي شكلتني… ولهذا اخترت مسرح الحكي، لأنه لا يحتاج إمكانيات مادية كبيرة، ويُشرك الجمهور في صميم التجربة".
"المبدع مشروع باحث… حتى الموت"
عبير علي أكدت في حديثها على رؤية فلسفية وفنية متكاملة ترى فيها أن المبدع لا يتوقف عن التعلم والتجريب: المبدع مشروع باحث ومتدرب حتى الموت… المسرح لا يتوقف، ولا الإبداع يجب أن يتوقف، وأشارت إلى أن كل عرض تقدمه وراءه هاجس أو فكرة تشغلها وتشكل دافعًا أساسيًا للإنتاج، ضاربة المثل بعدد من أعمالها المسرحية
من الفيوم إلى مختبرات الإبداع
سلّطت عبير الضوء على عملها في الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومشروعاتها العديدة لتدريب الفنانين في أقاليم مصر، عبر مراكز التدريب المتخصصة، التي بدأت في المنيا ثم امتدت إلى المنوفية والفيوم، وقدمت هذه المراكز ورشًا لجمع التراث الشعبي وإعادة توظيفه إبداعيًا، ونتج عنها مشاريع وعروض نهاية كل عام، كان منها تدريبات على الرقص الشعبي وفنون الأداء.
كما تحدثت عن تجربتها مع فرقة المسحراتي، وكيف تم توظيفها في مشروع تدريبي واسع امتد إلى مختلف المحافظات، لخلق جيل مسرحي مدرب على الحكي والفنون الأدائية الأصيلة.
خلاصة المسيرة: سؤال دائم… وانحياز صادق
في ختام اللقاء، بدت عبير علي وفية لسؤالها الأول، ذلك الذي انطلقت منه منذ أن كانت "ابنة الغريب" في الفيوم، والذي لا تزال تبحث له عن إجابات على الخشبة، وربما لهذا، كما قالت، اختارت أن تبقى دومًا داخل "المختبر"، حيث يُعاد طرح كل شيء من جديد، وتُغزل كل خيوط العرض بخيوط الحكاية والتجربة.