أجسادنا بعد القيامة لغز يحيّر العقول، والديانات التوحيديّة، خصوصًا المسيحيّة والإسلام، لا تقول شيئًا كثيرًا عنها. ولعلّ السؤال الأهمّ الذي يريد الإنسان الإجابة عنه يتعلّق بالشكل. كيف سيكون شكلي في يوم القيامة وبعده؟

للإجابة عن هذا السؤال، سوف نعتمد قاعدةً كما فعلنا في جوابنا عن صفات الجنّة قبل أسبوعَين.

والقاعدة هي: عالم الله عالم روحيّ لا مادّي. قاعدة غريبة أليس كذلك؟ النظرة السريعة تقول إنّها لا تتوافق مع الإيمان بقيامة الأجساد. تعالوا لنرَ حقيقة الأمر.

إنّ العلوم الدينيّة التي تتبحّر في هذا الموضوع تحتاج إلى مساعدة علومٍ أخرى أهمّها فقه اللغة والفلسفة. مَن لا يستعين بهما يضلّ سواء السبيل.

اللغة والفلسفة تميّزان الجسم عن الجسد. إنّهما كلمتان مختلفتان. الجسم هو مجموعة الخلايا التي تشكّل عظامنا ولحمنا ودمنا. إنّه متبدّل، خاضع للزمن، مصيره الفناء. إنّه من التراب وإلى التراب يعود.

أمّا الجسد فهو كيان موجود ولكن بطريقةٍ غير ملموسة. حين أرى صوري وأنا في الثانية من عمري، والخامسة، والعاشرة، والعشرين، والثلاثين، والخمسين... أرى الجسم تغيّر كثيرًا. لكنّي أقول على كلّ صورة: هذا أنا. الجسم تغيّر، لكنّ شيئًا فيّ يستمر ويجعلني أقول: هذا أنا. إنّه الجسد (وليس الجسم).

يراني شخص لم أره منذ صباي فيقول: يا الله، كم تغيّرت يا فلان. إنّه يعلن أنّ جسمي تغيّر، ويعلن بكلمة «يا فلان» أني أنا هو الذي عرفه في الماضي بجسمٍ آخر ولست شخصًا آخر. يقول بعض علماء النفس: الجسد (وليس الجسم) هو الأنا.

مثال آخر: أرى يرقةً على ورقة شجرة تزحف بجسمها الثقيل المتطاول وأرجلها الكثيرة. وتبني اليرقة شرنقة وتدفن نفسها فيها. وبعد فترة، تثقب الشرنقة وتخرج منها فراشة رشيقة وبعدد أرجلٍ محدود. مَن هذه الفراشة؟ إنّها اليرقة. جسمها تغيّر، ولكنّ فيها شيء تابع وجوده وهو ما نسمّيه الجسد.

هل توضّحت الصورة؟ لكلّ واحدٍ منّا كيانان، كيان مادّي نسمّيه الجسم، وكيان لا مادّي نسمّيه الجسد. والقيامة هي قيامة الأجساد لا الأجسام. وهي لا تتعارض مع المبدأ الذي طرحناه: عالم الله عالم روحيّ لا مادّي.

على هذا الأساس، كلّ الصور التي تستعملها النصوص الدينيّة لوصف الأجساد بعد القيامة هي صور مجازيّة ينبغي ألاّ نفهمها بحرفيّتها، لأنّها تحاول أن تصف ما لم تره عين، ولا سمعت به أذن، ولا خطر ببال بشر. إنّها كمَن يشرح لأعمى ما هو اللون الأخضر، وما هو اللون الأصفر.

ذات يوم، أتت مجموعة من الصدّوقيّين، وهي مجموعة يهوديّة لا تؤمن بالقيامة، وسألت المسيح عن الأجساد من الناحية الجنسيّة فأجابهم: «في القِيامَةِ لا الرِّجالُ يَتَزَوَّجون، ولا النِّساءُ يُزَوَّجنَ، بل يَكونونَ مِثلَ الملائِكَةِ في السَّمَاء» (متى 22: 30).

أخبرني بعض أصدقائي المسلمين أنّ فكرة الأجساد الملائكيّة هذه تراود تفكير رجال دينٍ إسلاميّ روحانيّين. فهؤلاء يشعرون بالضيق من سوء استغلال فكرة الحوريّات في الجنّة، وبدأوا يطرحون أفكارهم، ويواجهون معارضةً شديدة من الأصوليّين. فقرأتُ عددًا من المقالات التي كتبوها، وسأحاول أن ألخّص أفكارهم:

تقول الرواية عن خطيئة آدم في القرآن الكريم: «فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ» (الأعراف 22). ويفسّرها رجال الدين المحدّثين هؤلاء كما يلي:

حين خلق الله آدم وحوّاء أزواجا، خلقهما بدون أعضاء تناسليّة. وحين خالفا وصيّته وأكلا من الشجرة «بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا» أي ظهرت لهما أعضاء تناسليّة، فأخرجهما الله من الجنّة وقبِلَ توبة آدم. هذا يعني أنّه ليس لساكن الجنّة أعضاء تناسليّة، إذ لا حاجة له بها في هذا العالم الطاهر الخالي من الموت.

لقد وضع ربّ العالمين الأعضاء التناسليّة لوظيفة محدّدة: التكاثر من أجل الحفاظ على النوع من الانقراض. هذه شريعة الخليقة كلّها. والانقراض يتمّ بالموت بدون خلف. وبما أنّ الحياة في الجنّة حياة أبديّة، ولا وجود للموت فيها، ليست هناك حاجة إلى التكاثر إذ لا خطر من الانقراض.

ويتساءل المحدّثون عما هو شائع في شأن الحوريّات: لمَ الجنس مع الحوريّات؟ هل للمتعة؟ هذه مشكلة. أيّهما أمتع: رؤية النور الإلهيّ والحضور دائمًا أبدًا في كنف الله أم التمتّع الجنسيّ بأنثى جميلة؟ وهل يكون السلوك بارًّا إذا فضّل «المؤمن» اللذّة الجنسيّة على متعة صحبة ربّ العالمين؟

إنطلاقًا من أسلوب التفكير هذا، يعلن هؤلاء المحدّثون أنّ الأعضاء التناسليّة ستختفي (بعضهم يقول ستتعطّل) في الجنّة، إذ لا حاجة للمؤمن إليها، ولا دور لها. وذكر الحوريّات والإستبرق مجاز لغويّ، تشبيه، يجب ألاّ نفهمه حرفيًّا. ففي ذلك الزمان، كانت متعة الرجل الجنس، ومتعة المرأة التبرّج والحليّ لتبدو جميلة. وذكر هذه الأمور في الجنّة تعبير مجازيّ عن أنّ الجنّة عالم متعةٍ وجمال. والمتعة تتمّ برؤية الله وصحبته، والجمال هو جمال العالم الطاهر وسكّانه الصدّيقين والصدّيقات، وتمّ التعبير عن هذا كلّه بصورٍ مجازيّة.

ويعكف هؤلاء المحدّثون على تفسير كلّ الآيات التي تتحدّث عن موجودات الجنّة وسلوك سكّانها، ليصبّ التفسير في هذا الاتّجاه اللامادّي. ويعتمدون في تفسيرهم على فقه اللغة (المجاز والمعاني) والمنطق في علم الفلسفة.

لستُ مخوّلًا لإبداء الرأي في صواب ما يقولونه أو خطأه، لكنّه يراعي القاعدة التي ذكرناها في البداية: عالم الله عالم روحيّ لا مادّي. وتفسيرهم يقترب من فهم المسيحيّين للجسد، وهو فهم يعتمد على مصدرَين: ما قاله المسيح، وحالة جسده بعد القيامة.

فالمسيحيّون يؤمنون بأنّ المسيح قام بالجسد (راجع التشبيه باليرقة والفراشة)، وهو نموذج لقيامتنا، وهذا الجسد ممجّد لا يخضع لقوانين المادّة؛ مثلًا، لا يحتاج لفتح الباب كي يدخل الغرفة، بل يدخل والأبواب مغلقة. ولا يحتاج إلى الأكل والشرب ليعيش، لكنّه يأكل إذا أراد (لا إذا احتاج) ويشرب.

في هذا التصوّر، يفقد السؤال عن الشكل أهمّيّته، لأنّ الشكل يخصّ الجسم لا الجسد. وبالتالي، لا معنى لأن أتساءل: كيف سيكون شكل جسدي في القيامة، جسد شيخ أم شاب؟ لأنّ جسدي لن يكون هذا ولا ذاك، حيث إنّ الشباب والشيخوخة ينتميان إلى العالم المادّي، وعالم الله عالم لا مادّي.

هذا رأيي، ولا تسألوني عن تفاصيل أكثر، لأنّ العلم عند الله، وما أوتيتُ من العلم إلاّ القليلا.

 

المصدر: البوابة نيوز

كلمات دلالية: أقباط

إقرأ أيضاً:

تربية نوعية أسيوط تمنح سلمى طلعت أول درجة دكتوراه في فلسفة لغة الجسد بدرجات السعادة

 

 

 

منحت كلية التربية النوعية بجامعة أسيوط تحت قيادة الدكتورة ياسمين الكحكى عميد الكلية الباحثة سلمى طلعت محروس المدرس المساعد بقسم التربية الفنية بجامعة أسيوط  اول درجة دكتوراه فى فلسفة لغة الجسد بدرجات السعادة 

وكان عنوان الرسالة تحت عنوان رؤية تصويرية معاصرة مستلهمة من فلسفة لغة الجسد


وتكونت لجنة المناقشة من الدكتور محمد أحمد عرابى أستاذ التصوير وعميد كلية الفنون الجميلة بالجامعة المصرية الروسية بالاقصر سابقا مشرفا ومقررا والدكتورة منال محمد مبارك أستاذ مساعد التصوير الجدارى بكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر مناقشا والدكتورة إيمان عبدالله محمد أستاذ مساعد طباعة المنسوجات بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط مشرفا والدكتورة دعاء محمد المراغى أستاذ مساعد  طباعة المنسوجات بكلية التربية النوعية بجامعة أسيوط مناقشا

وقالت الباحثة سلمى طلعت محروس فى تصريح للفجر ان فلسفة لغه الجسد هى فلسفة نفسية حديثة تخوض في عمق المشاعر والأحاسيس فتعبرعنها وتعكس
وجوهرها الباطن بشكل شفرة إيمانية جسدية مادية للتواصل مع العالم الخارجي وفي اللون الأبيض فلسفة في حد ذاته فلسفة فهو رمزللنقاء والخير المطلق في الحياة وينعكس على لغة الجسد الداخلية والخارجية ومن النور دائما ياتي النور
ويعود مرة ثانية وقد يتضاعف بالخير 
والصفاء والبهجة في الروح فعند ما تدخل السعادة إلى قلوب الآخرين ستعرف السعادة عنوانك


وأضافت طلعت ان الفكرة تدور حول فلسفه الخير المطلق في الحياه والذي يعود بالطاقه طاقه الداخليه من الصفاء والانشراح والبهجه في الروح والتي بالتالي تنطبع وتنعكس على فلسفه لغه الجسد الداخليه والخارجيه

 

واشارت طلعت إلى إنه ا  تاثرت في تنفيذ هذه الاعمال بدراسه الفلسفه في لغه الجسد وفلسفه اللون وفلسفه الرمزيه في الفن وكذلك التعبيريه والتاثيريه وكذلك الفن المعاصر وكما درست النماذج متعدده من المدارس وكما تاثرت بمدارس متعدده من المدرسه الفنيه وكما قامت بدراسه ميدانيه  فنيه على بعض الفنانين منهم الفنان محمد احمد عرابى والفنان طاهر عبد العظيم والفنان مراد درويش والفنان وليد عبيد وغيرهم من الفنانين المعاصرين

 

واختتمت طلعت تصريحها للفجر ان المناقشة اشتملت على مختارات من الفنانين الاجانب من العصر الحديث والمعاصر كالفنان بوتيرو والفنان لوسيان فرويد وهو سيد رسم  الجسد البشرى وكذلك ابدعت في رسم لوحات رائعه تعبر عن فلسفه الخير المطلق في الحياه وتربطها بالنقاء الداخلي وانعكاسها على لغه الجسد والداخليه والخارجيه وعلم الطاقه البشريه ماشي وصفاء النفسي واختتمت اللوحات بلوحه السعاده الابديه داخليه ابديه وسلام لا ينتهي والتي والتي تاثرت فيها برأى الفلسفة عن الجسد وان السعاده للروح والجسد فيما بعد الحياه والطريق لها فى الاخلاق الكريمه والتى تعادل طاقه الجسد الداخليه وتنطبع فى ايمائته الخارجيه وتعبيراته وتنشر الصفاء والبهجه والنقاء والرقى

مقالات مشابهة

  • صفات القيادة عند الحلبوسي
  • «عالم أزهري» يفجر مفاجأة عن وفاة النبي محمد ﷺ
  • هل مات الرسول متأثرا بالسم؟ عالم أزهري يحسم الجدل في كيفية وفاة النبي
  • الجزائر تطيح بالجنرال الذي أغضب فرنسا.. نهاية حقبة أم مناورة تكتيكية؟
  • بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد القديسة ريتا بكنيسة الآباء الفرنسيسكان
  • أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا.. والجسد أمانة سنُسأل عنها يوم القيامة «فيديو»
  • تربية نوعية أسيوط تمنح سلمى طلعت أول درجة دكتوراه في فلسفة لغة الجسد بدرجات السعادة
  • إسحق أحمد فضل الله يكتب: (معرض ياباني)
  • الزيود يكتب: العيسوي.. بالشده والرخاء تظهر مواقف الرجال
  • هؤلاء هما أفضل عباد الله يوم القيامة فحاول أن تكون منهم.. الأزهر للفتوى يوضح