أساليب بدائية لمواجهة قسوة الشتاء بغزة
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
غزة – تحت التحليق المكثف للطيران الحربي الإسرائيلي على مدار الساعة، يعمل فايز العزازمة وفريقه في إنتاج الفحم من بقايا أشجار جرفتها قوات الاحتلال خلال توغلها البري في شرق مدينة خان يونس ومناطق جنوبي قطاع غزة.
يقول للجزيرة نت إنها مهنة مضرة صحيا ومخيفة في ظل الحرب، وبينما تُسمع أصوات انفجارات ناجمة عن غارات جوية إسرائيلية وقصف مدفعي بشكل واضح، يضيف "نعمل طوال الوقت على وقع هذه الانفجارات، ونخشى أن نكون هدفا لغارة جوية أو قذيفة مدفعية".
ولمواجهة فصل البرد والأمطار، يعمل فلسطينيون في خان يونس على إنتاج الفحم لاستخدامه بديلا عن الوقود وغاز الطهي من أجل التدفئة والاستخدامات الحياتية الأخرى.
ويحل الشتاء الثاني على الغزيين وغالبيتهم مشردين في الخيام ومراكز الإيواء في ظل أزمة حادة في غاز الطهي الأكثر استهلاكا في القطاع، وانقطاع تام للكهرباء وعدم توفر وسائل الطاقة البديلة وارتفاع أسعارها على نحو غير مسبوق.
ولكن العزازمة لا يكترث بهذه المخاطر بغية توفير "لقمة العيش" لأسرته التي خاض معها تجربة النزوح المريرة من مكان إلى آخر منذ نزوحهم القسري من شمال غزة مع بدايات الحرب عقب هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
يقول هذا الأب المكافح "في ظل هذه الحرب القاسية لم يعد أمامنا خيارات كثيرة من أجل البقاء على قيد الحياة وتوفير المأكل والمشرب لعائلاتنا وأطفالنا". تبدو على وجه العزازمة ملامح الشقاء من ظروف العمل القاسية وتعرضه ساعات طويلة لانبعاثات الدخان الكثيف الناجم عن احتراق الحطب.
ويجلب عاملون هذا الحطب من أراضٍ زراعية قريبة من السياج الأمني الإسرائيلي شرق خان يونس كانت قوات الاحتلال قد جرفتها ودمرت أشجارها، غالبيتها من الزيتون، ويقول العزازمة إنها "مهمة خطرة للغاية، فالوصول إلى تلك المناطق مغامرة كبيرة قد يدفع الشخص حياته ثمنا لها".
ونتيجة اعتماد الغزيين على الأخشاب والحطب بديلا للوقود وغاز الطهي، شهدت أسعارها ارتفاعا هائلا وتناقصت كمياتها في الأسواق، مما رفع من كلفة إنتاج الفحم بصورة لم يعهدها العزازمة من قبل، ويضيف "الحرب أثرت علينا في كل شيء ودمرت حياتنا، وبصعوبة بالغة نتدبر احتياجاتنا".
وبينما يتحدث العزازمة عن ظروف العمل المعقدة، انهمك عمال في تقطيع الحطب إلى قطع صغيرة ورصه على هيئة هرم، ثم تغطيته بالقش وبطبقة من الرمل تتخللها فوهات صغيرة ينبعث منها دخان كثيف نتيجة إشعال النار في القش واحتراق الحطب.
"بعد هذه المرحلة ننتظر أياما حتى يحترق الحطب بصورة كاملة تماما ويتحول إلى فحم، ونقوم بتعبئته وعرضه للبيع"، يوضح العزازمة.
وليس بمقدور كثير من الغزيين، الذين فتكت بهم الحرب وأفقدتهم أعمالهم ومصادر رزقهم ومدخراتهم، شراء الفحم نظرا لارتفاع أسعاره، وبحسب العزازمة فإن سعر الكيلوغرام منه يبلغ 20 شيكلا (حوالي 6 دولارات) أو أكثر، في حين لم يكن سعره قبل الحرب يتعدى 5 شواكل (أقل من دولارين).
وحتى اندلاع الحرب، كان اعتماد الغزيين بصورة أساسية على الفحم المستورد، غير أن دولة الاحتلال تمنع إدخاله عبر معبر كرم أبو سالم التجاري الوحيد الخاضع لسيطرتها، وتواصل احتلال معبر رفح البري بين القطاع ومصر للشهر السابع على التوالي.
ويندرج ذلك في سياق حصار خانق تفرضه إسرائيل وألقى بظلاله الثقيلة على زهاء 2.3 مليون فلسطيني في القطاع الساحلي الصغير، وطال حتى المساعدات الإنسانية، ولم يعد معه غالبية الغزيين قادرين على تدبر احتياجاتهم الأساسية، وصاروا يبحثون عن بدائل بدائية.
وبالنسبة للبعض، فإن استخدام الفحم أقل كلفة من غاز الطهي الذي يباع في السوق السوداء بأسعار باهظة تتراوح بين 70 و100 شيكل للكيلوغرام الواحد (بين 20 و27 دولارا)، في حين لا يزيد سعر الأسطوانة وزن 12 كيلوغراما عن 65 شيكلا (18 دولارا) قبل الحرب.
ويقول فايز العزازمة إن له زبائن من النازحين في الخيام ومراكز الإيواء يعتمدون بشكل أساسي على الفحم، خاصة مع دخول فصل الشتاء، حيث لا تقيهم هذه الخيام البرد الشديد، ويضيف أنه في كل مرة يطالبهم بالحذر الشديد لمخاطر استخدام الفحم في الخيام والأماكن المغلقة.
ولا يشكل لجوء الغزيين للفحم أو الحطب للتدفئة والطهي سابقة، فقد اعتاد كثير منهم على ذلك منذ فرض الاحتلال الحصار في منتصف العام 2007، ومعاناتهم مع أزمة كهرباء دائمة وتلاعب إسرائيلي متكرر بحركة المعابر مع القطاع.
وجراء غلاء الأسعار وأزمات مركبة خلقتها الحرب، برزت ظاهرة أطفال يجوبون الشوارع ويجمعون كل شيء قابل للاشتعال من أخشاب وأقمشة وكرتون وبلاستيك، يستخدمه نازحون لإشعال النار في أفران من الطين أقاموها في أماكن نزوحهم.
بدورها، تنجز أم علي أبو عمشة (37 عاما) أعمالها اليومية على فرن من الطين بناه زوجها في مدرسة نزحوا إليها قرب مجمع ناصر الطبي، وتقول للجزيرة نت "الأسعار نار وأسرتي كبيرة، وبصعوبة شديدة نوفر مستلزماتنا اليومية، الشتاء على الأبواب وربنا يستر".
هذه النازحة من بلدة بيت حانون في شمالي القطاع هي أم لـ11 طفلا، تنقلت بهم من مكان إلى آخر منذ اليوم الأول للحرب، آخرها في مايو/أيار الماضي على وقع اجتياح بري إسرائيلي لمدينة رفح التي أقاموا فيها لبضعة شهور.
وخسرت أم علي وأسرتها منزلا ومطعما دمرتهما قوات الاحتلال في بلدتهم، وتقول إن النزوح استنزف مدخراتهم ويقيمون حاليا في صف داخل مدرسة يشاركهم فيه أقارب آخرون، وتتخوف من آثار الشتاء على صحة أبنائها مع البرد والأمراض المعدية.
وفي ظل أزمة غاز طهي حادة، تعتمد هذه العائلة على نار الحطب وتضطر لشراء الرطل منه بـ15 شيكلا (نحو 4 دولارات)، وهو شحيح للغاية وتوفيره ليس سهلا.
وجراء ذلك، تقضي الطفلة ملك نضال (13 عاما) ساعات طويلة يوميا تتنقل بين الشوارع والأزقة والمباني المدمرة لتعبئة أكياس بكل شيء يمكن أن تستخدمه والدتها لإشعال نيران فرن على الطين. وهي الأكبر بين أخوتها في أسرة من 7 أفراد، ووالدها مبتور الساق من الحرب الإسرائيلية السابقة على غزة عام 2021 التي أفقدته عمله، وتقول إنها مضطرة للعمل لتوفير الطعام لعائلتها.
وبحسب الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني، فإن الحرب حرمت نحو 650 ألفا، أكثر من 50% منهم من الفتيات، من التعليم الأساسي وشردتهم عن مقاعد الدراسة، وأجبرت الكثير منهم على أعمال شاقة للمساهمة في إعالة أسرهم.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الجامعات إنتاج الفحم خان یونس
إقرأ أيضاً:
6 أسئلة عن هدنة الـ60 يوما المسربة بغزة ومواقف الأطراف منها
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس الثلاثاء، أن إسرائيل وافقت على "الشروط اللازمة لإتمام" وقف إطلاق نار لمدة 60 يوما في غزة، تُبذل خلاله جهود لإنهاء الحرب، وقال إن "القطريين والمصريين، الذين عملوا بجد لإحلال السلام، سيقدمون هذا الاقتراح النهائي"، فما الذي تعنيه هذه الهدنة وما موقف الأطراف المعنية منها ودور الوسطاء فيها؟
ماذا تعني هدنة 60 يوما بالنظر للتجارب السابقة؟منذ بدء حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عُقدت هدنتان أو اتفاقيتان لوقف إطلاق النار بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، تم فيهما تبادل عدد من الأسرى الأحياء من الطرفين إلى جانب تبادل جثامين شهداء مع جثث محتجزين إسرائيليين.
فأما الهدنة الأولى فلم تستمر سوى 7 أيام وكانت في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، في حين استمرت الهدنة الثانية 42 يوما، إذ بدأت يوم 19 يناير/كانون الثاني 2025 وانتهت في الأول من مارس/آذار الماضي، عندما استأنفت إسرائيل حرب الإبادة على القطاع المحاصر والمجوع.
وفي كلا الاتفاقين كانت إسرائيل الطرف الذي يتنصل من الاتفاق ويستأنف عملياته العسكرية بشكل أكثر ضراوة من قبل.
وهدنة الـ60 يوما التي أعلن عنها ترامب تُعد غير مسبوقة من حيث الطول، مما يعكس رغبة دولية في خلق مساحة زمنية كافية للتوصل إلى اتفاق دائم، لكنها أيضا تضع تحديات كبيرة أمام الأطراف، خاصة في ظل ما تراكم من انعدام الثقة نتيجة عدم جدية إسرائيل -بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المطلوب للجنائية الدولية- في إنهاء الحرب إنهاء تاما، في مسعى منه لخدمة لمصالح سياسية وشخصية.
ما موقف حركة حماس؟حتى الآن، لم تصدر حركة حماس موقفا رسميا نهائيا بشأن المقترح، لكن الحركة أكدت مرارا استعدادها للنظر في أي اتفاق يتضمن وقفا شاملا للحرب، وإفراجا متبادلا للأسرى، إلى جانب انسحاب الاحتلال من القطاع مع ضمانات دولية بعدم استئناف العدوان.
إعلانوقد دعا الرئيس الأميركي حماس إلى قبول المقترح، محذرا من أن "الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا"، على حد تعبيره. علما أن جميع القطاع مدمر تقريبا، بما في ذلك معظم مستشفياته ومراكزه الصحية، كما نزح معظم سكان القطاع البالغ عددهم 2.4 مليون نسمة أكثر من مرة شمالا وجنوبا، ويعيشون حاليا حرب إبادة في ظل حصار قاتل وتجويع متعمد.
ما موقف إسرائيل؟رغم عدم صدور موقف رسمي واضح من نتنياهو بهذا الشأن، فإن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر أكد أن إسرائيل وافقت على المقترح الأميركي، مشيرا إلى أن "أغلبية كبيرة في الحكومة والشعب تؤيد خطة إطلاق سراح الأسرى ويجب عدم تفويت الفرصة"، لكنه حمّل حماس مسؤولية استمرار الحرب، مشددا على أن إسرائيل لن تنهي الحرب إلا بعد نزع سلاح الحركة وتفكيكها.
كما قال موقع أكسيوس إن وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر أبلغ المبعوث الأميركي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف خلال اجتماعهما بأن إسرائيل تقبل المقترح القطري.
ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن مصادر مطلعة على المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس دون أن تسمها، أن هناك احتمالا كبيرا للتوصل إلى صفقة، لكن لا تزال هناك خلافات بين الطرفين. وأضافت المصادر أن من أبرز هذه الخلافات شروط إنهاء الحرب ومدى انسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة.
كما ذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية -نقلا عن مسؤولين إسرائيليين- أن حكومة نتنياهو مستعدة للنظر في صِيَغ لم تكن مستعدة لقبولها في السابق، خاصة في ما يتعلق بتقديم ضمانات بأن بدء الصفقة سيؤدي إلى إنهاء الحرب.
من جهة أخرى، نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مسؤول إسرائيلي أنه "إذا لم يكن هناك تحرك نحو صفقة، فلن يكون لدينا خيار آخر وسيتحول كل شيء في غزة إلى رماد"، مهددا بأنه في حال عدم التوصل إلى صفقة فسيفعلون بمدينة غزة ومخيمات المنطقة الوسطى ما فعلوه برفح.
وحسب ما نقلته القناة الـ12 الإسرائيلية، فإن نتنياهو طلب من ترامب ضمانات واضحة بأن الولايات المتحدة ستدعم استئناف الحرب على غزة إذا لم يتم نزع سلاح حركة حماس خلال فترة الهدنة المقترحة التي تمتد لـ60 يوما. لكن ترامب، وفقا للتقارير، لم يمنح نتنياهو ردا واضحا بهذا الشأن.
ما دور الولايات المتحدة؟عادت الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس ترامب، بقوة إلى ساحة الوساطة، بعد فترة من التراجع في التأثير. وإعلان ترامب أن إسرائيل وافقت على الشروط، وتأكيده أن قطر ومصر ستقدمان المقترح النهائي، يعكس رغبة أميركية في لعب دور الوسيط الفعّال، خصوصا في ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة .
وقد أشار ترامب إلى اجتماعات "طويلة ومثمرة" بين ممثليه ومسؤولين إسرائيليين، مما يعكس جدية واشنطن في الدفع نحو اتفاق شامل، وعبّر عن أمله بأن تقبل حماس بهذا الاتفاق "لأن الوضع لن يتحسن، بل سيزداد سوءا"، على حد تعبيره.
كما صرح ترامب بأنه سيكون "حازما" مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة، وقال "أعتقد أننا سنتوصل لاتفاق بشأن إنهاء الحرب الأسبوع المقبل".
وقبل أيام نقلت مجلة نيوزويك -عن مصدر مطلع على المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة- أن ترامب غير مهتم بهدنة مؤقتة ويسعى إلى إطلاق سراح جميع المحتجزين الإسرائيليين في غزة ووقف دائم لإطلاق النار، مما يؤدي لمفاوضات حول مستقبل اتفاقية السلام الإسرائيلية الفلسطينية.
إعلان ما دور الوسطاء: قطر ومصر؟قطر ومصر لعبتا دورا محوريا في صياغة المقترح، بحسب تصريحات ترامب، الذي أشاد بجهودهما في "إحلال السلام".
وسبق لقطر ومصر أن لعبتا دورا محوريا في التوسط في اتفاقات وقف إطلاق نار سابقة، لكن هذه المرة يبدو أن هناك ضغوطا وضمانات دولية أكبر، خاصة من واشنطن، لضمان تنفيذ الاتفاق.
وفي حين لم تُكشف تفاصيل الضمانات بعد، لكن مقارنة بالهدن السابقة، فإن إشراك الولايات المتحدة مباشرة قد يمنح الاتفاق ثقلا إضافيا.
لكن من ناحية أخرى فإن المتحدث باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري نفى -أول أمس الاثنين- وجود أي محادثات بشأن قطاع غزة، مشيرا في الوقت ذاته إلى استمرار الاتصالات للوصول إلى صيغة للعودة إلى المفاوضات.
وأشار إلى أن هناك نيات أميركية جدية للدفع باتجاه عودة المفاوضات بشأن غزة، لكن هناك تعقيدات -لم يوضحها- لافتا إلى أن ثمة لغة إيجابية من واشنطن بشأن الوصول لاتفاق في غزة.
ما عدد الأسرى من الجانبين وهل يشمل الاتفاق تفاهمات للإفراج عنهم؟تُقدر تل أبيب وجود 50 أسيرا إسرائيليا في غزة، منهم 20 أحياء، بينما يقبع في سجونها أكثر من 10 آلاف و400 فلسطيني يعانون من التعذيب والتجويع والإهمال الطبي، مما أودى بحياة عديد منهم، حسب تقارير حقوقية وإعلامية فلسطينية وإسرائيلية.
وقد ذكرت هيئة الإذاعة الإسرائيلية -أمس الثلاثاء- أن الرئيس ترامب يسعى للتقدم نحو صفقة كبرى تشمل إنهاء الحرب في غزة، والإفراج عن المحتجزين، دون الإشارة إلى أي تفاصيل.
وكانت حماس أعلنت استعدادها للإفراج عن جميع المحتجزين المتبقين في غزة ضمن الشروط التي أكدتها مرارا، في حين تصر إسرائيل على أن إنهاء الحرب مشروط بتفكيك حماس.
ويعكس هذا التباين صعوبة التوصل إلى تفاهم شامل، لكن إدراج ملف الأسرى في صلب المقترح قد يفتح نافذة للتفاوض الجاد.