استلهم باحثون من جامعة تافتس الأميركية تقنية إطلاق الشِبَاك من شخصية "الرجل العنكبوت" الشهيرة، حيث ابتكروا آلية جديدة تسمح بإطلاق خيط من الحرير السائل يتحول على الفور إلى ألياف قوية تلتصق بالأشياء وترفعها.

ونشر الباحثون دراستهم لتوثيق التقنية الجديدة في دورية "أدفانسيد فنكشنال ماتريالز" والتي تعد الأولى من نوعها التي تجمع بين العلم والخيال العلمي، وتفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات مستقبلية في مجالات متعددة.

الباحثون: تقنية جديدة تسمح بإطلاق خيط من الحرير السائل يتحول فورا لألياف قوية تلتصق بالأشياء وترفعها (لو بريستي)

وفي مختبرهم "سلك لاب" بجامعة تافتس، استُخدم الباحثون حرير دودة القز لتطوير هذه الألياف عبر غلي الشرانق في محلول لتفكيك وتحليل البروتين الأساسي المعروف باسم "الفيبرون". وبعد إضافة بعض المواد الكيميائية، يُمكن إطلاق محلول الحرير عبر إبرة دقيقة حيث يتصلب المحلول فور تعرضه للهواء ليُشكل خيطًا قويًا يمكنه الالتصاق بالأجسام ورفعها.

ويقول ماركو لو بريستي أستاذ مساعد في قسم الهندسة الطبية الحيوية جامعة تافتس، والباحث الرئيسي بالدراسة، في تصريحات للجزيرة نت "يركز عملي البحثي هنا في أميركا على ابتكار المواد، مع التركيز بشكل خاص على تطوير المواد اللاصقة من مصادر بيولوجية للتطبيقات تحت الماء. وجاء اكتشاف الظروف التي تسمح بالانتقال السريع من محلول الحرير إلى الألياف محض صدفة. ومن هنا، هدفنا إلى تطويره ليصبح أول مثال على مادة لاصقة تُطلق عن بعد."

الطبيعة أم الأبطال الخارقون

تمثل الطبيعة دائمًا مصدر إلهام رئيسي لهذا النوع من الأبحاث، فالكائنات الحية مثل العناكب والنمل والنحل والفراشات تقوم بعملية مشابهة من إنتاج الحرير لأغراض مختلفة، مثل بناء الشرانق أو شبكات الصيد. ومع ذلك، تجاوز سعى باحثو جامعة تافتس استلهام الفكرة من القصص المصورة والأبطال الخارقين.

ويقول لو بريستي "في الواقع، مفهوم المادة اللاصقة عن بعد شيء غير موجود في الطبيعة، فالعناكب لا تطلق شباكها، لكنها من سمات الأبطال الخارقين. وكان الجهد المبذول لابتكار مادة مستوحاة من الأبطال الخارقين مثيرًا وملهمًا، ليس فقط بالنسبة لي ولكن أيضًا للطلاب الذين انضموا إلى المختبر أثناء تطويره".

والتحدي الأكبر الذي واجه الباحثين كان بمحاكاة طريقة العناكب في تشكيل الخيوط والتحكم في خصائصها، مثل المرونة والصلابة. ويقول لو بريستي "في عملنا، استخدمنا حرير دودة القز لإنشاء مخدر اصطناعي قادر على الخضوع لانتقال السول-جل وإظهار خصائص لاصقة. وتختلف هذه العملية بشكل كبير عن عملية الغزل الطبيعية".

و"السول-جل" عملية تستخدم عادة في الكيمياء والمجالات المرتبطة بالمواد، حيث يبدأ المزيج في حالة "سول" السائلة التي تحتوي على جسيمات معلقة، ثم يتحول تدريجيًا إلى حالة "جل" وهي شبكة صلبة ثلاثية الأبعاد. ويوضح لو بريستي أن العناكب تسيطر بشكل دقيق على عملية تشكيل الألياف، في حين أن محاكاة هذه العملية بالمختبر احتاجت إلى تنسيق دقيق للغاية بين التفاعلات الكيميائية.

تلك الخيوط يمكنها رفع بعض الأشياء بسهولة (لو بريستي) المزامنة سر "الرجل العنكبوت"

يقول لو بريستي "كان التحدي الرئيسي هو مزامنة توقيت تحول السول-جل. كما هو الحال في الالتقاط عن بعد، يجب أن يبلل المحلول سطح الهدف بينما لا يزال في حالته السائلة ثم يتصلب بسرعة كبيرة". وللتغلب على هذه المشكلة، استخدم الباحثون نهجًا كيميائيًا وهندسيًا لتمكين الألياف من التصلب بسرعة.

ومن أجل تحسين خصائص الألياف، أضاف الباحثون مواد كيميائية مثل الدوبامين والكيتوزان والبورات. و"يلعب الدوبامين دورًا حاسمًا في زيادة تجفيف بروتينات الحرير، مما يسمح للألياف بالتشكل في أقل من ثانية. كما يعزز الكيتوزان من التماسك الداخلي للألياف، مما يجعلها أكثر صلابة، في حين أن البورات تجعل الألياف أكثر مرونة والتصاقًا" بحسب تصريح لو بريستي.

ويضيف لو بريستي "هناك العديد من الدراسات التي تركز على غزل الألياف من مصادر طبيعية وإنشاء المواد اللاصقة. لكن دراستنا تثبت أن الأداء أضعف عمومًا مقارنة بمعظم الألياف الاصطناعية أو المواد اللاصقة المستوحاة من المواد البيولوجية".

ورغم أن الألياف الاصطناعية لا تزال أقل قوة من الطبيعية التي تنتجها العناكب، إلا أن هذه التقنية تمثل خطوة هامة نحو تحقيق هذا الهدف. ويمكن استخدامها بمجالات الطب الحيوي، مثل المواد اللاصقة القابلة للتحلل، أو حتى في الصناعات التي تتطلب استخدام ألياف قوية ومرنة.

وتجسد هذه الدراسة تزاوجًا فريدًا بين الخيال العلمي والواقع العلمي، حيث يؤكد الباحثون أن الإلهام يمكن أن يأتي من الطبيعة أو حتى من القصص المصورة. ويختتم لو بريستي "نأمل أن يلهم هذا البحث أيضًا الأبطال الخارقين الطموحين من الشباب لملاحقة أحلامهم من خلال الدراسة والشغف".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الأبطال الخارقین المواد اللاصقة

إقرأ أيضاً:

صحيفة روسية: هذا الرجل يتقلب في قبره بسبب ترامب

ذكرت صحيفة نيزافيسيمايا الروسية أن القرارات التي اتخذها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ توليه السلطة غيرت كثيرا من المعادلات الدولية، ومن أهم تداعيات ذلك أن كثيرين باتوا يرون أن الصين أصبحت أقل تهديدا من الولايات المتحدة، كما أن مفاتيح القوة الناعمة التي لطالما كانت نقطة قوة الولايات المتحدة، بدأت تنتقل نحو قوى دولية أخرى.

ونقل الكاتب يفغيني فيرلين، في تقريره عن المحلل الصيني هوانغ مينغ تشونغ قوله في صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصادرة في هونغ كونغ، أن مفهوم القوة الناعمة في السياسة الدولية الذي نحته الأكاديمي الأميركي جوزيف ناي -الذي رحل مؤخرا- اعتبر لفترة طويلة بمثابة درة تاج النفوذ الأميركي عالميا، وبالمقابل نقطة ضعف واضحة بالنسبة للصين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2باحث أميركي: الهيمنة على العالم مستقبلا لبكين ولا عزاء لواشنطنlist 2 of 2الصين لا ترفع الصوت.. بل تُغير قواعد اللعبةend of list

ويوضح فيرلين أن الإجراءات التي اتخذها ترامب أدت إلى تقويض القوة الناعمة الأميركية، وبينها الهجمات المتتالية على الحريات الأكاديمية، ووقف إصدار تأشيرات للطلاب، وهو ما تسبب في إضعاف جاذبية نظام التعليم الأميركي الذي يعد أحد أسس القوة الناعمة الأميركية.

هجرة الأدمغة

وذلك إلى جانب خفض حجم المنح الفدرالية للبحوث العلمية، وهو ما يمثل تهديدا مباشرا للريادة التكنولوجية التي تمتعت بها الولايات المتحدة لعقود طويلة.

إعلان

ويستشهد الكاتب في هذا السياق بنتائج استطلاع حديث للرأي أجرته مجلة "نيتشر" المرموقة بين أوساط العلماء في الولايات المتحدة، والذي كشف عن حقيقة وصفها بالمقلقة، تتمثل في أن 75% من المشاركين في الاستطلاع يفكرون جديا في الانتقال إلى مكان إقامة جديد خارج الولايات المتحدة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تحيط بتمويل الأبحاث.

جوزيف ناي (وسط) صاغ مصطلح "القوة الناعمة" وشغل عدة مناصب في الحكومات الأميركية (الفرنسية)

ويرى فيرلين أن هجرة الأدمغة المحتملة هذه، إن تحققت، من شأنها أن تضعف بشكل خطير قدرة الولايات المتحدة على جذب الكفاءات والمواهب والاحتفاظ بها ضمن حدودها.

كما تحدث الكاتب عن تخلي ترامب عن التأثير الإعلامي والإنساني عالميا عبر إيقاف تمويل إذاعة "صوت أميركا" والشبكات الإعلامية الأخرى التابعة لها، كما قام بحل الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وذكر فيرلين أنه سبق والتقى قبل 20 عاما مع جوزيف ناي الذي قال له وقتها إن الديمقراطيات الليبرالية عادة ما تكتسب نقاطا عند الحديث عن الجاذبية الوطنية الشاملة، وذلك لأنه ينظر إليها على أنها أكثر شرعية ومصداقية مقارنة بمنافسيها من الأنظمة "غير الديمقراطية".

وعبّر ناي عن استغرابه من وجود أنصار ومتبنين لمفهوم القوة الناعمة الذي نحته في دولة شيوعية مثل الصين، وقال إنه لم يكن يتخيل ذلك أبدا.

وبحسب الكاتب فيرلين، فإن الصورة لا تبدو بهذه السوداوية، إذ لا تزال هناك مؤسسات حيوية مثل الجامعات العريقة، وصناعة السينما في هوليود، وشركات تكنولوجيا المعلومات العملاقة، بالإضافة إلى الجاليات الأميركية المنتشرة في الخارج، والتي تواصل جميعها نقل القيم الغربية إلى العالم بأشكال وصور متعددة.

وكانت القاضية الفدرالية الأميركية أليسون بوروز في ولاية ماساتشوستس -حيث يقع مقر جامعة هارفارد– قد أعلنت قبل أيام أنها ستعلق مؤقتا قرار إدارة الرئيس دونالد ترامب منع جامعة هارفارد من استقبال طلاب أجانب.

وسعى الرئيس الأميركي إلى منع هارفارد من استقبال طلاب أجانب، وفسخ عقودها مع الحكومة الفدرالية، وخفض المساعدات الممنوحة لها ببضعة مليارات الدولارات، وإعادة النظر في وضعها كمؤسسة معفاة من الضرائب.

إعلان

وأعلنت جامعات في أنحاء العالم قبولها توفير ملاذ للطلاب المتضررين من حملة ترامب على المؤسسات الأكاديمية، إذ تهدف إلى استقطاب المواهب الكبرى وحصة من إيرادات أكاديمية بمليارات الدولارات تحصل عليها الولايات المتحدة.

ومن بينها جامعة شيآن جياوتونغ الصينية التي وجهت دعوة لطلاب جامعة هارفارد الأميركية المتضررين من حملة ترامب، ووعدتهم بقبول سلس ودعم شامل.

كما أعلنت أوساكا، وهي واحدة من أعلى الجامعات تصنيفا في اليابان، أنها مستعدة لتقديم إعفاءات من رسوم الدراسة ومنحا بحثية والمساعدة في ترتيبات السفر للطلاب والباحثين في المؤسسات الأميركية الذين يرغبون في الانتقال إليها.

وتدرس جامعتا كيوتو وطوكيو اليابانيتان أيضا تقديم برامج مماثلة، في حين وجهت هونغ كونغ جامعاتها لاستقطاب أفضل الكفاءات من الولايات المتحدة.

ويبقى السؤال المحوري المطروح، بحسب الكاتب فيرلين، هو ما إذا كان الغرب -في ظل حالة الاستقطاب الداخلي والانقسام المجتمعي التي يعيشها- قادرا على تنسيق هذه الموارد وتوحيد جهودها بفعالية لمنافسة النماذج السلطوية الصاعدة.

وأشار إلى أن جوزيف ناي ربما "تقلب مرارا وتكرارا في قبره" بسبب ما آلت إليه الأمور وما لحق بمفهومه "القوة الناعمة" من تشويه وتجاهل، خاصة أن جثمانه قد ووري في ثرى مدينة كامبريدج، على مقربة من جامعته الأم التي أحبها وأخلص لها، جامعة هارفارد العريقة.

مقالات مشابهة

  • «حاول التقاط سيلفي معه».. نمر ضخم ينقض على سائح «فيديو»
  • صحيفة روسية: هذا الرجل يتقلب في قبره بسبب ترامب
  • خطأ شائع تسبب فى بتر رجل شاب رياضي | ليس السكرى أو الحوادث
  • تأثير الفريسة.. لماذا بعض العناكب أكثر سمّية من غيرها؟
  • جيوش العالم تزيد التسلح وتراكم انبعاثات الكربون
  • فيديو: نمر يهاجم سائحا حاول التقاط صورة "سيلفي" معه
  • 5 مكونات غذائية يومية قد تبطئ الشيخوخة البيولوجية
  • مستقبل وطن: توطين صناعة الحرير خطوة استراتيجية تعزز الاقتصاد المحلي
  • رئيس الوزراء يتابع جهود توطين صناعة الحرير في مصر
  • أول استخدام للنباتات ذات التأثير النفسي في العالم