سودانايل:
2025-07-06@13:59:14 GMT

في رحيل الشاعر الكبير محمد خير الخولاني

تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT

بدايات تسعينيات القرن المنصرم كنت حضور لمسامرة شعرية، نجمها الشاعر المرهف – حبيب أروى – محمد خير الخولاني، بمركز الشباب – نيالا، كانت المرة الأولى والأخيرة للقائي بشخصه الودود، يمتاز الخولاني بحسه الشاعري الدفّاق، وهدوئه الأدبي الوقور، لقد امتلك موهبة فريدة ولونية مختلفة في فن الالقاء الشعري، حينما ألقى على مسامعنا قصيدة مطلعها (أرخي السمع يا زول)، التي شدا بها العملاق عمر إحساس لاحقاً، استطاع الخولاني تطويع المفردة البدوية وصهرها في قالب الشعر الغنائي الحديث، وتمكّن من شق طريق محفوف بالمخاطر من أجل ولوج العمق السوداني، فأدت قصائده لحناً غنائياً باذخاً المطربة نانسي عجاج، ونال شعره رضا واستحسان صاحب المدرسة الغنائية التي ألهمت "الحوت" – الهادي الجبل، وشعر محمد خير يمكن وصفه بالسهل الممتنع، لبساطة المفردة وسلاسة التعبير وشمول التناول، هذا مع عبقريته الفذّة في تطويع الملمح الشعري البدوي، ليواكب النزعة الشبابية المتمردة على التقليدي من الشعر العامي السوداني، في خواتيم القرن الأخير بالألفية الثانية، فحجز لنفسه مقعداً متقدماً مع العظماء والجهابذة من أساطين شعراء الأغنية السودانية، وهو في ذلك الوقت ما يزال يافعاً صغيراً مقارنة بمن لمع نجمهم آنذاك، فمحمد خير الخولاني ولد ليكون شاعراً ولو لم يكن شاعراً لكان شاعراً، فهو يجبرك على الاذعان لشاعريته متى ما القيت السمع وأنت شهيد أمام منبره ومحرابه، ومن أبرز سماته الشخصية وجهه الحيي الذي يكاد الناظر إليه يعتقد في أنه لا يقوى على مواجهة الجمهور من شدة الخجل، لكنه يبهرك بروحه الآسرة وهو يتلو آيات من شعره بابتسامة خفيضة، أصبحت بصمته الفريدة ووسمه الرشيق.


محمد خير من المبدعين غير القابلين للعيش خارج أرض الوطن – وخاصة الوطن الصغير (نيالا)، فلولا كارثة الحرب الملعونة لما غادر وطنه ولما ترك مدينته الوارفة، التي أحال نضرتها وجمالها المهووسون إلى يباس ودمار، وهو من المعادن الثمينة والنادرة للأشخاص الخادمين لمجتمعاتهم بحب وإخلاص وتفاني، فقد بذل طاقة جبارة لرفد الأجيال المعاصرة بعصارة ما انتجه عقله الوقاد من فكر، وضميره المتقد دوماً بحرارة من وفاء لمجتمعه ومدينته الجميلة، فهو كحيتان البحر لا تحيا إلّا في أعماق أعالي البحار، ولاستشعاري لرهافة حسه منذ الوهلة الأولى، أكاد أجزم أن الموت قد دق باب داره منذ اليوم الأول الذي غادر فيه الدار، فأمثال الخولاني لا تقوى أرواحهم على مغالبة أشجان الغربة، لذا كان لقاءً حتمياً مع القدر أن ترتقي روحه الشفيفة إلى السماوات العلى من أرض ليست بأرضه – الزنتان بليبيا، إنّه قدر المبدعين من الشعراء والأدباء والمطربين والمسرحيين والعازفين، فكم من عدد كبير من هذه الشريحة قد فارق الحياة انفطاراً للقلب وفشلاً للكلي وارتفاعاً لضغط الدم ومستويات السكر والكلسترول، فالقتلة في الحروب لا يقتلون بالرصاص وحده، فهنالك قتلة صامتون أيضاً، يستهدفون ضعيف القلب وشفيف النفس والحالم بدنيا سعيدة ووطن فسيح، فضعاف القلوب هؤلاء كثيرون التقيناهم في الشتات بعد الحرب اللعينة، آخرهم طبيب بيطري لعبت الصدفة دوراً في معرفتي به، بينما كان واقفاً بجنب صف السيارات في إحدى المراكز التجارية، كان يتصبب عرقاً في مساء بارد، يبحث عن فضل ظهر يطوي به المسافة بين المركز التجاري ومنزله الذي يبعد بضعة عشرات من الأمتار، سألته ما بك تتعرق والفصل شتاء؟، فكان الرد الحزين: إنّي مصاب بداء القلب، ما السبب؟ رد قائلاً: إنّها الحرب، قبلها كنت كالحصان، لقد منعني الطبيب مشاهدة الفيديوهات القادمة من ميادين الموت.
رحم الله محمد خير، فهو حقاً كان خيراً لأسرته الصغيرة ومجتمعه العريض ولمحبيه وتلامذته، كان نسمة في هجير شمس السودان الحارقة، ومتنفساً لشعب كابد حياة الظلم والاضطهاد والبطش المهووس، ناضل من أجل الطيبين مثل طيبته، فلم يلن عوده ولم ينكسر قلمه، رغم بؤس الحال وقلة المال وحسرة المآل، لا أدري من سيجد جيل السلام – بعد الحرب – من شعراء جميلين أمثال الخولاني، اذا كنا نفقد هرم من أهرامات الفكر والأدب صباح وظهيرة ومساء كل يوم جديد، لقد قضت هذه الكارثة الكونية على عدد مقدر من الجميلين الذين صبغوا وجدان الشعب الكريم بلون الابتهاجات والمسرات، ولا نعلم من سيكون القادم من المودّعين الراحلين من أهل الفن والإبداع، التاركين شعبهم يعاني الحياة والموت معاً؟، إنّ الرحيل المتتالي والمتلاحق للمبدعين يدل على أن الحرب ما تزال على أشدها مع الأسف، وأن مغادرة المرهفين يعني أن مشوار السلام وإيقاف الحرب ما يزال طويلاً وشاقاً، فحمائم السلام من أمثال الخولاني لن تموت لو كان هنالك بصيص من أمل، ولن تعلن عن الخروج النهائي بلا عودة من الحياة، لو أن هنالك ضوءاً في آخر نفق الطريق المؤدي لرفع رايات السلام البيضاء، ليس تشاؤماً، لكن أرضاً غادرها محمد خير لابد أن ينعق فيها البوم ويعلن فيها الحداد إلى أجل غير مسمى، رحمك الله أخي الخولاني وأسكنك فسيح جناته.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: محمد خیر

إقرأ أيضاً:

إيكونوميست: لماذا لم تغير الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الشرق الأوسط

نشرت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، تقريرا، قالت فيه إنّ: "صفقات السلام تبدو مراوغة وأنّ دول الخليج تخشى من الحرب التي لم تنته بعد؛ وإنّ الضربة الأمريكية الوحيدة ضد المفاعلات النووية الإيرانية، الشهر الماضي اكتسبت أهمية استثنائية". 

وبحسب التقرير الذي ترجمته "عربي21" فإنّ: "المؤيدون والمعارضون على حد سواء، اعتقدوا أنها ستترك عواقب وخيمة. بينما خشي المنتقدون من أن تجر الشرق الأوسط إلى حرب أوسع".

واستطرد: "لكن هذا السيناريو المروع لم يتحقق، على الأقل حتى الآن، فقد اكتفت إيران برد رمزي ضد أمريكا وبعد ذلك بوقت قصير، أنهى وقف إطلاق النار القتال بين إيران وإسرائيل".

وأوضح: "بعد انتهاء حرب الـ 12 يوما ، يتحدث مؤيدو الضربة الآن عن تحول في المنطقة. ويعتقد ترامب أنه قادر على إيجاد موقعين جدد للانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم لعام 2020، التي طبعت بموجبها أربع دول عربية علاقاتها مع إسرائيل".

وفي السياق نفسه، بيّن التقرير أنّ: "الرئيس قد تحدّث مع قناة فوكس نيوز في 29 حزيران/ يونيو، بالقول: أعتقد أننا سنبدأ في حشد الدعم، لأن إيران كانت المشكلة الرئيسية"، مردفا: "أطلق نتنياهو نفس التصريحات زاعما  أن "انتصار" إسرائيل ضد إيران فتح فرصة دراماتيكية لتوسيع اتفاقيات السلام". 

واسترسل: "يكمن الخوف في أن الحرب لم تكن تحولية، بل كانت مجرد حرب غير حاسمة. وهذا لا يعني أن حديث ترامب عن اتفاقيات سلام موسعة ضرب من الخيال. يبدو من المحتمل أن يوقع أحمد الشرع، الرئيس السوري المؤقت، اتفاقية مع إسرائيل في الأشهر المقبلة". 

"يريد الشرع وضع حد للهجمات الإسرائيلية على بلاده، وهو أمر متكرر منذ سقوط بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر. كما يريد تعزيز مكانته في الغرب" أضاف التقرير نفسه، مردفا: "بالمقابل فالوضع أكثر تعقيدا في لبنان المجاور، حيث خاض حزب الله، حربا ضد إسرائيل العام الماضي. كما أصبح توم باراك، السفير الأمريكي لدى تركيا، مبعوث ترامب في بلاد الشام". 


واستدرك: "في الشهر الماضي، أعطى الحكومة اللبنانية موعدا نهائيا: تريد أمريكا من حزب الله تسليم أسلحته بحلول تشرين الثاني/ نوفمبر (بعد عام من وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب). وحتى يفعل ذلك، لن يتبرع أحد بالمليارات لإعادة الإعمار بعد الحرب". 

وتابع: "حتى لو نزع سلاحه، سيظل له رأي في السياسة اللبنانية. وسيعارض التطبيع مع إسرائيل، كما يفعل كثير من اللبنانيين الآخرين. لذا، قد لا تكون معاهدة السلام وشيكة".

وأورد: "إلا أن السعودية، التي حاربت الحوثيين في الماضي، تشعر بالقلق من تجدد الحرب التي قد تؤدي إلى ضربات صاروخية جديدة على أراضيها. ففقدان الدعم الإيراني سيكون بمثابة ضربة للحوثيين، لكن لا يزال لدى الجماعة عشرات الآلاف من المقاتلين ومصادر دخل ثابتة".

وأردف: "لا يبدو أن إيران مهتمة بتقديم تنازلات: ففي الثاني من تموز/ يوليو، أمر رئيسها، مسعود بيزشكيان، إيران بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتستنتج إيران أن ردع إسرائيل وأمريكا يتطلب صواريخ باليستية أكثر دقة، بدرجة تضاعف جهودها في بنائها".


وأضاف: "من الصعب ردع الخصوم البعيدين بالصواريخ. وفي محادثات الشهر الماضي، ذكر العديد من الدبلوماسيين في الخليج مثال كوريا الشمالية. فقد حمت سلالة كيم نفسها من الهجوم الأمريكي بتوجيه الكثير من قطع المدفعية والصواريخ قصيرة المدى نحو سيول، عاصمة كوريا الجنوبية". 

ومضى بالقول إنّ: "مع ذلك، يصر هؤلاء المسؤولون أنفسهم الآن على أن حربا قصيرة مع إيران مهدت الطريق للسلام الإقليمي - بغض النظر عن جميع العقبات السياسية والعسكرية التي لا تزال قائمة".

مقالات مشابهة

  • ترامب وسلام القوة!
  • كريم حسن شحاتة يكشف مفاجأة في رحيل ثلاثي الأهلي |تفاصيل
  • الزمالك يرفض رحيل محمد صبحي عن صفوفه
  • إيكونوميست: لماذا لم تغير الحرب الإسرائيلية- الإيرانية الشرق الأوسط
  • مبروك لنجمنا الكبير.. إلهام شاهين تنشر صورا من زفاف حفيد عادل إمام
  • الأهلي يكشف حقيقة رحيل الشحات وأفشة عن الفريق
  • 4 يوليو.. ذكرى وفاة الشاعر السوداني الكبير محمد طه القدال
  • احتفاء بمسيرة وبصمة لا تنسى .. تأبين محمد السيد إسماعيل في مسقط رأسه
  • هل اقتربت لحظة السلام في المنطقة؟
  • ظلال الإبادة في غزة تثير جدلا بشأن دور أميركا في صناعة السلام بأفريقيا