3 آداب لتناول الطعام من القرآن والسنة
تاريخ النشر: 7th, October 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، مفتي الجمهورية السابق، أن الضوابط المأخوذة من القرآن والسنة التي تشكل عناصر مهمة في البناء الحضاري للمجتمع الإسلامي بل والبشري، ونستعرض فيما يلى أهم 3 آداب لتناول الطعام من القرآن والسنة.
1- قوله تعالى: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، فالكم مهم ينظمه رسول الله ﷺ في الحديث الذي يرويه المقدام بن معدي كرب، حيث قال: «ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه، حسب ابن آدم ثلاث أكلات يقمن صلبه، فإن كان لا محالة فثلث طعام، وثلث شراب، وثلث لنفسه» (رواه النسائي والبيهقي في الشعب والحاكم في المستدرك واللفظ له)، ويدرك السلف الصالح هذا المعنى فيقول ابن ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث: «لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام، ولتعطلت المارستانات -أي المصحات- ودكاكين الصيادلة».
2- بل جعل الله سبحانه وتعالى الإطعام طريقاً لتكفير الذنوب واشترط أن يكون من أحسن الطعام وأعلاه، قال تعالى في كفارة اليمين: (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، وأوسط معناها أعلى، كما في قوله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) ، بل لابد أن يكون حلالاً له مذاق وهو من أحسن ما يطعم الإنسان به أهله.
3- وسن لنا رسول الله ﷺ آداب الطعام، وأجملها في التؤدة والتمهل في الأكل، وعدم العجلة والإسراع فيه، فقال لابن عباس رضي الله عنه: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك» (أخرجه البخاري ومسلم) وقال ﷺ: «من أكل طعاماً، فقال الحمد لله الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة، غفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم).
وأشار إلى أنه يجب علينا إذًا أن نرجع إلى الطعام الحلال ونتخير الطعام الطيب ونضبط سلوكنا في تناوله، فنصبح بذلك قادرين على القضاء على الشر في أنفسنا، وعلى الفساد في مجتمعاتنا، وعلى الاختلال في العالم وهذه دعوة قد يراها بعضهم بعيدة عن قضية بناء الحضارة إلا أنها جزء لا يتجزأ منها، فالطعام الطيب جزء من نفسية المسلم الطيب القادرة على بناء حضارة عادلة تستمر وتبقى على نقائها عبر الأجيال.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رسول الله الطعام 3 آداب تناول الطعام القرآن والسنة من القرآن والسنة
إقرأ أيضاً:
بنور الشريعة تهتدي النفوس
سمية بنت سليمان القنوبية
في زمنٍ يكثر فيه الحديث عن التغيير، وينشغل الناس بإعادة ترتيب مظاهر حياتهم، نغفل في كثير من الأحيان عن التغيير الأهم، ذاك الذي يبدأ من الداخل، من أعماق النفس. فالنفس بطبعها مضطربة، متقلبة، تميل مع الأهواء، وتنخدع ببريق المغريات. وإن تُركت دون تهذيب، سارت في دروبٍ يضيق فيها النور وتتسع فيها الظلال.
لكن، حين تشرق النفس بنور الشريعة، حين تُضاء بآيات القرآن، وتهتدي بسنة النبي ﷺ، فإنها تهدأ، وتطمئن، وتعتدل خطاها نحو ما فيه الخير والرضا. فالشريعة ليست قيدًا، بل هي ضوء يسري في زوايا القلب، يعيد ترتيب الداخل، ويهذب الطباع، ويحرر الإنسان من عبودية الهوى.
لقد مررت مؤخرًا بتجربة شعورية لا تُنسى. شعرتُ بثقلٍ غريبٍ منعني من حضور حلقة للقرآن الكريم. كنت قد قررت الذهاب، لكن شيئًا خفيًّا أعادني إلى مكاني. شعور غامض، كأن خطواتي كُبّلت، وكأن البركة قد انسحبت مني بصمت. لم يكن الأمر كسلًا عابرًا، بل كان تنبيهًا داخليًّا: أن الاقتراب من كلام الله يحتاج صفاء قلب، وصدق نية، ويقظة روح.
حينها أدركت أن القرآن عزيز. لا يُقبل عليه قلب غافل، ولا يدخله جسد متثاقل. هو نورٌ لا يُمنح إلا لمن يشتاق إليه بصدق، ويعود إليه بخشوع. هو ليس مجرد كتاب نقرؤه، بل حياة نعيشها، وأمان نلجأ إليه، وطمأنينة تتسلل إلى دواخلنا كلما ارتوينا من معانيه.
وكلما تأملتُ في نفسي، وجدت أنها تعيش بين مدٍّ وجزر، بين لحظات صفاءٍ وأخرى من ضعف. وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن أستسلم للضعف دون مقاومة. لذلك، أصبحت أُدرك أن تهذيب النفس لا يكون إلا بنور الشريعة، فهي التي تضبط السلوك، وتزكّي القلب، وتُذكرني من أكون، ولماذا خُلقت، وإلى أين أمضي.
ومن لطف الله بنا، أن جعل هذا الطريق ممكنًا، بل جميلًا. فحين ألتزم بما أمر به الله، لا أشعر بالقيد، بل أشعر بالارتقاء. حين أبتعد عن الحرام، لا أشعر بالحرمان، بل أشعر بالتحرر. حين أتمسك بصلاتي، حين أتلو كتابه، حين أقتدي بسنة نبيه، أشعر أن الحياة أبسط، وأعمق، وأهدأ.
بل إن الاقتداء بالنبي محمد – صلى الله عليه وسلم – صار لي بوابة عظيمة لهذا التهذيب. أحاول أن أتعلم منه الصبر، وأقتدي بعفوه، وأقلّده في تواضعه. فأعظم ما قيل عنه: "كان خُلُقه القرآن"، وكأن الشريعة تجسدت فيه إنسانًا. وهذا هو التحدي الأكبر: أن نعيش الشريعة لا أن نحفظها فقط، أن نكون قرآنًا يُرى لا قرآنًا يُسمع فقط.
وأثناء هذا الطريق، كلما حاولت إصلاح نفسي، شعرت براحة لا توصف. شعور بالرضا عن ذاتي، وكأنني أعود إلى فطرتي الأولى، إلى أصل النقاء الذي خلقني الله عليه. حتى معاملاتي تغيرت، أصبحت أختار الكلمة الطيبة، وأتمسك بالصبر، وأحرص على العطاء، مهما كان بسيطًا.
نعم، التهذيب ليس سهلًا، لكن النتيجة تستحق كل العناء. أعلم أنني قد أضعف، وقد أتراجع، وقد أتأخر عن المجالس النورانية، لكن ما دمت أعود بصدق، ما دمت أستلهم النور من الوحي، فإنني لن أضل الطريق.
إذن، لنسأل أنفسنا: كم مرة تأملنا في آيات الله وكأنها تُخاطبنا؟ كم مرة شعرنا أننا أقرب إليه بعد دمعة خشوع، أو سجدة صادقة؟ كم مرة راجعنا ذواتنا لا لنجلدها، بل لنعيد بناءها من جديد؟
إننا لا نحتاج إلى تغييرات شكلية بقدر ما نحتاج إلى ثورة داخلية، تبدأ بتزكية النفس، والعودة إلى النبع الأول، إلى نور الشريعة. فحين نتهذب من الداخل، يتهذب كل شيء حولنا؛ وتصبح الحياة، برغم مشقتها، أجمل وأسهل، لأن النور في القلب لا يُخبو، ما دام منبعه من الله.
فليكن لنا من كل يوم لحظة صدق، نراجع فيها أنفسنا، ونزيل عنها غبار الغفلة. ولنُدرك أن أجمل ما يمكن أن نهديه لأنفسنا، هو أن نُعيدها إلى ربها، بنورٍ من شريعته، وبرٍّ من رحمته، وخُلقٍ من نبيه عليه الصلاة والسلام.