البلاستيك من مادة مُنقذة للأرواح إلى عنصر مهدد للصحة
تاريخ النشر: 1st, November 2024 GMT
قبل أن يشكّل البلاستيك خطرا على التنوع البيولوجي والمحيطات والسلسلة الغذائية العالمية، ساهم في إنقاذ الأرواح من خلال تطور متسارع مرتبط على نحو وثيق ببروز المجتمع الاستهلاكي الشامل منذ مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
خلال خمسينات القرن العشرين والعقدين التاليين، اكتسب البلاستيك الذي يتمتع بقدرة على المقاومة ويُعدّ خفيفا واقتصاديا، صورة إيجابية "في مختلف جوانب الحياة"، على ما يشير أطلس البلاستيك من مؤسسة "هاينريش بول شتيفتنغ".
ومن الناحية الصحية، أدت القسطرة البلاستيكية والأكياس والحقن وغيرها من المعدات الطبية ذات الاستخدام الواحد، إلى تحسين مسألتي النظافة والصحة، وساهمت في زيادة متوسط العمر المتوقع.
ومن خلال الأغلفة، ساهم البلاستيك في الحفاظ على المنتجات وساعد على خفض إهدار الغذاء ومكافحة الجوع تاليا، على ما يؤكد مؤيدوه.
قبل قرنين، كانت مواد خام طبيعية ومتجددة تدخل في تركيبة المواد البلاستيكية الأولى، مثل المطاط الذي ابتكره تشارلز غوديير. في العام 1862، تم تصنيع الباركسين من السليلوز النباتي والمصبوب على الساخن.
وسنة 1869، تم اختراع السيليلويد في الولايات المتحدة، وكان للباركسين المسخن الممزوج بالكافور والكحول أولى تطبيقاته الصناعية. فقد حلّ محل العاج الذي كان يُستخدم في كرات البلياردو والحراشف المُستخدمة في تصنيع فراشي الشعر، ودخل في تصنيع أولى أشرطة الأفلام السينمائية.
وحصل الكيميائي الفرنسي إيلير دو شاردونيه عام 1884 على براءة اختراع للألياف الاصطناعية، وهو أول حرير صناعي، يُعرف باسم "حرير شاردونيه"، وبات لاحقا النايلون والترغل.
واخترع الكيميائي البلجيكي ليو بيكلاند عام 1907 في الولايات المتحدة أول بلاستيك اصطناعي بالكامل خال من أي جزيئات موجودة في الطبيعة هو الباكيليت الناتج عن تفاعل بين الفينول والفورمالدهيد. ويتم استخدامه لتصنيع صناديق الهواتف ومقابس الكهرباء ومنافض السجائر.
ارتفاع الكميات المنتجة 230 مرة
في العام 1912، سجل الكيميائي الألماني الرائد في مجال البوليمر فريز كلاته، براءة اختراع للكلوريد البولي فينيل، الذي شاع في خمسينات القرن الفائت بعد التوصل إلى أن تصنيعه ممكن من خلال منتج ثانوي في الصناعة الكيميائية هو الكلور الرخيص جدا.
تطوّر الإنتاج الصناعي أيضا في خمسينات القرن الفائت، من خلال جزيئات البترول المكررة وحول ثلاثة منتجات رئيسية هي مادة البولي أميد التي أثبتت أهميتها في المظلات الأميركية خلال إنزال النورماندي عام 1944، والتفلون التي تشكل مادة حربية تستخدم لخصائصها المقاوِمِة قبل اعتمادها في المقالي وأوعية الطبخ، والسيليكون.
بات البلاستيك موجودا حاليا في كل ما نستعمله في الحياة اليومية. وارتفع الإنتاج العالمي بشكل هائل، إذ زاد بمقدار 230 مرة بين عام 1950 واليوم، مع ارتفاع عدد سكان العالم ثلاث مرات ليصل إلى 8,2 مليارات نسمة، بحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD).
60% من إنتاج البلاستيك يُستخدم راهنا في التغليف والبناء والنقل، و10% في المنسوجات، و4% في الإلكترونيات، و10% في المنتجات الاستهلاكية، و2% في الإطارات، و15% في منتجات أخرى. وتتم إعادة تدوير 9% منها وفق منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ويُرمى 22 مليون طن في البيئة سنويا.
وتحذر منظمة الصحة العالمية منذ العام 2019 من ضرر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة الناجمة عن تحلل النفايات البلاستيكية في البيئة، على صحة الإنسان (الجهاز المناعي، والجهاز التنفسي، واضطرابات الغدد الصماء، وانخفاض الخصوبة).
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
البلاستيك الممزق في مواجهة المنخفض الجوي.. عائلات بغزة تبيت في العراء
ما إن وصلت طلائع المنخفض الجوي إلى قطاع غزة، حتى تلاشت آخر خيوط الأمل لدى مئات الآلاف من النازحين في صمود خيامهم المتهالكة أمام رياح الشتاء وأمطاره.
في دير البلح وسط القطاع، تحوّل المشهد إلى مأساة إنسانية مركبة، حيث لم يواجه النازحون البرد بأغطية تقيهم الصقيع، بل بـ"أغطية بلاستيكية ممزقة" لم تمنع عنهم ولا عن أطفالهم سيول المياه التي اجتاحت "مآويهم" الهشة.
اقرأ أيضا list of 3 itemslist 1 of 3منخفض جوي يُغرق خيام النازحين بغزة ويفاقم معاناتهمlist 2 of 3مياه الأمطار تغمر خيام النازحين في حي الزيتون بمدينة غزةlist 3 of 3أوضاع صعبة.. الأمطار الغزيرة تغرق خيام النازحين والشوارع بغزةend of listأجسادنا هي "المدفأة"في مشهد يُجسد قمة العجز والقهر، تروي سيدة نازحة كيف قضت ليلتها وهي تحاول تدفئة عائلتها في ظل انعدام الفُرش والأغطية، قالت وهي تبكي: "قضينا الليل لحّمنا ببعض عشان ندفى.. هذا بدو ينام في البطانية وهذا بدو ينام فيها".
وتضيف السيدة أن خيمتها لم تصمد، فالمطر لم يغرق المكان فحسب، بل "أكل الأرض" تحتهم، في ظل غياب أدنى مقومات الحياة: "لا أواعي (ملابس) عندنا، ولا فراش".
المعاناة لا تقتصر على حالة فردية، فحسب تقارير ميدانية، فإن أكثر من 90% من خيام النازحين في القطاع باتت مهترئة تماما، وهي عبارة عن أقمشة بالية ونايلون ممزق لا يصمد أمام الرياح ولا يمنع تسرب المياه، ما يجعل خيار "التلاصق الجسدي" الوسيلة الوحيدة للنجاة من التجمد.
المأساة لم تفرق بين قوي وضعيف، إذ وجد شاب نفسه عاجزا عن توفير ملاذ لزوجته الحامل في شهرها الثامن.
وقف الشاب أمام خيمته التي لا تتجاوز مساحتها مترا ونصف المتر وقد غمرتها المياه بالكامل، قائلا: "اضطررت لنقل زوجتي لمكان آخر حفاظا على الجنين.. أنا الآن في العراء، لا يوجد مكان يؤويني، المياه دخلت عليّ وبهدلتنا".
وفي زاوية أخرى من المخيم الغارق، يصرخ أب يحمل همّ أطفاله المرضى: "الأولاد غرقوا، عندنا أطفال وكبار سن ومرضى.. الأولاد طول الليل يكحوا، مسكتهم في حضني عشان أدفيهم".
ويصف الأب الوضع الكارثي قائلا: "ما فيش حرامات (أغطية).. بنعوم في الميه عوم".
محاولات يائسةحاول بعض النازحين تدارك الموقف عبر إقامة سواتر رملية لمنع تدفق السيول من الشوارع إلى داخل الخيام، لكنّ جهودهم ذهبت أدراج الرياح أمام غزارة الأمطار وهشاشة البنية التحتية.
إعلانوأكد عدد من النازحين أن الرمال التي وضعوها لم تمنع تسرب المياه، لتتحول عشرات الخيام في المنطقة إلى برك مياه موحلة.
تقول سيدة أخرى وهي تشير إلى أطفالها المبللين: "نفسي بخيمة.. خيمتي ممزعة (مهترئة) من الداخل، عندي فرشتين لأربعة أنفار وكلها ميه".
حصار جغرافي ومناخي
ومما يفاقم الأوضاع، سيطرة جيش الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 50% من مساحة القطاع، الأمر الذي يؤدي إلى تكدس النازحين في مساحات ضيقة جدا، ويضطرهم لنصب خيامهم على الأرصفة وفي الشوارع الموحلة، وفي باحات المدارس التي تفتقر لأدنى مقومات الصرف الصحي.
وأمام هذا الواقع القاسي، ومع التوقعات بمنخفضات جوية أشد برودة في الأيام المقبلة، يطلق النازحون مناشدات لتوفير "كرفانات" (بيوت جاهزة) أو شوادر قوية تقيهم الموت بردا، في شتاء يبدو أنه سيكون الأقسى على الغزيين، الذين يواجهون حرب الإبادة من السماء، وحرب الطبيعة على الأرض بصدور عارية.
وتأتي هذه المشاهد المأساوية في وقت يشير فيه مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إلى أن نحو مليون و300 ألف شخص في غزة بحاجة ماسة إلى مأوى عاجل، في ظل استمرار الحرب والحصار، وغياب أي حلول حقيقية تلوح في الأفق لإنقاذ ما تبقى من إنسانية في القطاع المنكوب.