بري : مَن يظن أنّ التوازنات تغيّرت واهم
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
يقول الرئيس نبيه بري في سياق ردّه على سؤال عمّا آلت إليه المساعي لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية: «نحن ملتزمون بالنداء المشترك الأميركي الفرنسي الأوروبي العربي، الذي صدر في 25 أيلول ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار لمدة 21 يوماً، يتمّ خلالها استكمال المفاوضات بغية التوصّل إلى اتفاق نهائي لتطبيق القرار 1701 ، وهذا البيان الدولي يُشكّل الأساس الصالح لإنهاء العدوان الإسرائيلي المتمادي على لبنان .
ويلفت بري إلى أنّ باريس ولندن تتمسّكان بهذا البيان - النداء، «أمّا واشنطن فهي معه شكلياً، لكنّها في الجوهر لا تفعل شيئاً لتنفيذه ولا تضغط جدّياً على الكيان الإسرائيلي للتقيّد به ووقف عدوانه .»
ويلاحظ بري في حديث ل »الجمهورية »، أنّ نتنياهو «فالت »، ويبدو أنّه هو الذي يضغط على الولايات المتحدة وليس العكس، مستغلاً فرصة الانتخابات الرئاسية التي يتنافس فيها الديموقراطيّون والجمهوريّون على إرضاء «إسرائيل »، ومُمسكاً الإدارة الأميركية من «خوانيقها .» ويؤكّد بري «أن ليس أمامنا من خيار سوى العمل على مسارَين معاً: مواصلة المقاومة لمنع العدو من احتلال أرضنا، ومتابعة المسعى الدبلوماسي لوضع الخطة الدولية التي وافقنا عليها موضع التنفيذ .» ويشير بري إلى أنّ قضية النازحين تشكّل همّه الأكبر في هذه المرحلة، مؤكّداً «أنّ حركة «أمل » تفعل أقصى الممكن للتخفيف من وطأة النزوح على أهلنا الذين اضطرّتهم الاعتداءات الإسرائيلية إلى مغادرة منازلهم .» ويلفت بري إلى أنّ لديه ثقة تامة بأنّ النازحين سيعودون خلال 24 ساعة إلى قراهم وبلداتهم بعد انتهاء الحرب، ولو اضطرّوا إلى نصب الخيام فوق أنقاض بيوتهم، تماماً كما فعلوا بعد حرب العام 2006 . ويشيد بري بالاحتضان الوطني للنازحين في كل المناطق التي استضافتهم، حيث فتحت لهم المنازل والمساجد والكنائس وحتى بعض الملاهي، وتلاحقت المبادرات الأهلية والفردية من
كل الاتجاهات لتأمين متطلّباتهم وللتعويض عن قصور الدولة وتقصيرها.
ويعتبر بري «أنّ هذا التعاضد العابر للطوائف والمناطق في مواجهة تحدّيات النزوح يعزّز الوحدة الوطنية والقدرة على الصمود »، لافتاً إلى أنّ تماسك الجبهة الداخلية في مثل الظروف الحالية لا يقلّ شأناً ووزناً عن الصمود على الجبهة العسكرية.
ويؤكّد بري «أنّ السلوك المشرّف للشعب اللبناني خالف توقعات العدو الإسرائيلي الذي كان يفترض أنّ الداخل لن يحتضن بيئة المقاومة بل سينقلب عليها وسيتبرّأ منها وعندها تبدأ الفتنة .»
وحين يُسأل عن حجم الفراغ الذي تركه الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله باستشهاده، يجيب بتأثر وغصّة: «لا قدرة لديّ بَعد على الكلام في هذا الموضوع. فأنا والسيّد رفقة درب على امتداد 33 عاماً ». ثم يضيف بعدما يستجمع قواه: «لقد قصم ظهري .»
وبالنسبة إلى مصير الملف الرئاسي، يشدّد بري على «أنّ هناك حاجة ملحّة في هذه المرحلة المفصلية إلى رئيس توافقي للجمهوربة لا يُشكّل تحدّياً لأحد »، مبدِياً استعداده التام للدعوة الفورية إلى جلسة انتخابية «عندما يتبيّن أنّ في الإمكان تأمين أكثرية 86 صوتاً لأي اسم .»
وهل معنى ذلك أنّ سليمان فرنجية بات خارج السباق إلى قصر بعبدا؟ يستغرب بري هذا الاستنتاج، مشيراً إلى أنّ لعلّه يجري التوافق على انتخاب فرنجية.
ويوضح، أنّه وإزاء خطورة الموقف الحالي، لم يَعد مصِرّاً على حصول حوار قبل الانتخاب، «إذ إنّ الحوار هو مجرّد وسيلة للوصول إلى الغاية الأهم وهي انتخاب رئيس يحظى بأكبر دعم ممكن، وبالتالي إذا استطعنا أن نحقق الهدف بهذه الطريقة أو تلك، لا مشكلة، فنحن نريد أكل العنب لا قتل الناطور .»
وماذا لو كان البعض يفترض أنّ موازين القوى تبدّلت، وبات في إمكانه أن يأتي بالرئيس الذي يريد بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان واستشهاد السيد نصرالله؟ يسارع بري إلى الجزم بأنّ «كل مَن يظنّ ذلك هو واهم ». ويتابع: «ليس على علمي أنّ توازنات المجلس تغيّرت، أو أنّ أحجام الكتل النيابية تبدّلت، بالتالي لا يملك أي طرف غالبية تسمح له لوحده بأن يقرّر هوية الرئيس، ولذلك ندعو إلى التوافق ...»
وماذا تقول لِمَن يفترض أنّ «الثنائي الشيعي » أصبح ضعيفاً الآن؟ يردّ بري: «في ما يخصّني صحتي من نعم الله جيدة، أمّا بالنسبة إلى السيّد حسن فهو نال الشهادة التي كان يتوق إليها وهذا أكبر فوز له ...» وعن دوافع عدم دعوة أي شخصية مسيحية إلى لقاء عين التينة الذي ضمّه والرئيس نجيب ميقاتي والنائب السابق وليد جنبلاط، ما تسبّب بنقزة لدى الأوساط المسيحية ، يوضّح رئيس المجلس أنّ الأمر لا يتعلّق بإقصاء أو استبعاد المكوّن المسيحي، «لكن كنّا نخشى من أن تؤدّي دعوة شخصية من دون الأخرى إلى حساسيات وتفسيرات نحن في غنى عنها ». ويضيف: «على كلٍ، هذا النقص في الشكل حرصنا على تعويضه في المضمون عبر إصدار بيان وطني بامتياز، أردنا من خلاله توجيه رسائل ايجابية، ونأمل من الآخرين ملاقاتنا بالإيجاببةنفسها .»
ويلفت بري إلى أنّ ميقاتي كان حريصاً على زيارة البطريرك الماروني لوضع الأمور في سياقها الحقيقي بعيداً من أي تأويلات غير حقيقية. وعن تعليقه على الانطباع السائد لدى جهات معيّنة بأنّ هناك نوعاً من «ترويكا إسلامية » باتت تتفّرد بالحكم وسط غياب رئيس الجمهورية، يعتبر بري «أن لا مبرّر لمثل هذا الانطباع المغلوط، فأنا رئيس للسلطة التشريعية التي تضمّ جميع المكوّنات، ونجيب ميقاتي رئيس لحكومة تصريف أعمال ووليد جنبلاط يمثل ما يمثل بوطنيّته، ولذا لا يجوز تحميل الأمر أكثر ممّا يتحمل .
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: بری إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما الذي يحسم مصير خطة نزع سلاح العمال الكردستاني؟
أنقرة- تمضي تركيا في تنفيذ خريطة طريق طموحة تستهدف نزع سلاح حزب العمال الكردستاني ووضع حد نهائي لصراعه المسلح المستمر منذ ما يقارب 4 عقود.
وبينما تثمن الحكومة التركية الخطوات الجارية ميدانيا في هذا الإطار وتراقبها، تعاطت الأوساط الكردية معها بمزيج من الترحيب المشروط والحذر، معتبرة أنها ثمرة تطور داخلي تقوده "مرجعية إمرالي"، ومؤكدة في المقابل أن نجاح العملية مرهون بضمانات سياسية وقانونية تركية.
ويُقصد بـ"مرجعية إمرالي" الزعيم الكردي المعتقل في سجن بجزيرة إمرالي التركية عبد الله أوجلان مؤسس حزب العمال الكردستاني، الذي دعا الحزب إلى إلقاء سلاحه.
تنقل وسائل إعلام تركية مقرّبة من الحكومة عن مصادر أمنية تركية أن خريطة الطريق الموضوعة لتفكيك القوة العسكرية لحزب العمال الكردستاني تتكون من 4 مراحل متراتبة، جرى حتى الآن إنجاز الجزء الأكبر منها.
وتمثلت المرحلة الأولى في الانسحاب الكامل لمقاتلي الحزب من الداخل التركي إلى شمال العراق، وهو ما أعلن عنه رسميا يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ليكون أول انسحاب شامل من نوعه منذ انطلاق "التمرد المسلح" في ثمانينيات القرن الماضي، وقد اعتُبر محطة فارقة في مسار الصراع، لكونه أزال آخر تمركزات الحزب داخل الحدود التركية.
في المرحلة الثانية، ركزت الجهود على تفكيك الجيوب المتبقية للحزب في شمال العراق، لا سيما في منطقتي "زاب" و"متينا" الواقعتين ضمن نطاق العمليات التركية العسكرية المعروفة باسم "المخلب القفل".
ووفق ما نقلته صحيفة صباح التركية، فإن مقاتلي الحزب انسحبوا من 4 مغارات رئيسية في "زاب"، تاركين خلفهم كميات من الأسلحة والذخائر، جرت إزالتها وتدميرها لاحقا من قبل وحدات تركية خاصة، ويجري حاليا استكمال الانسحاب من المغارات المتبقية في "متينا"، تمهيدا لإعلان إخلاء كامل نطاق عمليات الجيش التركي من وجود الحزب.
إعلانأما المرحلة الثالثة، فتغطي معاقل الحزب التقليدية في مناطق "قنديل" و"غارا"، إضافة إلى "حفتانين" و"هاكورك"، حيث ينتظر انسحاب تدريجي منها خلال الأشهر المقبلة.
وتُختتم الخريطة في مرحلتها الرابعة بإخلاء مناطق "سنجار" و"مخمور"، التي تُعد ذات طابع رمزي وإستراتيجي خاص، لكونها شكلت على مدى سنوات خط دعم وإسناد لوجستي لفرع الحزب في سوريا.
وتشير المصادر إلى أن الاستخبارات والجيش التركي يتابعان تنفيذ الخطة ميدانيا في كل مرحلة، حيث جرت عمليات تفتيش دقيقة للمواقع المفرغة، لا سيما في "زاب"، للتأكد من خلوها من العناصر، ولتسجيل الأسلحة التي تركها الحزب، تمهيدا للتعامل معها.
ووفق تسريبات من إعلام مقرب من الحكومة، لم تُعثر القوات التركية على أسلحة ثقيلة في تلك المواقع، مما اعتبر مؤشرا على تراجع الدعم الخارجي للحزب أو نقله ترسانته الثقيلة إلى خارج نطاق العمليات.
ولا يزال مصير قادة الصف الأول في حزب العمال الكردستاني، المتحصنين منذ عقود في جبال قنديل، يشكل أحد أكثر ملفات التفاوض حساسية وتعقيدا، ووفقا لما نقلته تسريبات متطابقة من دوائر تركية وكردية، فإن التسوية المرتقبة لن تتضمن بقاء هؤلاء القادة في أي من دول المنطقة، سواء تركيا أو العراق أو سوريا.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن من بين السيناريوهات المطروحة على الطاولة، إبعاد نحو ألف عنصر من كوادر الحزب إلى دول أوروبية مستعدة لاستضافتهم ضمن اتفاقات خاصة، في إطار تسوية "منضبطة وخالية من التصعيد".
بالتوازي مع ذلك، أعدت أنقرة وبغداد قوائم أمنية مشتركة تضم أسماء عشرات القياديين والعناصر المطلوبين للعدالة في البلدين، تمهيدا لإحالة بعضهم إلى المحاكمة، في حين يرجح منح عفو محدود لمن لم يثبت تورطه في أعمال عنف أو انتهاكات جسيمة.
تهديداتويرى المحلل السياسي التركي علي أسمر أن أكبر تهديد يواجه خطة نزع سلاح حزب العمال الكردستاني لا يكمن فقط في البعد العسكري، بل في هشاشة التوازنات السياسية والأمنية المحيطة بالملف.
ويضع أسمر سيناريو "تصفية عبد الله أوجلان" في صدارة المخاوف، معتبرا أن غيابه سيحدث فراغا قياديا خطيرا داخل الحزب، ويفتح الباب أمام صراعات داخلية وتفلّت مجموعات ميدانية متشددة، مما سيفشل أي مسار نحو التسوية.
ويحذر أسمر -في حديث للجزيرة نت- من أن الانقسام داخل الحزب، رغم ما قد يبدو عليه من فائدة لأنقرة، فإنه قد يؤدي إلى ولادة فصائل مستقلة تتصرف خارج السيطرة، وربما ترتبط بجهات خارجية تسعى لإعادة إشعال الصراع. ويضيف أن ظهور قيادات ميدانية غير منضبطة قد يطيح بعملية السلام من خلال حادث واحد في توقيت حرج.
وفي السياق الإقليمي، ينبّه أسمر إلى دور القوى الدولية التي ترى في الحزب الكردستاني ورقة ضغط إستراتيجية، وقد تعمد إلى تعطيل العملية عبر تمويل مجموعات منشقة أو تسريب السلاح إليها.
كما يشير إلى أن بقاء معاقل الحزب في سوريا وسنجار وقنديل يبقي السلاح حاضرا خارج حدود تركيا، مما يضعف أي اتفاق لا يشمل إغلاق هذه الجبهات بالكامل.
وبينما تروج أنقرة لعملية نزع السلاح بوصفها إنهاء قاطعا لتنظيم "إرهابي"، تقدم المنصات الإعلامية الكردية سردا مغايرا، يصور الخطوة باعتبارها تحولا داخليا إستراتيجيا تقوده مرجعية عبد الله أوجلان.
إعلانفحسب ما نقلته وكالة "ميزوبوتاميا"، فإن أوجلان هو من صاغ الموقف الراهن ووجه قيادة الحزب إلى اتخاذ قرار إنهاء الكفاح المسلح، مشددا على أن "زمن البندقية قد انتهى، وحان وقت السياسة".
وتؤكد بيرفين بولدان، نائبة حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، أن انسحاب مقاتلي الحزب من الداخل التركي جاء بتعليمات مباشرة من أوجلان لقطع الطريق على أي محاولة استفزاز أو تفجير داخلي للعملية. ونقلت عنه قوله إن "المنظمة التي أنشأها قبل 50 عاما يجب أن تحل الآن بيده".
لكن في مقابل هذه الإشارات الإيجابية، وضعت قيادة حزب العمال الكردستاني سقفا سياسيا عاليا للمضي قدما في تنفيذ ما خرج به المؤتمر الاستثنائي، ففي تصريح لوكالة الفرات، أعلن دوران كالكان، أحد أبرز أعضاء اللجنة التنفيذية لحزب العمال الكردستاني، أنه "لا خطوات إضافية ممكنة دون حرية القائد أوجلان"، معتبرا أن استمرار عزله ينسف جوهر التهدئة الجارية.
وأضاف أن المؤتمر الذي أعلن فيه حل الحزب لن يكون ملزما ما لم تقم الدولة التركية بتقديم خطوات ملموسة على مستوى الإصلاحات القانونية والدستورية.
ومن بين أبرز مطالب الحزب، بحسب كالكان، صدور قوانين عفو تسمح بإعادة دمج المقاتلين السابقين ضمن المجتمع دون ملاحقات، إضافة إلى رفع القبضة الإدارية المفروضة على البلديات الكردية، التي لا يزال كثير منها يخضع لوصاية حكومية بعد عزل رؤسائها المنتخبين.
وفي هذا السياق، تداولت وسائل إعلام كردية أنباء عن نية الحكومة إعادة بعض رؤساء البلديات ضمن إجراءات بناء الثقة، رغم غياب تأكيد رسمي حتى اللحظة.