البحوث الإسلامية: مفهوم السِّلم بالمنظور التشريعي الإلهي لم ينسلخ عن مطالبات الفطرة الإنسانيَّة
تاريخ النشر: 16th, October 2024 GMT
قال الدكتور محمد الجندي، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن مفهوم السِّلم في المنظور التشريعي الإلهي لم ينسلخ عن مطالبات الفطرة الإنسانيَّة، ولم يصطدم بالحقائق الحيويَّة للكينونة الإنسانيَّة، بل خاطب الإسلام الوجود كلَّه بالسِّلم والسَّلام بمنهج يتناغم مع طبيعة الحياة فيه، وساق البشريَّة كلَّها إلى حياة الإلف والإخاء، وأنقذها من عناء التدابير الفكرية المنزلقة إلى نظام حياة الغابة وإراقة الدماء والغَصْب والسَّلْب.
وأضاف الجندي، خلال كلمته التي ألقاها اليوم في ندوة مجلة الأزهر (فقه الأخلاق في السِّلم والحرب) التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية واستضافتها كليَّة الدراسات الإسلاميَّة والعربية للبنات بالقاهرة، أنَّ الحرب حربان: حرب باردة تعمل من طرف المغرضين، ومنها حملات التشويه المسببة؛ كالتطرف، والشُّبُهات المثارة حول الثوابت، وحملات الاستقطاب للإرهاب المنظَّم لهدم الهُويَّة وزلزلة الاستقرار، وهذا النوع يأتي من طرف العدو فقط، والإسلام فقط يصحِّح المفاهيم، والنوع الثاني: الحرب الحامية، وقد حمي وطيسها، وهي حرب البغي والدمار والهدم والتجريف والاحتلال والتهجير والتشريد والتجويع، وهي أيضًا من طرف واحد.
وأوضح الأمين العام أنَّ “مشهد الحروب المنفلتة في عالمنا اليوم، وما تلحقه من أضرار على البشريَّة، يُعدُّ قفزةً جامحةً في الخروج عن حدود الإنسانية التي رسم الإسلام خطوطها، وأننا نلحظ أنَّ الإسلام دين القِيَم في كلِّ أحواله وأحيانه، في سِلمه وحربه وضع قانونًا للحرب نموذجًا فريدًا ومميّزًا ورائعًا وراقيًا في تشريعه وآثاره، ومِن قِيَم أخلاق السلام والحرب”.
وأشار إلى أنَّ مِن أخلاق السِّلم حتى في الحرب: ألَّا يُعتدَى على غير المحارب؛ قال الله تعالى: ﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ قال الشوكاني: «وقال بعض العلماء: إنَّ المراد بقوله: ﴿الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ﴾ ما عدا النساء والصبيان والرهبان ونحوهم»، وكذا ألَّا يُجهز على المحارب الجريح، ولا يمثَّل به أو يُهدم منزله أو تُسرق أعضاؤه، فمن قِيَم الإسلام في الحرب عدم التعرُّض للمدنيين غير المشاركين في الحرب؛ ففي الحديث الشريف عَنْ حُصَيْنٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «أَلَا لَا يُقْتَلُ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجْهَزُ عَلَى جَرِيحٍ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ».
وتابع: "نهى النبي ﷺ عن الضعفاء الذين لا سهم لهم في الحرب، بل غضب ﷺ وحزن لمَّا وُجِدَت امرأة مقتولة؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: «أَنَّ امْرَأَةً وُجِدَتْ فِي بَعْضِ مَغَازِي النَّبِيِّ ﷺ مَقْتُولَةً، فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ»، وأوصى النبي ﷺ بوصيَّة في أسلوب الحرب لو أُقيمت لتنعَّم الإنسان وعاش حياة الاستخلاف كاملة في كرامة وبناء، وعن أنس بن مالك، أن رسول الله ﷺ قال: «انطلِقُوا باسم الله، وبالله، وعلى مِلَّةِ رسول الله، ولا تقتُلوا شيخًا فانيًا، ولا طفلًا، ولا صغيرًا، ولا امرأةً، ولا تَغُلُّوا، وضُمُّوا غنائمَكم، وأصلِحُوا (وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)».
واستطرد الجندي أن من هذه الأخلاق أيضًا: حسن المعاملة في الحرب، والرحمة بالنساء والأطفال والشيوخ، والتسامح مع المغلوبين، فهذه قيمة من قِيَم الإسلام، والسلم هو الأصل في الإسلام، والحرب إنما شُرّعت لأسباب وأهداف محددة، لكنها بقيود وبقانون مضبوطة بالأخلاق، ويدلُّ عل أخلاق الحرب في الإسلام وصيَّة سيدنا أبي بكر -رضي الله عنه- ليزيد بن أبي سفيان لمَّا بعثه إلى الشَّام، ومنها: «وإنَّكم ستجِدون أقوامًا قد حبسوا أنفُسَهم في هذه الصَّوامع، فاتْركوهم وما حَبسوا له أنفُسَهم، وَلَا تَقْتُلُوا كَبِيرًا هَرِمًا وَلَا امْرَأَةً وَلَا وَلِيدًا، وَلَا تُخَرِّبُوا عُمْرَانًا، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَعْقِرُنَّ بَهِيمَةً إِلَّا لِنَفْعٍ، وَلَا تَحْرِقُنَّ نَحْلًا وَلَا تُغْرِقُنَّهُ».
كما أشار الأمين إلى أنَّ من أخلاق السلم في الحرب احترام دور العبادة، فقد أَوْلَتْ الشريعة الإسلامية دُور العبادة احترامًا كبيرًا واهتمامًا بالغًا، فحرَّم الإسلام التعرّض لدُور عبادة غير المسلمين في السلم أو الحرب، ولا يعرف في التاريخ الإسلامي أنَّ مسلمًا هدم دار عبادة أو اعتدى على أهلها، بل على العكس من ذلك فقد أعطى الفاروق عمر لأهل فلسطين من غير المسلمين أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولدُور عبادتهم، وسقيمهم وبريئهم؛ أنه لا تسكن دُور عبادتهم، ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا يكرهون على دِينهم، ولا يضار أحد منهم، مبينًا أن استهداف المساجد ودور العبادة يعدُّ في نظر الشريعة الإسلامية جريمة حرب مخالفة للشرائع كافة، ومخالفة لتعاليم الإسلام السمحة، وأننا نعيش أجواء الجرائم الصهيونية على أهل غزة، التي دمّرت أكثر منازلها، وقتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والكهول، فهذا يستدعي المحاكمة العادلة والعاجلة للصهاينة ومَن دعمهم، والتاريخ سيحكم عليهم كذلك، والمخاصمة بين يدي الله تعالى.
وشدَّد فضيلته في ختام كلمته على أن الإسلام نهى عن قطع الطرق وتضييقها؛ ففي الحديث: «مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلًا أَوْ قَطَعَ طَرِيقًا فَلَا جِهَادَ لَه»، وأن من أخلاق السلم حتى في الحرب: السلم مع الأسرى؛ فقد ورد كذلك إكرام الأسير والله تعالى يقول: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)، بل أمر الرسول ﷺ أصحابه يوم (بدر) أن يُكرموا الأُسَارى، فكانوا يُقَدِّمُونهم على أنفسهم عند الطعام.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: البحوث الإسلامية مجمع البحوث الاسلامية مجلة الأزهر الدكتور محمد الجندي م الإسلام فی الحرب
إقرأ أيضاً:
دعاء يوم عرفة مكتوب كامل – نص الدعاء وأهميته في الإسلام
دعاء يوم عرفة مكتوب كامل ، حيث يُعد يوم عرفة من أعظم أيام السنة، وهو اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، حيث يقف فيه الحجاج على جبل عرفات. ويمثّل هذا اليوم مناسبة عظيمة للدعاء والاستغفار والتقرب إلى الله، سواء للحاج أو غير الحاج. وقد ورد عن النبي ﷺ وأهل بيته الطاهرين أدعية خاصة بهذا اليوم المبارك، منها دعاء يوم عرفة المعروف بطوله وعمقه الروحي.
في هذا المقال، نقدم لكم دعاء يوم عرفة مكتوب كامل ، كما ورد في المصادر، مع شرح لأهميته وفضله في الإسلام، لا سيما عند المسلمين من أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام.
أهمية يوم عرفة في الإسلاميوم عرفة هو اليوم الذي يُغفر فيه الذنب، وتُستجاب فيه الدعوات، وتتنزل فيه الرحمات. قال النبي محمد ﷺ:"خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير."(رواه الترمذي)
ويُستحب للمسلمين في هذا اليوم أن يكثروا من:
التهليل والتكبير.
التوبة والاستغفار.
الدعاء لأنفسهم وللمؤمنين.
دعاء يوم عرفة مكتوب كامل (عن الإمام الحسين عليه السلام)من أشهر أدعية يوم عرفة عند الشيعة هو الدعاء الذي أنشأه الإمام الحسين بن علي عليه السلام، وهو من أروع الأدعية في التراث الإسلامي، يتميز بجزالة ألفاظه وعمق معانيه وتنوع مضامينه بين التوحيد، الشكر، المناجاة، والتوسل.
نص دعاء يوم عرفة مكتوب كاملبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصنعه صُنعُ صانع، وهو الجواد الواسع، فطر أجناس البدائع، وأتقن بحكمته الصنائع.
يا من أظهر الجميل، وستر القبيح، يا من لا يؤاخذ بالجريرة، ولا يهتك الستر، يا عظيم العفو، يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة، يا صاحب كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، يا كريم الصفح، يا عظيم المن، يا مبتدئ بالنعم قبل استحقاقها.
(الدعاء طويل جداً ويتضمن أقساماً متنوعة تشمل التوحيد، الشكر، الإقرار بالنعم، الاعتراف بالذنوب، والتوسل).
فضل دعاء يوم عرفة1. مغفرة الذنوب
ورد عن الإمام الصادق عليه السلام:"من لم يُغفر له في يوم عرفة، فمتى يُغفر له؟"
2. فتح أبواب الرحمة
يُستحب الإكثار من الدعاء والمناجاة في هذا اليوم، لما فيه من تجلٍّ للرحمة الإلهية واستجابة الدعاء، خصوصًا عند قراءة دعاء الإمام الحسين عليه السلام.
3. نيل رضا الله
دعاء عرفة يُعدّ من وسائل السمو الروحي والارتقاء الإيماني، حيث يتأمل الإنسان في نعم الله ويعترف بتقصيره، مما يزيد من تواضعه وخضوعه.
كيفية قراءة دعاء يوم عرفةالوقت المستحب: بعد الزوال (أي بعد صلاة الظهر) من يوم عرفة.
المكان:ىيستحب أن يُقرأ في المساجد أو أماكن العبادة، أو في البيت بخشوع.
الحال: يُفضل أن يكون القارئ على طهارة، متوجهًا إلى القبلة، حاضر القلب.
إن دعاء يوم عرفة مكتوب كامل ، ليس مجرد كلمات تُقرأ، بل هو مدرسة روحية متكاملة تعيد الإنسان إلى فطرته وتربطه بخالقه. اغتنم هذا اليوم العظيم، واقرأ الدعاء بقلب حاضر وخاشع، واطلب من الله العفو والمغفرة، فإنّه أرحم الراحمين.
المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من منوعات 2023 فضل صيام يوم عرفة عند الشيعة 1446 بالفيديو والصور: ما هي ديانة سميحة أيوب ؟ – سبب وفاة سميحة أيوب بالفيديو: دعاء لأولادي يوم عرفة 2025 الأكثر قراءة مفاوضات غزة - كشف تفاصيل مقترح ويتكوف الجديد أوتشا: قطاع غزة أكثر الأماكن جوعا على وجه الأرض ساعات عمل معبر الكرامة الأحد المقبل الرئاسة الفلسطينية تعقب على قرار الرئيس التشيلي عاجلجميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025