وقالت الصحيفة في التقرير الذي استند إلى إفادات مسؤولين إسرائيليين وشرق أوسطيين وأمريكيين مطلعين على الأحداث، إن فكرة عملية أجهزة النداء نشأت في عام 2022، وبدأت أجزاء من الخطة تتبلور قبل أكثر من عام من هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، وكان ذلك وقتا هادئا نسبيا على الحدود الشمالية لإسرائيل مع لبنان.

وكان "الموساد" قد عمل لسنوات على اختراق "حزب الله" من خلال المراقبة الإلكترونية والمخبرين البشريين.

وبمرور الوقت، أدرك قادة "حزب الله" القلق بشأن ضعف المجموعة أمام المراقبة والاختراق الإسرائيليين، خوفا من أن يتم تحويل حتى الهواتف المحمولة العادية إلى أجهزة تنصت وتتبع تسيطر عليها إسرائيل وهكذا ولدت فكرة إنشاء نوع من اجهزة الاتصالات المحصنة، كما قال المسؤولون.

وكان "حزب الله" يبحث عن شبكات إلكترونية مقاومة للاختراق لنقل الرسائل، وتوصل "الموساد" إلى بعض الحيل التي من شأنها أن تدفع الحزب إلى شراء أجهزة تبدو مثالية لمثل هذه الوظيفة وهي المعدات التي صممها "الموساد" وجمعها في إسرائيل. وبدأ الموساد في إدخال الجزء الأول من الخطة، أجهزة اتصال لاسلكية مفخخة، إلى لبنان منذ ما يقرب من عقد من الزمان، في عام 2015.

وتحتوي أجهزة الراديو المحمولة ثنائية الاتجاه على حزم بطاريات كبيرة الحجم ومتفجرات مخفية ونظام إرسال يمنح إسرائيل إمكانية الوصول الكامل إلى اتصالات "حزب الله".

وقد اكتفى الإسرائيليون بالتنصت على حزب الله على مدى تسع سنوات، ، كما قال المسؤولون، مع الاحتفاظ بخيار تحويل أجهزة الاتصال اللاسلكية إلى قنابل في حالة حدوث أزمة مستقبلية، ولكن بعد ذلك جاءت فرصة جديدة ومنتج جديد براق: جهاز اتصال لاسلكي صغير مزود بمتفجرات قوية.

وفي مفارقة لم تتضح إلا بعد أشهر عديدة، انتهى الأمر بحزب الله إلى دفع أموال غير مباشرة للإسرائيليين مقابل القنابل الصغيرة التي من شأنها أن تقتل أو تصيب العديد من عناصره.

ولأن قادة حزب الله كانوا على دراية بالتخريب المحتمل، لم يكن من الممكن أن تأتي أجهزة النداء من إسرائيل أو الولايات المتحدة أو أي حليف آخر لإسرائيل، لذا، في عام 2023، بدأت المجموعة تتلقى طلبات لشراء كميات كبيرة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية التايوانية "أبولو"، وهي علامة تجارية معروفة وخط إنتاج له توزيع عالمي ولا توجد روابط واضحة لها مع المصالح الإسرائيلية أو اليهودية.

وقال المسؤولون إن الشركة التايوانية لم تكن على علم بالخطة، وجاء عرض المبيعات من مسؤول تسويق موثوق به من قبل "حزب الله" وله صلات بأبولو. وكانت مسؤولة التسويق، وهي امرأة رفض المسؤولون الكشف عن هويتها وجنسيتها، ممثلة مبيعات سابقة للشركة التايوانية في الشرق الأوسط أسست شركتها الخاصة وحصلت على ترخيص لبيع مجموعة من أجهزة النداء التي تحمل العلامة التجارية "أبولو."

وقد عرضت في وقت ما من عام 2023، على "حزب الله" صفقة على أحد المنتجات التي تبيعها شركتها: جهاز AR924 المتين والموثوق به. وقال مسؤول إسرائيلي مطلع على تفاصيل العملية: "كانت هي من تواصلت مع حزب الله، وأوضحت لهم لماذا كان جهاز النداء الأكبر حجما والمزود ببطارية أكبر أفضل من النموذج الأصلي".

وقال المسؤول إن إحدى نقاط البيع الرئيسية لجهاز AR924 كانت أنه "من الممكن شحنه بكابل، وكانت البطاريات تدوم لفترة أطول". وكما اتضح، تم الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج الأجهزة ولم يكن لدى مسؤول التسويق أي علم بالعملية ولم يكن على علم بأن أجهزة النداء تم تجميعها فعليا في إسرائيل تحت إشراف "الموساد"، وفقا للمسؤولين المطلعين على المؤامرة.

وتضمنت أجهزة النداء التابعة للموساد والتي يقل وزن كل منها عن ثلاث أونصات، ميزة فريدة: حزمة بطارية تخفي كمية ضئيلة من المتفجرات القوية، وفقا للمسؤولين المطلعين على المؤامرة. وفي إنجاز هندسي مذهل، تم إخفاء مكونات القنبلة بعناية شديدة بحيث لا يمكن اكتشافها تقريبا، حتى لو تم تفكيك الجهاز، كما قال المسؤولون الإسرائيليون. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن "حزب" الله فكك بعض أجهزة النداء وربما قام بفحصها بالأشعة السينية.

كما كان من غير المرئي أن يتمكن "الموساد" من الوصول عن بعد إلى الأجهزة، فقد كان من الممكن أن تؤدي إشارة إلكترونية من جهاز الاستخبارات إلى انفجار الآلاف من الأجهزة في وقت واحد، ولكن لضمان أقصى قدر من الضرر، كان من الممكن أيضا أن يحدث الانفجار من خلال إجراء خاص من خطوتين مطلوب لعرض الرسائل الآمنة التي تم تشفيرها.

 وقال أحد المسؤولين: "كان عليك الضغط على زرين لقراءة الرسالة"، وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني استخدام كلتا اليدين، وقال المسؤول إن المستخدمين في الانفجار سوف "يجرحون اياديهم بكل تأكيد"، وبالتالي "سيكونون غير قادرين على القتال".

رسالة مشفرة لم يكن معظم كبار المسؤولين المنتخبين في إسرائيل على علم بهذه القدرة حتى 12 من سبتمبر، وقال مسؤولون إسرائيليون إن هذا هو اليوم الذي استدعى فيه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستشاريه الاستخباراتيين لعقد اجتماع لمناقشة التحرك المحتمل ضد "حزب الله".

وبحسب ملخص للاجتماع عقد بعد أسابيع من قبل مسؤولين مطلعين على الحدث، قدم مسؤولو "الموساد" لمحة أولى عن واحدة من أكثر عمليات الوكالة سرية. وبحلول ذلك الوقت، كان الإسرائيليون قد وضعوا أجهزة اتصال مفخخة في أيدي وجيوب الآلاف من عناصر "حزب الله".

وتحدث مسؤولو الاستخبارات أيضا عن قلق طويل الأمد: مع تصاعد الأزمة في جنوب لبنان، كان هناك خطر متزايد من اكتشاف المتفجرات ويمكن أن تسفر سنوات من التخطيط الدقيق والخداع بسرعة عن لا شيء.

وقال المسؤولون إن نقاشا حادا اندلع في جميع أنحاء المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأدرك الجميع، بما في ذلك نتنياهو، أن الآلاف من أجهزة الاتصال المتفجرة يمكن أن تلحق أضرارا لا حصر لها بحزب الله، ولكنها قد تؤدي أيضا إلى رد فعل عنيف، بما في ذلك ضربة صاروخية انتقامية ضخمة من قبل قادة حزب الله الناجين، مع احتمال انضمام إيران إلى المعركة.

وقال مسؤول إسرائيلي: "كان من الواضح أن هناك بعض المخاطر" وقد حذر البعض، بما في ذلك كبار المسؤولين في قوات الدفاع الإسرائيلية، من احتمالات التصعيد الكامل مع "حزب الله"، حتى في الوقت الذي واصل فيه الجنود الإسرائيليون عملياتهم ضد "حماس" في غزة، ولكن آخرين، وعلى رأسهم "الموساد"، رأوا في ذلك فرصة لزعزعة الوضع الراهن من خلال "شيء أكثر كثافة".

ولم تكن الولايات المتحدة، الحليف الأقرب لإسرائيل، على علم بأجهزة النداء المفخخة أو النقاش الداخلي بشأن ما إذا كان ينبغي تشغيلها، كما قال مسؤولون أمريكيون. ووافق نتنياهو في نهاية المطاف، على تشغيل الأجهزة في حين أنها قد تلحق أقصى قدر من الضرر. وبدأ "الموساد" على مدى الأسبوع التالي، الاستعدادات لتفجير أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية المتداولة بالفعل، واتسع النقاش في تلأبيب بشأن الهجوم على "حزب الله" ليشمل هدفا آخر بالغ الأهمية: زعيم الحزب حسن نصر الله نفسه.

 وكان "الموساد" على علم بمكان تواجد نصر الله في لبنان لسنوات وكان يتتبع تحركاته عن كثب، كما قال المسؤولون، ومع ذلك، امتنع الإسرائيليون عن إطلاق النار، على يقين من أن الاغتيال سيؤدي إلى حرب شاملة مع الحزب، وربما مع إيران أيضا.

وكان الدبلوماسيون الأمريكيون يضغطون على نصر الله للموافقة على وقف إطلاق نار منفصل مع إسرائيل، دون ارتباط بالقتال في غزة، على أمل التوصل إلى اتفاق يمكن أن يؤدي إلى انسحاب مقاتلي "حزب الله" من القواعد اللبنانية الجنوبية التي تهدد المواطنين الإسرائيليين في المجتمعات القريبة من الحدود.

وبينما كان النقاش محتدما في أعلى دوائر الأمن القومي في إسرائيل في 17 سبتمبر بشأن ما إذا كان ينبغي ضرب زعيم "حزب الله"، كانت آلاف أجهزة النداء التي تحمل علامة "أبولو" تدق أو تهتز في آن واحد، في مختلف أنحاء لبنان وسوريا، وظهرت على الشاشة جملة قصيرة باللغة العربية: "لقد تلقيت رسالة مشفرة"، واتبع عناصر "حزب الله" التعليمات بدقة للتحقق من الرسائل المشفرة، بالضغط على زرين، فمزقت الانفجارات الأيدي وفجرت الأصابع في المنازل والمحلات التجارية، وفي السيارات وعلى الأرصفة. وبعد أقل من دقيقة، انفجرت آلاف أخرى من أجهزة النداء عن بعد، بغض النظر عما إذا كان المستخدم قد لمس جهازه أم لا.

وفي اليوم التالي، أي في 18 سبتمبر، انفجرت مئات من أجهزة اللاسلكي بنفس الطريقة، مما أسفر عن مقتل وإصابة المستخدمين والمارة. وبينما كان "حزب الله" يترنح، وجهت إسرائيل ضربة أخرى، فقصفت مقر الجماعة وترساناتها ومراكزها اللوجستية بقنابل تزن الفي رطل، ووقعت أكبر سلسلة من الغارات الجوية في 27 سبتمبر، بعد عشرة أيام من انفجار أجهزة النداء.

وأمر نتنياهو بالهجوم الذي استهدف مركز قيادة مدفونا على عمق كبير في بيروت، أثناء سفره إلى نيويورك لحضور خطاب في الأمم المتحدة أعلن فيه متحدثا إلى حزب الله "كفى"، وفي اليوم التالي 28 سبتمبر أكد "حزب الله" اغتيال نصر الله

المصدر: مأرب برس

إقرأ أيضاً:

سرقوا ربع مليار دولار من العملات المشفّرة.. تفاصيل مثيرة عن سرقة القرن

في مساء يوم 25 أغسطس/آب 2024، وبين أجواء صيفية دافئة في مدينة دانبري بولاية كونيتيكت الأميركية، كان الزوجان سوشيل وراديكا شيتال يقودان سيارتهما اللامبورغيني أوروس الفاخرة في أحد الأحياء الراقية، حيث كانا يبحثان عن منزل جديد. لم يكن في حسبانهما أن هذه الجولة الهادئة ستتحول إلى كابوس حقيقي، حيث تعرضا لمحاولة اختطاف مسلحة وغامضة، لم تكن سوى جزء من قصة أكبر وأغرب تتعلق بسرقة ضخمة للعملات المشفرة، ووصفتها صحيفة "نيويورك تايمز" بـ"سرقة القرن".

فجأة، اصطدمت بهما سيارة هوندا سيفيك من الخلف، ثم حاصرت شاحنة بيضاء الطريق عليهما، نزل منها 6 رجال ملثمين، يرتدون ملابس داكنة، واندفعوا نحو السيارة الفارهة. قاموا بسحب الزوجين بالقوة، واعتدوا عليهما، وقيدوهما بشريط لاصق، مهددين سوشيل بمضرب بيسبول. توسلت راديكا إليهم، موضحة أنها تعاني من الربو، لكن المعتدين لم يبدوا أي رحمة، وأجبروهما على دخول الشاحنة البيضاء.

هذا المشهد العنيف لم يمر دون أن يلاحظه الجيران، فقد كان هناك من شاهد الحادث، ومن بينهم عميل فدرالي متقاعد لم يتردد في تتبع الشاحنة بسيارته، وأبلغ الشرطة بالحادث. بدأت مطاردة مثيرة بين الشرطة والشاحنة، انتهت بانحراف الشاحنة إلى الغابة، حيث فرّ 4 من المهاجمين.

إعلان

لكن رجال الشرطة لم يستسلموا، فطاردوا الفارين، وتمكنوا من القبض على أحدهم تحت جسر قريب، بينما عُثر على الثلاثة الآخرين في غابة مجاورة بعد ساعات من البحث. أما الزوجان، فقد وجدتهما الشرطة في مؤخرة الشاحنة، مقيّدين ومذعورين، في مشهد درامي لم تعتده المدينة الهادئة.

كانت الشرطة في حيرة من أمرها، إذ لم يكن هناك أي دافع واضح لهذه الجريمة العنيفة في مدينة هادئة مثل دانبري. كما أن المعتدين -الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و26 عاما- جاؤوا من ميامي بولاية فلوريدا، مما أثار تساؤلات عن سبب اختيارهم لهذه المدينة بعينها. ولماذا تركوا سيارة لامبورغيني فارهة في الشارع دون أن يسرقوها؟ لم يكن هناك أي دليل على وجود صلة سابقة بين الجناة والضحايا، مما جعل القضية أكثر غموضا.

خيوط القصة بدأت تتكشف من حادث خطف زوجين أميركيين (صورة مولدة بالذكاء الاصطناعي) قضية أكبر

مرت أيام قليلة قبل أن تتلقى الشرطة معلومة من مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) تشير إلى وجود صلة بين محاولة الاختطاف هذه وسرقة ضخمة للعملات المشفرة وقعت قبل أسبوع. بدأت خيوط القضية تتكشف، لتكشف عن واحدة من أكبر عمليات الاحتيال الإلكتروني في تاريخ العملات الرقمية.

كان يُشتبه بأن مجموعة من الشباب -بعضهم تعرّف إلى الآخرين من خلال لعبة "ماينكرافت" (Minecraft)- قد سرقوا ما يقارب ربع مليار دولار من ضحية لم تكن تعلم ما يحدث، في سلسلة من الأحداث المذهلة التي شارك فيها مجرمون إلكترونيون مراهقون، ومحققون رقميون مستقلون يتتبعون أنشطة الهاكرز، وعدة وكالات إنفاذ قانون، وبدا الآن أن القضية بلغت ذروتها في اختطاف عائلة شيتال.

وقد بدأت سلسلة الأحداث قبل ذلك بأسابيع قليلة، عندما بدأ أحد سكان واشنطن -وهو مستثمر مبكر في العملات المشفرة- يتلقى إشعارات متكررة بمحاولات دخول مشبوهة إلى حسابه على "غوغل".

لم يعر الأمر اهتماما كبيرا في البداية، لكنه فوجئ باتصال هاتفي من شخص ادعى أنه من فريق الأمن السيبراني في غوغل، أخبره بأن حساباته تعرضت لمحاولة اختراق. لم يقتصر الأمر على ذلك، بل تلقى اتصالا آخر من شخص ادعى أنه من منصة "جيميناي" (Gemini) لتداول العملات الرقمية، أبلغه بأن حسابه على المنصة -والذي يحتوي على ما يقارب 4.5 ملايين دولار من العملات الرقمية- قد تعرّض للاختراق، وأن عليه إعادة تعيين خاصية التحقق الثنائي ونقل البتكوين إلى محفظة جديدة لحمايته.

أقنعه المحتالون بتحميل برنامج لتعزيز الأمان على جهازه، كان في الحقيقة أداة للتحكم من بعد، مما منحهم وصولا كاملا إلى جهازه وحساباته الرقمية. في دقائق معدودة، اختفت أكثر من 4100 وحدة بتكوين من محفظته الرقمية، كانت قيمتها في ذلك اليوم تتجاوز 243 مليون دولار. أدرك الضحية متأخرا أنه وقع ضحية لعملية احتيال معقدة.

إعلان

رغم أن مالكي العملات المشفرة مجهولو الهوية غالبا، فإن جميع المعاملات مسجلة على ما يُسمى بـ"سلسلة الكتل" (Blockchain)، وهو سجل رقمي غير قابل للتغيير يُستخدم لتخزين البيانات بطريقة آمنة وشفافة، ويُعد أساسا لمعظم العملات المشفرة مثل البتكوين والإيثيريوم، مما أتاح لمحققين رقميين مستقلين تتبع حركة الأموال فور وقوع السرقة.

من أبرز هؤلاء المحققين شخصية تُدعى "ZachXBT"، وسنكتفي بالإشارة إليها باسم "زد"، وهو محقق مستقل يتابعه مئات الآلاف على منصات التواصل، ويشتهر بكشفه عن قضايا الاحتيال الرقمي.

كان "زد" في المطار عندما تلقى تنبيهات عن معاملات ضخمة ومشبوهة، فبدأ على الفور تتبع حركة البتكوين المسروق عبر محافظ ومنصات مختلفة. لاحظ أن الأموال تُغسل عبر أكثر من 15 منصة وخدمة، في محاولات لإخفاء مصدرها.

وبدأ "زد" يتتبع المعاملات حتى وصل إلى محفظة تحتوي على ما يقرب من 240 مليون دولار من العملات المشفرة، تعود بعض وحدات البتكوين فيها إلى عام 2012. قال: "عند هذه النقطة، لم يكن الأمر منطقيا.. لماذا شخص احتفظ بعملاته كل هذه المدة يستخدم منصة مشبوهة معروفة بتدفق الأموال غير المشروعة من خلالها؟".

تواصل مع منصات التبادل لتنبيهها وتجميد الأموال، كما نشر تحذيرا عاما على منصة "إكس" (تويتر سابقا) حول عملية السرقة الجارية.

يقول "زد": "عندما رأيت حجم المبلغ الذي تمت سرقته، أدركت أن الأمر أكبر من مجرد عملية احتيال عادية. كان المجرمين يحاولون نقل الأموال بسرعة عبر منصات متعددة، لكننا تمكنا من تتبع معظم التحويلات وتنبيه المنصات لتجميدها قبل أن تختفي للأبد".

لم تمض ساعات حتى تمكّن "زد" من التواصل مع الضحية، الذي كان في حالة صدمة شديدة. استعان الضحية بكل من "زد" وشركة تحقيقات متخصصة لمساعدته في تتبع أمواله، كما أبلغ مكتب التحقيقات الفدرالي بالواقعة.

إعلان

تشير الإحصائيات إلى أن سرقات العملات المشفرة أصبحت ظاهرة متسارعة، إذ تلقى مركز شكاوى الجرائم الإلكترونية أكثر من 69 ألف بلاغ في عام 2023، بخسائر تجاوزت 5.6 مليارات دولار. كما أن طبيعة العملات الرقمية، التي تجعل المعاملات غير قابلة للاسترجاع وسهلة التحويل عبر العالم، تجعلها هدفا مثاليا للمجرمين، وتحديا كبيرا أمام المحققين.

تعتمد وكالات إنفاذ القانون الأميركية بشكل متزايد على خبراء ومحققين مستقلين مثل "زد"، الذين يملكون مهارات تقنية عالية وشبكات علاقات واسعة في عالم الجريمة الرقمية. هؤلاء المحققون يندمجون في منتديات مجرمي الإنترنت عبر حسابات وهمية، ويجمعون الأدلة من داخل مجموعات الدردشة السرية.

مركز شكاوى الجرائم الإلكترونية في الولايات المتحدة تلقى أكثر من 69 ألف بلاغ في عام 2023 بخسائر تجاوزت 5.6 مليارات دولار (شترستوك) أول الخيط

بعد نشر "زد" عن السرقة، تواصل معه مصدر مجهول، وقدم له تسجيلات شاشة وثقت عملية السرقة، بينها مكالمة المحتالين مع الضحية ورد فعلهم بعد نجاحهم في الاستيلاء على المبلغ الضخم.

في محادثاتهم الخاصة، استخدموا أسماء مستعارة، لكنهم ارتكبوا خطأ قاتلا. أحدهم عرض عن غير قصد شاشة الكمبيوتر الخاص به، مما كشف اسمه الحقيقي في نافذة البدء أسفل الشاشة: "فير تشيتال"، شاب في الـ18 من عمره من دانبري، وهو ابن الزوجين اللذين تعرضا للاختطاف.

كان فير تشيتال طالبا هادئا ومتفوقا في دراسته، لكنه بدأ فجأة في استعراض ثروة غير مبررة أمام أصدقائه، يقود سيارات فارهة ويرتدي ملابس باهظة الثمن، ويدعي أنه جنى أمواله من تداول العملات الرقمية. لاحظ أصدقاؤه هذا التحول، خاصة بعد أن أصبح يقود سيارات رياضية، وينفق ببذخ على الرحلات والحفلات، ويستأجر يخوتا ومنازل فاخرة.

تكشف التحقيقات أن فير كان عضوا في جماعة إلكترونية تُعرف باسم "ذا كوم" (The Com)، وهي شبكة من مجموعات الدردشة الإجرامية تعود جذورها إلى أوساط الهاكرز في الثمانينيات، وتضم شبابا من دول غربية يخططون لعمليات احتيال رقمية متنوعة، من بينها سرقة العملات الرقمية، وتبديل شرائح الهاتف (SIM)، وهجمات الفدية، واقتحام أنظمة الشركات.

إعلان

تقول خبيرة الأمن السيبراني أليسون نيكسون إن معظم أعضاء هذه الجماعات شباب من الغرب، وغالبا ما يبدأ دخولهم لهذا العالم عبر ألعاب الفيديو مثل "ماينكرافت" (Minecraft) و"رون سكيب" (Rune Scape). مع تطور خوادم الألعاب، نشأت أسواق سوداء لبيع عناصر داخل اللعبة وأسماء مستخدمين نادرة، مما شكل بيئة خصبة للاحتيال الإلكتروني وتبادل الخبرات بين المراهقين الطامحين للثراء السريع.

في عالم "ماينكرافت"، ظهرت خوادم تنافسية تقدم ترقيات مدفوعة وأزياء افتراضية، وبدأت سوق سوداء لبيع عناصر اللعبة وأسماء المستخدمين النادرة، التي قد تصل قيمتها إلى آلاف الدولارات. انتشرت عمليات الاحتيال بين اللاعبين، وظهرت خدمات "الوسيط الموثوق" لتسهيل التبادل، لكن هذا العالم كان أيضا بوابة لارتكاب جرائم إلكترونية أكثر تعقيدا.

مع الوقت، انتقل بعض هؤلاء الشباب من الاحتيال البسيط إلى سرقات رقمية ضخمة، مستخدمين مهاراتهم التقنية وشبكات علاقاتهم في تنفيذ عمليات معقدة مثل سرقة ربع مليار دولار من العملات المشفرة.

عالم متشابك

في حالة فير تشيتال، قادته مغامرته الرقمية إلى عالم الجريمة المنظمة، وانتهى به المطاف متورطا في واحدة من أكبر قضايا الاحتيال الرقمي في الولايات المتحدة.

بعد أن حصل "زد" على اسم فير تشيتال، لم يستغرق الأمر طويلا له ولمحققين آخرين لكشف هوية شركائه في عملية سرقة العملات.

في التسجيلات التي حصل عليها، كان اللصوص يخاطبون بعضهم بأسماء مستعارة من "ذا كوم"، وأحيانا بأسمائهم الحقيقية.
وكان أحد الأسماء المتكررة هو "مالون"، وهو مالون لام، شخصية معروفة في "ذا كوم"، وهو شاب يبلغ من العمر 20 عاما من سنغافورة، وكان يتميز بقَصة شعر تتدلى على عينيه.

بعد عملية السرقة في أغسطس/آب 2024، استطاع "زد" تعقّب مالون باستخدام ما يُعرف بـ"الاستخبارات مفتوحة المصدر"، مثل مواقع التواصل الاجتماعي.

إعلان

انتشرت شائعات في مجموعات "ذا كوم" بأنه ينفق ببذخ في ملاهي لوس أنجلوس، دون أن يعرف أحد مصدر أمواله، لكنه كان يُشاهد ينفق أموالا طائلة.

بحث "زد" عن أشهر الملاهي في المدينة، ثم راجع قصص إنستغرام الخاصة بروّاد الملاهي والحسابات الرسمية. وفي أحد المنشورات، ظهر مالون نظارات شمسية مرصعة بالألماس، واقفا على الطاولة ويرمي أوراقا نقدية من فئة 100 دولار على الحاضرين. وحين كانت النقود تتساقط، دخل الطاقم يحمل زجاجات شمبانيا بقيمة 1500 دولار مزينة بشرارات نارية، ويرفعون لافتات كتب عليها: مالون. أنفق في ليلة واحدة فقط نحو 570 ألف دولار.

وحسب مستندات المحكمة، فقد استخدم المتواطئون المزعومون أساليب غسل أموال متطورة لإخفاء الأموال وتضليل هويتهم، مستخدمين منصات تبادل العملات المشفّرة التي لا تطلب معلومات شخصية من العملاء، واتصالات "في بي إن" (VPN) لإخفاء مواقعهم الجغرافية.

لكن أحدهم ارتكب خطأ فادحا عندما أنشأ حسابا على إحدى هذه المنصات دون استخدام "في بي إن"، مما أدى إلى تتبع عنوان شبكة الإنترنت المرتبط بمنزله، مما قاد السلطات لإلقاء القبض عليه.

في النهاية، أدى تتبع الأدلة الرقمية، وتعاون المحققين الرقميين مع الشرطة، إلى كشف الجناة بسرعة وإلقاء القبض عليهم تباعا، رغم تعقيد القضية وتشعبها بين العالمين الافتراضي والحقيقي.

بحلول ذلك الوقت، كانت السلطات قد حددت الدافع، اعتقدت الشرطة أن المجموعة استهدفت عائلة تشيتال لابتزاز المال الذي يملكه ابنهم.

قصة سرقة ربع مليار من العملات المشفرة لم تكن مجرد جريمة رقمية، بل كانت مرآة لعصر جديد من الجرائم العابرة للحدود، حيث قد يبدأ الخيط من لعبة فيديو وينتهي في قاعات المحاكم الفدرالية.

تعكس هذه القضية أيضا جانبا مهما من تطور الجريمة في العصر الرقمي، إذ لم يعد المجرمون بحاجة إلى السلاح التقليدي أو العصابات المنظمة، بل يكفيهم جهاز كمبيوتر واتصال بالإنترنت وبعض المهارات التقنية ليحققوا أرباحا خيالية في وقت قصير. في المقابل، يتطلب التصدي لهذه الجرائم تطوير أدوات التحقيق الرقمي، والتعاون بين القطاعين العام والخاص، وتوعية المستخدمين بمخاطر الاحتيال الإلكتروني.

مقالات مشابهة

  • أكثر من 100 منظمة حقوقية تطالب مجلس الأمن بفرض عقوبات على إسرائيل
  • 113 منظمة حقوقية تدعو مجلس الأمن لفرض عقوبات على إسرائيل
  • بإخطار سريع.. تركيا أحبطت هجوما آخر بـ"البيجر" في لبنان
  • صحيفة تركية تكشف تفاصيل جديدة حول شحنة مفخخة من أجهزة “البيجر” إلى لبنان
  • “حزب الله” أبلغ تركيا بوجود شحنة “بيجر” مفخخة في مطار إسطنبول 
  • محافظ بني سويف يناقش تقرير الزراعة حول جهود وأنشطة أجهزة وإدارات المديرية
  • تركيا تحبط وصول شحنة ثانية من أجهزة البيجر المفخخة إلى لبنان
  • سرقوا ربع مليار دولار من العملات المشفّرة.. تفاصيل مثيرة عن سرقة القرن
  • عن شحنة البيجر... مسؤول يكشف ما أبلغه حزب الله لتركيا
  • تركيا أحبطت شحنة "بيجر" مفخخة إلى لبنان ومصادر أمنية تقول إن حزب الله وراء التنبيه