بقلم – وديع العبسي
لم يكن نتنياهو في منزله لحظة زيارة مسيّرة حزب الله له، كان ضمن المستوطنين النازحين من منازلهم، إلى حيث يمكن أن يأمن فيه على حياته من مباغتة أسلحة المقاومة الفلسطينية ومحور المقاومة.
ولم يعد بمقدور نتنياهو المكوث في مكان واحد لأكثر من أربع وعشرين ساعة، وذات الحال بالنسبة لباقي وزرائه المتطرفين، فقد بات الاستهداف يحاصرهم من كل اتجاه، على الأقل هذا ما صار راسخاً في أذهانهم هُم، بدليل محاولات التمويه المستكره لمواقعهم، وهو ما يكشف ليس فقط عن حالة الوهن التي هُم عليها خلال ما يسمونها بمعركة أو حرب القيامة، وإنما عن القناعة الراسخة بأن سلاح المقاومة صار بمقدوره الوصول إليهم.
العجيب في الأمر أن نزوح قاد الصهاينة من منازلهم يحدث رغم تحقيقهم ما يحسبوه إنجازات باغتيال قادة المقاومة، وبعد يوم من اغتيال القائد يحي السنوار، مع ذلك فإنهم لا يفقهون الرسائل، يبدو الأمر أكبر من قدرتهم على فهم وتحليل ما يجري، بأن معركة جبهات المقاومة واحدة، وان مقتل قائد وهب نفسه أصلاً لله وللوطن ويتوقع الاستشهاد في أي لحظة، لا يعني تراجع المقاومة أو انكفاءها غلى ذاتها، أو انهيار معنويات أبطالها، أما على صعيد المقاومة في فلسطين فإن التعليق على استهداف البطل السنوار الذي أرعب وأرهق الصهاينة طويلا، جاءت بصورة عملية، استمرت خلالها بعمليات استهداف المجندين الصهاينة.
إن دلالات عملية قصف منزل النتنياهو ليست بالأمر الذي يمكن تجاوزه بحيث يمكن للبعض أن يخوضوا تشكيكا في الجدوى منها، فهي بذاتها تشير إلى حقائق لم يكن يتوقعها العدو، إذ أنها تكرّس المعادلة التي باتت تضع الكيان الصهيوني في الحجم الطبيعي له، وتؤكد على هذا البروز الاستثنائي للقوى الحرة رغم ما تعانيه من حصار، ورغم الاستهداف الذي يضعها فيه المجتمع الغربي المنافق، كما ورغم خذلان الأنظمة العربية التي اصطفت إلى جانب المناهضين لمبدأ المقاومة.
مسيّرة حزب الله كشفت عن العجز الاستخباري الذي يدّعي الكيان تفوقه فيه، وهو يعلم أن ما ينجزه اعتماداً على المعلومات الاستخبارية إنما مرجعه الكيان الأمريكي ليس إلا، ومسيّرة حزب الله كشفت كذلك عن قدرة خالصة بجهد المقاومة في الوصول إلى رأس العدو، فضلاً عن أن العملية رسخت التأكيد بأنه لا حامي للعدو، وأن أنظمته الدفاعية ليست أكثر من وهم يتم به تحقين المستوطنين بمخدر الثبات وامتلاك زمام المبادرة، والسيطرة على مجريات الحرب.
الحقيقة التي من المهم ألا يغفل عنها نتنياهو وباقي قادة الكيان وحتى مجتمع المستوطنين، أن مسألة استهداف أحد الرؤوس الكبيرة منهم لم يعد بالشيء الإعجازي ولربما في لحظة يأتي خبر في هذا السياق، ساعتها قد ينتفض كبرياء العدو وحتى أمريكا، إنما ما هو الرد الذي سيتعاملون به مع منفذ العملية وهم أصلاً يمارسون أبشع الجرائم منذ عام؟! بل ومنذ عقود؟!
أما عودة الكيان الصهيوني للحديث عن إعادة تخطيط الشرق الأوسط الجديد، أو تداول ما يزعم بأنه خيارات جميعها متاحة له، بشأن معالجة مشكلة شمال الكيان، فإنه ليس أكثر من دسّ الرأس في التراب، هرباً من الاعتراف بالحقيقة خشية على معنويات المستوطنين، وهرباً من التسليم بما يخشونه وهو الذهاب إلى العد التنازلي لوجود الكيان في المنطقة.
ودعماً لرؤيته العقيمة، يفر إلى حشد نفر من مجنديه في الجولان المحتل والإيعاز لإعلامه عن توجه بالدخول إلى دمشق السورية.
لا شك أن مجرد الخوض في مثل هذا المذهب إنما يؤكد على السذاجة التي يتعامل بها نتنياهو مع العالم، إذ من الغباء حتى التعاطي مع هذا الأمر ولو من باب العمل الدعائي لهزيمة نفسية العرب والمسلمين، لأنه لا يستقيم مع الواقع وهو النازح أصلا من منزله.
المصدر: يمانيون
إقرأ أيضاً:
استطلاع.. 61% من المستوطنين يتوقعون مهاجمتهم إذا سافروا لأوروبا
كشفت صحيفة معاريف الإسرائيلية، في استطلاع رأي جديد، عن مؤشرات قالت إنها مثيرة للقلق، بشأن تراجع الثقة الشعبية بحكومة الاحتلال، وتصاعد المخاوف من تداعيات الحرب على غزة على صورة إسرائيل في الخارج، لا سيما في القارة الأوروبية.
ووفق نتائج الاستطلاع، أقرّ 61 بالمئة من المستوطنين، بأنهم يخشون التعرض لاعتداءات إذا سافروا إلى أوروبا، في انعكاس مباشر لما وصفه مراقبون بـ"الانهيار المتسارع لصورة إسرائيل عالميًا"، وسط تزايد الانتقادات الدولية لحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عشرين شهر.
وفي ما يتعلق بالرأي العام الإسرائيلي تجاه الوضع الإنساني في غزة، أظهر الاستطلاع أن 47 بالمئة من المشاركين يعتقدون أن الحديث عن مجاعة في القطاع هو "دعاية من تنظيم حماس"، بينما أقرّ 41% بوجود أزمة إنسانية فعلية، إلا أن 18% من هؤلاء أبدوا لامبالاة واضحة، مؤكدين أنهم غير معنيين بها، فيما قال 12% إنهم غير متأكدين من وجود أزمة أصلًا.
تأتي هذه الآراء في وقت تتكثف فيه الضغوط الدولية على الاحتلال لفتح المجال أمام تدفق المساعدات الإنسانية. فقد أكد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) أن الظروف الحالية لإيصال الإغاثة إلى غزة "بعيدة تمامًا عن تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات الماسة".
حذّرت الأمم المتحدة من تفاقم المجاعة في قطاع غزة، مؤكدة أن الطرق التي يُفترض أن تكون آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية ليست آمنة في الواقع.
وبينما تواصل تل أبيب الإعلان عن "هدن تكتيكية" في مناطق محددة، ترى المنظمات الإنسانية أن الواقع يقترب من المجاعة الجماعية، وسط غياب أي التزامات فعلية لضمان حماية المدنيين أو إيصال المساعدات بشكل مستدام.
تحذيرات أوروبية
وفي موقف لافت من دولة تُعد من أقرب الحلفاء التقليديين للاحتلال الإسرائيلي، حذّر وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول من أن "الكارثة الإنسانية في غزة باتت تفوق التصوّر"، مشددا على أن الاحتلال "ملزمة قانونيا وأخلاقيا" بإيصال مساعدات كافية بشكل عاجل وآمن لتجنب وفاة المدنيين بسبب المجاعة.
وأشار الوزير الألماني إلى أن عددا متزايدا من الدول الأوروبية بات يقترب من الاعتراف بدولة فلسطينية دون الحاجة لمفاوضات مسبقة، في إشارة واضحة إلى تآكل مكانة إسرائيل الدبلوماسية، وتحولها المتسارع إلى ما وصفه فاديفول بـ"أقلية معزولة دوليا".
كما سلّط الاستطلاع ذاته الضوء أيضا على التدهور الحاد في شعبية رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم. فبحسب الأرقام، سيحصل معسكر نتنياهو على 49 مقعدًا فقط في الكنيست، مقابل 61 مقعدًا للمعارضة، ما يعني أن الأخيرة باتت قادرة نظريا على تشكيل حكومة بديلة في حال أجريت انتخابات جديدة.
ورغم عدم وجود انتخابات وشيكة في الأفق، نتيجة تمسك نتنياهو بالبقاء في السلطة خلال فترة الحرب، فإن نتائج الاستطلاع تعكس حالة مزاجية داخلية متأزمة، يغذيها فشل الحكومة في تحقيق الأهداف المعلنة من الحرب، والخسائر الاقتصادية المتزايدة، واستدعاء أعداد غير مسبوقة من قوات الاحتياط.
دعم دولي يتآكل... ورأي عام غربي ينتفض
في سياق متصل، أظهرت نتائج دراسة حديثة أعدتها مؤسسة YouGov في حزيران/يونيو الماضي، أن التأييد الشعبي للاحتلال الإسرائيلي بلغ أدنى مستوياته منذ عام 2016 في عدد من الدول الأوروبية الغربية الكبرى، على رأسها بريطانيا وألمانيا وفرنسا والدنمارك وإيطاليا وإسبانيا.
ووفق الدراسة، تراجع صافي التأييد للاحتلال إلى -44 في ألمانيا، -48 في فرنسا، و-54 في الدنمارك، بينما بلغ -52 في إيطاليا، و-55 في إسبانيا. وتُظهر هذه الأرقام أن الرأي العام الأوروبي بات يرى بشكل متزايد أن الاحتلال الإسرائيلي "تجاوز الحدود" في عمليتها العسكرية ضد غزة.
وأجريت هذه الدراسة على 8 الاف و625 شخصا بين تشرين الثاني/نوفمبر 2016 وأيار/مايو الماضي٬ ما يمنحها مصداقية عالية وفق مراقبين. وهي تؤكد أن صورة الاحتلال الإسرائيلي تتعرض لتآكل كبير، حتى في أكثر البيئات السياسية دعمًا لها تقليديًا.