الأب سامي اليسوعي يكتب: صفات أجسادنا بعد القيامة
تاريخ النشر: 15th, August 2023 GMT
أجسادنا بعد القيامة لغز يحيّر العقول، والديانات التوحيديّة، خصوصًا المسيحيّة والإسلام، لا تقول شيئًا كثيرًا عنها. ولعلّ السؤال الأهمّ الذي يريد الإنسان الإجابة عنه يتعلّق بالشكل. كيف سيكون شكلي في يوم القيامة وبعده؟
للإجابة عن هذا السؤال، سوف نعتمد قاعدةً كما فعلنا في جوابنا عن صفات الجنّة قبل أسبوعَين.
إنّ العلوم الدينيّة التي تتبحّر في هذا الموضوع تحتاج إلى مساعدة علومٍ أخرى أهمّها فقه اللغة والفلسفة. مَن لا يستعين بهما يضلّ سواء السبيل.
اللغة والفلسفة تميّزان الجسم عن الجسد. إنّهما كلمتان مختلفتان. الجسم هو مجموعة الخلايا التي تشكّل عظامنا ولحمنا ودمنا. إنّه متبدّل، خاضع للزمن، مصيره الفناء. إنّه من التراب وإلى التراب يعود.
أمّا الجسد فهو كيان موجود ولكن بطريقةٍ غير ملموسة. حين أرى صوري وأنا في الثانية من عمري، والخامسة، والعاشرة، والعشرين، والثلاثين، والخمسين... أرى الجسم تغيّر كثيرًا. لكنّي أقول على كلّ صورة: هذا أنا. الجسم تغيّر، لكنّ شيئًا فيّ يستمر ويجعلني أقول: هذا أنا. إنّه الجسد (وليس الجسم).
يراني شخص لم أره منذ صباي فيقول: يا الله، كم تغيّرت يا فلان. إنّه يعلن أنّ جسمي تغيّر، ويعلن بكلمة «يا فلان» أني أنا هو الذي عرفه في الماضي بجسمٍ آخر ولست شخصًا آخر. يقول بعض علماء النفس: الجسد (وليس الجسم) هو الأنا.
مثال آخر: أرى يرقةً على ورقة شجرة تزحف بجسمها الثقيل المتطاول وأرجلها الكثيرة. وتبني اليرقة شرنقة وتدفن نفسها فيها. وبعد فترة، تثقب الشرنقة وتخرج منها فراشة رشيقة وبعدد أرجلٍ محدود. مَن هذه الفراشة؟ إنّها اليرقة. جسمها تغيّر، ولكنّ فيها شيء تابع وجوده وهو ما نسمّيه الجسد.
هل توضّحت الصورة؟ لكلّ واحدٍ منّا كيانان، كيان مادّي نسمّيه الجسم، وكيان لا مادّي نسمّيه الجسد. والقيامة هي قيامة الأجساد لا الأجسام. وهي لا تتعارض مع المبدأ الذي طرحناه: عالم الله عالم روحيّ لا مادّي.
على هذا الأساس، كلّ الصور التي تستعملها النصوص الدينيّة لوصف الأجساد بعد القيامة هي صور مجازيّة ينبغي ألاّ نفهمها بحرفيّتها، لأنّها تحاول أن تصف ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر ببال بشر. إنّها كمَن يشرح لأعمى ما هو اللون الأخضر، وما هو اللون الأصفر.
ذات يوم، أتت مجموعة من الصدّوقيّين، وهي مجموعة يهوديّة لا تؤمن بالقيامة، وسألت المسيح عن الأجساد من الناحية الجنسيّة فأجابهم: «في القِيامَةِ لا الرِّجالُ يَتَزَوَّجون، ولا النِّساءُ يُزَوَّجنَ، بل يَكونونَ مِثلَ الملائِكَةِ في السَّمَاء» (متى 22: 30).
أخبرني بعض أصدقائي المسلمين أنّ فكرة الأجساد الملائكيّة هذه تراود تفكير رجال دينٍ إسلاميّ روحانيّين. فهؤلاء يشعرون بالضيق من سوء استغلال فكرة الحوريّات في الجنّة، وبدأوا يطرحون أفكارهم، ويواجهون معارضةً شديدة من الأصوليّين. فقرأتُ عددًا من المقالات التي كتبوها، وسأحاول أن ألخّص أفكارهم:
تقول الرواية عن خطيئة آدم في القرآن الكريم: «فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ» (الأعراف 22). ويفسّرها رجال الدين المحدّثين هؤلاء كما يلي:
حين خلق الله آدم وحوّاء أزواجا، خلقهما بدون أعضاء تناسليّة. وحين خالفا وصيّته وأكلا من الشجرة «بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا» أي ظهرت لهما أعضاء تناسليّة، فأخرجهما الله من الجنّة وقبِلَ توبة آدم. هذا يعني أنّه ليس لساكن الجنّة أعضاء تناسليّة، إذ لا حاجة له بها في هذا العالم الطاهر الخالي من الموت.
لقد وضع ربّ العالمين الأعضاء التناسليّة لوظيفة محدّدة: التكاثر من أجل الحفاظ على النوع من الانقراض. هذه شريعة الخليقة كلّها. والانقراض يتمّ بالموت بدون خلف. وبما أنّ الحياة في الجنّة حياة أبديّة، ولا وجود للموت فيها، ليست هناك حاجة إلى التكاثر إذ لا خطر من الانقراض.
ويتساءل المحدّثون عما هو شائع في شأن الحوريّات: لمَ الجنس مع الحوريّات؟ هل للمتعة؟ هذه مشكلة. أيّهما أمتع: رؤية النور الإلهيّ والحضور دائمًا أبدًا في كنف الله أم التمتّع الجنسيّ بأنثى جميلة؟ وهل يكون السلوك بارًّا إذا فضّل «المؤمن» اللذّة الجنسيّة على متعة صحبة ربّ العالمين؟
إنطلاقًا من أسلوب التفكير هذا، يعلن هؤلاء المحدّثون أنّ الأعضاء التناسليّة ستختفي (بعضهم يقول ستتعطّل) في الجنّة، إذ لا حاجة للمؤمن إليها، ولا دور لها. وذكر الحوريّات والإستبرق مجاز لغويّ، تشبيه، يجب ألاّ نفهمه حرفيًّا. ففي ذلك الزمان، كانت متعة الرجل الجنس، ومتعة المرأة التبرّج والحليّ لتبدو جميلة. وذكر هذه الأمور في الجنّة تعبير مجازيّ عن أنّ الجنّة عالم متعةٍ وجمال. والمتعة تتمّ برؤية الله وصحبته، والجمال هو جمال العالم الطاهر وسكّانه الصدّيقين والصدّيقات، وتمّ التعبير عن هذا كلّه بصورٍ مجازيّة.
ويعكف هؤلاء المحدّثون على تفسير كلّ الآيات التي تتحدّث عن موجودات الجنّة وسلوك سكّانها، ليصبّ التفسير في هذا الاتّجاه اللامادّي. ويعتمدون في تفسيرهم على فقه اللغة (المجاز والمعاني) والمنطق في علم الفلسفة.
لستُ مخوّلًا لإبداء الرأي في صواب ما يقولونه أو خطأه، لكنّه يراعي القاعدة التي ذكرناها في البداية: عالم الله عالم روحيّ لا مادّي. وتفسيرهم يقترب من فهم المسيحيّين للجسد، وهو فهم يعتمد على مصدرَين: ما قاله المسيح، وحالة جسده بعد القيامة.
فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ المسيح قام بالجسد (راجع التشبيه باليرقة والفراشة)، وهو نموذج لقيامتنا، وهذا الجسد ممجّد لا يخضع لقوانين المادّة؛ مثلًا، لا يحتاج لفتح الباب كي يدخل الغرفة، بل يدخل والأبواب مغلقة. ولا يحتاج إلى الأكل والشرب ليعيش، لكنّه يأكل إذا أراد (لا إذا احتاج) ويشرب.
في هذا التصوّر، يفقد السؤال عن الشكل أهمّيّته، لأنّ الشكل يخصّ الجسم لا الجسد. وبالتالي، لا معنى لأن أتساءل: كيف سيكون شكل جسدي في القيامة، جسد شيخ أم شاب؟ لأنّ جسدي لن يكون هذا ولا ذاك، حيث إنّ الشباب والشيخوخة ينتميان إلى العالم المادّي، وعالم الله عالم لا مادّي.
هذا رأيي، ولا تسألوني عن تفاصيل أكثر، لأنّ العلم عند الله، وما أوتيتُ من العلم إلاّ القليلا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: أقباط
إقرأ أيضاً:
د. عادل القليعي يكتب: ولكم فى التفكر حياة يا أولي الألباب
عنوان قد يثير جدلا كثيرا، فما الذي يقصده الكاتب بهذا العنوان، ولماذا وصف التفكر بالحياة، وهل نحن بحاجة إلى التفكير ولماذا؟!، وما علاقة التفكر بالتأمل؟!.
لكن قبل الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة ينبغي علينا أن نقدم تعريفا لغويا وإصطلاحيا لكلمة الفكر.
الفكر لغة : جاءت مادة فكر فى لسان العرب لابن منظور، بمعنى إعمال الخاطر فى الشيئ ، وفى المعجم الوسيط ،الفكر مقلوب عن الفرك ، لكن يستعمل الفكر فى الأمور المعنوية ، وهو فرك الأمور و بحثها للوصول إلى حقيقتها ويقال تفكر إذا ردد قلبه معتبرا ، ورجل فكير، أى كثير الفكر.
وردت مادة فكر فى القرآن الكريم فى نحو عشرين موضعا ولكنها بصيغة الفعل ولم ترد بصيغه الإسم أو المصدر ، (إنه فكر وقدر )،
أما من الناحية الإصطلاحية فيقول الراغب الأصفهاني، الفكر قوة مطردة للعلم إلى المعلوم ، وجوالان تلك القوة بحسب نظر العقل ، وذلك للإنسان دون الحيوان.
أما فى المعجم الوسيط، فالفكر هو إعمال العقل فى المعلوم للوصول للمجهول.
فمنذ أن خلق الله الإنسان وأوجده على ظهر الأرض لم يتركه هملا يتيه فيها، ولم يتركه تتقاذفه الأهواء والميول والشهوات، ولكن منحه نعمة أنعم بها عليه دون سائر مخلوقاته، هذه النعمة هي نعمة العقل الذى يضبط وينظم حياة الإنسان عن طريق تفكير موضوعي سليم يضع معه الأمور في نصابها الصحيح فلا يحيد ولا يميد عن الجادة والصواب، فتنتظم حياته المادية والبيولوجية والفسيولوجية.
وهنا يتجلى دور العقل في أروع صوره، بمعنى أننا نحب أن نأكل وأن نشرب لتستقيم حياتنا، لكن دونما إفراط أو تفريط وهنا يأتي دور التفكير فإذا ما انقاد الإنسان وراء شهواته المادية تحول من صفة الإنسية إلى البهائمية. وهنا يقول له العقل تفكر في ما أنت مقدم عليه، فإذا ما أفرطت يقول لك، وماذا بعد الإفراط ستصاب بالأمراض من جراء إسرافك قي مأكلك ومشربك، ولكن كن معتدلا تستقم كل أمورك.
وكذلك الأمر بالنسبة للذي يوظف جل حياته توظيفا كاملا في إشباع الناحية الروحية فيقوده ذلك إلى الزهد والتقشف فى كل متع ونعم الحياة، فيقف أمامه العقل مهذبا هذه النفوس ورغباتها الجامحة، فيقول لها قفي عند منتهاك وانتهجي منهجا وسطيا دونما إسراف أو تفريط فكوني في المنتصف فلا زهد مطلق، ولا شهوات مطلقة.
وهذه صورة من صور التفكير، وثم صور أخرى للتفكير، فهناك من يوظف فكره وقد يكون على قدر رهيب من الذكاء ونظرا لظروف مصادفة ألمت به كأن يصاب بضائقة مالية أو للأسف أي أزمة من الأزمات التى لا تخلو منها حياتنا، فإما أن يقوده تفكيره إلى الإنحراف ويتجه إلى طرق غير مشروعة لكسب المال، أو فى لحظات ضعفه قد يقوده هذا التفكير إلى التخلص من حياته وهو بذلك يكون قد خسر الدنيا والآخرة، وذلك هو الخسران المبين.
وهناك نوع ثالث من التفكير، فقد يقدم الإنسان على عمل ما سواء في الكتابة أو أي مشروع من المشروعات وقد يظن أنه أخفق فيه لتأخر ردود الأفعال، فيقوده تفكيره إلى الإنطواء والانزواء واعتزال الناس، فلا يكتب ولا ينتج وقد يصاب بالمرض النفسي.
هذه صورة أخرى من صور التفكير السلبي، والذي كثيرا ما نلاحظه عند كثير من الشباب، كأن يقول بعضهم لماذا نتعلم، ما فائدة الشهادة التي سنحصل عليها، سنعلقها على الحائط، ما قيمة شهادة الماجستير والدكتوراة التي حصلنا عليها ولا نعمل بها.
أقول لكم نعم وعندكم حق في مطالبكم المشروعة، لكن أسألكم سؤالا، هل أنتم أقدمتم على التعليم للحصول على هذه الشهادات حبا في العلم أم جواز مرور لتحصلوا من خلاله على فرص عمل، أنا لا أخالفكم ولا أختلف معكم ، لست بأفضل منكم حصلنا على الشهادات وكافحنا وعملنا في العمل الحرفي الشاق وجعلنا الله أمامنا إلى أن رزقنا الله تعالى من فضله، فلا تسول لكم أنفسكم أن تياسوا من حياتكم، بل استمروا في كفاحكم وحقكم ستحصلون عليه عاجلا أم آجلا ولعل في ذلك حكمة لا نعلمها نحن، وإنما يعلمها العليم الخبير.
وثم نوع آخر من التفكير السلبي، كمن ينظر في حياته المعيشة وواقعه الذي يحياه من ضيق في الأرزاق، وارتفاع فى الأسعار وضغط في المصاريف، فيصب وابلا من اللعنات على حياته وعلى مجتمعه وعلى دولته، وحتى على أسرته، وقد لا يكتفي بذلك بل قد يشكو الله تعالى ولله المثل الأعلى، كأن يقول يا رب نصلي ونكثر الدعاء ونقوم الليل، فلماذا لا تستجيب ولماذا تؤخر عنا الإستجابة ولماذا هذا الضيق في الأرزاق، أقول لك بكثير من التأمل والتفكير أليس ذلك ابتلاءات منه تعالى ليميز الخبيث من الطيب، ليعلم من سيصبر أم سيجزع، هل ابتلاءكم أشد أم ابتلاء الأنبياء، بقليل من التفكير هل الذي يخلق ينسى، هل الذي يرزق النملة السوداء تحت الصخرة الصماء في الليلة الظلماء هل سينساك، وإنما هى رحمات من الله تعالى، إنا كل شيئ خلقناه بقدر، فهل سنصبر فنؤجر أم نتجزع فنؤثم.
وأعلموا بقليل من التأمل أنه لا يقع في ملك الله إلا ما كتبه الله وقدره.
ففوضوا أموركم إلى الله تعالى ولكم في سيدنا يوسف وإخوته وأبيهم العظات والعبر، ولكم في ستنا البتول مريم عليها السلام العبر، ولكم في سيدنا زكريا، وإبراهيم وأيوب العظات الجسام، ولنا في سيد الكونين وآل بيته المواعظ الجمة والعبرة، ولنا في الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وفي استشهادهما العبرالعبر.
ولنا في موسي العبر قال له قومه، إنا لمدركون، انظروا واعتبروا وتأملوا رده، قال كلا إن معى ربي سيهدين، تفكروا في هذا اليقين وحسن الظن بالله تعالى.
السيدات والسادة، أنا لا أقول مواعظ وحكم وأعطيكم مسكنات لأسكن بها آلامكم، فآلامكم هي آلامي، كلنا هذا الرجل، وطموحاتكم هي طموحاتي وطموح أولادي، لكن نحاول قدر استطاعتنا أن نبقى متماسكين واقفين على أقدامنا مستمسكين بالأمل فى الله تعالى، مستمسكين بحبال اليقين متفكرين متدبرين متأملين.
ومن صور التفكير السلبي، من ينقاد بفكره خلف تيارات بعينها نتيجة قراءته لبعض الكتيبات المشبوة المجهولة المصدر، أو حتى معلومة المصدر، لكنها تدعوا إلى الفرقة وإلي الطائفية والعنصرية، فيشطح بفكره ويشذ عن الصواب ويتطرف ويسير خلف جماعات تكفيرية تدعوا إلى تكفير القوم، وتدعوا إلى حمل السلاح بحجة أن المجتمع كافر، وتلك مصيبة وطآمة كبرى.
أو كالذي يقوده تفكيره إلى اعتناق أفكار غريبة كأفكار الوجودية الملحدة مثلا، أو كأفكار الماركسية، وحديثهم عن المادية التاريخية أو المادية الجدلية، ونعوقهم بما لا يعلمون قائلين بتاريخانية القرآن الكريم وأنه ظاهرة بشرية، وأن الإسلام وكل الديانات جاءت فى مجملها وتفصيلها حركات ثورية تاريخية، إن هذا لشيئ عجاب، إن هذا إلا اجتراء وافتراء على الأديان، متشدقين بعبارات رنانة مدعين أن هذه مشاريع حضارية، أقول لو كان ذلك كذلك وبقليل من التفكير لماذا لم تنجح هذه المشاريع وباءت جميعها بالفشل.
تلك هي بعض صور التفكير السلبي.
أما صور التفكير الإيجابي التأملي الذي يقود صاحبه إلى الحق وإلى اليقين المعرفي الذي هو طريق مستقيم، ذلك التفكير المبني على أسس منضبطة وركائز ثابتة، ذلك التفكير الذي دعا إليه الله تعالى إعمالا للعقل، الذي يقوم على الإعتبار، فاعتبروا يا أولي الألباب، التفكر في ملك وملكوت الله تعالى، (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب، الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض، ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار).
التفكير المنطقي السليم الذي يصل من خلاله المرء إلى حقيقة المطلق الله تعالى، وأنه تعالى جد ربنا، وأنه الخالق الباري المصور، وأنه الأول والآخر والظاهر والباطن، وأنه جماع كل المتناقضات فهو أول وهو آخر، وهو ظاهر وهو باطن ليس العيون تراه، تفكير ميتافيزيقي تشعر خلاله أنك وظفت عالم الملك والملكوت ووصلت من خلاله صعودا إلى رب الملكوت.
ثم يعود بك التفكير، إلى تفكير فيزيقي، في العالم الطبيعي والعلوم الطبيعية والإنسانية فتدرس التاريخ والجغرافيا، والفلسفة، وعلم النفس ، والفلك، والطب، والهندسة ، والقانون والزخرفة ، والموسيقى.
لماذا كل هذا، نعم لأنها مقومات حياة وما الذي يبنيها فكرنا وعقولنا.
فهل تركنا التفكير السلبى وراء ظهورنا واتجهنا بكليتنا قلبا وقالبا إلى التفكير البناء، التفكير الإيجابي الذي نبني من خلاله ذواتنا المفكرة وهويتنا الفكرية ومكونات ثقافتنا.
والذي من خلاله نبني أوطاننا الداخلية، ذواتنا المفكرة، لأنها إذا بنينت جيدا فإن ذلك البناء سينعكس على حياتنا التي سنرقى من خلالها.
نعم يا سادة
فالتفكير حياة.
التفكير=الحياة.