ترامب رئيساً مجددا ً ماذا يعني هذا لليمن؟
تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT
تأخذ الانتخابات الأمريكية حيزاً كبيراً من الاهتمام لمكانة أمريكا وتأثيرها في وعلى العالم . لكن هذه الانتخابات كانت شاغلا أكبر لأنها مفصلية وتحمل في طياتها بذور تحول جذري في واحدة من اقوى الديمقراطيات.
لا تقتصر التحولات على المجال الداخلي الأميركي الذي يعد بها ترامب في هوانج انتخابي تفصيلي من قرابة ألف صفحة أعدته مؤسسة Heritage Foundation
يظهر فيها ترامب اكثر نضجا أيديولوجيا مما سبق ولديه رؤية سياسية لما ستكون عليه أمريكا ويحمل برنامجا تفصيليا سيجعل الدولة العميق في أمريكا هي دولة ترامبية لسنوات قادمة لأنه يستعد – على عكس من سبقوه – لتغيير ملامح المؤسسات الأميريكية باستصناع الجديدة منها وتوظيف قرابة 24 الف موظف في مستويات إدارية مختلفة.
بل تتعدى هذه التغيرات إلى ما وراء أمريكا من خلال إعادة صياغة لتحالف الأطلسي وتحديد مسار التنافس الأمريكي- الصيني وتقرير مصير الحرب في أوكرانيا وبالطبع دفع مجرى الصراع في منطقتنا اللتي تسمي الشرق الأوسط نحو ساقية جديدة تشمل تعزيز تحالفات نفعية باهظة ماليا مع بعض الدول وتحجيم لإيران وإطلاق يد إسرائيل وربما تعزيز موقع تركيا اردوغان.
لكن دون الذهاب إلى قول وتكرار ما يقال اود التطرق إلى ما الذي قد يطرأ على اليمن في العهد الترامبي الجديد الذي سيكون فيه ترامب كامل الصلاحيات دون معارضة نيابية لمدة عامين على الأقل وبالطبع بسلطات عدلية لم يحظ بها رئيس أمريكي سابق.
علينا اولا تقديم خلاصة للمشهد اليمني . بلد منقسم من حيث السلطات الفعلية بين جماعة الحوثي والحكومة الشرعية وهذه الأخيرة حاصل تحالفات متناقضة وبقدرات اقتصادية هشة واعتماد خارجي كلي.
انضمت الجماعة الحوثي إلى محور ايران عمليا باسم مناصرة غزة واصبحت تهديدا فعليا للامن الدولي وللتجارة والملاحة العالميتين وتلقت اثرها ضربات عسكرية محدودة أمريكية وبريطانية او اسراييلية ولأول مرة تتدخل إسرائيل عسكريا في اليمن منذ قيامها.
استقر الحال في اليمن بان تراجع التحالف العربي العسكري عن عملياته العسكرية قبل خمس سنوات مقابل تسريع وتيرة الوصول إلى صفقة سياسية متعثرة مع الحوثي تصب في مصلحة الحوثي -دعائيا على الاقل باعتباره صمد ولم يتعرض لهزيمة وخرج هو الاقوى من بين كل القوى الاخرى اليمنية.
تدعم امريكا حلا سياسيا في اليمن لكن تدخلات الحوثي في الملاحة الدولية وضعت كوابح كبيرة امام هذا السلام الذي تدير تفاصيله السعودية في المقام الاول.
ولهذا، ترسخ رأي انه لم يعد هناك افق لاستعمال الحرب في اليمن وتغيير خارطة القوى سيما ودول التحالف لا ترغب بعودة الحرب ومستعدة لتقديم تنازلات هي في الأصل تقليص لمكان ودور الحكومة اليمنية.
ترامب بطبعه متقلب المزاج يسعى إلى الربح المطلق ويريد امريكا قوية في العالم . خلال ولايته الاولى لم يسارع إلى خوض حرب بل إلى اقامة صفقات عجيبة .
هناك تعويل كبيرة ان يقود تغيير الادارة الأمريكية إلى استئناف المعركة في اليمن وحصول الحكومة اليمنية على دعم متعدد الأشكال. لكن ترامب لا يريد خوض حرب لجنوده ، ولن يتحمل وحده أعباء معركة عسكرية في اليمن ولن يقف ضد رغبة السعودية التي لا تريد العودة إلى مربع المعارك حولها خصوصا في اليمن.
لذا فان استئناف حرب بضوء اخضر أمريكي ومن دون وجود طرف يدفع الكلفة امر قليل الاحتمال سيما وقوى الشرعية منقسمة في ظل مرواحة المجلس الانتقالي من اي صيغة جديدة سياسية قد تتكون بانتهاء المعركة مع الحوثي .
إلا ان هناك طرف جديد في الأمر هو إسرائيل . والانتصار المطلق الذي يروج له نتنياهو لن يكون إلا بتحجيم التهديدات المحيطة به ومنها التهديد الحوثي.
لذا ان وجد طرف ليتدخل عسكريا في اليمن لضرب اهداف حوثية ستكون إسرائيل وهذه قد تحظى بمباركة ومساعدة ترامب كجزء غير مكلف من تعهداته تجاه الكيان.
وقد تذهب إسرائيل مستفيدة من وضعها المعنوي وفورة الانتصار إلى اعادة رسم التحالفات في المنطقة وتشكيل محور جديد تديره هي يضم خصوم محور ايران.
عندها ستكون الحكومة اليمنية في ورطة اخلاقية مع شعبها.
ربما يلجأ الحوثي إلى تقليص تهديداته في الملاحة الدولية وبهذا بتجنب اي رد فعل عسكري دولي ولن يفعل ترامب شيئا اكثر من تأكيد التصنيف الراهن للجماعة الحوثي او تشديد التصنيف نوعا ما. لكن في كلا الحالتين هذا لا يعني خطرا وجوديا للجماعة الحوثية التي ستذهب إلى تفعيل السلام كسبا للوقت وممالأة للرغبة السعودية وبهذا تتجنب المسار العسكري دون الوصول إلى سلام.
مع هذا لا احد يتوقع ردود فعل ترامب العازم فعلا على تكسيح ايران. وتدخّل الحوثي في مسرح الحرب منذ عام يعني انه اصبح هدفا محتملا في هذا التكسيح. ولدرء خوص مواجهة أمريكية مع ايران قد يكون نصيب الحوثي من الاستهداف الأمريكي كبير. لكن هل هذا يعني ان تكسيح ذراع ايران في اليمن سيكون بتنسيق مع الحكومة اليمنية ويصب في صالحها؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن النظر في نتائج القصف الأمريكي او الإسرائيلي لاهداف حوثية وما هي منافعها على الحكومة اليمنية .
لم تتغير خارطة القوة في اليمن ولم تكسب الحكومة مواقع جديدة لانها لم تتقدم برياً ولم تتمكن من استئناف النفط. وهكذا سيكون الحال.
تبدو عودة ترامب سانحة لتغيير معادلات القوة في اليمن. إلا ان الحكومة، اولاً، غير مستعدة لانها لم تتمكن من تجسير قواتها وتوحيد نواياها وخلق تكتل سياسي وشعبي والحصول على تسليح يضمن تفوق ناري. كما انها لم تستعد عافيتها اقتصاديا. ولا ادري هل تستطيع في نصف عام ان تحقق هذه الاهداف لاقتناص الفرصة المنظورة.
ثانياً، إذا لم تستطع الحكومة اليمنية بناء علاقة مباشرة وتفتح قنوات اتصال مع ادارة ترامب والمحيطين به والمؤثرين في سياسته من افراد ومؤسسات وتضع نفسها على خارطة مصالحه فانها ستضيع بين انكفاء التحالف العربي وعدم رغبته في عودة الحرب وبين صلف إسرائيل التي يتحول اي تدخل منها في اليمن الى رصيدا شعبياً موقتاً في صالح الحوثية ولعنة على الحكومة.
ثالثاً، يمكن للحكومة العمل على مساريين. مسار دبلوماسي تتغير فيها صيغة السلام الذي يشيّد منذ فترة ويصب في صالح ملشنة اليمن.
ومسار عسكري تجعل من الحرب امر واقع لا يسع الأطراف الاقليمية والدولية إلا الانخراط فيها ولصالح رغبة الحكومة. بمعنى آخر عليها ان تبادر لتغيير المعادلة.
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفنور سبتمبر يطل علينا رغم العتمة، أَلقاً وضياءً، متفوقاً على...
تم مشاهدة طائر اللقلق مغرب يوم الاحد 8 سبتمبر 2024 في محافظة...
يا هلا و سهلا ب رئيسنا الشرعي ان شاء الله تعود هذه الزيارة ب...
نرحو ايصال هذا الخبر...... أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة ال...
عندما كانت الدول العربية تصارع الإستعمار كان هذا الأخير يمرر...
المصدر: يمن مونيتور
كلمات دلالية: الحکومة الیمنیة فی الیمن
إقرأ أيضاً:
التضخم يطرق الأبواب مجدداً.. والسبب رسوم ترامب
بينما يحبس صانعو القرار في واشنطن أنفاسهم ترقباً لتطورات التضخم، تتصاعد المخاوف داخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي من أن تؤدي الرسوم الجمركية التي فعّلها الرئيس دونالد ترامب مجدداً إلى دفع الأسعار نحو موجة ارتفاعات جديدة قد تُفضي إلى تضخم طويل الأمد، الأمر الذي يضع مستقبل أسعار الفائدة على طاولة المراجعة الدقيقة.
وفي قلب هذا الجدل، يقف الفيدرالي أمام اختبار بالغ التعقيد، يتمثل في كيفية التوفيق بين حماية الاقتصاد من التباطؤ، وبين التصدي لاحتمال تفاقم الضغوط التضخمية نتيجة السياسات التجارية، وبينما يدفع بعض أعضاء لجنة السوق المفتوحة نحو خفض وشيك للفائدة، يتريث آخرون خشية أن تشعل هذه الخطوة فتيل تضخم مزمن يصعب السيطرة عليه لاحقاً.
محضر اجتماع حاسم.. وتحذيرات واضحة
محضر اجتماع الفيدرالي لشهر يونيو، الذي عُقد يومي 17 و18 من الشهر ذاته، كشف عن انقسام واضح بين مسؤولي السياسة النقدية بشأن مدى تأثير الرسوم الجمركية على التضخم، فبينما رأى بعضهم أنها ستؤدي إلى زيادة مؤقتة في الأسعار، أعربت الأغلبية عن قلقها من تأثيرات أكثر استدامة قد تزعزع استقرار توقعات التضخم على المدى الطويل، بحسب ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز.
وأكد المشاركون في الاجتماع أن استمرار ارتفاع الأسعار قد يرفع من خطر فقدان السيطرة على التوقعات التضخمية، لا سيما مع تراجع الإنفاق الاستهلاكي وتباطؤ نمو الوظائف خلال الأشهر الماضية، في وقت تتزايد فيه الضغوط السياسية من الإدارة الأميركية لخفض تكاليف الاقتراض.
تضخم دائم؟
رئيس قسم الأسواق المالية في FXPro، ميشال صليبي، قال لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية إن “الرسوم الجمركية تشكل صدمة مباشرة للأسواق، إذ تدفع الأسعار إلى الارتفاع بسرعة، وقد تتحول آثارها إلى تضخم دائم في حال تم إدراجها ضمن التكاليف الثابتة في سلاسل الإنتاج والأسعار النهائية للسلع”.
وأضاف صليبي: “هذا ما يخشاه جيروم باول، رئيس الاحتياطي الفيدرالي، الذي شدد مراراً على ضرورة مراقبة أثر تلك الرسوم خلال صيف هذا العام، لا سيما أن مؤشر أسعار المستهلك في مايو لم يسجل سوى ارتفاع طفيف بنسبة 0.1 بالمئة، فيما لا تزال المستويات العامة للتضخم فوق الهدف البالغ 2 بالمئة”.
الرؤية الضبابية.. والضغط السياسي
المعركة داخل الفيدرالي لا تقتصر فقط على الجدل الاقتصادي، بل تتداخل معها اعتبارات سياسية متزايدة. فالرئيس ترامب كتب في منشور عبر “تروث سوشيال” أن “سعر الفائدة الحالي أعلى بثلاث نقاط مئوية على الأقل مما ينبغي”، ما اعتبره مراقبون ضغوطاً غير مباشرة على الفيدرالي لتسريع خفض الفائدة.
ورغم ذلك، يصر جيروم باول على أن سياسة البنك لن تخضع لأي تدخل سياسي، مؤكداً أن الاستراتيجية الحالية تستند إلى متابعة دقيقة للبيانات الاقتصادية وتقييم التطورات بتأنٍ قبل اتخاذ أي قرار مصيري.
التحذير من تكلفة الرسوم
جاد حريري، استراتيجي الأسواق في First Financial Markets، أشار في حديثه إلى اقتصاد سكاي نيوز عربية إلى أن “الرسوم الجمركية تدفع تلقائياً أسعار السلع المستوردة للارتفاع، وهو ما يُترجم إلى تضخم على مستوى المستهلكين والشركات على حد سواء، لا سيما في حال ارتفعت نسبة الرسوم من 2 بالمئة إلى 10 بالمئة مثلاً”.
ويحذر حريري من أن “هذه السياسات قد تعيد التضخم إلى مسار تصاعدي، مما يفرض على الفيدرالي أن يكون أكثر يقظة في قراراته المقبلة”.
بين التريث والتخفيض.. الفيدرالي في مفترق طرق
رغم أن الفيدرالي خفّض أسعار الفائدة العام الماضي بنقطة مئوية، إلا أنه علّق قرارات الخفض منذ ديسمبر، مع تباين واضح بين ما يسمى بـ”الصقور” الذين يفضلون التشدد، و”الحمائم” الداعين لتيسير أكبر في ظل تباطؤ مؤشرات النمو.
عضوا اللجنة ميشيل بومان وكريستوفر والر أشارا إلى أن المخاوف من أثر الرسوم الجمركية “مبالغ فيها”، لكن الأغلبية في محضر الاجتماع الأخير كانت أقرب إلى تبني موقف حذر، في ظل الضبابية التي تكتنف مستقبل الاقتصاد والتضخم.
نمو هش وإنفاق متراجع
بيانات سوق العمل لشهر يونيو أظهرت تباطؤاً في التوظيف، رغم تجاوز عدد الوظائف المضافة التوقعات عند 147 ألف وظيفة، بينما انخفضت النفقات الشخصية بنسبة 0.1 بالمئة، وتراجعت مبيعات التجزئة بـ 0.9 بالمئة، ما يعكس تباطؤاً في النشاط الاستهلاكي، أحد أبرز محركات الاقتصاد الأميركي.
خلاصة المشهد
الرسوم الجمركية التي أعادها ترامب إلى الواجهة قد تشكل عاملاً معطلاً لخطط الفيدرالي الرامية إلى خفض الفائدة، وتضع صناع السياسة النقدية أمام خيار بالغ التعقيد: إما التضحية بمعدلات النمو في سبيل كبح التضخم، أو المجازفة بخفض الفائدة في وقت لا تزال فيه الأسعار عرضة لاضطرابات مفاجئة.
كما يقول ميشال صليبي، فإن الخطر الأكبر لا يكمن فقط في الرسوم، بل في “غياب الرؤية الواضحة حيالها: ما مدتها؟ كيف تُحتسب؟ وهل ستُدمج في الأسعار بشكل دائم؟”، وهو ما يجعل مهمة الفيدرالي في الشهور المقبلة محفوفة بالتحديات