سينما الأحقاف.. أولى نوافذنا الثقافية
تاريخ النشر: 28th, October 2024 GMT
خالد بن سعد الشنفري
سينما الأحقاف التي كانت تربض أسفل جبال ظفار "الأحقاف قديمًا" في بداية السبعينيات وعلى بعد أمتار قليلة من شاطئ بحر العرب السهل ركوبه والاصطياد منه في كل الفصول والممتنع ركوبه في فصل الخريف؛ حيث يتعذر ركوبه وحتى السباحة فيه ويكون هائجا مزمجمرا مزبدًا، يتعذر على البحارة (الصيادين) ركوب بقواربهم صيدهم الصغيرة آنذاك (الهواري) فيتجهون بها قبل بدء موسم الخريف إلى ريسوت؛ حيث تكون مذرى أمن لهم بجبالها.
وكانوا يستأجرون في سبيل ذلك الحمير للذهاب والجيئة من الحافة إلى ريسوت لجلب أسماكهم التي يصطادونها يوميًا إلى سوق "ماركيت الحافة" المخصص حينها لبيع الأسماك ومشتقاتها من اللخام (سمك القرش المجفف) والمالح (سمك مملح محفوظ بعناية في صفائح معدنية لمدة لا تقل عن 40 يومًا) ليعمر بعد ذلك، ويمكن أكله لأشهر دون فساد (شخصيا قد استفدت من ريع تأجير حماري ورفيق دربي (البطران) في أواخر الستينيات لهم وكان الكثير منهم يتسابقون لحجزه لصلابته وسرعته ورشاقته، وقد أفردت للبطران قصة قصيرة من كتابي القصصي سوالف الستينات، هي قصتي معه وذلك وفاءً وعرفانًا لدوره في تلك المرحلة)، إضافة إلى بيع اللحوم التي تذبح طازجة يوميًا؛ حيث لا وجود للثلاجات وحافظات التبريد حينها، علاوة على بيع الخضراوات والفواكه الموسمية.
سوق "ماركيت الحافة" سوق قديم في ظفار وكان أشبه بالهبطة في شمال عمان وكان يسمى قديمًا "العرصة" ويقع خارج أسوار قصر الحصن الحالية، هذا السور الذي يحتضن بين جنباته مرافق الدولة من المحكمة والبرزة والجوازات والبريد ومحطة كهرباء القصر الوحيدة في ظفار كلها، عدا القاعدة الجوية في صلالة، وسوق ظفار الرئيسي الذي أسسه السلطان تيمور في بداية القرن الماضي لغرض تجميع الدكاكين التي كانت موزعة بالمناطق لتكون داخل أسوار القصر بالقرب من الفرضة، ولاستفادة الدولة من العشور (الضريبة) وتأجير أراضي السوق لدعم دخل الدولة، الذي كان اقتصادها يعاني. وبعد أن امتنع أو تعذر تجميع عشور من سكان الجبال على إنتاجهم من السمن البلدي. وكان هذا السوق يباع فيه كل شيء تقريبًا حتى التمور، ما عدا الأسماك واللحوم والخضراوات والفواكه.
وتحتضن أسوار القصر كذلك سكك حارات ثلاث هي: حارة النبات، وحارة السجن، وحارة سكة عيريت، وهو لفظ باللغة الجبالية أطلقته عليه إحدى العجائز من الجبل، والتي زارتها قديمًا ومعناه بالعربي السكة العمياء أو المقفلة؛ حيث لا يوجد إلّا بوابة واحدة للدخول والخروج محاطة بسور الحصن الخارجي من الأربعة جهات. والطريف في هذه السكة أنه حتى بعد عصر النهضة بعدة سنوات ودخول السيارات إلى صلالة كان الذي يدخل بسيارة لهذه السكة يضطر للخروج منها بالرجوع بالسيارة للخلف، رغم امتدادها طوليًا لمئات الأمتار، وكان يقطن هذه السكك فقط عسكر الحكومة (السركال) وبعض مقدمي الخدمات للحصن والحكومة.
ومن المفارقات في أواخر الستينيات أن احترقت سكة عيريت، وبما أن معظم بيوتها عشش، فقد انتشرت فيها النيران كالهشيم؛ مما دعا الحكومة للاستعانة بسيارات مطافئ القاعدة الجوية البريطانية بصلالة (RF)؛ لإخماد هذا الحريق الهائل. ولعدم تمكن سيارات الإطفاء من الدخول للسكة فقد اضطروا للاستعانة بشباب المنطقة ليتسلقوا أشجار نخيل النارجيل المحيطة بها طوليًا من الجنوب حاملين معهم خراطيم مياه الإطفاء والرش بالمياه من أعلى النخيل، وقد كانت إحدى هذه البيوت التي احترقت تمامًا بيت شاعر الموروث الغنائي الشعبي الظفاري جمعان ديوان أبومانع- رحمة الله عليه- الذي أرَّخ لهذه الحادثة بقصيدته الغنائية الشهيرة التي يقول في مطلعها:
الحمد لله سلم راسي
على المال ماشي حسوفيه
نزلوا المحطة وأهل الفوج
نزلوا نزلة الدوج عاشوا عيال الظفارية
مثال قالت يا عنوة (مثال وعنوة هما بنات الشاعر)
كل من بلانا تجيه بلوة والنار صبحت مطفيه.
وعودًا على بدء في موضوعنا عن سينما الأحقاف التي قامت بإنشائها شركة الشنفري في بداية السبعينيات والتي تعتبر أولى دور السينما الصيفية بدون أسقف في ظفار، بعد أن أغلقت سينما صغيرة (لا يحضرني اسمها) فوق سطح أحد المباني داخل منطقة سور الحصن. وكانت هذه السينما متنفسنا الوحيد آنذاك، نحن ذلك الجيل؛ حيث يكفينا أن نتسكع حولها مساءً كل يوم؛ حيث شهدت المنطقة توسعًا، ووزعت حولها أراضٍ تجارية، وابتدأت منها تأسيس أوائل المطاعم والمقاهي وبعض المحلات المتعددة الأغراض.
ورغم أن معظم الأفلام التي كانت تعرض فيها هندية لكون مشغليها من أبناء الجالية الهندية، إلّا أنها كانت أفلام قديمة ملونة في منتهى الروعة والإخراج، لأبطال مشاهير، كنَّا نطلق عليهم مسميات من عندنا قبل أن نتعرف على أسمائهم مثل البطل الطويل (أميتابتشان) والممثل الشهير دليب كومار والممثلة هيما ماليني والممثل الهندي دارا سينج، وأفلام سوراج وماذر أوف إنديا، وغيرها بأغانيها الشجية بصوت المغنية الهندية الشهيرة لاتا مانغيشكار.
والجميل في سينما الأحقاف أنها قبل بدء عرض الفيلم بفترة طويلة تصدح جنباتها بأغاني أم كلثوم الشهيرة، بحيث يسمعها كل من في المنطقة لقوة مكبراتها الصوتية، فتطرب الجميع حتى حفظنا معظم أغاني "الست" في تلك الفترة، وكنَّا نتعمّد دخول دار العرض قبل بدء عرض الفيلم بساعة على الأقل وكل منَّا يحمل معه من المطعم الباكستاني في كيس من الورق المقوى السمبوسة الباكستانية المحشوة بالبطاطا اللذيذة الطعم، والباكورا (معجنات بالبصل والفلفل الحار) مع زجاجة كوكاكولا (مال زمان) بغازاتها القوية النفاذة، فنستمتع بقرمشتها، وكانت هذه الأكياس تصنعها حصريًا عائلة بنجالية، كانوا من بقايا الحجيج البنجلادشيين الذين يستقرون عادة بظفار لفترة في طريق عودتهم إلى بلادهم بعد الحج أو العمرة، في فترة الستينيات، وكنَّا نسميهم "الحجاجيين"، ويفترشون أرض الشاطئ تحت أشجار النارجيل حتى الحصول على عبرة بإحدى سفن البضائع الخشبية لتُقِلَهُم. وبعد عصر النهضة المباركة احتضنتهم عُمان ومُنحوا الجنسية العمانية، وأصبح لهم اليوم أحفاد الأحفاد، ولطالما احتضنت ظفار من مرَّ بها وطاب له المقام فيها.
على الله عودة الماضي، مهما كانت العودة!
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
كلية التجارة بجامعة ظفار تحصل على الاعتماد الدولي
احتفلت كلية التجارة والعلوم الإدارية بجامعة ظفار بحصولها على الاعتماد الأكاديمي الدولي من جمعية تطوير كليات إدارة الأعمال (AACSB)، الذي يُعد من أرفع الاعتمادات العالمية في مجال إدارة الأعمال، وذلك تحت رعاية الأستاذ الدكتور عامر بن علي الرواس رئيس الجامعة، وبحضور عدد من المسؤولين الأكاديميين.
وأكد الأستاذ الدكتور عامر الرواس أن هذا الإنجاز يمثل محطة بارزة في سجل التعليم العالي بسلطنة عُمان، مشيرًا إلى أن جامعة ظفار أصبحت أول مؤسسة تعليم عالٍ في عمان تحصل على هذا الاعتماد المرموق، بعد اجتيازها عملية تقييم دقيقة وشاملة من قبل الجمعية ومصادقة الهيئة العمانية للاعتماد الأكاديمي وضمان جودة التعليم.
وأوضح أن برامج البكالوريوس والماجستير في الكلية حظيت بالاعتماد لمدة ست سنوات تبدأ رسميًا في 14 فبراير 2025، مشيدًا بجهود الإدارات المتعاقبة والفرق الفنية والأكاديمية التي عملت بإخلاص لتلبية متطلبات الاعتماد.
من جانبه، أكد الأستاذ الدكتور معاوية العاني عميد الكلية أن هذا الاعتماد يعكس التزام الكلية بمعايير التميز والجودة في التعليم، لافتًا إلى أن العمل لتحقيق هذا الهدف تم ضمن فريق متكامل ضم أعضاء الهيئة الأكاديمية والإدارية، والطلبة، والخريجين، والمجالس الاستشارية، وشركاء سوق العمل.
وبيّن العاني أن الكلية استوفت 9 معايير رئيسة، شملت: التخطيط الاستراتيجي، والموارد، والهيئة التدريسية، والمنهج، والتعلم، وتطور الطلبة، وفعالية التدريس، والبحث العلمي، والتأثير المجتمعي.
وأوضح الدكتور محمد بيت علي سليمان مدير الاعتماد الأكاديمي الدولي، أن حصول الكلية على هذا الاعتماد يضعها على خريطة التعليم العالمية، ويفتح أمامها آفاقًا جديدةً للتعاون والنمو، مؤكدًا أن الكلية تجاوزت المعايير العالمية في جودة التعليم والابتكار ونجاح الطلبة.
أما الدكتور سيد إحسان جميل نائب رئيس الجامعة، فقد أشار إلى أن الاعتماد من AACSB يُعد تحديًا كبيرًا ومعيارًا صارمًا لا يُمنح إلا للمؤسسات الأكاديمية التي تلتزم بأعلى درجات التميز، لافتًا إلى أن جامعة ظفار باتت ضمن شبكة تضم 1.047 مؤسسة معتمدة في 67 دولة وإقليمًا حول العالم.
وتضمن الحفل عرضًا مرئيًا استعرض مسيرة الكلية نحو الاعتماد، بدءًا من وضع الخطط الاستراتيجية وتطوير البنية التحتية، وصولًا إلى تحقيق الأهداف الأكاديمية المطلوبة. كما شهد الحفل تكريم الجهات والأفراد المساهمين في هذا الإنجاز.