أمريكا لم تنتصر على التضخم.. ومستمرة فى دورة التشديد
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
تسبب التضخم فى إرباك دول العالم، وخاصة الدول الكبرى ومنها الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما أدى إلى رفع أسعار الفائدة حتى وصلت إلى 5.5 بالمئة فى محاولة لكبح جماح التضخم.
وأدى هذا إلى ضغوط شديدة على الأسواق الناشئة ومنها مصر، وأدى إلى تراجع قيمة عملات هذه الدول، بالشكل الذى سبب أزمة عملة، وارتفاع فى الأسعار، وتدنى مستوى المعيشة.
ويأتى السؤال: إلى أين يتجه بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى خلال الفترة القادمة؟
كشفت وزارة العمل الأمريكية أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع خلال يوليو بنسبة 0.2 فى المائة شهريا، وهو ما جاء متفقا مع توقعات المحللين، ويرجع ذلك إلى الزيادة الطفيفة فى أسعار المستهلك إلى استمرار ارتفاع أسعار المساكن، والتى زادت بنسبة 0.4 فى المائة للشهر الثانى على التوالى.
بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكىظل بنك الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى يسعى إلى عكس نهجه طويل الأمد المتمثل فى تطبيق سياسة نقدية مُيسرة للغاية منذ شهر مارس من العام الماضي، عندما أجبره الارتفاع الكاسح فى معدلات التضخم على زيادة أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من ثلاث سنوات. وشكل ذلك بداية واحدة من أكبر دورات التشديد النقدى المفاجئة فى تاريخ الولايات المتحدة.
بعد «توقف» قصير الأمد فى جولات رفع أسعار الفائدة فى أعقاب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة فى يونيو، قرر بنك الاحتياطى الفيدرالى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى فى آخر اجتماع له أواخر الشهر الماضي.
الإجراء الأخير، وهو زيادة أخرى بمقدار 25 نقطة أساس فى أسعار الفائدة، يمثل الزيادة الحادية عشرة حتى الآن فى هذه الدورة، بما فى ذلك الزيادات «الكبيرة» بواقع 75 نقطة أساس فى النصف الثانى من عام 2022.
مجتمعة، بلغت قيمة هذه الزيادات 525 نقطة أساس ليستقر سعر الفائدة الأساسى على الأموال الفيدرالية عند 5.25-5.5%، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من 20 عاماً.
فى حين أن بنك الاحتياطى الفيدرالى ظل يعدل وتيرة دورة التشديد منذ ديسمبر 2022، مع زيادات أكثر اعتدالاً فى أسعار الفائدة وحتى «التوقف المؤقت» فى يونيو، لا تزال حالة عدم اليقين قائمة. لا يزال هناك نقاش مستمر حول ما إذا كان بنك الاحتياطى الفيدرالى مستعداً لتخفيف وتيرة رفع أسعار الفائدة، أو «التوقف لفترة أطول» عن زيادتها أو حتى تغيير سياسة أسعار الفائدة عاجلاً وليس آجلاً فى مطلع عام 2024.
وقد اكتسب الجدل مزيداً من الزخم، حيث جاءت بيانات التضخم الأخيرة أدنى مما كان متوقعاً، مما يشير إلى تحول سريع باتجاه النسبة الرسمية المستهدفة من قبل بنك الاحتياطى الفيدرالى والتى تبلغ 2% نتيجة تغيير أسعار الفائدة.
وفى الواقع، بلغ مؤشر أسعار المستهلك الرئيسى ذروته عند 9.1% فى يونيو 2022، قبل أن يتراجع إلى 3% فى أحدث إصدار.
يتوقع المشاركون فى السوق بأغلبية ساحقة أن بنك الاحتياطى الفيدرالى قد أنهى دورة رفع الأسعار وأن عملية تخفيض أسعار الفائدة ينبغى أن تبدأ فى الربع الأول من عام 2024 وأن تستمر على مدار العام. وقد كان رئيس بنك الاحتياطى الفيدرالي، جيروم باول، أكثر حذراً، إذ أشار إلى أن القرارات المستقبلية يجب أن تعتمد أكثر على البيانات.
ويرى تحليل اقتصادى لمجموعة قطر الوطنى الأهلى أنه على الرغم من التقدم السريع فى خفض التضخم خلال الأشهر القليلة الماضية، ونعتقد أن بنك الاحتياطى الفيدرالى سوف يميل إلى «التشديد» وسط حالة من عدم اليقين، وربما يرفع أسعار الفائدة أكثر هذا العام.
ويشير التحليل إلى أن هناك ثلاثة عوامل رئيسية تدعم قيام الفيدرالى برفع أسعار الفائدة خلال الفترة القادمة.
الاقتصاد الأمريكي
أول العوامل وفقا لـ QNB لا يزال الاقتصاد الأمريكى يعانى بشكل كبير من فرط النشاط وذلك لا يترك مجالاً للتساهل.
يشير معدل استخدام الطاقة الإنتاجية فى الولايات المتحدة، الذى يتم قياسه مع الأخذ فى الاعتبار حالة سوق العمل بالإضافة إلى تراخى القطاع الصناعي، إلى أن قيود الطاقة الإنتاجية لا تزال قائمة. بمعنى آخر، يوجد حالياً طلب أعلى على العمالة مقارنة بعدد العاملين المتاحين، فى حين أن النشاط الصناعى يتجاوز اتجاهه طويل الأجل. قد تؤدى هذه الظروف إلى زيادات سريعة فى الأسعار فى حالة تعافى أسعار السلع أو تسارع الاستهلاك المحلي. ومن غير المرجح أن يخفض بنك الاحتياطى الفيدرالى أسعار الفائدة أو حتى يتوقف لفترة طويلة جداً عن رفعها إلى أن يتراجع سوق العمل بشكل أكبر وتزداد الطاقة الفائضة فى القطاع الصناعي، مما يوفر حاجزاً للاقتصاد لامتصاص الصدمات دون التعرض لمخاطر تسارع التضخم.
وثانى العوامل أنه من المرجح أن تؤدى الرياح الدافعة الناتجة عن أسعار السلع الأساسية إلى السيطرة على التضخم خلال الأشهر المقبلة. بعد انخفاضها بنسبة 22% من ذروتها فى مايو 2022، بدأت أسعار السلع الأساسية تستقر ومن المتوقع أن تتعافى أكثر، لا سيما مع انخفاض المخزونات وتراجع دورة التصنيع العالمية.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدى التصعيد المحتمل للصراع الروسى الأوكرانى إلى مزيد من الارتفاع فى أسعار السلع، بما فى ذلك الطاقة والحبوب. وهذا من شأنه أن يزيد قيود الطاقة الإنتاجية، مما يؤدى إلى تسارع التضخم.
أكثر مرونة
يوضح QNB أن ثالث العوامل هو أن الاقتصاد الأمريكى أثبت أنه أكثر مرونة مما كان يُتوقع فى السابق، ومن شأن أى مفاجآت إيجابية أخرى فى النمو أن تضع حداً أدنى للتضخم. ارتفع الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنسبة 2.4% فى الربع الثاني، وهو أعلى بكثير من معظم تقديرات النمو.
وارتفع مؤشر النشاط عالى التردد الخاص ببنك الاحتياطى الفيدرالى بشكل ملحوظ فى الأسابيع الأخيرة، مما يشير إلى أن زخم النمو ظل قوياً مع اقتراب الربع الثالث.
ويتضح هذا فى تقرير الناتج المحلى الإجمالى الصادر عن بنك الاحتياطى الفيدرالى فى أتلانتا، والذى يشير حالياً إلى نمو قوى بنسبة 3.5% هذا الربع.
من المرجح أن تضيف هذه القوة الأساسية مزيداً من الضغط على بنك الاحتياطى الفيدرالى لكى يميل إلى «التشديد»، نظراً لحاجته إلى الحفاظ على التضخم عند النسبة المستهدفة التى تبلغ 2%.
وينتهى التحليل إلى أنه على الرغم من الجولات الجريئة لرفع أسعار الفائدة حتى الآن، والمكاسب الكبيرة فيما يتعلق باعتدال التضخم، يعتقد أنه من السابق لأوانه إعلان «الانتصار» فى المعركة ضد ارتفاع التضخم وإنهاء دورة التشديد. وقد تساهم قيود الطاقة الإنتاجية والرياح المعاكسة المرتبطة بالسلع وتسارع أداء الاقتصاد الأمريكى إلى تغيير اتجاه التضخم على المدى القصير أو المتوسط.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الولايات المتحدة الأمريكية اسعار الفائدة التضخم رفع أسعار الفائدة الولایات المتحدة أسعار السلع فى أسعار إلى أن
إقرأ أيضاً:
البنك المركزي يخفض أسعار الفائدة بواقع 100 نقطة أساس
قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركــزي المصـري في اجتماعها، اليوم الخميس، خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس إلى 24.00% و25.00% و24.50%، على الترتيب.
كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 100 نقطة أساس ليصل إلى 24.50%. ويأتي هذا القرار انعكاسا لآخر التطورات والتوقعات الاقتصادية منذ اجتماع لجنة السياسة النقدية السابق.
فعلى الصعيد العالمي، تراجعت توقعات النمو منذ اجتماع لجنة السياسة النقدية في أبريل، وهو ما يُعزَى بالأساس إلى التطورات المتلاحقة في سياسات التجارة العالمية واحتمالية حدوث مزيد من الاضطرابات في سلاسل التوريد.
ومن ثم، لجأ العديد من البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة إلى اتباع نهج أكثر حذرا في إدارة سياساتها النقدية وسط استمرار حالة عدم اليقين بشأن آفاق النمو الاقتصادي والتضخم. وفيما يتعلق بالأسعار العالمية للسلع الأساسية، لا تزال أسعار النفط مدفوعة بعوامل من جانب العرض والتوقعات بانخفاض الطلب العالمي.
وبالنسبة للأسعار العالمية للسلع الزراعية الأساسية، فقد سجلت تراجعا أقل حدة بسبب المخاطر المرتبطة بالمناخ. ورغم تراجع الضغوط التضخمية، لا تزال المخاطر الصعودية تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك تفاقم التوترات الجيوسياسية واستمرار الاضطرابات في سياسات التجارة العالمية.
أما على الجانب المحلي، تفيد المؤشرات الأولية للربع الأول من عام 2025 باستمرار تعافي النشاط الاقتصادي، مع التوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنحو 5.0% مقابل 4.3% في الربع الرابع من عام 2024.
وتشير تقديرات فجوة الناتج إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا يزال دون طاقته القصوى بالرغم من النمو المستمر في النشاط الاقتصادي، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب سوف تظل محدودة. ويأتي ذلك متسقا مع المسار النزولي المتوقع للتضخم في المدى القصير، والذي يظل مدعوما بالأوضاع النقدية الحالية.
ومع ذلك، من المتوقع أن يصل النشاط الاقتصادي إلى طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وفيما يتعلق بسوق العمل، شهد معدل البطالة انخفاضا طفيفا ليسجل 6.3% في الربع الأول من عام 2025 مقابل 6.4% في الربع الرابع من عام 2024.
شهد التضخم السنوي انخفاضا حادا في الربع الأول من عام 2025 وهو ما يُعزَى إلى تراجع حدة الضغوط التضخمية، وفعالية سياسة التقييد النقدي، والأثر الإيجابي لفترة الأساس، إلى جانب التلاشي التدريجي لأثر الصدمات السابقة.
وبحلول أبريل 2025، استقر كل من المعدل السنوي للتضخم العام والأساسي عند 13.9% و10.4% على الترتيب، الأمر الذي يرجع بالأساس إلى اعتدال التطورات الشهرية للتضخم نتيجة انخفاض أسعار السلع الغذائية، والذي ساهم في الحد من تأثير ارتفاع تضخم السلع غير الغذائية إثر تحركات الأسعار المحددة إداريا.
ونظرا لأن الضغوط الناجمة عن تلك التحركات ذات طبيعة مؤقتة، استمر التضخم الضمني في اتخاذ مسار نزولي منذ بداية العام ليتقارب تدريجيا نحو مستواه المتسق مع مستهدف البنك المركزي للربع الرابع من 2026.
ويشير تباطؤ التضخم العام والأساسي، بالإضافة إلى تراجع التضخم الضمني، إلى تحسن توقعات التضخم. وعليه، من المتوقع أن يواصل المعدل السنوي للتضخم العام تراجعه خلال الفترة المتبقية من عام 2025 وعام 2026، غير أن إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة المُنفّذة والمقررة في عام 2025 فضلا عن الثبات النسبي لتضخم السلع غير الغذائية من شأنهما الإبطاء من وتيرة هذا الانخفاض.
وجدير بالذكر أن حدة المخاطر الصعودية المحيطة بآفاق التضخم قد تراجعت مقارنة باجتماع لجنة السياسة النقدية في شهر أبريل، وذلك في ضوء تراجع حدة التوترات التجارية، وتطورات سعر الصرف الحالية، وعودة مؤشر المخاطر إلى مستواه المعتاد، مما يسمح بمواصلة دورة التيسير النقدي التي بدأت في الاجتماع السابق للجنة.
ورغم ذلك، فإن المخاطر الصعودية تظل قائمة وتتمثل في الآثار الناجمة عن السياسات التجارية الحمائية عالميا، وتصاعد الصراعات الإقليمية، وتجاوز آثار ضبط أوضاع المالية العامة التوقعات.
وبناء عليه واستنادا إلى الأوضاع النقدية الحالية، ترى لجنة السياسة النقدية أن خفض أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس يحقق التوازن بين التحوط من المخاطر السائدة والحيز المتاح للمضي قدما في دورة التيسير النقدي، مع دعم المسار النزولي للتضخم خلال الأفق الزمني للتوقعات.
وسوف تواصل اللجنة تقييم قراراتها على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات. وسوف تواصل اللجنة متابعة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى المعدل المستهدف البالغ 7% (±2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2026.