أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، أن الندوة التثقيفية للاحتفال بذكرى انتصارات أكتوبر التي يعقدها الأزهر بالتعاون مع قيادة قوات الدفاع الشعبي والعسكري كل عام تمثل لقاء واجتماعا مهما يتجدد كل عام، ويخلق فينا روحا جديدة، فنحن في ظل احتفالات النصر نشعر بأننا في أمس الحاجة إلى تجديد حياتنا في شتى مناحيها، على هدي من روح أكتوبر، تلك الروح التي انتصرت على الأوهام، وصاغت من الهزيمة والانكسار بطولة ونصرا.

وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته اليوم الثلاثاء بالندوة التثقيفية بحضور اللواء أ.ح/  أسامة عبدالحميد محمد داود، قائد قوات الدفاع الشعبي والعسكري، بمركز الأزهر للمؤتمرات، أن القوات المسلحة الباسلة استطاعت أن تحرز النصر والعز والفخر، وأن تطرد هذا العدو الصهيوني المتغطرس من أرضنا الطاهرة، وأن تهزم أساطيره، وتكشف أكاذيبه، وتلقنه درسا خلده التاريخ.

وأعرب وكيل الأزهر عن الفخر الشديد بهذا النصر الذي حققه جيشنا الباسل، مشيرا إلى مجموعة من عوامل النصر تنوعت بين الإيمان الذي يصنع التضحيات والبطولات، وعزيمة المصريين التي صنعت الانتصارات، والوحدة التي كانت من أقوى الأسلحة في وجه العدو، وما خلقه ذلك علينا من واجبات تجاه أمتنا وأوطاننا، قائلا إن الإيمان صنع التضحيات والبطولات للمسلمين دائما، فإن من ورائه تاريخا ورجالا وأحداثا، وهذا الإيمان هو الذي حمل أصحاب رسول الله ﷺ أن يجودوا بأنفسهم راضين، تاركين لنا المثل الأعلى حتى لقد قال عمير بن الحمام، وقد أخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي إنها لحياة طويلة، ثم رمى بما كان معه من التمر، وأقبل بشجاعة وبطولة وقاتل العدو حتى قتل.

وتابع فضيلته أن الإيمان هذا هو الذي دفع عمرو بن الجموح أن يتجاوز عذره، وكان رجلا أعرج شديد العرج، فذهب إلى رسول الله ﷺ وكان له بنون أربعة مثل الأسد، أرادوا منعه من القتال يوم أحد، وقالوا له: إن الله عز وجل قد عذرك، فأتى رسول الله ﷺ، فقال: إن بني يريدون أن يحبسوني عن الخروج معك، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة، وحمل روحه على كفه حتى قتل شهيدا، وما تزال روح الشهادة تطوف فينا، فلسنا نحب أنفسنا أكثر من أوطاننا، ولسنا نقدم أنفسنا على أمتنا، وما زال الشهداء يتركون دنيانا، ويتركون في أعناقنا أمانة الوطن.

وتحدث فضيلته خلال كلمته عن عزيمة المصريين التي صنعت الانتصارات، قائلا إنها كسرت ظهور المحتلين وحطمت أحلام الغزاة، واستطاعت هذه العزيمة أن تثبت أن ما يروجه العدو من أكاذيب إنما هو هواء يذهب بأقل الأنفاس الطاهرة التي تجري بصيحة التكبير «الله أكبر» فإذا بارليف الحصين كأن لم يكن، وإذا الجيش الذي لا يقهر ما بين قتيل وجريح وأسير، وإذا أرضنا المسلوبة عادت أرض الكرامة والعز، وما تزال هذه العزيمة فيكم أيها الشباب، وما زالت أوطانكم تناديكم بأن تكونوا من جنودها المخلصين.

كما تطرق فصيلته للحديث عن عنصر آخر من عناصر النصر وهو الوحدة بين أوطاننا ومجتمعاتنا، مؤكدا أنها كانت أقوى سلاح في وجه العدو، وما زال هذا السلاح في أيدينا، وما زلنا قادرين على أن نتحد في وجه عدو ماكر خبيث يقتل أطفالنا ويخرب بلادنا ويشيع فيها الفوضى، وإن من أهم ما نقدمه للأوطان أن نكون كما أراد الله «أمة واحدة»، وأن نعتصم بحبل الله جميعا، وأن نلتف حول قياداتنا داعمين واثقين.  

واستطرد وكيل الأزهر بالقول إننا لو أردنا أن نتكلم عن بطولات شعبنا الأبي وأمتنا القوية لطال بنا المقام فإنها قد ضربت أروع الأمثلة في كل ميدان من ميادين الشرف؛ فهم في ميدان القتال أبطال، وجنودها في ميدان الوعي خير رجال، فلا يفوتني أن أتذكر الأبطال الذين صنعوا النصر، والذين ضحوا بأرواحهم وأنفسهم، وقدموا أغلى ما يمتلكون دفاعا عن وطنهم وعن أهليهم، وأسأل المولى سبحانه أن يتقبلهم، وأن يسكنهم الفردوس الأعلى.

ووجه وكيل الأزهر سبع رسائل قال إن هؤلاء الأبطال الذين صنعوا النصر كأنما تركوا فينا رسائل ضرورية، يجب علينا جميعا أن نتذاكرها، وهي هذه الرسائل السبع:

الرسالة الأولى: أن نعتصم بالله ونثق في الله، قال الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، وقال تعالى: «ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم».

الرسالة الثانية: أن نعمل على جمع الصف، ولم الشمل، وترك النزاع والشقاق اللذين يؤديان إلى فشل وهزيمة، فلا مجال لفرقة ولا لخلاف، قال الله تعالى: «وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين»، وإذا كانت سنة الله في خلقه الاختلاف والتباين فهو التنوع المثري الذي لا يؤدي إلى خصومة ولا شقاق.

الرسالة الثالثة: أن تمتلئ قلوبنا بالرجاء في نصر الله؛ فإن اليأس سلاح قاتل مدمر، متى تمكن من الإنسان قتله بلا سلاح، وإن أحد أسلحة العدو أن يبث فينا اليأس والإحباط والقنوط إما بتغييبنا عن ديننا، وإما بتضخيم قدراته وأدواته، ولكننا مهما ضعفت أمتنا فإنها لن تموت، ونصر الله آت لا ريب، ذلك وعد الله، ووعد رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول في الحديث الشريف: «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والتمكين في الأرض».

الرسالة الرابعة: عن هذه المشاعر التي يجب أن تجمعنا وتضمنا، ففي ظل ما نعاني من ويلاته يجب علينا أن نتضامن، وأن نتعاون، وأن نتراحم على كل المستويات: أفرادا ومنظمات ومجتمعات، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء».

الرسالة الخامسة: عدم الاستجابة للشائعات، لا في نقلها ولا في سماعها، فالشائعات تضعف الصف، وبها يدب الوهن في القلوب.

الرسالة السادسة: الشعور بالمسؤولية، فلست صغيرا، ولا طفلا، وقد أخبرنا التاريخ أن قادة جيوش كانوا أقل منكم في العمر، وأن مبدعين ومفكرين وأهل علم كانوا أصغر منكم في السن، ولكن خلد التاريخ ذكرهم بما قدموا.

الرسالة السابعة والأخيرة: الالتفاف حول القادة المخلصين لله؛ لأن الأمة التي لا تجتمع على قائد مخلص يصبح أمرها فرطا.

واختتم وكيل الأزهر كلمته بالإشارة إلى أن هذه الندوة التثقيفية تأتي في ضوء توجيهات السيد رئيس الجمهورية بشأن توعية المجتمع المدني؛ لتنمية روح الولاء والانتماء، والتي تؤكد حاجة الأوطان إلى وعي أبنائها، الذين يصونون هويتها، ويحفظون شخصيتها، مقدما الشكر لكل القائمين على تنظيم الندوة على ما بذلوه من جهد؛ لتخرج الندوة في أكمل صورة وأتمها.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: الازهر الشريف احتفالات النصر التاريخ الدكتور محمد الضويني الشعبي والعسكري العدو الصهيوني الندوة التثقيفية الولاء والانتماء روح أكتوبر قائد قوات الدفاع الشعبي والعسكري عزيمة المصريين وکیل الأزهر رسول الله

إقرأ أيضاً:

الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع

عقد الجامع الأزهر، اللقاء الأسبوعي للملتقى الفقهي (رؤية معاصرة) تحت عنوان "الصراع بين الحق والباطل" "من دروس الهجرة" رؤية فقهية. 

الهجرة النبوية.. أين اختفت الجمال الثلاثة عن أعين المشركين؟ معجزات ربانيةملتقى الأزهر يناقش «الهجرة والتحول الحضاري» في إطار معالجاته لقضايا العصر

ويستضيف الملتقى: الدكتور حسن الصغير، المشرف العام على لجان الفتوى بالأزهر الشريف، والأمين المساعد لمجمع البحوث الإٍسلامية، والدكتور مجدي عبد الغفار، الرئيس السابق لقسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية أصول الدين، وأدار الحوار الدكتور هاني عودة، مدير الجامع الأزهر.

في مستهل الملتقى أكد الدكتور مجدي عبد الغفار على أن الصراع الدائر بين الحق والباطل صراع متواصل، وعلينا الحذر من مسلك أهل الباطل الذين يكونون سببا في الضرر لكل من حولهم، مع ضرورة  الانحياز إلى سبيل أهل الحق لما يجلبه من رحمة وخير وعدل، لأن الأمة الإسلامية هي أمة الحق لهذا قال القرآن الكريم: ﴿ كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. 

وفي هذا دليل على أن هذه الأمة تنطلق إلى الحق لتظل راية الحق خفاقة في كل مكان، كما أن نصرة الحق شرف لا يحاذيه شرف، ولنعلم أن نصرة الحق تتطلب عزيمة وصبرا وتحملا للمشقة، لما يترتب على ذلك من جزاء عظيم؛ وهو رضا الله سبحانه ورضا رسوله صلى الله عليه وسلم.

وأوضح الدكتور مجدي عبد الغفار أن هناك أربع قواعد أساسية للدفاع عن الحق، أولًا: من الخطأ الاعتقاد بأن من لا يعرف الحق سيدافع عنه أو ينصره في يوم من الأيام، وعلينا ألا ننخدع بالشعارات التي في ظاهرها دعوة للحق وفي باطنها مكيدة وخدعة لإلحاق الإضرار بنا، ثانيًا: لا يمكن أن يدافع عن الحق من لا يحسن عرضه أو لا يستطيع الدفاع عنه، لأنه سيكون في هذه الحالة كمن يقتل نفسه، ثالثًا: يجب أن يمتلك المدافعون عن الحق الفراسة لمعرفة المواطن الصحيحة لنصرة هذا الحق، رابعًا: من الخطأ أن يتصدى للدفاع عن الحق من لا يعرف مسالك أهل الباطل، حتى لا ينخدع، ففي هذه القواعد الأربع ضرورة لازمة لانتصار أهل الحق وغلبتهم، وبهذه القواعد الأربع كانت دولة المسلمين الأوائل مثالًا يحتذى به في الحق، مشيرًا إلى إنه بالنظر في سيرة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، نجد أنه بعدما تآمر عليه المشركون سعيًا لإجهاض الدعوة التي جاء بها، جاءت مكيدتهم لتؤكد أن أهل الباطل يتكاتفون فيما بينهم، وأن ما يجمعهم هو التكالب على الحق، ولذلك، اختاروا فتى شابًا من كل قبيلة، درءًا لمطالبة أي طرف بالثأر لنبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا هو الواقع الذي نشهده اليوم، أن تجمع مواطن القوة في كل دولة كبرى لتوحيد جهودهم ضد هذه الأمة.

من جهته ذكر الدكتور حسن الصغير أن الصراع بين الحق والباطل هو في حقيقته صراع داخلي، وهجرة كل منا من الباطل الكامن في داخله هي هجرة واجبة في هذه الأيام، وهذا هو ما يفهم من حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية" وحديثه صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه"، ونحن أحوج ما نكون هذه الأيام إلى هذه الهجرة الداخلية التي تحقق صلاح الإنسان مع ذاته ومع من حوله، ويجب أن ندرك الحق الحقيقي كي لا ننخدع بالدعوات الزائفة، وعلينا أن نكون أكثر تفاؤلاً، فالنظرة السوداوية قد تسقط الإنسان في شراك الباطل.

وبين الدكتور حسن الصغير أن الوفاء بالحقوق المتبادلة بين الناس يعتمد بشكل كلي على هذه الهجرة الداخلية، فمن المستحيل أن تؤدى هذه الحقوق ما لم يتمسك الإنسان بالحق، وينتصر داخليًا على رغبات الباطل ويتجرد منها كليا، وأشار إلى أن الخلافات المستشرية في مجتمعاتنا اليوم بين الأزواج، وبين الأخوة في قضايا الميراث، وبين التجار، إلى أخره، لا سبيل لإصلاحها إلا بامتلاك الإنسان القدرة على هذه الهجرة الداخلية، وما نرصده اليوم من أنماط من الانحراف في السلوك تحتاج منا إلى ضرورة العودة إلى طريق الحق، كما أن ما تواجهه أمتنا اليوم من تحديات لا يمكن لأمتنا أن تحقق النصر فيه، بدون هذه الهجرة الداخلية لأفرادها،  لأن انتصار الحق داخل الأفراد ينعكس على الواقع العام لهذه الأمة.

من جانبه شدد مدير الجامع الأزهر على ضرورة أن يتوافق الحق مع شرع الله تعالى، وأن يدعو إلى الخير والعدل والرحمة، إذ إن كل ما يخالف ذلك ويقود إلى الظلم والفساد والضلال؛ فهو باطل لا خير فيه، وهذا أمر يجب أن ندركه جميعًا، فالصراع بين الباطل والحق لن يحسم لصالح الحق ما لم نلتزم به بالحق والخير في كل شيء، فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، رغم كل ما تعرض له من أذى، كان دائمًا داعيًا للحق والصلاح، لهذا كان النصر حليفه في كل خطوة يخطوها،  ولو تأملنا في صراعات الحق والباطل عبر الأمم السابقة؛ حينها سندرك أن الغلبة في نهاية المطاف كانت دائمًا للحق، وهذه سنة كونية نتيجتها حتمية لهذا الصراع الأزلي، الذي مهما تعددت أشكاله، فإن نتيجته لا تتغير، وما يحدث في العالم اليوم من كيل بمكيالين ليس دعوات للحق والصلاح كما يحاولون أن يخدعونا، بل هو باطل يسعون من خلاله إلى باطل آخر.

يُذكر أن الملتقى "الفقهي يُعقد الاثنين من كل أسبوع في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، ويهدف الملتقى الفقهي إلى مناقشة المسائل الفقهية المعاصرة التي تواجه المجتمعات الإسلامية، والعمل على إيجاد حلول لها وفقا للشريعة.

طباعة شارك الجامع الأزهر الأزهر الشريف الملتقى الفقهي الهجرة دروس الهجرة

مقالات مشابهة

  • أنصار الأمس .. أنصار اليوم : قراءة في دروس الهجرة النبوية للسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (تفاصيل)
  • ملتقى السيرة النبوية بالجامع الأزهر: متى تمسكت الأمة بسنة النبي كتب لها النصر
  • في غرة محرم .. الأزهر يوضح فضل هذا الشهر العظيم
  • بالإيطالية .. رونالدو يعلق على إقالة بيولي من تدريب النصر
  • رسميا.. النصر السعودي يعلن إقالة مدربه ستيفانو بيولي
  • شومان: الهجرة قرار رباني مدروس.. ولم تكن خيارا سهلا
  • ندوة ثقافية في مديرية الصافية بذكرى الهجرة النبوية
  • الجامع الأزهر: الهجرة من الباطل أساس نصر الأمة وصلاح المجتمع
  • الأزهر: في البحر أو بين الأهل الكل محتاج إلى الله
  • دعاء أوصى به الرسول.. أهم الأدعية التي كان يرددها النبي