تحذيرات من تداعيات إنسانية لقانون أميركي يقطع تمويل طالبان
تاريخ النشر: 26th, June 2025 GMT
كابل- أثار إقرار مجلس النواب الأميركي مشروع قانون "منع دفع الضرائب للإرهابيين"، في 24 يونيو/حزيران الجاري، جدلا واسعا في أفغانستان، ونددت حكومة حركة طالبان بما اعتبرته محاولة لتسييس المساعدات الإنسانية، بينما يحذر سياسيون ومحللون من تداعياته التي قد تعمّق عزلة البلاد وتهدد استقرارها.
والقانون، الذي يهدف إلى منع طالبان من الاستفادة من الأموال الأميركية، سواء بشكل مباشر أو عبر قنوات المساعدات الدولية، يمنح وزارة الخارجية الأميركية صلاحيات موسعة لمراقبة تدفقات التمويل عبر المنظمات غير الحكومية والأمم المتحدة، وسط تقارير تشير إلى استفادة الحركة من المساعدات عبر فرض رسوم وضرائب، مما أثار انتقادات حادة في الكونغرس.
ورحّب برايان ماست، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأميركي، بإقرار هذا القانون، مؤكدا في بيان له أن "هذا المشروع يضمن ألا تصل حتى روبية واحدة من أموال الشعب الأميركي إلى طالبان، لا بشكل مباشر، ولا عبر قنوات سرية، ولا من خلال حكومات ضعيفة أو منظمات غير حكومية مشبوهة. من يرسل أموالا إلى طالبان، لا يمكن اعتباره صديقا للولايات المتحدة".
رفض أفغانيوقال ماست إن القانون يردّ على تقرير المفتش العام الأميركي لإعادة إعمار أفغانستان في مايو/أيار 2024، الذي كشف أن 10.9 ملايين دولار من المساعدات المخصصة لأفغانستان دُفعت كضرائب لطالبان من قبل منظمات إغاثة، ويُلزم وزارة الخارجية بتنفيذ برامج رقابية صارمة وتقديم تقارير دورية للكونغرس، مما يعكس دعما جمهوريا واسعا لتشديد السياسة تجاه الحركة.
وردا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة المالية الأفغانية أحمد ولي حقمل، للجزيرة نت "نتابع تطورات القانون الأميركي بقلق، ونرفض استخدام المساعدات الإنسانية كأداة ضغط سياسي. إدارتنا تعتمد على الإيرادات المحلية، ونحن مستعدون للتعاون مع الجهات الدولية لضمان الشفافية في توزيع المساعدات".
إعلانوأضاف أن القيود الأميركية "ستضر الشعب الأفغاني أكثر من أي جهة أخرى"، داعيا إلى آليات دولية تحترم سيادة أفغانستان.
وهذا الموقف يتماشى مع تصريحات سابقة لمسؤولي طالبان، ففي يناير/كانون الثاني الماضي، نفى الملا حمد الله فطرت، نائب المتحدث باسم الحكومة الأفغانية، تلقي أي مساعدات أميركية، قائلا إن "الولايات المتحدة لم تقدم دولارا واحدا لإمارة أفغانستان، بل جمّدت مليارات الدولارات من أصولنا".
وفي فبراير/شباط الماضي، أكدت وزارة الاقتصاد الأفغانية أن "أي إجراء أميركي بشأن تخصيص أو تحويل الأصول المجمدة غير مقبول"، محذرة من أن ذلك يمثل "انتهاكا لسيادة أفغانستان".
وفي 2 يونيو/حزيران الجاري، رفض المتحدث باسم الحكومة الأفغانية ذبيح الله مجاهد، مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بإعادة معدات عسكرية بقيمة 7 مليارات دولار، واعتبرها "غنائم حرب".
ضغوط أميركيةمن جانبه، حذّر وزير الداخلية الأفغاني الأسبق محمد عمر داودزي، من أن القانون قد يجر أفغانستان إلى "كارثة إنسانية ومالية"، مشيرا إلى أن طالبان "لن تستطيع تمويل ميزانية الدولة من الضرائب المحلية وحدها".
وأوضح داودزي للجزيرة نت أن واشنطن كانت تقدم 3 أنواع من الدعم:
مساعدات أمنية لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية. مساعدات إنسانية تصل عبر قنوات دولية، استفادت منها طالبان جزئيا. تمويل لاستكمال مشاريع أميركية متعثرة.وأكد أن قطع هذه المساعدات سيؤدي إلى نقص حاد في الدولار بالسوق الأفغانية، مما سيضعف العملة الوطنية ويمنع الحكومة من دفع رواتب الموظفين.
ودعا طالبان إلى "مراجعة سياساتها المنغلقة وكسب رضا الشعب" لتحسين علاقتها مع المجتمع الدولي، محذرا من أن "فشلها سيؤدي إلى فوضى سياسية واجتماعية".
يأتي القانون الأميركي وسط ضغوط داخل الكونغرس لتشديد السياسة تجاه طالبان، خاصة بعد تقرير المفتش العام الأميركي الذي أشار إلى أن 10.9 ملايين دولار من المساعدات الأميركية ذهبت إلى طالبان عبر رسوم وضرائب.
وقال مقدّم القانون النائب الجمهوري تيم براغيث "منذ أغسطس/آب 2021، أرسلت الولايات المتحدة نحو 5 مليارات دولار نقدا إلى أفغانستان، استفادت منها طالبان بشكل غير مباشر".
في حين زعم نائب الرئيس الأفغاني السابق أمر الله صالح، أن الحركة تلقت "12 مليار دولار سرا" منذ 2021، وهي ادعاءات لم تُؤكد رسميا.
كما أشار منتقدون إلى أن "نحو 40 مليون دولار تُسلَّم أسبوعيا إلى طالبان"، لكن هذه الادعاءات تفتقر إلى دليل قاطع، حيث تنفي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تسليم أي مساعدات مباشرة للحركة. والقانون، الذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع ترامب، يثير تساؤلات حول إستراتيجية واشنطن: هل تسعى لعزل طالبان أم لاحتوائها لضمان استقرار المنطقة؟
حذّر الخبير الاقتصادي عبد الله ولي زاده من أن تقييد المساعدات سيؤدي إلى "تضييق مالي حاد"، موضحا للجزيرة نت أن المساعدات الدولية تغذي الاقتصاد المحلي عبر المشاريع الإغاثية. وأن قطعها قد يؤدي إلى انهيار سعر العملة وارتفاع التضخم. ورأى أن الخطوة الأميركية "ليست معزولة عن الحسابات الجيوسياسية"، وربما تمثل ضغطا سياسيا أكثر منها إجراء ماليا بحتا.
إعلانأما المحلل السياسي أحمد سعيدي فيقول إن القانون الأميركي "يعكس ارتباكا في سياسة واشنطن تجاه أفغانستان"، ويضيف للجزيرة نت "القانون قد يدفع طالبان نحو مزيد من العزلة، مما يفتح المجال أمام دول مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها. كيف يمكن ضمان المساعدات الإنسانية دون التعامل مع النظام القائم؟".
وأشار إلى أن موسكو أزالت مؤخرا الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، وباكستان عينت سفيرا في كابل، مما يعكس تحولات دبلوماسية قد تملأ الفراغ الأميركي. وأضاف أن المجتمع الدولي "مطالب بابتكار آليات تحول دون معاقبة الشعب الأفغاني أو منح طالبان شرعية غير مقصودة".
انعكاسات إنسانيةمن جهتها، أعربت الأمم المتحدة عن قلقها العميق من تأثير القانون على عملياتها الإنسانية في أفغانستان. وقال نائب المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية، ينس لايركه، للجزيرة نت "أي قيود على المساعدات ستفاقم معاناة الملايين الذين يعتمدون عليها للبقاء".
وتابع "في أفغانستان، يحتاج 19.2 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية في 2025 بسبب انعدام الأمن الغذائي، والجفاف، والانهيار الاقتصادي. القانون قد يعيق عملياتنا، خاصة في مناطق سيطرة طالبان، مما يهدد توفير الغذاء والمأوى والرعاية الصحية".
ووفق لايركه، يواجه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية تحديات معقدة في أفغانستان، حيث يجب التنسيق مع السلطات الفعلية (طالبان) لضمان وصول المساعدات، وهو ما قد يتعارض مع القيود الأميركية.
في تقرير صدر في ديسمبر/كانون الأول 2024، أشار المكتب إلى أن 70% من سكان أفغانستان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن أزمة التمويل العالمية (47 مليار دولار مطلوبة لعام 2025) تجعل أي قيود إضافية كارثية.
كما حذر المتحدث في، فبراير/شباط 2025، في سياق مماثل حول غزة، من أن تقييد المساعدات يعرّض حياة الملايين للخطر، داعيا إلى آليات تضمن الوصول الآمن للإغاثة دون تسييس.
وأكد أن الأمم المتحدة ملتزمة بمبادئ الحياد والاستقلال، لكنها تحتاج إلى دعم دولي لتجنب انهيار الخدمات الأساسية. ومع انتظار قرار مجلس الشيوخ، يبقى مصير العلاقة بين واشنطن وكابل معلقا. ويضع القانون طالبان أمام خيارين:
الانفتاح على المجتمع الدولي وتخفيف سياساتها. أو مواجهة عزلة قد تهدد استقرارها الداخلي.في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديا في تحقيق توازن بين أهدافها الأمنية ومسؤولياتها الإنسانية. ووسط هذا التوتر، يظل الشعب الأفغاني رهينة قرارات دولية وواقع محلي معقّد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات فی أفغانستان المتحدث باسم إلى طالبان للجزیرة نت إلى أن
إقرأ أيضاً:
الإمارات تدين الانتهاكات الإسرائيلية في غزة وتدعو إلى ضمان وصول المساعدات الإنسانية
جنيف - وام
جددت دولة الإمارات تأكيد التزامها الراسخ بالعمل الإنساني القائم على المبادئ، وذلك خلال الجزء الإنساني من الدورة لعام 2025 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، والذي عُقد في قصر الأمم بجنيف.
وشدد السفير جمال جامع المشرخ، المندوب الدائم لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى في جنيف، على أهمية التمسك بالمبادئ الإنسانية الأساسية المتمثلة في الحياد وعدم التحيز والاستقلالية.
ودعا إلى ضرورة التحول الجذري في النظام الإنساني من الاستجابة التفاعلية إلى العمل الاستباقي، مشدداً على الحاجة إلى «زيادة الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر والتمويل الاستباقي، لا سيما في مواجهة الأزمات المرتبطة بتغير المناخ».
حماية المدنيين وضمان الوصول الإنساني
كما أكد على الأهمية البالغة لحماية المدنيين في مناطق النزاع وضمان الوصول الإنساني غير المقيّد، مشيراً بشكل خاص إلى الوضع في غزة. وقال: «ندين بشدة الانتهاكات المتواصلة التي ترتكبها إسرائيل، ونجدد التأكيد على ضرورة دعم الجهود اللازمة للمساعي المبذولة لتخفيف المعاناة الإنسانية في غزة، وضمان تدفق المساعدات فوراً وبأمان ودون عوائق وعلى نطاق واسع ومستدام عبر كافة الطرق الممكنة».
وشارك كذلك في جلسة رفيعة المستوى بعنوان: «إعادة تصوّر النظام الإنساني: نماذج مبتكرة لإنقاذ الأرواح، وتخفيف المعاناة، وتعزيز صمود وسبل عيش الشعوب»، والتي شارك فيها ممثلون عن عدد من المنظمات الدولية الرئيسية، بما في ذلك السيد توم فليتشر، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR)، مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث (UNDRR)، منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، برنامج الأغذية العالمي (WFP)، منظمة الأمم المتحدة للطفولة (UNICEF)، منظمة «نساء من أجل التغيير – جنوب السودان»، والمجلس الدولي للوكالات التطوعية (ICVA).
تطوير آليات تقديم المساعدات
وفي مداخلته، أكد السفير المشرخ على أهمية الابتكار في العمل الإنساني. وقال: «لم يعد الابتكار خياراً، بل أصبح ضرورة»، داعيًا إلى تطوير آليات تقديم المساعدات الإنسانية بما يتماشى مع احتياجات المجتمعات المتضررة. كما شدد على ضرورة وجود «شجاعة سياسية» لدفع عملية الإصلاح وضمان مواءمة النظام الإنساني لمتطلبات الواقع المتغير.
وقد جمع الجزء الإنساني لعام 2025 من المجلس الاقتصادي والاجتماعي قادة عالميين وخبراء إنسانيين ودبلوماسيين لمناقشة التحديات والفرص المتغيرة التي تواجه النظام الإنساني الدولي.
وتركزت النقاشات على محاور رئيسية شملت الابتكار، وبناء القدرة على الصمود، وتعزيز التعاون متعدد الأطراف في ظل الأزمات العالمية المتصاعدة مثل النزاعات المسلحة وتغير المناخ والنزوح القسري.
وجاءت مشاركة دولة الإمارات الفاعلة لتؤكد التزامها المتواصل بدعم نهج إنساني مبتكر وتعاوني وقائم على المبادئ في مواجهة أبرز الأزمات الإنسانية التي يشهدها العالم.