بقلم: عمار نجم الدين

لم تكن الأشهر الستة التي قضيتها في جبال النوبة والنيل الأزرق تجربة يمكن نسيانها. عشت هناك وسط مأساة مستمرة، متنقلاً بين مستشفى شالي في النيل الأزرق وقرى يابوس المدمّرة، حيث واجهت يوميًا الموت عن قرب، وعاينت معاناة الناس وهم يصارعون الجوع والمرض بلا أمل. كان البقاء نفسه معجزة في تلك الظروف، إذ تتحول الحياة إلى معركة لا تنتهي من أجل النجاة في ظل غياب تام لأي دعم حقيقي.



شالي ويابوس: رموز للصراع والبؤس

في مستشفى شالي، عايشت مشهدًا يفتّ القلب: مرضى يموتون من الملاريا وأمراض أخرى يمكن علاجها بسهولة لو توفرت الأدوية، لكن لم يكن هناك من ينقذهم. كنت أدفن معهم ضحايا المرض يوميًا، في جنازات سريعة وبسيطة، بلا وداع أو طقوس. كان الموت أسرع مما نستطيع استيعابه أو التعامل معه.

في يابوس، الوضع ليس أفضل. المستشفى الوحيد في هذه المنطقة يخلو من الأطباء، ويعمل به عدد قليل من الممرضين والفنيين غير المدربين بشكل كافٍ. بين 48 نقطة صحية في النيل الأزرق، تعمل 7 فقط، ولا تضم أيًّا منها طبيباً مؤهلاً. في هذه الأماكن، يصبح الألم جزءًا من الحياة اليومية، حيث يُترك المرضى لمصيرهم مع غياب الأدوية وأدنى درجات الرعاية الصحية.

معادلة السلاح مقابل الغذاء: شرط لانساني يديم الصراع

ما زاد الطين بلة أن الحكومة السودانية تتعامل مع المساعدات الإنسانية كوسيلة ضغط في حربها مع الحركة الشعبية لتحرير السودان. في كل مفاوضة تجري بين الحكومة والحركة، كانت الحكومة تشترط إدخال الغذاء والدواء مقابل إيصال السلاح إلى جنودها، وهم أنفسهم من أشعلوا شرارة الصراع في جبال النوبة في الصراع الدائر بينهم وبين الدعم السريع . هذا الشرط اللاإنساني لا يترك مجالًا للسلام، بل يعزز من فرص استمرار الحرب، ما يعني المزيد من الموت والمعاناة لملايين الأبرياء.

مساعدات عالقة وأزمة تتفاقم

لم يكن التفاوض على الغذاء مقابل السلاح العقبة الوحيدة. حتى عندما تُمنح الموافقة على تقديم المساعدات، يتم عرقلتها من قبل الحكومة السودانية وفق شروط مجحفة ، مما يمنع وصول الإمدادات إلى المناطق المتضررة. هذا التأخير يحرم آلاف العائلات من الإغاثة العاجلة التي تحتاج إليها، ويجعل الوضع الإنساني أكثر خطورة.

لاجئون بلا مأوى وأمل ضائع

في معسكرات مابان و معسكرات ولاية الوحدة على الحدود مع جنوب السودان ومعسكر كيلو خمسة في إثيوبيا، يواجه مئات الآلاف من اللاجئين أوضاعًا مزرية. هؤلاء اللاجئون لم يفروا فقط من القصف والحرب، بل أيضًا من الجوع واليأس. يتكدس الأطفال والنساء في بيوت الهشة، ينتظرون معجزة تنقذهم من الموت البطيء رغم المساعدات الأممية الشحيحة و

تصاعد الأزمات مع استمرار النزوح

مع تصاعد القتال منذ أبريل الماضي، لجأ أكثر من مليون نازح إلى مناطق الحركة الشعبية في النيل الأزرق و جبال النوبة ، ما ضاعف الضغط على الموارد الشحيحة أصلاً. المدارس أُغلقت، والمستشفيات توقفت عن العمل، والصيدليات الخاصة تبيع الأدوية بأسعار لا يمكن للنازحين تحملها. مع كل يوم يمر، يتفاقم الوضع الإنساني أكثر فأكثر، بينما يتلاشى الأمل في غدٍ أفضل.

حاجة ملحّة إلى تدخل دولي عاجل

إن استمرار هذا الوضع دون تدخل دولي عاجل سيؤدي إلى كارثة إنسانية لا يمكن احتواؤها. نحن بحاجة إلى فتح الممرات الإنسانية فورًا دون شروط، وتقديم الغذاء والأدوية والمأوى لإنقاذ الأرواح قبل أن يتحول الوضع إلى مأساة أكبر.

نداء لإنقاذ أرواح الأبرياء

إن ما شهدته في مستشفى شالي بالنيل الأزرق اقليم الفونج الجديد وفي معسكرات اللاجئين في مابان و معسكرات ولاية الوحدة هو وصمة عار على ضمير الإنسانية. لا يمكن للعالم أن يغض الطرف عن هذه الكارثة. كل دقيقة تمر تعني مزيدًا من الجوع، مزيدًا من المرض، ومزيدًا من الموت.

إنني أكتب هذه الكلمات ليس فقط كشاهد على المعاناة، بل كنداء إلى كل من يملك ضميرًا وقوة لتحريك الأمور. يجب أن تكون هناك استجابة عاجلة قبل أن نفقد المزيد من الأرواح. ما يحدث في النيل الأزرق وجبال النوبة هو مأساة إنسانية لا يمكن قبول استمرارها.

كل يوم تأخير في التدخل يعني تضاؤل فرص الحياة لملايين الأبرياء. الناس هناك بحاجة إلى العالم الآن.  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: فی النیل الأزرق جبال النوبة لا یمکن

إقرأ أيضاً:

المجلس الوطني الفلسطيني يوجه نداءً دوليا إزاء ما يحدث في غزة

طالب المجلس الوطني الفلسطيني، اليوم الأحد، المجتمع الدولي بترجمة مواقفه إلى إجراءات تؤدي إلى وقف عدوان الاحتلال إسرائيلي وحرب الإبادة والحصار على قطاع غزة .

وقال المجلس الوطني في بيان صادر عنه، إن قطاع غزة تحول إلى مقبرة جماعية وكارثة لا تصلح للحياة الإنسانية، إذ يعيش شعبنا تحت ظروف كارثية مركبة تتسم بالقتل الممنهج والاستهداف المباشر للمدنيين، حيث بلغ عدد الشهداء عشرات الآلاف معظمهم من النساء والأطفال.

وأشار إلى عدوان الاحتلال تتسبب في تدمير واسع النطاق للبنية التحتية المدنية، بما يشمل المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء في انتهاك صارخ لمبدأ حق العيش والحياة، كما تعرض القطاع الصحي للانهيار بشكل كامل، فيما استفحلت المجاعة ونفذت الإمدادات الأساسية، إضافة إلى أن الاحتلال ينتهج سياسة التهجير القسري والنزوح الجماعي في محاولة واضحة لتغيير الطابع الديمغرافي للقطاع، وأيضا تسبب العدوان في شطب أكثر من 5200 عائلة فلسطينية من السجل المدني نتيجة القصف الدموي للبيوت فوق رؤوسهم، كما استخدم التجويع كسلاح ما يعد جريمة حرب وفق مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف.

وأعرب المجلس الوطني، عن تقديره للمواقف الإيجابية والمتقدمة الصادرة عن الاتحاد الاوروبي ومن الدول والمنظمات والشعوب الحرة التي أدانت العدوان وطالبت بوقفه، وساندت جهود المساءلة الدولية.

وأكد، أن هذه المواقف على أهميتها لا تزال دون المستوى المطلوب من الفعل القانوني والسياسي الملزم ولا تكفي لوقف الجرائم أو حماية المدنيين، داعيا إلى ترجمة تلك المواقف إلى خطوات عملية وقرارات نافذة تعد التزاما قانونيا يقع على عاتق جميع الدول الاعضاء بالأمم المتحدة وخاصة الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف.

وحمل المجلس الوطني، الإدارة الأميركية المسؤولية المباشرة في استمرار جرائم الاحتلال ضد شعبنا، وذلك من خلال الاستعمال المتكرر لحق النقض الفيتو لتعطيل أكثر من أحد عشر مشروع قرار أممي يطالب بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، وتوفير دعم عسكري غير مشروط لحكومة الاحتلال، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، والتدخل السافر في أعمال المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك فرض عقوبات على قضاتها وموظفيها بهدف تعطيل إجراءات المساءلة، والضغط السياسي على الدول الأوروبية والدول الحليفة لمنع اتخاذ تدابير عقابية ضد الاحتلال، وأيضا مخالفة الإرادة الشعبية الأميركية والدولية، التي تطالب بإنهاء الدعم للعدوان وإيقاف الجرائم، وفرض عقوبات على كبرى الجامعات الأميركية بسبب موقفها من العدوان الدموي.

ولفت إلى أن هذه السياسات والمواقف تشكل عرقلة للعدالة الدولية، وانحيازا صارخا ضد القانون الدولي ما يحمل واشنطن المسؤولية الأخلاقية والقانونية الكاملة.

وجدد المجلس الوطني، مطالبته للمجتمع الدولي بالتدخل الفوري وترجمة مواقفه إلى إجراءات قانونية لوقف العدوان بشكل دائم على قطاع غزة، ورفع الحصار وتأمين الممرات الإنسانية بإشراف أممي، ووقف تزويد الاحتلال بالسلاح، تطبيقا للمعايير الدولية المرتبطة بمنع استخدام الأسلحة في ارتكاب جرائم دولية، واحترام استقلال المحكمة الجنائية الدولية ووقف جميع أشكال التدخل السياسي في مسار العدالة الدولية، والسماح لممثلي وسائل الإعلام الدولية الدخول الى قطاع غزة لكشف الكارثة والمأساة التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة، وفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية على الاحتلال تمهيدا لملاحقة المسؤولين عن الجرائم أمام الجهات المختصة، وحماية المدنيين الفلسطينيين بموجب ميثاق الأمم المتحدة وتوفير ضمانات دولية بعدم التهجير والتطهير العرقي.

وأشاد، بمواقف التضامن الشعبي حول العالم، مطالبا بمواصلة الضغط السياسي والإعلامي والقانوني حتى يتوقف هذا العدوان وتتحقق العدالة.

وأكد المجلس الوطني، أن الاحتلال يرتكب جرائم دولية موثقة وأن الإفلات من العقاب لم يعد خيارا ممكنا في ظل التوثيق المستمر والضغط الدولي المتصاعد، مؤكدا على حق شعبنا في النضال ضد الاحتلال وفق القانون الدولي.

المصدر : وكالة وفا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الدفعة الأولى من حجاج فلسطين تُغادر مكة فجر يوم غدٍ الإثنين محدث: سفينة "مادلين" تقترب من سواحل قطاع غزة وإسرائيل تتجهز لاعتراضها محادثات مصرية تركية بشأن آخر مستجدات غزة وجهود وقف إطلاق النار الأكثر قراءة دليل تطرف - اللجنة الوزارية العربية تدين رفض دخولها إلى رام الله مستعدون لاستلام مسؤولياتنا - الرئيس عباس: يجب تسليم الرهائن لوقف هدر الدم في غزة عائلات قتلى الأسر في غزة تجتمع بزامير وتحذر من توسيع الحرب بالفيديو: دعاء يوم عرفة لزوجتي 2025 عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • فرص لهطول أمطار على جبال الحجر
  • نيمار يرغب في البقاء مع سانتوس
  • نداء عاجل من البعثة الأممية في ليبيا بضرورة احترام هدنة طرابلس
  • الرجال في قبضة الخوف: حين يصبح البيت فرعاً لشرطة طالبان
  • الافتراء بالتبعية: حين يصبح تداول النص في الواتساب جريمة كاتبِه!
  • منظمة الغذاء بالأمم المتحدة تفتح مكاتبها بحي الروضة الخرطوم
  • أقوى تابلت بنظام أندرويد يثبت أنه معجزة تقنية بحق
  • المجلس الوطني الفلسطيني يوجه نداءً دوليا إزاء ما يحدث في غزة
  • “الغذاء والدواء” تحذر من استهلاك اللحوم الفاسدة
  • الغذاء والدواء: 3 علامات لفساد اللحوم