يمانيون:
2025-06-04@19:30:16 GMT

الكيانُ الصهيوني صنيعةُ الأمم المتحدة

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

الكيانُ الصهيوني صنيعةُ الأمم المتحدة

يمانيون/ بقلم د عبدالرحمن المختار

ما تُسَمَّى دولةُ “إسرائيل” تُمَثِّلُ النموذَجَ الوَحيدَ والفريدَ بينَ دولِ العالَمِ في العصرِ الحَديثِ التي اختلفت نشأتُها كليًّا عن نشأةِ جميعِ الدول.

في مقالَينِ سابقَينِ أحدهما بعنوان (دولةُ إسرائيل خطيئةُ منظمة الأمم المتحدة) والآخر بعنوان (المنظَّمةُ الدوليةُ حملت سِفاحًا وأنجبت مسخًا سفّاحًا) أوضحت وبشكل مفصل كيفية نشأة كيان الاحتلال الصهيوني، وكيف وظّفت القوى الاستعماريةُ الغربية منظمةَ الأمم المتحدة؛ لإسباغ صفة الدولة على الكيان الوظيفي الصهيوني، الذي خططت هذه القوى لإنشائه، ليمثل قاعدة متقدمة ورأس حربة لها في المنطقة العربية، عقب إقلاعها عن أُسلُـوبها الاستعماري التقليدي القائم على الاحتلال العسكري المباشر، وإخضاع الشعوب بقوة السلاح، وما ترتب على ذلك من أثمان باهظة دفعتها القوى الاستعمارية الغربية، لتتحول هذه القوى بعد تأسيس منظمة الأمم المتحدة سنة 1945م إلى أُسلُـوب استعماري جديد قائم على التواجُد العسكري في المنطقة العربية، وإخضاعِ أنظمتها الحاكمة وشعوبها، بالقوة الناعمة، وبعناوينَ متعددة شرعنتها اتّفاقيات شكلية مع أنظمة الحكم الوظيفية في المنطقة العربية، مع احتفاظ القوى الاستعمارية الغربية بنموذج لأُسلُـوبها الاستعماري التقليدي في هذه المنطقة، تجسد في قاعدتها الاستعمارية المسماة (دولة إسرائيل)، حين استخدمت هذه القوى الكيانَ الدولي (منظمة الأمم المتحدة) الذي أنشأته لمنح مشروعية دولية زائفة لكيانها الوظيفي الصهيوني؛ للتغطية على مشروعها الاستعماري القائم على أُسلُـوبها الجديد، وفي ذات الوقت تمويه أُسلُـوبها الاستعماري القديم الذي جسده الكيان الصهيوني الوظيفي في المنطقة العربية.

وسنتحدث في هذا الموضوع عن تنافس القوى الاستعمارية الغربية على ثروات الشعوب العربية، وبدأت بعض ملامح هذا التنافس تطفو على السطح؛ فبعد أكثر من عام على عملية (طُـوفَان الأقصى) في السابع من أُكتوبر من العام الماضي، وما تلا ذلك من مواقفَ معلَنةٍ للقوى الاستعمارية الغربية مندّدة بعملية (طُـوفَان الأقصى)، ومتوعدة بالانتقام من منفذيها الإرهابيين، حسب وصف من تقاطروا من حكام القوى الاستعمارية الغربية إلى عاصمة كيانها الصهيوني الوظيفي، للتعبير عن مواقفهم، التي كان يمكنهم التعبير عنها من عواصم بلدانهم دون حاجة للحضور إلى عاصمة كيان الاحتلال، لكن حضورهم ارتبط بشدة الألم، الذي تسببت به عملية (طُـوفَان الأقصى) في جسم القوى الاستعمارية الغربية؛ فبادر حكامها بالتقاطر، رؤساء ورؤساء حكومات ووزراء خارجية وممثلين لتكتلاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، الجميع أعلن صراحة العزم على الانتقام، تحت عنوان (دعم حق “إسرائيل” في الدفاع عن النفس)، وهو عنوان زائف، الهدفُ منه تغطيةُ همجيةِ ووحشية وانحطاط القوى الاستعمارية الغربية، ولم يكن هناك من فرق يُذكَر بين مواقف القوى الاستعمارية الغربية في ما يتعلق بالتزامها بأمن “إسرائيل”، وحقها في الدفاع عن النفس والتزام هذه القوى بتزويد كيانها الصهيوني الوظيفي بكافة أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية، التي تكفل تفوقه وانتصاره على الإرهابيين في قطاع غزة، حسب وصف تلك القوى الاستعمارية الإجرامية، التي جسدت وعودها ووعيدها بتلك الصورة المفرطة في الإجرام الوحشية والهمجية، عندما اشتركت في اقتراف جريمة إبادة جماعية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة استمرت أفعالها وتتابعت على مدى أكثر من عام، وامتدت لنطاق جغرافي أوسعَ من النطاق الجغرافي لقطاع غزة، وهذه القوى مشتركة في الجريمة بصور وأفعال ومستويات متعددة.

الرئيس الفرنسي يفضحُ المخطّط:

ونتيجة لذلك طفت على السطح بعضُ الاختلافات بين القوى الاستعمارية الشريكة في الجريمة الناتجة عن تنافسها على تقاسم المصالح والنفوذ، وقد ظهرت هذه الاختلافات في صورة مواقفَ محدّدة في بريطانيا وفرنسا، وغيرها من عواصم القوى الاستعمارية الغربية، متعلقة بحظر بعض رُخَصِ السلاح إلى الكيان الصهيوني الوظيفي، وآخر هذه المواقف ما ورد على لسان الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون مخاطبًا نتن ياهو بأن عليه أن يتذكر أن دولة “إسرائيل” أنشأتها الأمم المتحدة، والرئيس الفرنسي بهذا القول يشير إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (181) لسنة 1947م الذي قسم أرض فلسطين إلى قسمين تقام على كُـلّ قسم منهما دولةٌ لليهود ودولة للفلسطينيين، ويجب على نتن ياهو -وفقًا لتذكير مانويل ماكرون- الالتزامُ بالقرارات الدولية!

والحقيقة أن هذا التنبيه من جانب الرئيس الفرنسي لا يمثل صحوة ضمير، ولا نزعة انتصار للإنسانية المهدَرة لأكثرَ من عام في قطاع غزة، بل إن هذا الموقفَ يعبِّرُ عن انزعَـاجٍ فرنسي؛ بسَببِ اختلال توازن معادلة تقاسم مصالح القوى الاستعمارية الغربية، وميل مؤشرها الأعلى لصالح الإدارة الأمريكية، ومن ثَمَّ فاستدعاء الذاكرة الفرنسية لذلك الحدث المشؤوم المتمثل في إعلان الأمم المتحدة إقامَةَ كيان الاحتلال الوظيفي الصهيوني، ليس القصد منه إلا تنبيه الإدارة الأمريكية إلى أهميّة إعادة ضبط معادلة توزيع المكاسب الناتجة عن الاشتراك في جريمة الإبادة الجماعية من جانب جميع القوى الاستعمارية الغربية؛ فليس من العدالة -وَفْقًا لتنبيه الرئيس ماكرون- أن تستحوذَ الإدارةُ الأمريكية بأعلى معدَّلٍ من نسبة تقاسُم المكاسب والمصالح والنفوذ في المنطقة العربية في حين تكون نسبة غيرها من القوى الشريكة في جريمة الإبادة الجماعية متدنية أَو هامشية، وإن كان نتن ياهو قد تولَّى الردَّ على الرئيس الفرنسي بإنكار إنشاء كيانه من جانب الأمم المتحدة، إلا أن الحقيقةَ أن ذلك الردَّ جاء نيابةً عن الإدارة الأمريكية، ويمثِّلُ تحديًا للرئيس الفرنسي ولجمًا لشهيته المفتوحة للمزيد من المكاسب على حساب جهود الإدارة الأمريكية، ونتن ياهو في رده على الرئيس الفرنسي ينفذ ما كلّفته به الإدارة الأمريكية التي اعتادت على إسناد مهامَّ مماثلةٍ إلى الكيان الصهيوني الوظيفي وغيره من الكيانات الوظيفية العربية.

وقد تحدَّثَ الأمينُ العامُّ لحزب الله سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله –رضوان الله عليه- في حوار لقناة “الميادين” عن مؤامرة دولية تستهدفُه شخصيًّا، وتحدث بشكل صريح عن طلب محمد بن سلمان من الإدارة الأمريكية العمل على تصفيته جسديًّا؛ فكلفت الإدارة الأمريكية بهذه المهمة الكيان الوظيفي الصهيوني الإجرامي، لكن هذه الإدارة حذّرت في ذات الوقت، وكما أوضح القائدُ الشهيد سماحة السيد حسن نصر الله -رضوان الله عليه– من أن تنفيذ مثل هذه العملية يمكن أن تكون لها تداعيات إقليمية خطيرة؛ فالتزم محمد بن سلمان بتغطية كافة التكاليف المترتبة على عملية الاغتيال الإجرامية، وهو ما يعني أن الإدارة الأمريكية اعتادت على تكليف الكيانات الوظيفية في المنطقة دون اعتبار لشركائها الآخرين من القوى الاستعمارية الغربية، التي تغض الطرف أحيانًا عن بعض التجاوزات، لكنها لا تقبل بذلك في حالات أُخرى، وكما هو حال موقف الرئيس الفرنسي اليوم الذي نبَّه الإدارةَ الأمريكية وذكَّرها بالنشأة غير الطبيعية للكيان الوظيفي الصهيوني، وأن هذا الكيان صنيعة القوى الاستعمارية مجتمعةً في ذلك الحين، وهو ما يعني أن هذا التنبيه يتضمن رسالة مهمة وحساسة إلى الإدارة الأمريكية مضمونُها ضرورةُ إعادة ضبط معادلة توزيع المصالح الاستعمارية إلى مستوىً أقربَ للتوازن في ما بينها.

والرئيس الفرنسي عندما أطلق التنبيه للإدارة الأمريكية في هذه المرحلة بالتحديد إنما يرجع ذلك إلى إدراكه أن الإدارة الأمريكية ذاهبة إلى الاستحواذ بثروات المنطقة واستبعاد شركائها من القوى الاستعمارية أَو منحها فُتَاتًا من الوليمة، خُصُوصًا بعد ذلك البيان المشترك الأمريكي الفرنسي الذي تم التوافق عليه في الشهر الفائت لوقف إطلاق النار لمدة 21 يومًا على طول الحدود بين لبنان و”إسرائيل”، غير أن الإدارة الأمريكية كانت تسعى من خلال كُـلّ ذلك إلى توفير المزيد من المساحات الزمنية للكيان الصهيوني الوظيفي لتنفيذ المخطّطات الإجرامية لهذه الإدارة، وعلى رأسها اغتيال الأمينِ العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، وإدراكُ ماكرون لمخطّطات الإدارة الأمريكية الاستحواذية دفعه إلى التنبيهِ السابِقِ علنًا؛ إذ لم يسبق لأَيٍّ من القوى الاستعمارية إثارةُ واقعة إنشاء الأمم المتحدة لكيانِ الاحتلال الصهيوني الوظيفي.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: القوى الاستعماریة الغربیة فی المنطقة العربیة الإدارة الأمریکیة الرئیس الفرنسی الأمم المتحدة هذه القوى من القوى

إقرأ أيضاً:

مآلات التوحش الصهيوني والخذلان العربي والدولي

 

يشن الكيان الصهيوني، منذ أكثر من عام ونصف، حرباً على قطاع غزة لا تشبه أياً من الحروب التي شهدها النظام الدولي منذ الحرب العالمية الثانية. لا لأنها تشكل انتهاكاً غير مسبوق للقوانين والأعراف الدولية فحسب، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار الكيان على ممارسة جريمة الإبادة الجماعية لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل قسراً عن وطنه، وإنما لأنها تعد حرباً على النظام الدولي نفسه، وهو ما يبدو واضحاً من إصرار هذا الكيان على شل إرادة المؤسسات الأممية التي تحاول اعتراض طريقه أو منعه من تحقيق أهدافه غير المشروعة.
بل إنه ذهب إلى حد الإصرار على تدمير بعض هذه المؤسسات، وحرص على إزاحتها كلياً من طريقه، حين اكتشف أن مجرد وجودها أو استمراها في أداء مهامها يعرقل خططه الموضوعة، أو يحول دون تمكينه من تحقيقها، وهو ما حدث بالفعل مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينين (الأونروا).
شواهد كثيرة تثبت تعمد الكيان الصهيوني انتهاك قواعد القانون الدولي في حربه المستمرة على قطاع غزة، منها:
1- إقدام محكمة العدل الدولية على إصدار أوامر تلزمه باتخاذ إجراءات احترازية محددة لوقف أعمال يُعتقد أنها تنطوي على إبادة جماعية تُرتكب ضد الشعب الفلسطيني، منها على سبيل المثال لا الحصر، أوامر تلزمه بوقف الهجوم العسكري على رفح، وأوامر أخرى تلزمه بفتح المعابر لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، لكن الكيان تجاهل كل هذه الأوامر ولم يعرها أي اهتمام.
2- إقدام المحكمة الجنائية الدولية على إصدار أوامر اعتقال في حق كل من بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، ويوآف غالانت، ووزير الدفاع السابق، حين اقتنعت بوجود أدلة تثبت تورطهما في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أما الشواهد التي تثبت تعمد الكيان تجاهل وازدراء كل ما يصدر عن مؤسسات الأمم المتحدة، بل والعمل بكل همة لعرقلة نشاط هذه المؤسسات ومنعها من أداء مهامها، حتى ولو تطلب الأمر ارتكاب أعمال عدائية مباشرة ضدها، مثلما حدث مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئيين الفلسطينيين “الأونروا”، فهي كثيرة أيضاً ويصعب حصرها.
ويكفي أن نشير هنا إلى أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بعرقلة نشاط الأونروا ومنعها من أداء مهامها، وإنما ذهب إلى حد إعلان الحرب عليها، حين أقدم على تدمير معظم المدارس والمستشفيات والمراكز الخدمية التابعة لها، وقام بقتل أكثر من 300 من كوادرها والعاملين فيها، وذلك في تحدٍ سافر وغير مسبوق لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن الكيان الصهيوني لم يكتفِ بتدمير قطاع غزة بالكامل وإحالته إلى مكان غير قابل للحياة، أو بقتل وجرح ما يزيد على مئتي ألف فلسطيني، معظمهم من النساء والأطفال، وإنما قام كذلك بمنع دخول الغذاء والدواء منعاً باتاً لأكثر من شهرين متتاليين، وذلك لإجبار ما يقرب من مليوني ونصف مليون فلسطيني على مغادرة وطنهم إلى الأبد، ليتبين لنا بوضوح أن الجرائم التي تُرتكب في قطاع غزة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية، بل وفاقت أكثر الجرائم التي ارتكبها النظام النازي وحشية، خصوصاً وأنها تجري علناً أمام سمع العالم وبصره، وتتناقلها على الهواء مباشرة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.
يدّعي الكيان الصهيوني أن الحرب التي يشنها على قطاع غزة هي ردة فعل طبيعية على الهجوم الذي قامت به حماس في 7 /10 /2023، وبالتالي فهي حرب دفاعية مشروعة، وفقاً لنص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، لأنها تستهدف تقويض الطرف المعتدي وتخليص الرهائن من براثنه. غير أنه ادعاء أبعد ما يكون عن الحقيقة.
فالحكومة الإسرائيلية الحالية، الأكثر تطرفاً في تاريخ “إسرائيل”، تولت السلطة قبل عام من هجوم حماس، وشرعت في تنفيذ برنامج سياسي يقوم على: تكثيف الاستيطان، وضم أجزاء واسعة من الضفة، وتهويد المسجد الأقصى تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل مكانه. ولأن العناصر الأكثر يمينية وتطرفاً وعنصرية هي التي تتحكم في حكومة يقودها يميني متطرف أيضاً، فقد اتخذت من “طوفان الأقصى” ذريعة للدفع بطموحات المشروع الصهيوني إلى أقصى مداه.
لذا يمكن القول أن أهدافها الحقيقية لا تقتصر على هزيمة حماس واستعادة الأسرى، وإنما تتسع لتشمل إلى جانب ذلك: إخلاء قطاع غزة من سكانه وإعادة احتلاله واستيطانه، وضم الضفة الغربية، ونزع سلاح حزب الله في لبنان، وإسقاط النظام الإيراني بعد تدمير برنامجه النووي والصاروخي، وإبرام معاهدات “سلام” مع لبنان وسوريا والسعودية، لتكتمل بذلك إقامة “الدولة اليهودية الكبرى” في منطقة الشرق الأوسط، الحلقة النهائية في المشروع الصهيوني. وهذا هو بالضبط ما قصده نتنياهو حين كان يتحدث عن “خرائط شرق أوسطية جديدة” حمل معه صورة منها أثناء توجهه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء خطابه هناك قبل أيام قليلة من “طوفان الأقصى”.
لم يكن بمقدور الكيان الصهيوني أن يرتكب كل ما اقترفه من جرائم بشعة في حق الإنسانية، ولا أن يطلق العنان لطموحاته الفاجرة، لولا ما قدمته له الولايات المتحدة من دعم غير مشروط، سواء عبر الإدارة السابقة بقيادة بايدن أم عبر الإدارة الحالية بقيادة ترامب.
فقد ضمن له هذا الدعم حصوله لا فقط على كل ما يحتاج من مال وسلاح لتحقيق الأهداف التي سعى إليها في مختلف المجالات وعلى كل الجبهات فحسب، وإنما تمكينه أيضاً من الإفلات من العقاب، وذلك من خلال الفيتو الأميركي المشرع دوماً في مجلس الأمن لحماية الكيان الصهيوني من العقاب، بل ومن الإدانة أيضاً، وأحيانا من مجرد توجيه اللوم أو العتاب، وهو وضع لم تحظَ به دولة أخرى منذ نشأة الأمم المتحدة. غير أن المشكلة الحقيقية التي يواجهها الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية لا تكمن في انحياز الولايات المتحدة غير المشروط للكيان الصهيوني، بقدر ما تكمن في تخاذل جميع الأطراف الآخرين، أي سلطة رام الله والعالم العربي والعالم الإسلامي والمجتمع الدولي.
كان بمقدور سلطة رام الله أن تخفف كثيراً من الضغوط الهائلة على الشعب الفلسطيني لو أنها قامت باغتنام الفرصة وسعت لتذليل العقبات التي تحول دون إنهاء حالة الانقسام الفصائلي التي طالت، ولإعلان قيام حركة وطنية فلسطينية موحدة تعبر عن طموحات هذا الشعب.
وكان بمقدور العالم العربي أن يلعب دوراً أكثر إيجابية لو أن الدول العربية التي تقيم علاقات مع “إسرائيل” قد اجتمعت واتخذت قراراً جماعياً بقطع علاقاتها مع الكيان ما لم يقم الأخير بوقف الحرب فوراً وفتح المعابر لدخول المساعدات الإنسانية.
وكان بمقدور العالم الإسلامي أن يمارس تأثيراً مختلفاً على مسار الأحداث لو أن الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي كانت قد اتخذت موقفاً جماعياً جادّاً لحمل الولايات المتحدة على اتخاذ مواقف أقل انحيازاً لـ”إسرائيل”.
وكان بمقدور القوى الكبرى التي تدّعي تأييدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها روسيا والصين، اتخاذ قرار بمنع تصدير السلاح لدولة تشن حرب إبادة جماعية وتطهيراً عرقياً في مواجهة شعب احتلت أرضه ويتطلع لنيل استقلاله. ولأن جميع هؤلاء الأطراف تقاعسوا عن القيام بدور كان بمقدورهم القيام به من دون تكلفة باهظة، فمن الطبيعي أن يستحق الدور المتفرد والمتميز الذي تقوم به حالياً جماعة أنصار الله في اليمن تقديراً خاصاً، لأنه يعد بالفعل أقوى الأدوار الحالية الداعمة للقضية الفلسطينية وأكثرها إخلاصاً وتعبيراً عن العروبة والإسلام في آن.
لم تضع الحرب على غزة أوزارها بعد، لكن الشعب الفلسطيني ما يزال صامداً لم يستسلم ولم يرفع الراية البيضاء، رغم مرور أكثر من عام ونصف، وتلك إحدى التجليات التي ترقى إلى مستوى الإعجاز.
غير أن هذه الحرب ستنتهي حتماً يوماً ما، سواء عاجلاً أم آجلاً، ولن يكون حال العالم بعدها مثلما كان عليه قبلها. فسوف تعلو راية القضية الفلسطينية وترفرف خفاقة، ولن يكون بمقدور أحد، بعد كل ما جرى، التنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه، أما الكيان الصهيوني فلن يكون بمقدوره أن يلعب دور الضحية أو يدّعي بعد الآن أنه الواحة الوحيدة للديمقراطية في صحراء الاستبداد العربي، والأرجح أن تنظر إليه شعوب العالم باعتباره كياناً عنصرياً غير قابل للبقاء وآيلاً حتماً للزوال والسقوط، مثلما سقط وزال نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا.
ولن يكون بمقدور الولايات المتحدة أن تدعي بعد الآن أنها المدافع الحقيقي عن حقوق الإنسان أو عن القيم الليبرالية، أو أنها الدولة الوحيدة التي ما تزال مؤهلة لقيادة عالم سيكون بحاجة ماسة إلى “أمم متحدة” جديدة وحقيقية تعبّر عن نظام دولي متعدد القطبية.
أما العالم العربي فلن يكون بوسعه بعد الآن أن يدعي أنه ما زال يشكل نظاماً إقليمياً قادراً على التفاعل الحر مع الآخرين، والتأثير بإيجابية في من حوله، إلا إذا استطاع إصلاح نفسه من الداخل، وتمكن من إقامة أنظمة حكم تمثل شعوبها وتعبّر عن آمالها وطموحاتها الحقيقية.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة

مقالات مشابهة

  • القوى البشرية في الداخلية تحتفي بتخريج دفعة “الولاية” في الرخصة الدولية لقيادة الحاسوب
  • مطروح للنقاش يسلط الضوءَ على إقالة موالين لإسرائيل في الإدارة الأمريكية
  • صحيفة سويسرية: الإمارات تتصدر داعمي الكيان الصهيوني على مستوى المنطقة
  • رحلات معلقة ومخاوف أمنية تعمّق عزلة “الكيان الصهيوني” الجوية (تفاصيل ساخنة)
  • وجهات نظر “القوى المتوسطة” في زمن الفوضى العالمية
  • قلق إسرائيلي من إقالات في الإدارة الأمريكية شملت مسؤولين “مؤيدين لتل أبيب”
  • كاتب فلسطيني: اليمن يبعث الطمأنينة في قلوب الغزيين ويزلزل الكيان الصهيوني بكل أبعاده
  • الكيان المتهالك.. قراءة في علامات الانهيار المتعددة لـ إسرائيل من داخل كتاباتهم
  • مآلات التوحش الصهيوني والخذلان العربي والدولي
  • تقرير: ارتباك داخل الإدارة الأمريكية يوقف مؤقتاً العقوبات على إيران