سيظل نصر أكتوبر 1973 نقطة تحول مهمة في الصراع العربي الإسرائيلي، إذ أثبتت مصر والجيوش العربية في هذه الحرب قدرتها على استعادة الثقة وإلحاق خسائر كبيرة بقوات الاحتلال الإسرائيلية.
بدأت حرب السادس من أكتوبر 1973، العاشر من رمضان 1393 هـ، بهجوم مصري مفاجئ على إسرائيل التي استعمرت شبه جزيرة سيناء منذ حرب 1967، بعد أن خضعت قواتنا المسلحة لتدريب مكثفة، واستوعبت دروس الهزيمة في حرب 1967 وعززت قدراتها العسكرية.
عبور قناة السويس واقتحام وتدمير خط بارليف، أقوى خطوط الدفاع الإسرائيلية، كان بداية الخطة. وفي الساعات الأولى من الحرب، نجحت قواتنا المسلحة في عبور قناة السويس بقوارب مطاطية، واقتحمت التحصينات الإسرائيلية على خط بارليف.
واجهت إسرائيل صعوبة في التصدي لقواتنا المسلحة، وتزايدت خسائرها، الأمر الذى دفع ماما أمريكا لدعمها دعماً كبيراً عبر جسر جوي بأسلحة ومعدات حربية.
أعاد نصر أكتوبر الثقة إلى الجيوش العربية، وحطم أسطورة أن إسرائيل لا تقهر كما كان يُعتقد بعد حرب 1967، وأسهم في تغيير الخريطة السياسية والعسكرية فى المنطقة كلها، كما عزز موقف مصر في مفاوضات ما بعد الحرب، كاتفاقية كامب ديفيد عام 1979، واستعادة الأراضي المحتلة وتحقيق السلام بعد ذلك.
ستبقى حرب أكتوبر خالدة عبر العصور ورمزًا للفخر المصري والتضحية والفداء، وواحدة من أعظم اللحظات في التاريخ الحديث.
فما أحوجنا حالياً إلى استعادة هذه الأيام وتكوين جيش عربي قوى، يكون قادراً على تأمين الحياة فى المنطقة التى أصبحت على شفا حرب عالمية جديدة.
فالرئيس عبدالفتاح السيسي حذر أكثر من مرة، بأن الجميع في قلب دائرة الخطر، ولا توجد دولة بمنأى عن الوقوع فريسة في دوامته، وطالب بأن تكون للعرب قوة عسكرية قادرة على الدفاع والردع، وتصون الأمن القومي العربي من المخاطر والأطماع، غير أن هذه الفكرة لم يتم تنفيذها على أرض الواقع.
يا أيها العرب اتحدوا واستلهموا من ذكرى نصر أكتوبر العبر.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: نصر أكتوبر مصر والجيوش إسرائيل الجيوش العربية أكتوبر جيش عربي نصر أکتوبر
إقرأ أيضاً:
ضريبة الدخل... إصلاح مالي بخطى مدروسة وثقة متبادلة
خالد بن حمد الرواحي
ضريبة تبدأ في 2028 على أصحاب الدخول المرتفعة... نقلة مالية تُثير نقاشًا وطنيًا حول العدالة والمساءلة والقدرة الشرائية.
في سياق التحولات الاقتصادية التي تشهدها البلاد، تبرز ضريبة الدخل كخطوة إصلاحية جديدة تحمل بين طياتها أبعادًا مالية واجتماعية عميقة. وفي سابقة تُعدّ الأولى من نوعها خليجيًا، تمضي السلطنة نحو بناء قاعدة إيرادية أكثر توازنًا واستدامة، تُقلّص الاعتماد على النفط، وتُعيد رسم العلاقة بين المواطن والمالية العامة على أسس من الشفافية والتكافؤ. هذا التوجه لا يأتي بمعزل عن الرؤية الوطنية، بل يُترجم مستهدفات رؤية "عُمان 2040" إلى واقع عملي، قائم على التنويع، والعدالة، والاستثمار في المستقبل.
وبحسب ما أعلنته الحكومة، فإن الضريبة ستُطبَّق فقط على الأفراد الذين تتجاوز دخولهم السنوية 42 ألف ريال عماني؛ ما يعني أنها ستطال شريحة صغيرة من المجتمع لا تتجاوز 1%. ويُجسِّد ذلك حرص الحكومة على حماية الطبقات المتوسطة ومحدودي الدخل، مع توجيه العبء المالي تدريجيًا، وبطريقة تراعي مبادئ العدالة والتدرج.
تُحتسب الضريبة وفق النماذج الأولية على الجزء الذي يتجاوز الحدَّ المعفى من الدخل، وليس على كامل الدخل السنوي. فالشخص الذي يبلغ دخله السنوي 50 ألف ريال عماني، على سبيل المثال، لا تُفرض عليه الضريبة على كامل المبلغ، بل فقط على ما يزيد 42 ألف ريال عماني. وتُقدَّر النسبة المبدئية بـ 5% على هذا الجزء الزائد، أي ما يعادل نحو 400 ريال سنويًا فقط. ويُعدّ هذا التأثير محدودًا نسبيًا، ويُظهر بوضوح الطبيعة التصاعدية والعادلة للنظام.
وقد أثار هذا التوجّه -كما هو متوقّع- تفاعلًا مجتمعيًا واسعًا، ليس اعتراضًا على القرار، بل رغبةً في فهم أبعاده واستيعاب تطلّعاته. فالمواطن، حين يُسهم في دعم الاقتصاد الوطني، ينظر بعين الأمل إلى ثمار هذا الإصلاح، ويتطلّع إلى أن تنعكس آثاره في جودة الخدمات، وتكافؤ الفرص، وتعزيز البنية الأساسية.
لكن يبقى السؤال الذي يشغل أذهان الكثيرين: كيف سيتعامل السوق مع هذا التحوّل؟
ومع أن الضريبة موجّهة لفئة محددة من ذوي الدخول المرتفعة، إلا أن بعض المخاوف المجتمعية بدأت تلوح في الأفق، خصوصًا من احتمال انعكاس هذه الضريبة على أسعار السلع والخدمات التي تقدّمها هذه الفئة، لكون عدد كبير منها يعمل في قطاعات تجارية ومهنية حرّة. ويتساءل البعض عمّا إذا كانت التكلفة الجديدة قد تُحمَّل -ولو جزئيًا- على المستهلك النهائي، عبر زيادة في الأسعار أو تعديل في الرسوم.
هذا الاحتمال قد يؤدي -وإن بشكل غير مباشر- إلى تآكل القدرة الشرائية لشرائح أوسع من المجتمع. وتنبع هذه المخاوف ليس من نية مسبقة، بل من طبيعة السوق وآلية التوازن بين التكاليف والعائدات. لذا، فإن الأمر يستدعي يقظة تنظيمية، وتواصلًا شفافًا يطمئن الجميع.
وتُعد ضريبة الدخل من الأدوات المعمول بها عالميًا لدعم استقرار المالية العامة، وتهيئة البيئة لاقتصاد أكثر تنوعًا ومتانة. السلطنة، باعتمادها هذا المسار، تقدِّم نموذجًا مغايرًا في المنطقة، حيث تضع الشفافية، والتدرج، والعدالة في قلب الإصلاح، وتربط بين الإيرادات الضريبية والمسؤولية المشتركة في تحقيق التوازن المالي. وتجربتها توازي ما قامت به دول أخرى سبقتها في الإصلاحات الضريبية، حيث ربطت بين الإيراد الضريبي وتحسين جودة المرافق العامة؛ مما عزز ثقة المواطن.
وتُشير بعض التقديرات التحليلية إلى أن ضريبة الدخل قد تمثّل مساهمة تصاعدية في تنمية الإيرادات غير النفطية، خاصةً إذا ما اقترنت بإجراءات موازية تعزّز الانضباط المالي وترفع كفاءة الإنفاق الحكومي على المدى المتوسط.
ومن الطبيعي أن تبرز تساؤلات مجتمعية في مثل هذه التحوّلات، من قبيل: كيف سيتم توظيف هذه العوائد؟ وما الضمانات التي تحول دون توسّع نطاق الضريبة مستقبلًا؟ وتُعد هذه الأسئلة جزءًا من حوار صحي بين الحكومة والمجتمع، يُعزّز الوعي المالي ويُعمّق الإحساس بالمشاركة الوطنية.
ويواكب هذا التوجّه عددٌ من المبادرات الحكومية التي تهدف إلى ترشيد الإنفاق، ورفع كفاءة تخصيص الموارد، من خلال تحسين أداء الخدمات العامة وتفعيل أدوات الرقابة المالية. كل ذلك يُعزّز شعور المواطن بأن الضريبة ليست أداة تحصيل فحسب، بل جزء من منظومة إصلاح شاملة.
وفي قلب هذا الإصلاح، تكمن الحاجة إلى ربط الإيرادات العامة بجودة حياة الناس. فالمواطن لا يرفض المساهمة، لكنه يتطلّع أن يرى أثر مساهمته في مدرسته، وشارعه، ومستشفاه، ومرافق حياته اليومية؛ فكل فاتورة يدفعها يجب أن يكون لها مقابل ملموس، يُشعره بأنه شريك حقيقي في التنمية.
الخطوات الإصلاحية في المالية العامة لا تهدف إلى فرض أعباء، بل إلى بناء أسس مستدامة للازدهار. وهي تنطلق من مبدأ تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات، وهي ثقة لا تُبنى دفعة واحدة، بل تنمو حين تكون السياسات واضحة، وتُدار بشفافية، وتُوظّف الموارد بما يُحدث أثرًا ملموسًا في حياة الناس. وهذا ما تعمل عليه الحكومة بخطى واعية، تُفضي إلى بناء عقد اقتصادي جديد بين الدولة والمجتمع.
لقد أظهرت السلطنة خلال السنوات الأخيرة قدرة لافتة على اتخاذ قرارات استراتيجية في لحظات دقيقة، وهي تمضي اليوم نحو نموذج مالي أكثر استقرارًا وشمولية. وإذا كان التحدي كبيرًا، فإن الرؤية أوضح، والخطى واثقة، والشراكة المجتمعية -متى ما جرى تعزيزها- كفيلة بأن تجعل من هذه الضريبة أداة توازن، لا مصدر قلق.
فالضريبة، رغم كونها أداة مالية في ظاهرها، تمثّل أيضًا مقياسًا لارتقاء العلاقة بين الدولة والمجتمع، وبداية لثقافة وطنية تقوم على الشراكة، والعدالة، والمساءلة. وكلما ترسخت هذه الشراكة القائمة على الصراحة والإنصاف، كلما اقتربنا من اقتصاد لا يزدهر فقط بالأرقام، بل يزدهر بثقة المواطن، وعدالة الدولة، واستدامة الغد.