الإخوان والطوفان.. تآمر الحكام وانتقادات الأنصار
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
في كتابه "الحرب" الذي صدر مؤخرا نقل الصحفي الأمريكي الشهير بوب وودوارد تعليقات لبعض قادة المنطقة أبلغوها لنتنياهو أو لمسئولين أمريكيين؛ حول ضرورة مسارعة الكيان الصهيوني بالتخلص من حركة حماس، باعتبارها جزءا من تنظيم الإخوان المسلمين الذي يقودون هم أيضا حربا شعواء ضده، أي أنهم يتشاركون مع الكيان في مواجهة عدو واحد، وأن من مصلحتهم التي لا يستطيعون التعبير عنها علنا؛ التخلص من حماس كلها وليس فقط كتائبها العسكرية، في الوقت الذي يواصلون هم معركتهم مع الإخوان في بلدانهم.
ما ورد في كتاب الحرب يتطابق مع شهادة مستشار معهد واشنطن، والمبعوث الأمريكي الخاص السابق إلى الشرق الأوسط، دينيس روس، والذي كتب في التاسع والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مقالا في نيويورك تايمز أكد فيه أن إسرائيل ليست الوحيدة التي تعتقد أن عليها هزيمة حماس، بل إن مسئولين عربا في أنحاء مختلفة من المنطقة يعرفهم منذ فترة طويلة، أكدوا له خلال الأسبوعين التاليين للطوفان إنه لا بد من تدمير حماس في غزة، لأن انتصارها من وجهة نظرهم سيضفي الشرعية على أيديولوجية الرفض التي تتبناها الجماعة، ويعطي نفوذا وزخما لإيران والمتعاونين معها، ويضع حكوماتهم في موقف دفاعي.
المواقف العملية لأولئك القادة هي خير دليل على رغبتهم في القضاء على حماس والمقاومة حتى لو ادعوا إعلاميا خلاف ذلك، ولم يعد خافيا مشاركتهم في حصار المقاومة وحاضنتها الشعبية في غزة، بقبولهم المشاركة في حصار القطاع وتجويعه، لدفعه للانتفاض ضد المقاومة
وشرح بأن أولئك الزعماء العرب الذين تحدثوا إليه صرحوا له بموقفهم "على انفراد" بينما مواقفهم العلنية على خلاف ذلك، لأنهم يدركون أنه مع استمرار انتقام إسرائيل وتزايد الخسائر والمعاناة الفلسطينية، فإن مواطنيهم سوف يغضبون، مؤكدا أن أولئك الزعماء يدافعون عن الفلسطينيين خطابيا فقط.
المواقف العملية لأولئك القادة هي خير دليل على رغبتهم في القضاء على حماس والمقاومة حتى لو ادعوا إعلاميا خلاف ذلك، ولم يعد خافيا مشاركتهم في حصار المقاومة وحاضنتها الشعبية في غزة، بقبولهم المشاركة في حصار القطاع وتجويعه، لدفعه للانتفاض ضد المقاومة، وسعيهم لإثارة الفتن داخل القطاع، ومحاولة صناعة طابور خامس من العملاء، بل إرسال جواسيس من خارج القطاع تحت ستار المعونات الغذائية، والذين كشفت المقاومة بعضهم، وقضت عليهم، وغنمت ما لديهم من سلاح.
حديث وودوارد أو دينيس روس عن الإخوان في هذه المعركة لا يستهدف الإشادة بهم، بل إشراكهم في تحمل المسئولية عن الطوفان، ومحاولة لدفع القوى الغربية المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وهو الهدف الذي سعت له بعض الحكومات العربية من قبل، لكنها فشلت في تحقيقه رغم ما قدمته من مليارات إلى لندن وواشنطن، وهي تعيد الكرّة بعد طوفان الأقصى لعلها تنجح في مسعاها هذه المرة، وتزيل هذا الخطر الذي يهدد حكمها.
في الأول من أيار/ مايو 2017 أعلنت حركة حماس في مؤتمرها العام وثيقتها السياسية الجديدة، والتي صيغت بطريقة أكثر إحكاما، وبما يناسب تطور دور الحركة في النضال الفلسطيني، وقد هلل الكثيرون لما وصفوه بانفصال حماس عن جماعة الإخوان عبر تلك الوثيقة.
إشراكهم في تحمل المسئولية عن الطوفان، ومحاولة لدفع القوى الغربية المهيمنة وعلى رأسها الولايات المتحدة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية، وهو الهدف الذي سعت له بعض الحكومات العربية من قبل، لكنها فشلت في تحقيقه رغم ما قدمته من مليارات إلى لندن وواشنطن، وهي تعيد الكرّة بعد طوفان الأقصى لعلها تنجح في مسعاها هذه المرة، وتزيل هذا الخطر الذي يهدد حكمها
الحقيقة أن الوثيقة لم تتضمن نصا صريحا على ذلك، هي فقط قدمت تعريفا محكما لنفسها في المادة الأولى لم تأت فيه على ذكر الإخوان كما كان الأمر في وثيقتها السابقة، وتضمن التعريف الجديد أن "حركة المقاومة الإسلامية "حماس" هي حركة تحرّر ومقاومة وطنية فلسطينية إسلامية، هدفها تحرير فلسطين ومواجهة المشروع الصهيوني، مرجعيَّتها الإسلام في منطلقاتها وأهدافها ووسائلها".
بالطبع، فإن حذف النصوص التي تضمنت ذكر الإخوان في وثيقتها التأسيسية السابقة يعني ضمنا استقلالا تنظيميا، ولكنه أيضا يتسق مع الموقف العام للحركة التي أكدت في المادة 32 على ضرورة استقلالية القرار الوطني الفلسطيني، وعدم ارتهانه لجهات خارجية، وبالتالي فليس من المعقول أن تطالب الحركة غيرها بما لا تلزم به نفسها!
على كل حال لا يمكن لعاقل أن يتصور انسلاخ حماس من انتمائها الإخواني، وهذا ما يفهمه جيدا أعداؤها، وهنا يأتي السؤال عما قدمه الإخوان لها خلال معركة طوفان الأقصى، وهنا أيضا تظهر الانتقادات وخاصة من أنصار الجماعة حول تقصيرها في دعم المقاومة على غير المعتاد منها تاريخيا.
ليس خافيا أن جماعة الإخوان منذ تأسيسها اعتبرت القضية الفلسطينية قضية مركزية، وأسست ضمن هيكلها لجنة فلسطين التي لا تزال قائمة حتى الآن.
وليس خافيا دور كتائب الإخوان في حرب 1948، وليس خافيا الدور الكبير الذي قامت به الجماعة سواء بشكل مباشر، أو عبر أذرعها في النقابات المهنية ومؤسسات المجتمع المدني المختلفة في كل مراحل النضال الفلسطيني السابقة، خاصة عقب الانتفاضة الأولى والثانية، وفي الاجتياحات المتكررة لغزة.. وليس خافيا دور الرئيس الشهيد محمد مرسي في وقف العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2012.
كل ذلك هو الآن تاريخ، بينما الواقع مختلف، فبخلاف بيانات الدعم والمساندة، وبعض التبرعات التي تم جمعها لإسناد المقاومة، وبعض المظاهرات التي رتبها أو شارك فيها الإخوان في بعض الدول العربية والغربية، فإن غزة لا تزال تنتظر دورا أكبر للإخوان، الذين سيكونون الهدف التالي، خاصة بعد تولي ترامب الحكم في واشنطن بما له من علاقة طيبة مع الحلف العربي المناهض للإخوان، وبما له من محاولة سابقة لتصنيف الإخوان جماعة إرهابية لم يكتب لها النجاح، وقد يغريه أصدقاؤه في المنطقة لمعاودة المحاولة..
الجولة الحالية للحرب ليست الأخيرة في مسيرة تحرير فلسطين، لكنها أصعب وأطول الجولات منذ النكبة، كما أنها لا ولن تتوقف عند حماس أو فلسطين، بل ستطال دولا وأطرافا أخرى في مقدمتها الإخوان أنفسهم كما ذكرنا، وبالتالي فإنها تحتاج إلى مواجهة واسعة وممتدة، وتستدعي نفيرا عاما، والتحرك العملي لمقاومة المشروع الصهيوني بكل مساراته، ومعه مشروع الهيمنة الغربي عموما في كل مكان، وليس في فلسطين وحدها، ومحاصرة الحضور الصهيوني واللوبيات الداعمة له في كل مكان. وفي هذا الإطار فإن من المهم تصعيد معركة مقاطعة داعمي العدوان، وتصعيد مواجهة كل أشكال التطبيع مع الصهاينة، ويستطيع الإخوان أن يقودوا تحركا شعبيا عاما في هذه المسارات، فرغم ما يمرون به إلا أنهم لا زالوا يمتلكون تأثيرا معنويا، وقدرة على حشد بقية القوى الشعبية في عموم العالم الإسلامي، وما تأخر من بدأ.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه حماس الإخوان غزة العرب امريكا حماس غزة العرب الإخوان مقالات مقالات مقالات رياضة سياسة سياسة سياسة تفاعلي مقالات رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الإخوان فی فی حصار
إقرأ أيضاً:
ما هو “مشروع إستير” الخطير الذي تبناه ترامب؟ وما علاقته بحماس؟
#سواليف
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، بعد مرور عام كامل على #الإبادة_الجماعية التي تنفذها #إسرائيل في قطاع #غزة بدعم من الولايات المتحدة، والتي أودت بحياة أكثر من 53.000 فلسطيني، أصدرت مؤسسة “هيريتيج فاونديشن” (Heritage Foundation) ومقرها #واشنطن، ورقة سياسية بعنوان ” #مشروع_إستير: إستراتيجية وطنية لمكافحة معاداة السامية”.
هذه المؤسّسة الفكرية المحافظة هي الجهة ذاتها التي تقف خلف “مشروع 2025″، وهو خُطة لإحكام السلطة التنفيذية في الولايات المتحدة، ولبناء ما قد يكون أكثر نماذج الديستوبيا اليمينية تطرفًا على الإطلاق.
أما “الإستراتيجية الوطنية” التي يقترحها “مشروع إستير” المسمى نسبةً إلى الملكة التوراتية التي يُنسب إليها إنقاذ اليهود من الإبادة في فارس القديمة، فهي في جوهرها تتلخص في تجريم المعارضة للإبادة الجماعية الحالية التي تنفذها إسرائيل، والقضاء على حرية التعبير والتفكير، إلى جانب العديد من الحقوق الأخرى.
مقالات ذات صلة انفجار الأزمة بين الجيش وحكومة نتنياهو 2025/05/20أوّل “خلاصة رئيسية” وردت في التقرير تنصّ على أن “الحركة المؤيدة لفلسطين في #أميركا، والتي تتسم بالعداء الشديد لإسرائيل والصهيونية والولايات المتحدة، هي جزء من شبكة دعم عالمية لحماس (HSN)”.
ولا يهم أن هذه “الشبكة العالمية لدعم حماس” لا وجود لها فعليًا – تمامًا كما لا وجود لما يُسمى بـ”المنظمات الداعمة لحماس” (HSOs) التي زعمت المؤسسة وجودها. ومن بين تلك “المنظّمات” المزعومة منظمات يهودية أميركية بارزة مثل “صوت اليهود من أجل السلام” (Jewish Voice for Peace).
أما “الخلاصة الرئيسية” الثانية في التقرير فتدّعي أن هذه الشبكة “تتلقى الدعم من نشطاء وممولين ملتزمين بتدمير الرأسمالية والديمقراطية”- وهي مفارقة لغوية لافتة، بالنظر إلى أن هذه المؤسسة نفسها تسعى في الواقع إلى تقويض ما تبقى من ديمقراطية في الولايات المتحدة.
عبارة “الرأسمالية والديمقراطية”، تتكرر ما لا يقل عن خمس مرات في التقرير، رغم أنه ليس واضحًا تمامًا ما علاقة حركة حماس بالرأسمالية، باستثناء أنها تحكم منطقة فلسطينية خضعت لما يزيد عن 19 شهرًا للتدمير العسكري الممول أميركيًا. ومن منظور صناعة الأسلحة، فإن الإبادة الجماعية تمثل أبهى تجليات الرأسماليّة.
وبحسب منطق “مشروع إستير” القائم على الإبادة، فإنّ الاحتجاج على المذبحة الجماعية للفلسطينيين، يُعد معاداة للسامية، ومن هنا جاءت الدعوة إلى تنفيذ الإستراتيجية الوطنية المقترحة التي تهدف إلى “اقتلاع تأثير شبكة دعم حماس من مجتمعنا”.
نُشر تقرير مؤسسة “هيريتيج” في أكتوبر/ تشرين الأول، في عهد إدارة الرئيس جو بايدن، والتي وصفتها المؤسسة بأنها “معادية لإسرائيل بشكل واضح”، رغم تورّطها الكامل والفاضح في الإبادة الجارية في غزة. وقد تضمّن التقرير عددًا كبيرًا من المقترحات لـ”مكافحة آفة معاداة السامية في الولايات المتحدة، عندما تكون الإدارة المتعاونة في البيت الأبيض”.
وبعد سبعة أشهر، تُظهر تحليلات نشرتها صحيفة “نيويورك تايمز” أن إدارة الرئيس دونالد ترامب -منذ تنصيبه في يناير/ كانون الثاني- تبنّت سياسات تعكس أكثر من نصف مقترحات “مشروع إستير”. من بينها التهديد بحرمان الجامعات الأميركية من تمويل فدرالي ضخم في حال رفضت قمع المقاومة لعمليات الإبادة، بالإضافة إلى مساعٍ لترحيل المقيمين الشرعيين في الولايات المتحدة فقط لأنهم عبّروا عن تضامنهم مع الفلسطينيين.
علاوة على اتهام الجامعات الأميركية بأنها مخترقة من قبل “شبكة دعم حماس”، وبترويج “خطابات مناهضة للصهيونية في الجامعات والمدارس الثانوية والابتدائية، غالبًا تحت مظلة أو من خلال مفاهيم مثل التنوع والعدالة والشمول (DEI) وأيديولوجيات ماركسية مشابهة”، يدّعي مؤلفو “مشروع إستير” أن هذه الشبكة والمنظمات التابعة لها “أتقنت استخدام البيئة الإعلامية الليبرالية في أميركا، وهي بارعة في لفت الانتباه إلى أي تظاهرة، مهما كانت صغيرة، على مستوى جميع الشبكات الإعلامية في البلاد”.
ليس هذا كل شيء: “فشبكة دعم حماس والمنظمات التابعة لها قامت باستخدام واسع وغير خاضع للرقابة لمنصات التواصل الاجتماعي مثل تيك توك، ضمن البيئة الرقمية الكاملة، لبث دعاية معادية للسامية”، وفقاً لما ورد في التقرير.
وفي هذا السياق، تقدم الورقة السياسية مجموعة كبيرة من التوصيات لكيفية القضاء على الحركة المؤيدة لفلسطين داخل الولايات المتحدة، وكذلك على المواقف الإنسانية والأخلاقية عمومًا: من تطهير المؤسسات التعليمية من الموظفين الداعمين لما يسمى بمنظمات دعم حماس، إلى تخويف المحتجين المحتملين من الانتماء إليها، وصولًا إلى حظر “المحتوى المعادي للسامية” على وسائل التواصل، والذي يعني في قاموس مؤسسة “هيريتيج” ببساطة المحتوى المناهض للإبادة الجماعية.
ومع كل هذه الضجة التي أثارها “مشروع إستير” حول التهديد الوجودي المزعوم الذي تمثله شبكة دعم حماس، تبين – وفقًا لمقال نُشر في ديسمبر/ كانون الأول في صحيفة The Forward- أنَّ “أيَّ منظمات يهودية كبرى لم تُشارك في صياغة المشروع، أو أن أيًّا منها أيدته علنًا منذ صدوره”.
وقد ذكرت الصحيفة، التي تستهدف اليهود الأميركيين، أن مؤسسة “هيريتيج” “كافحت للحصول على دعم اليهود لخطة مكافحة معاداة السامية، والتي يبدو أنها صيغت من قبل عدة مجموعات إنجيلية مسيحية”، وأن “مشروع إستير” يركز حصريًا على منتقدي إسرائيل من اليسار، متجاهلًا تمامًا مشكلة معاداة السامية الحقيقية القادمة من جماعات تفوّق البيض والتيارات اليمينية المتطرفة.
وفي الوقت نفسه، حذر قادة يهود أميركيون بارزون -في رسالة مفتوحة نُشرت هذا الشهر- من أن “عددًا من الجهات” في الولايات المتحدة “يستخدمون الادعاء بحماية اليهود ذريعةً لتقويض التعليم العالي، والإجراءات القضائية، والفصل بين السلطات، وحرية التعبير والصحافة”.
وإذا كانت إدارة ترامب تبدو اليوم وكأنها تتبنى “مشروع إستير” وتدفعه قدمًا، فإن ذلك ليس بدافع القلق الحقيقي من معاداة السامية، بل في إطار خطة قومية مسيحية بيضاء تستخدم الصهيونية واتهامات معاداة السامية لتحقيق أهداف متطرفة خاصة بها. ولسوء الحظ، فإن هذا المشروع ليس إلا بداية لمخطط أكثر تعقيدًا.