خبراء: الحروب تجعل محاسبة قتلة الصحفيين مهمة صعبة
تاريخ النشر: 3rd, November 2024 GMT
أكد خبراء لراديو صوت أميركا "فويس أوف أميركا" أن تحقيق العدالة في عمليات القتل للصحفيين في مناطق النزاعات أصبح مهمة صعبة ومعقدة.
وبحسب تقرير أصدرته اليونسكو السبت، لا تزال 85 في المئة من جرائم قتل الصحفيين في جميع أنحاء العالم من دون حل منذ عام 2006.
وفي عام 2013، أعلنت الأمم المتحدة الثاني من نوفمبر من كل عام، اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين.
جودي غينسبيرغ، الرئيسة التنفيذية للجنة حماية الصحفيين "سي بي جي" قالت للراديو إن "الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين هو القاعدة منذ فترة طويلة، والصراعات النشطة تؤدي إلى تفاقم المشكلة".
وأضافت أن "الموارد المتاحة للتحقيقات أصبح أقل، وكثير ما تكون المحاكم مثقلة بالعمل، وتتعطل القدرة على إجراء التحقيقات لوجود صراع مستمر".
وهذا هو ما ينطبق على مقتل الصحفيين في الحروب التي تدور بين إسرائيل وحماس، وغزو روسيا لأوكرانيا، والحرب الأهلية في ميانمار (بورما)، وعنف العصابات في هايتي.
ودانت وزارة الخارجية الأميركية، السبت، الهجمات على الصحفيين بسبب عملهم ودعت الحكومات والمجتمع الدولي إلى حماية العاملين في مجال الإعلام.
الحرب في غزةومع اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر من 2023، قتل ما لا يقل عن 134 صحفيا وعاملا في الإعلام، معظمهم من الفلسطينيين، بحسب لجنة حماية الصحفيين.
وتوصلت اللجنة إلى أن الجيش الإسرائيلي استهدف خمسة منهم بشكل مباشر لعملهم كصحفيين، وتعتبر إسرائيل في المرتبة الثانية في العالم من حيث الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين، بحسب المؤشر الذي نشرته اللجنة الأربعاء الماضي.
وفي حادثة واحدة وقعت في 13 أكتوبر من 2023، أطلق الجيش الإسرائيلي قذيفتين من دبابة بفارق 37 ثانية في جنوب لبنان باتجاه طواقم إعلامية. وكان الصحفيون على بعد ميل واحد من أقرب منطقة صراع، حيث كانوا يرتدون سترات تظهر أنهم صحفيين، ليسفر الهجوم عن مقتل صحفي لبناني يعمل في وكالة رويترز، وأصيب ستة مراسلين آخرين.
وخلصت "سي بي جي" إلى أن الهجوم كان متعمدا على الصحفيين.
وقالت غينسبيرغ في سبتمبر الماضي إنها "منزعجة من عدم وجود محاسبة منذ الهجوم الذي وقع في 13 أكتوبر. لكني لست مندهشة".
وأضاف أن الإفلات من العقاب في جرائم قتل الصحفيين كان مشكلة في إسرائيل لعقود من الزمن.
ولم يرد الجيش الإسرائيلي على استفسارات "فويس أوف أميركا"، وكانت إسرائيل قد نفت في تصريحات سابقة بشأن استهداف الصحفيين.
ودعت منظمة "مراسلون بلا حدود" المجتمع الدولي في أبريل الماضي إلى "الضغط لضمان محاسبة إسرائيل" على مقتل صحفي في جنوب لبنان.
الحرب الأهلية في "بورما"وتعد المساءلة صعبة في الحرب الأهلية في ميانمار "بورما"، منذ أن شن الجيش انقلابا في 2021، وقتل أكثر من 5000 مدني، واعتقل أكثر من27 ألف شخص، ونزح أكثر من 3.3 ملايين شخص، بحسب الأمم المتحدة.
وتشير بيانات لجنة حماية الصحفيين إلى مقتل ما لا يقل عن سبعة صحفيين في البلاد بسبب عملهم من الانقلاب.
توم أندروز، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في ميانمار قال لـ "فويس أوف أميركا" إن "الاعتداء على وسائل الإعلام والصحافة، والاعتداء على مبدأ حرية الصحافة، كل هذا جزء من تجارتهم لإخفاء اعتداءاتهم المنهجية على شعب ميانمار".
ولم يرد الجيش في "بورما" على طلب التعليق لراديو صوت أميركا.
الحرب الروسية على أوكرانيارغم أن روسيا لا تظهر على مؤشر الإفلات من العقاب لعام 2024، فقد قتل ما لا يقل عن 15 صحفيا وعاملا في الإعلام أثناء تغطية الحرب، بحسب لجنة حماية الصحفيين.
رئيس الاتحاد الوطني للصحفيين في أوكرانيا سيرجي توميلينكو قال للراديو إنه "في غياب المساءلة، فإننا نعطي الضوء الأخضر لمزيد من الهجمات على الصحفيين ليس فقط في أوكرانيا، ولكن ربما في الصراعات المستقبلية في جميع أنحاء العالم".
وأكد أن حماية الصحفيين لا تتعلق بحالات فردية، بل تتعلق بالدفاع عن الديمقراطية والحق في معرفة الحقيقة. وتابع أن "كل اعتداء على صحفي دون عقاب يشجع أولئك الذين يريدون إسكات وسائل الإعلام المستقلة".
ولم ترد السفارة الروسية في واشنطن ووزارة الخارجية الروسية على استفسارات "فويس أوف أميركا".
وتكشف بيانات اليونسكو مقتل صحفي كل أربعة أيام بسبب قيامه بعمله خلال الفترة 2022 و2023.
ودعت المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي الدول الأعضاء إلى بذل المزيد من الجهود لمحاسبة مرتكبي هذه الجرائم.
وقالت في بيان إن "ملاحقة مرتكبي هذه الجرائم وإدانتهم يشكلان رافعة رئيسية لمنع وقوع هجمات مستقبلية على الصحفيين".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: الهجمات على الصحفیین جرائم قتل الصحفیین الإفلات من العقاب الجیش الإسرائیلی حمایة الصحفیین فی جنوب لبنان صحفیین فی مقتل صحفی
إقرأ أيضاً:
حرب السودان، زامر الحي قد يُطرب أهله
*حرب السودان، زامر الحي قد يُطرب أهله*
*(عن شهادة الفيلسوف و المفكر الفرنسي المعاصر برنار هنري ليفي في حرب السودان)*
*منذ بدايات اندلاعها في الخامس عشر من أبريل 2023م، أفرزت حرب السودان بين الجيش والمليشيا المتمردة اشكالاً متعددة من العنف المنهجي المخدوم، حملت معها فظائع مروّعة شملت كل صنوف الجرائم المعروفة دوليًا و التي شملت (القتل الجماعي، الاغتصاب الممنهج، النهب والتخريب، الاستهداف العرقي، الإبادة الجماعية، التطهير العرقي، والتهجير القسري لملايين السكان). فالحرب لم تقتصر على المواجهات العسكرية، بل اتخذت طابعًا إجراميًا عميقًا يستهدف بنية الدولة ومجتمعها وتاريخها وذاكرتها الجمعية.*
*لقد استحالت المليشيا إلى آلة هدم شاملة، حيث عمدت إلى تدمير الممتلكات العامة والخاصة، وسرقة البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك محطات الكهرباء والمياه، والمخازن الطبية والمراكز الخدمية، في نسق يبدو ممنهجًا لا فوضويًا، ما يؤكد أن ما يحدث لا يدخل في سياق الصراع التقليدي على السلطة، بل في سياق مشروع استئصالي لتفكيك السودان دولةً ومجتمعًا. وما يُضاعف من فداحة هذه الجرائم هو الصمت الدولي المريب، والتجاهل الإعلامي الفادح، وكأن الخراب السوداني لا يعني أحدًا خارج حدوده.*
*الفيلسوف والكاتب الفرنسي برنار هنري ليفي، واحد من أبرز (الفلاسفة الجدد) في فرنسا، ولطالما أثار الجدل بمواقفه وتدخلاته في أزمات دولية من البوسنة إلى ليبيا، ومن كردستان إلى أوكرانيا. وُلد ليفي عام 1948م لعائلة سفاردية يهودية في الجزائر إبان الاستعمار الفرنسي، وبرز لاحقًا كمثقف مسيّس يؤمن بـما يعرف ب(التدخل الأخلاقي)، ويستخدم قلمه وعدسته وصداه في دوائر القرار الغربي لتسليط الضوء على ما يراه مظالم في العالم.*
*عرف ليفي بنزعته الإنسانية المثيرة للجدل، فقد كان من أشد الداعمين لتدخل الناتو في ليبيا، ومن أبرز الأصوات المناصرة للكرد في العراق، وناقدًا لاذعًا لصمت الغرب تجاه مجازر البوسنة، وهو ما جعله يلقب أحيانًا بـ(ضمير الغرب الانتقائي). ومع أنه واجه انتقادات عديدة لتدخله في شؤون الدول باسم (الواجب الأخلاقي)، إلا أن حضوره يظل فاعلًا في تشكيل مواقف النخب الغربية، وربما في التأثير على صناعة القرار.*
*في مقاله بمجلة Paris Mach الاسبوعية و الذي نشر في الاسبوع الاخير من يوليوالماضي، بعنوان (السودان: المجزرة المنسية)، سرد برنار هنري ليفي رحلته إلى إقليم دارفور، ووقوفه المباشر على ما وصفه بـ “واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية المعاصرة”. وصف بلغة مؤثرة وقائع محرقة تجري على مرأى العالم، دون أن يهتز لها وجدان غربي أو تُحرك ساكنًا في أروقة الأمم.*
*لقد تنقّل ليفي بين المدن والبلدات المدمّرة، ووثق شهادات من نازحين وناجيات، ونقل صورًا فوتوغرافية ومشاهد مصوّرة تكشف بشاعة المأساة. تحدث عن نساء اغتُصبن، وأطفال قُتلوا، وقُرى أُحرقت بالكامل، وخرطوم اختفت من الذاكرة الدولية، وكأنها ليست عاصمة لدولة عضوة في الأمم المتحدة. وصف الرحلة بأنها صادمة، وبأن ما رآه لا يمكن الصمت حياله، حتى لو كان بعيدًا عن الأضواء.*
*وأشار إلى أن هناك نوعًا من “التواطؤ الصامت” يمارسه الإعلام الغربي، حيث لا تُروى هذه المجازر بنفس الحماسة التي تُروى بها أزمات أخرى أقل فظاعة. فقد كتب ????
*”إن ما يحدث في السودان يجعلنا نخجل من صمتنا، ويضع الإنسانية أمام اختبار أخلاقي جديد”.*
*وهنا تأتي أهمية المقال في كونه شهادة أوروبية خالصة ضد حرب يتجاهلها الغرب.*
*وفي مقابلة تلفزيونية مطولة أجراها مع قناة BFM الفرنسية و بُثَّت بشكل مباشر في 30 يوليو 2025م، أفرد برنار جزءًا مهمًا من حديثه للسودان، معتبرًا أن الحرب هناك ليست مجرد (نزاع داخلي)، بل نموذج مروّع لانهيار إنساني شامل. فقد أشار صراحة إلى شخصية الفريق أول عبدالفتاح البرهان، واصفًا إياه بأنه “الركيزة الأخيرة لبقاء الدولة السودانية”، محذرًا من سيناريوهات كارثية إذا تُرك السودان فريسة للمليشيا المتمردة.*
*تحدث ليفي عن لقائه بقيادات مجتمعية وعسكرية، مشيرًا إلى أن المشهد في السودان يذكّره بسيناريوهات ما قبل الانهيار الكامل، كما حدث في ليبيا أو سوريا. لكنه في ذات الوقت، أبدى إعجابًا بما وصفه بـ (تماسك المؤسسة العسكرية) في مواجهة الانهيار، وخص البرهان بعبارات دعم صريحة، مشيرًا إلى أن (الرجل يقاتل من أجل بقاء الدولة، لا من أجل السلطة). وهي شهادة تُعد لافتة في سياق الرؤية الغربية العامة التي عادةً ما تتعامل مع قادة الجيوش في العالم الثالث بنظرة توجس أو اتهام، ودونية أو تبعية في كثير من الأحيان.*
*وفي هذا اللقاء أيضًا، دعا ليفي إلى تفعيل دور فرنسا والاتحاد الأوروبي في وقف هذه الإبادة الجماعية، وتوفير الحماية الإنسانية للمدنيين، قائلًا:*
*”لا يمكننا أن نقف مكتوفي الأيدي بينما تُحرَق قُرى بأكملها، وتُباد قبائل كاملة بلا أي مساءلة أو تدخل دولي.”*
*من الاقوال والعبارات الشهيرة التي جرت و تدوالت على ألسنة الناس، “زامر الحي لا يُطرب أهله”، و لعلها هنا تلخص بدقة مأساة السودان مع الإعلام العالمي. فكم من أبناء السودان خاصة أهل الاعلام و رموزه و المهتمين، قد صرخوا ونبهوا وكتبوا ووثقوا جرائم هذه الحرب منذ يومها الأول، دون أن يُصغى إليهم، لكن أن يأتي الصوت من “زامر” فرنسي، بمكانة برنار هنري ليفي، فقد يجد عند “أهل الحي” الإقليمي و الدولي و حي (الغرب) ما يُطربهم، أو على الأقل ما يوقظهم من سُباتهم ولا مبالاتهم.*
*لقد تجاهلت أغلب وسائل الإعلام العالمية مئات التقارير الميدانية والشهادات الحقوقية السودانية، ومرّت الجرائم الجسيمة بلا مساءلة. لكن حين كتب برنار هنري ليفي مقاله، وتحدث في الإعلام الفرنسي، اهتزّت بعض المنابر الأوروبية، وأعادت النظر في تغطيتها.*
*إن شهادة برنار ليست الأولى عن الحرب، لكنها قد تكون الأولى التي يتلقفها الإعلام الغربي الجاد، ويُدرجها في أجندة الأخلاق والسياسة. وهذه مفارقة لا تخلو من الألم، (أن ننتظر شهادات من الخارج لتؤكد ما عشناه ونعرفه نحن عن كثب). وهي أيضًا دعوة للنخب السودانية و المهتمين الدوليين لمواصلة توثيق الجرائم، وهي كذلك لتدويل السردية الحقوقية والإنسانية، ومخاطبة الضمير الغربي بلغته، وبأدواته، وبأصواتٍ من داخله تعرفه و يعرفها.*
*إن زيارة برنار هنري ليفي، ومقاله في (باريس ماتش _ Paris Mach)، ومداخلته الإعلامية، جميعها تشكّل لحظة فارقة في سردية الحرب السودانية. فالعالم، حين يتحدث أحد (أبنائه) أو يعزف احد (زامريه)، أنما يصغي بشكل مختلف و يطرب بانفعال عميق. وما لا تقوى تقارير الناشطين المحليين على تمريره، قد يفعله قلم فرنسي ببلاغة محسوبة.*
*وفي هذا السياق، يجب أن ننظر إلى تدخل ليفي لا كمجرد تعاطف فردي، بل كفرصة سانحة لإعادة بناء سردية الحرب السودانية في المحافل الدولية. فما عرضه ليس فقط مجازر، بل فشلًا دوليًا أخلاقيًا متجددًا. وهي فرصة لإحراج العالم المتقاعس، ودفعه نحو الاعتراف، فالتضامن، فالمساءلة.*
*لكننا في المقابل، لا بد أن نُحسن التقاط اللحظة، وأن نستثمرها في تحريك الإعلام الدولي، وتحشيد منظمات حقوق الإنسان، واستنهاض صوت الجاليات السودانية في أوروبا وأميركا لتكثيف الضغط، وترجمة التقارير المحلية، وتوثيق الانتهاكات بلغات العالم جميعها.*
*نحن، لا نطلب من العالم أن يحارب عنا، ولا أن يتبنّى قضايانا بلا قيد. لكن أقل الإيمان أن يعترف بالحقائق، ويكفّ عن صمته المريب. وإن كان لزامًا أن ننتظر برنار هنري ليفي ليُحدث هذا الأثر، فلنحسن توظيف شهادته في كشف المستور، وفضح القتلة، وتوجيه البوصلة الإعلامية والسياسية نحو هذه (الحرب المنسية).*
*ولربما تكون شهادته، في نهاية المطاف، بمثابة (نقر الطبل و صوته في بيت الأطرش)، لكنه صوتٌ لا بد أن يُسمع، وأن يُضخّمه كل من لديه ضمير ووعي، من أجل الحقيقة، ومن أجل الضحايا، ومن أجل بقاء ما تبقّى من السودان.*
د. أسامة محمد عبدالرحيم
إنضم لقناة النيلين على واتساب